محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 2526 - 2009 / 1 / 14 - 03:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
موضوع الحجاب موضوع شائك. إبداء الرأي فيه يعتبر مغامرة غير محسوبة. فى الواقع إبداء الرأى فى أى موضوع فى بلادنا اليوم يعتبر مجازفة خطرة فى هذا الزمن الردئ. وبما أننى لست من رجال الدين, فلا يحق لى الفتوى, أو حتى إبداء الرأى فى شئ يخص أهلى وأخواتى وزوجتى وبناتى.
وما علينا إلا أن نتلقى الفتاوى والإجتهادات معلبة جاهزة. تاتينا من خلف أسوار بلادنا, لتصيب حياتنا وحياة أبنائنا فى الصميم, دون أن يكون من حقنا حتى إبداء الرأى. فقد قفل باب الإجتهاد والرأى منذ بداية إنهيار الحضارة الإسلامية منذ أكثر من ألف عام. وظل مقفولا بالضبة والمفتاح حتى اليوم.
فغيرنا قد فكر لنا وإهتدى إلى مافيه خيرنا وخير نسائنا. ولا يحق لنا أن نعترض أو نتبرم أو أن نخرج الزفرات ضيقا وقرفا. ولكننى سوف أبدى الرأى وأمرى إلى الله. فلست مسئولا فى وزارة يمكن أن أهاجم بمجلس الشعب والصحافة, مثلما فعلت بوزير الثقافة السيد فاروق حسنى منذ عدة سنوات.
منذ زمن إرسال البعثات إلى أوربا والإنفتاح على الغرب فى القرن التاسع عشر, ومحاولات تحرير المرأة وتحرير عقل الرجل والمرأة لا تنتهى. تحرير المرأة من الظلم والبرقع والحبرة واليشمك والنقاب, وتحرير عقلها وعقل الرجل من الجهل والخرافات والدجل.
فظهر كتاب قاسم أمين عن تحرير المرأة. وقامت مسيرات لرائدات الحركة النسائية فى مصر, وخلعن حجابهن, وألقت السيدة هدى شعراوى نقابها فى النيل كآخر عهدها برمز من رموز الإحتلال التركى. وفى نفس الوقت قامت جهود كبيرة لتحرير العقل, بداية من رفاعة الطهطاوى فى عصر محمد على, ثم على باشا مبارك فى عصر الخديوى إسماعيل, ثم جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وقاسم أمين وأحمد لطفى السيد وأحمد أمين وطه حسين وغيرهم.
يأتى خطاب زى المرأة كجزء من كل. الهدف هو تحرير المرأة من الظلم, وإعادة حقوقها المسلوبة إليها, وإعطائها حريتها فى إختيار زوجها وملبسها وتعليمها وعملها. فهى لا تقل عن الرجل فى شئ, وعقلها لا يختلف عن عقل الرجل فى شئ. سواء من الناحية البيولوجية أو من ناحية القدرة الذهنية.
بل هى تفوق الرجل فى قدرات كثيرة, منها أنها أكثر لباقة, وأكثر قدرة على الملاحظة وتعلم اللغات, وذاكرتها أقوى, وصوتها أرخم, وحاسة الشم واللمس والسمع عندها أقوى, وعمرها أطول, وجسمها أصغر, وتحتاج إلى كمية غذاء أقل, وقدرتها على الصبر والعطاء والحب أكثر, وكرهها للظلم وللحروب وسفك الدماء أشد, وحبها للحياة أكثر.
المرأة ليست سقط متاع, ولا هى كم مهمل, أو موضوع للجنس فقط. إنها كنز عظيم من القدرات, إذا إستطعنا تفعيل وصقل وتوظيف هذه القدرات لصالح مجتمعاتنا. ولم يكن زى المرأة هو القضية الوحيدة بالنسبة لتحرير المرأة, وإنما جاءت مطالبات أكثر جدوى ونفعا. منها المطالبة بتقييد الطلاق وتعدد الزوجات, وعدم ترك الحبل على الغارب بالنسبة للرجل لكى يفعل بالمرأة ما يحلو له دون حسيب أو رقيب.
أما الحجاب والنقاب, وهما شأن الخطاب اليوم, فالكل يدلى بدلوه. والوزير فاروق حسنى كان يستند إلى كتاب المستشار سعيد العشماوى "حقيقة الحجاب وحجية الحديث" ويقول: "إن الحجاب ليس له علاقة بالتقوى, وإن إرتداء المرأة المصرية الحجاب عودة إلى الوراء. وأن النساء بشعرهن الجميل كالورود التى لايجب تغطيتها وحجبها عن الناس.
حجاب المرأة يكمن فى داخلها وليس فى خارجها, ولا بد أن تعود مصر جميلة كما كانت وتتوقف عن تقليد العرب الذين كانوا يعتبرون مصر فى وقت من الأوقات قطعة من أوروبا". ثم عقب قائلا: " القرآن مافيهوش كلام من ده, ولم يتفق العلماء ولا الفقهاء على صيغة وحيدة تقول أن الحجاب فرض".
فقام عدد من نواب المعارضة والحزب الوطنى بمهاجمة الوزير بضراوة, لأنه فى نظرهم قد أساء لجموع الشعب المصرى, ومنهم من نصحه بالهجرة إلى هولندا, ومنهم من قال بأن أمن البلد لا يتحمل هذا التهريج. وآخر يصف الوزير بأنه غير ذكى ولا يفهم فى الدين, وطالب بإستقالته. وغيره يقول أنه لا يصلح أن يكون وزيرا ولا حاجة خالص. ومنهم من وصف الوزير بأنه مارق (أى والله ويمكن الرجوع للمضبطه),
وآخر يتهمه بخيانة الوطن. اكتفى بهذا القدر لعدم الإطالة. لكن هذا يبين كيف كان مستوى المناقشة فى مجلس الشعب, والذى يفترض مشاركة نوابه فى حكم مصر. أما الصحافة فلم تكن تقل فجورا فى مهاجمة الوزير, ولولا ضيق المساحة لذكرت بعض النماذج فى الهجوم التى تدل على مستوى أخلاقى منحط.
أنا هنا فى هذا المقال لا أناقش فرضية الحجاب وحجيته, ومن يريد ذلك فليقرأ كتاب المستشار سعيد العشماوى المشار إليه. وإنما أناقش هنا الحالة الفكرية التى وصلت إليها بلادنا فى الآونة الأخيرة. فواضح من هجوم أعضاء مجلس الشعب والصحافة على وزير الثقافة, أننا قد فقدنا القدرة على المناقشة والإستماع الجيد, الذى يتطلب أدب الحوار.
إذا كان هذا حال مجلسنا الموقر, وحال صحافتنا العريقة, فالأمر لا يبشر بخير. ويبدو أننا قد فقدنا الرغبة فى الحياة, والقدرة على أستخدام العقل والمنطق والبحث عن الحقيقة.
المشكلة أننا عندما نتحاور, نتحدث بلغتين مختلفتين. الأولى هى لغة العقل والمنطق, التى تبحث عن الحقائق خلال الشواهد والأدلة, وهى لغة العلم الحديث. والثانية هى لغة التعصب, التى تقوم بلوى وثنى وإخفاء الشواهد لكى تثبت صحة ما نعتقد به مسبقا. الحوار هنا هو حوار الطرشان. لا يفهم أيا منهما الآخر.
الإسلام يختلف عن المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية فى أنه ليس لديه نظام بابوى وسلطة عليا تفرض آرائها وتفسيراتها على الجميع. هذا سلاح ذو حدين. فهو يعطى الفرد فى الإسلام الحق فى إبداء رأيه, وقد رأينا فى صدر الإسلام كيف صححت إمرأة بعض القضايا لعمر بن الخطاب. ولكن فى نفس الوقت, هذا الحق قد أعطى لكل من هب ودب سلاح تكفيرالآخرين, والحكم عليهم بالخروج عن ثوابت الدين دون رقيب.
فقد هاجمت فئات من المسلمين فى الماضى أعلام إسلامية مثل الإمام الغزالى وإبن عربى وإتهمتهما بالكفر. وكذلك هاجمت إبن تيمية وإبن رشد وحرقت كتبه. وحرقت مكتبة الكندى فيلسوف العرب, وقامت بجلده عاريا وهو فى الستين من العمر. والرازى قامت بضربه بكتبه على رأسه حتى فقد البصر, وعندما حاول أحد تلاميذه علاجه, قال لقد نظرت إلى الدنيا حتى مللت. ولم ينج إبن سينا من الإتهام بالكفر, وكذلك إبن خلدون والحسن بن الهيثم. وحكم بالإعدام على الحلاج وإبن المقفع والسهروردى, وغيرهم الكثير. وفى العصر الحديث هوجم محمد عبده وأحمد لطفى السيد وطه حسين وعلى عبد الرازق ونجيب محفوظ وفرج فودة ونوال السعداوى وفاروق حسنى وغيرهم.
ونجد أبو الكلام آزاد يقول:" خلال ال 1300 سنة الماضية والفتاوى الدينية تعمل مثل السيوف القاطعة, تلطخ أجساد المسلمين بالدماء. ولا يقتصر الضحايا على أهل الصوفية والمفكرين المجتهدين, وإنما شمل فقاء السنة أيضا".
عدم وجود نظام بابوى فى الإسلام لم يساعدنا, وإنما أطلق سلاح الفتوى والتكفير فى أيدى بعض الفئات والحكام والهواة والدعاة الجدد, لكى تستخدمها لأغراض أخرى سياسية وأقتصادية, لتحقيق أغراض خاصة, هى بعيدة كل البعد عن الدين والشريعة.
فى معظم البلاد العربية, مجموعة جهلة من الناس لا تفقه شيئا عن مبادئ الدين الإسلامى, ولا تعلم شيئا عن تاريخه وتاريخ الإنسانية, ولا تدرى شيئا عن حركة الفكر مدى العصور, أو ما إكتشفته العلوم الحديثة من حقائق ونظريات. هذه الفئة تنصب نفسها كرجال فقه ودين.
تصدر الفتاوى والتفسيرات. الغطرسة وضعف الحجة والغباء الشديد والتعصب, هى الصفة الغالبة لهذه الفئة. فهى تغالى فى تفسيرها, وتأخذ الجانب المتشدد فى تأويلها وفتاويها, وتحرِّم كل شئ خوفا من الخطأ, وأخذا بالأحوط. وتكفر كل من لا يجاريها أو يوافقها فى الرأى.
الحجاب ليس هو سبب تخلف المسلمين, وإنما الفكر الذى يريد فرض الحجاب هو سبب التخلف. وهو نفس الفكر الذى منع الثورة العلمية من الظهور فى العالم الإسلامى, منذ أكثر من ألف سنة حتى اليوم. وقد مرت أوربا من قبل بمثل هذا الفكر, وظلت ترزح تحت وطأة العصور المظلمة أكثر من ألف سنة. إلى أن تحررت من هذا الفكر الأسود. فظهرت بها الثورة العلمية والثورة الصناعية, وثورة المعلومات والمواصلات.
وظللنا على حالنا نجتر التخلف, وننعم بالجهل والغباء, ونمنع الإجتهاد, ونطارد الرأى الآخر, ونقتل مفكرينا وأدبائنا, ويتهم بعضنا البعض بالكفر والمروق, والخروج على الثوابت. الحجاب ليس هو المسئول عن التخلف, ولن يكون سبب التقدم حتى لو تحجبت كل نساء الأرض.
سبب التخلف هو عدم القدرة على التفكير المنطقى, وفقد الرغبة فى الحياة, وفقد الإرادة, والتعليم السئ, والفساد السياسى والإقتصادى, ومعاداتنا للعلوم والفنون والثقافة. سبب التخلف هو الفتاوى المتشددة, التى تهاجمنا من خارج حدود بلادنا, دون أن يكون لدينا المناعة لمقاومتها.
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)