طلال احمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2528 - 2009 / 1 / 16 - 03:09
المحور:
الادارة و الاقتصاد
شكلت واردات النفط العراقية مصدرا اقتصاديا مهما للعراق منذ قيام الحكم الوطني قبل اكثرمن ثمانين عاما , وضل النفط محط انظار العراقيين منذ ذلك التاريخ باعتباره موردا اساسيا لهم . وعلى مر السنين تزايد اعتماد البلاد على الموارد النفطية عندما اخذت تمثل اكثر من 90% من ايرادات الموازنات العامة السنوية . من هذا المنطلق فان الكلام عن النفط يكتسب اهمية قصوى , لانه المصدر الاقتصادي الاكثر اثرا في حياة العراقيين , ومن الجدير بالذكر ان نشير انه بالرغم من مرور تلك السنين على الاستثمارات النفطية فالعراق يعاني من الفقر والبطالة , ومن تدني مؤشرات الدخل القومي , وقد يخيل لأي متابع ان البلاد لم تجني فائدة تذكر من وجود النفط في باطن اراضيها .
اجمالا يمكن ان نقرر بان هناك ثلاث عوامل مهمة اثرت سلبا على استثمار النفط العراقي لمصلحة الشعب وهذه العوامل هي :
اولا : هيمنه الشركات الاحتكارية الاجنبيه على العملية النفطية عن طريق عقود الامتياز التي منحت اليها ابان تأسيس الدولة العراقية , والتي استمرت حتى بداية الخمسينيات من القرن الماضي .
ثانيا: حالة عدم الاستقرار السياسي الذي عاشه العراق اذ شهدت البلاد العديد من الانقلابات العسكرية , بدأ بانقلاب بكر صدقي عام 1936 وماتلاها من انقلابات وحروب وتغييرات حتى التغيير الاكبر عام 2003 .
ثالثا : تأثر السياسات النفطية بالشعارات الوطنيه التي تنادي بضرورة تحرير نفط العراق من السيطرة الاستعمارية , وذلك كردة فعل طبيعيه لعقود الامتياز التي منحت للشركات الاجنبيه والتي نهبت نفط العراق لعشرات من السنين , الشعارات الوطنيه تحولت الان الى هاجس يعيق عمليات الاستثمار الجديد التي تجري وفق معطيات وشروط تختلف عن الماضي من وجوه عديدة .
في العام 1952 وقع العراق مع الشركات النفطية القائمة اتفاقية لمناصفة الارباح بمعنى ان العراق اخذ يستلم 50% من ارباح مبيعات النفط , وكانت تلك الاتفاقية خطوة جيدة الى الامام, الا ان القوى الوطنيه وقوى المعارضة هاجمتها معتبرة اياها امتدادا لسيطرة الشركات الاستعمارية , بالرغم من ان النسبة التي حصل عليها العراق انذاك كانت مطبقة مع كثير من الدول المنتجة وهي تعتبر في المنظور الاقتصادي مكسبا للجانب العراقي .
في عام 1961 شرع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم القانون رقم (80) الذي انتزع بموجبه حوالي 99% من الاراضي المشمولة بالامتيازات النفطية , وقد مثل القانون نصرا سياسيا ووطنيا سجله الزعيم الراحل واشادت به كل القوى الوطنيه في العراق , غير انه لم يسجل نصرا اقتصاديا فهو لم يحقق اية مكاسب تذكر في هذا الجانب , وللتاريخ يجب ان نقر ان الفرصة لم تسنح امام الزعيم عبد الكريم قاسم لتنفيد القانون المذكور , فقد قتل بعد سنتين على ايدي عصابة من الفاشست المجرمين .
في عام 1965 جرت مفاوضات اخرى مع شركات النفط الاجنبيه , في عهد الرئيس عبدالسلام عارف وقد توصل الجانبان الى تعهد الشركات بزيادة الانتاج بعد استرجاع جزء من الاراضي المصادرة بموجب القانون رقم (80) , مع اعتراف تلك الشركات بشرعيه ذلك القانون . وقبل ان يوضع الاتفاق موضع التنفيذ عارضته القوى السياسية القومية انذاك والتي كانت متأثرة بالتيار الناصري , فتحول الاتفاق الى حبر على ورق وحرم العراق من جديد من زيادة انتاجه النفطي وحرم بالنتيجة من زيادة عائداته النفطية , وذلك خضوعا لشعارات سياسية وطنيه اجهضت الجهد الاقتصادي الذي بذل في هذا السبيل .
في عام 1972 تم تأميم النفط بقرار من حكومة البعث القائمة انذاك وقد سجلت القيادة نصرا سياسيا وبعين الوقت سجلت نصرا اقتصاديا وبدات العمليات النفطية تعطي مردودا شعر به المواطن عندما عاش العراق نوعا من الانتعاش الاقتصادي المحدود , وبدات بالفعل معدلات الانتاج بالارتفاع فبلغت 3,5 ملايين ونصف المليون يوميا عام 1980 , وبعد دخول العراق الحرب من ايران اخذت معدلات الانتاج بالتدني حتى توقف كليا عام 1991 بعد صدور قرارات الحصار الاقتصادي من قبل مجلس الامن الدولي ثم عاد في سنه 1996 بعد اقرار مذكرة التفاهم المعروفة باسم النفط مقابل الغذاء والدواء , وقد عاود العراق عملية التصدير بمعدل 1,5 مليون ونصف مليون برميل يوميا , لينفقه النظام السابق على الشؤون العسكرية والامنيه وعلى شراء ذمم عملاءه العرب من كتاب وصحفيين وفنانين ونجوم في السينما والتلفزيون , والجدير بالذكر ان النظام السابق وقع عقودا مع شركات نفط اجنبيه لتطوير بعض الحقول النفطية مثل حقل نهر عمر وحقل غرب القرنه , كما وقع عقدا مع شركة النفط الوطنيه الصينيه , الا ان تلك العقود لم تنفذ في حينه بسبب الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق من قبل الامم المتحدة , ومن المؤسف ان السلطات العراقية التي استلمت المسؤولية بعد 2003 لم تحاول ان تستفيد من تلك العقود او غيرها . انما العكس هو الذي حصل فقد تدهور الوضع النفطي نحو الاسوأ مما جعل العراق يقع في مصاف البلاد الاكثر فقرا في العالم , وبعد مرور اكثر من خمس سنوات على تغيير النظام لم تتجاوز الصادرات النفطية اكثر من 1,8 مليون برميل يوميا وهو رقم دون الطموح بكثير , وكنتيجة طبيعيه لتعثر العملية الانتاجية للنفط , فقد اصبحت الحاجة ماسة لاتخاذ خطوات جادة في سبيل النهوض بالانتاج والارتقاء به الى المستوى المطلوب , والطريق الوحيد لتحقيق هذا الهدف هو الاستعانه بالخبرة والرأسمال الاجنبي ومن يدعي ان العراق قادر على استثمار وتطوير حقول النفط بالاعتماد على نفسه , هو اما جاهل او شخص تنقصه الخبرة , وهو من دون شك من نفس الفصيلة التي تضع الشعارات السياسية الوطنيه في المقدمة عند الكلام عن الشأن الاقتصادي .
منذ عام 2006 تم اعداد قانون جديد للنفط والغاز , اقر من قبل مجلس الوزاء في حزيران 2007 وارسل الى مجلس النواب لاقراره , والقانون مازال ينتظر المناقشة حتى كتابه هذه السطور . والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يبت مجلس النواب في هذا القانون منذ اكثر من عام ونصف العام . لقد صار واضحا ان هناك جهات او دول لها مصلحة في ان يضل نفط العراق تحت الارض حتى يتحول الى مجرد تراب .
العراق الذي يمتلك ثاني اكبر احتياطي نفطي بالعالم يقدر ب 115 مليار برميل وقد اعيد تقديره ب 215 مليار برميل , ولاشك ان هذه الارقام التي يجري الكلام عنها لم تعد تحضى باهتمام رجل الشارع العراقي , فالحاجة مازالت ماسه الى زيادة الانتاج والتوسع في ادخال حقول جديدة لم تستثمر من قبل , ويمكن الجزم ان وزارة النفط اضاعت الكثير من الوقت والفرص في ابرام عقود نفط مع الشركات الاجنبيه , وكلما انجزته هو عقد الخدمة الذي وقعته مع الشركة الصينيه والذي بدا العمل به قبل ايام وسوف ينتج 25 الف برميل يوميا تصل الى 110 – 115 الف برميل يوميا تخصص للاستهلاك المحلي . وقد اعلنت وزارة النفط عن جولة جديدة للتراخيص النفطية بعد ان انتهت الجولة الاولى التي عقدت العام الماضي ولم يتمكن اي متابع للشؤون النفطية من معرفة ماتمخضت عنه تلك الجولة التي غير العراق الدعوة فيها من عقود المشاركة الى عقود الخدمة , بيد ان السيد وزير النفط العراقي قال ان وزارة النفط منحت في شهر حزيران الماضي 35 شركة عالمية تراخيص للعمل في قطاع استخراج النفط وعرضت امامها ست حقول طرحت للمنافسة , بينها حقلي الرميلة الشمالي والجنوبي وحقل غرب القرنه وحقول البزركان وابو غرب والفكة وحقلي كركوك وباي حسن .
الان سوف تبدا الجولة الجديدة التي اطلق عليها الجولة الثانيه للتراخيص وهي تخص عقود خدمة لاحد عشر حقلا نفطيا وغازيا وهي حقول مجنون والسيبة والغراف والكفل ومرجان وشرق بغداد و القيارة ونجمه وبدرة وخشم الاحمر ونادومان وقمر وكلابات .
عقود المشاركة وعقود الخدمة اثيرت حولها الكثيرمن النقاشات وقد شكك الكثير من الباحثين في الشأن الاقتصادي بعقود المشاركة واعتبروها عودة للسيطرة الاستعمارية للكارتل النفطي الذي كان يدير حقول النفط في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي . والحقيقة هي غير ذلك على الاطلاق فان عقود المشاركة تخضع للشروط التي تنطوي عليها بنودها من حيث نسبه الريع , ونسبة الارباح ومدة نفاذ العقد وغير ذلك , ولايمكن الاقرار مبدئيا ان كل تلك العقود هي عقود سيطرة , والدليل على ذلك بوجود اكثر من 20 بلدا يرتبط بعقود مشاركة بضمنها العديد من الدول العربيه .
عندما نتناول الثورة النفطية بالبحث يجب ان ناخذ بنظر الاعتبار ان ايرادات النفط تشكل اكثر من 90 % من ميزانيه الدولة كما اسلفنا , وان الوضع الاقتصادي المقبل في العراق تحيط به الكثير من المخاطر , فعندما نستعرض مفاصل العملية الاقتصادية في البلاد نجد انها متوقفة تماما والكلام عن الاستثمارات الاجنبيه وتنشيط الاقتصاد العراقي هو مجرد امنيات غير قابلة للتحقق , في ظل الظروف الدولية والمحلية الراهنه . الدولة العراقية الان هي الجهه الوحيدة المسؤولة عن تشغيل واطعام العراقيين , ولايوجد في المقابل اي نشاط اقتصادي صناعي اوزراعي او خدمي يذكر , فضلا عن ذلك فان البلاد يسودها فساد مالي مرعب لم يشهد له العراق مثيلا مما يجعل مؤشرات التنمية الاقتصادية مجرد كلام لا اساس له , فالحكم الحالي بارع في تضييع اموال العراق فهو لم يستثمر طفرة الاسعار في سوق النفط انما بددت تلك الاموال بشكل غير معروف ولايمكن الكشف عنه اطلاقا.
لقد اعلن قبل ايام ان مبيعات النفط العراقي بلغت 60 مليار دولار في عام 2008 , وبسبب الانخفاض المحزن في اسعار النفط فان من المتوقع ان تبلغ ايرادات النفط العراقي عام 2009 بحدود 30 مليار وهذا المبلغ لا يكفي لسداد رواتب الموظفين والمتقاعدين وكلفة البطاقة التموينيه والرعاية الاجتماعيه . فنحن اذن امام ايام في غاية الصعوبة , والعلاج يكمن في زيادة انتاج النفط الذي لايتوقع ان يتحقق قبل مضي سنوات , اذ صرح وزير المالية العراقي السيد باقر جبر الزبيدي ان العراق يسعى الى زيادة تصدير النفط خلال السنوات العشرة المقبلة ليصل الى سته ملايين برميل يوميا , من خلال تخصيص ملياري دولار لتطوير القطاع النفطي في موازنه عام 2009 وقال نحن نحتاج الى زيادة صادراتنا على الاقل الى ماكان عليه العراق عام 1980 عندما كنا نصدر 3,4 مليون برميل يوميا (والكلام للسيد وزير المالية ) . وهذا اعتراف رسمي باننا اخفقنا حتى بتحقيق معدلات الانتاج لعام 1980 .
ان امام العراقيين مسؤولية النهوض بالعملية النفطية الى مستوى الطموح وذلك عن طريق :
1. الاسراع باقرار قانون النفط والغاز
2. الاسراع بتشكيل مجلس النفط والغاز المخول بابرام العقود وتنفيذها
3. الاسراع بتأسيس شركة النفط الوطنيه المخولة باستثمار اكثر من 90% من الحقول النفطية المنتجة
اننا نأمل ان توفق جهود وزارة النفط العراقية في جولة التراخيص الثانيه , وان تكون جريئة ومقدامه في ابرام عقود تعود على العراق بالفائدة واضعة امام اعيونها المنافع الاقتصادية التي تشكلها تلك العقود بعيدا عن المزايدات السياسية والشعارات الوطنيه التي لاتغني عن جوع .
#طلال_احمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟