|
كي لا يَنحرف طريق نضال الجماهير ، تعقيباً على أحداث قامشلي
عبدالله صالح
(Abdullah Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 776 - 2004 / 3 / 17 - 09:47
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تطفوا هذه الايام على السطح المشكلة الكردية، تلك المشكلة النابعة اساسا من الظلم والقهر والاستبداد الذي يتعرض له هذا الشعب على يد الحكومات التي تسيطر على كردستان. فالشوفينية العربية في العراق وسوريا والشوفينية التركية في تركيا والاسلام السياسي في ايران ، كل مارس وعبر التاريخ دوره في ترسيخ وتثبيت هذا الظلم القومي وكل بطريقته الخاصة التي تختلف شكلاً وتتشابه مضموناً. هذا الظلم والتعسف رافقه على مدى التاريخ مقاومة ، الا انها وبسبب قيادتها من قبل الاحزاب التي تمثل مصالح الطبقات الميسورة ، الاقطاعية والعشائرية وحالياً البرجوازية ، دفعت بهذه المقاومة الى الافلاس والانهيار مرة تلو اخرى. الظروف الدولية التي يمر بها العالم ، والاقليمية الحالية التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط ، وبالاخص بعد الاحتلال الامريكي للعراق وتداعيات ذلك على الدول المجاورة للعراق ، ساهمت بشكل أو بآخر في ايجاد ظروف للتحرك الجماهيري في هذه الدول . الاحداث التي شهدتها مدينة قامشلي السورية يوم الجمعة المصادف 12/3/ 2004 والتي استمرت يومين وامتدت الى مدينة الحسكة، أثناء مباراة لكرة القدم بين مشجعي الفريقين ، ما لبثت أن تحولت الى معركة حقيقة بين من يؤيدون صدام حسين ويهتفون بحياته من القوميين الشوفينين العرب الذين اصيبوا بالخيبة والخذلان بعد سقوط رمزهم القومي الدكتاتور ( صدام حسين ) ، وبين من أُستفزت مشاعرهم من الكرد فأخذوا في المقابل ،وكرد على التعصب القومي، يهتفون بحياة الاحزاب القومية الكردية ومسلحيها وقادتها ، ومن ثم احتلال السفارة السورية في بروكسل واخيراً وعبر نفس المسلسل احتلال القنصلية السورية في جنيف ، هذا وكانت قد اندلعت احداث مماثلة في معظم المدن الرئيسية في كردستان ايران. هذه الاحداث التي هي في جوهرها تعبير حقيقي عن مقاومة الظلم والطغيان والاستبداد الذي تتعرض له الجماهير في كردستان على يد هذه الزمر الحاكمة، الا انها بشعاراتها ودوافعها لا تطرح اهدافاً سياسية أساسية تعبر عن آمال وتطلعات هذه الجماهير ، بل ولكونها ترافقت مع ما يسمى بحصول جماهير كردستان في العراق على ( الفدرالية ) لا يمكنها سوى أن تؤجج نيران الاحقاد القومية. ان هذا الظلم والتعسف القومي والاستبداد المفروض على الجماهير في سوريا بشكل عام وفي كردستان بشكل خاص، خلق حالة من السخط والانزجار وكأنها بالون ممتليء يبحث عن من يفجره ، فجاءت مستجدات الاوضاع لتدفع بحالة الاستياء والسخط العميقين لدى الاكراد في سوريا الى التعبير عنها وترجمتها على أرض الواقع. ان الفدرالية التي تطبل لها الاحزاب القومية الكردية والتي لم ولن يمكنها ان تلعب دورا في ايجاد الافق السياسي الواضح للخروج من الازمة العميقة التي تعاني منها جماهير كردستان ، سوف تكون احدى نتائجها اشعال شرارة الحروب القومية على غرار ما حصل في لبنان ويوغوسلافيا السابقة وما احداث قامشلي الاخيرة ، رغم وجود اسباب موضوعية ادت الى اندلاعها كما ذكرنا ، الا الشرارة الاولى على هذا الطريق. ان القادة القوميين الكرد الذين يذرفون اليوم دموع التماسيح على ضحايا احداث قامشلى ومدن كردستان ايران ، هم أنفسهم الذين كانوا يدوسوا على جراح هذه الجماهير ويهرولون الى عواصم هذه الدول ليعانقوا مسؤوليها وليضعوا اكاليل الزهور على قبور الطغاة فيها فكيف بهم اليوم يحققون طموحات هذه الجماهير وكيف يجب أن يُنظر الى مصداقيتهم وتعليق الآمال على سياساتهم؟!
لقد سبق وان اشرنا بان مخاوف هذه الفدرالية تكمن احداها في تأجيج نيران الاحقاد القومية الشوفينية كونها تصنف البشر على اساس قومى وتمنحم ، وفق ذلك ، امتيازات قومية مما يدفع بالنضال العادل لهذه الشعوب نحو اتون حرب اهلية تحرق الاخضر واليابس ولا تدر بشيء على قضية رفع الظلم القومي بل انها تعقد المشكلة أكثر فاكثر ولا يجني ثمار هذه السياسة سوى اعداء هذه الشعوب. ان الشعوب الساكنة في الدول التي تتقاسم كردستان هي شعوب تجمعها مصالح مشتركة تكمن في النضال من اجل التحرر والمساواة وبناء المجتمع المدني والاتيان بحكومات علمانية تفصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم ولا تحمل أي طابع قومي أو ديني ، وفوق كل هذا وذاك فان المصلحة الاهم والاقوى بينها هو نضال الطبقة العاملة في هذه الدول التي تتصارع مع البرجوازية وحكوماتها يومياً وباشكال مختلفة، هذا الصراع هو اللب المحرك لكل اشكال المقاومة والبديل الذي يطرحه هذا النضال هو ذلك البديل الانساني الذي يهدف وقبل كل شيء الى ايجاد عالم افضل يؤمن الحرية والمساواة والرفاهية والسعادة للبشر . ان ترك افاق الاحزاب القومية اياً كانت وعدم الانجرار وراء سياساتها،هو الشرط الاول للالتحاق بالركب النضالي الانساني للطبقة العاملة وهو ما يؤمن انهاء الظلم اياً كان شكله ومصدره والى الأبد.
#عبدالله_صالح (هاشتاغ)
Abdullah_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفدرالية مشكلة أم حل !
-
تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية للمواطنين في ظل التهديد بالح
...
-
سفن المعارضة البرجوازية العراقية بانتظار الرياح الامريكية !
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|