|
الوحش الدموي يدخل غزة
فضيلة يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2526 - 2009 / 1 / 14 - 03:36
المحور:
القضية الفلسطينية
" قبل سبعين عاماً؛ خلال الحرب العالمية الثانية تمت جريمة في مدينة لينينجراد، لمدة تزيد عن ألف يوم قامت عصابة من المتطرفين تسمى " الجيش الحمر" باحتجاز ملايين من سكان المدينة كدرع واحد ومنعت الجيش الألماني من دخول المراكز المكتظة بالمدنيين. لم يكن عند الألمان بديل إلا قصف المدنيين وحصار المدينة مما تسبب في موت مئات الآلاف" وفي زمن سابق. تمت جريمة أخرى في إنجلاند، اختبأ عصابة تشرشل بين المدنيين في لندن محتجزة المدنيين واضطر الألمان إلى إرسال طائراتهم وتحويل المدية إلى أطلاع. كان هذا الوصف سيظهر في كتب التاريخ لو انتصر الألمان في الحرب. ليس أكثر من هذا الوصف ما نجده في وسائل إعلامنا بشكل يومي. الذي يكرر يحتجز مخربي حماس المدنيين في غزة كرهائن، ويستخدمون الأطفال والنساء كدروع بشرية. ولا يدعون لنا مجالاً إلاّ لقصف مكثف لغزة ولأسفنا العميق مئات النساء والأطفال والرجال غير المسلحين يقتلون. في هذه الحرب كما في كل حرب حديثة تلعب وسائل الإعلام دوراً رئيساً. والفجوة بين قوات الجيش الإسرائيلي بطائراته وسفنه الحربية ودباباته وقذائفه وبين الآف قليلة من مقاتلي حماس بأسلحتهم الخفيفة هائلة. إنها 1: 1000 وربما 1/مليون وفي السياسة الفجوة بينهم أكثر عمقاً. وفي الحرب الإعلامية فإن الفجوة لا نهائية. معكم وسائل الإعلام الغربية منذ بداية الحرب الدعاية الإسرائيلية الرسمية ويتجاهلون الرواية الفلسطينية للحدث والمظاهرات اليومية لمعسكر السلام الإسرائيلي. وتبرير الحكومة الإسرائيلية (علينا الدفاع عن مواطنينا ضد صواريخ القسام) تطلق رداً على الحصار الذي يجوّع مليون ونصف من سكان غزة فلم يتم الإشارة إليها على الإطلاق. وفقط عندما بدأت الصور المرعبة بالظهور على شاشات التفلزيون الغربية بدأ الرأي العام الغربي بالتغير تدريجياً وفي الحقيقة فإن القنوات الإسرائيلية والغربية تظهر قسماً صغيراً من الحوادث القاتلة التي تظهر على شاشة الجزيرة لمدة 24 ساعة. لكن صورة رضيع قتيل يحمله والده المرتعب أكثر قوة بآلآف المرات من كلمات الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي وهي التي ستقرر في النهاية. الحرب (أي حرب) فيها أكاذيب قد تسمى بروباجندا أو حرب نفسية وكل شخص يتقبل أن يكذب لصالح بلده وكل من يقول الحقيقة يعتبر عميلاً. والمشكلة أن صانعي الدعاية الإعلامية يصدقون أنفسهم وبعد أن تصدّق نفسك يصبح الكذب حقيقة وبناء عليها تصنع القرارات. ومثال على ذلك إحدى أكبر الفظائع في هذه الحرب " قصف مدرسة الفاخورة التابعة لوكالة الغوث في مخيم جباليا للاجيئين". بعد الحادث مباشرة انتشر عبر العالم أن مقاتلي حمسا أطلقوا قذائف الهاون من مكان قريب من المدرسة وكبرهان على ذلك نشروا صورة تظهر فيها المدرسة والهاون لكن بعد وقت قصير اعترف الناطق الرسمي بلسان الجيش أن الصورة قديمة منذ عام باختصار أنها تلفيق وكذب وبعد ذلك ادّعى الناطق بلسان الجيش " تم إطلاق النار على جنودنا من داخل المدرسة ومضى يوم حتى أقرَّ الجيش بأن هذه كذبة كما قال ممثل وكالة الغوث في غزة" لم يتم إطلاق النار من المدرسة، لم يوجد أن مقاتل لحماس داخل المدرسة" اللاجئين المدنيين فقط كانوا هناك؟ تبين هذا الإقرار لم يحدث فرقاً. فقد اقتنع الإسرائيليون أنه تم إطلاق النار من داخل المدرسة. لذلك فإنها ذهبت مع الأطفال الشيطانية الأخرى. السبب في قتل كل رضيع هو إرهابيي حماس. كل مسجد قصف هو قاعدة لحماس كل شقة فيها مسلحين كل مدرسة فيها قيادة للإرهاب كل بناية مدينة هي رمز لسلطة حماس. ولذلك حافظ الجيش على طهارته كأعظم جيش أخلاقي في العالم. والحقيقة أن الأفعال الشيطانية هي نتيجة مباشرة لخطة الحرب وتعكس شخصية يهود باراك الرجل المعروف طريقة تفكيره وأفعاله – فيما يسمى جنوب الإنسانية وهدفه ( غير الفوز بالانتخابات) هو القضاء على حكم حركة حماس في غزة ففي خياله المخططين أن حماس تسيطر على بلد أجنبي لكن الحقيقة مختلفة. فازت حركة حماس بأغلبية أصوات الناخبين في انتخابات ديمقراطية نزيهة في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. وقد فازت لأن الفلسطينيين توصوا إلى نتيجة أن مفاوضات فتح مع إسرائيل لم تؤدي إلى شيء – لم يتم تجميد الاستيطان ولا إطلاق سراح السجناء ولا أية خطوة لإنهاء الاحتلال. تجذرت حماس بين الفلسطينيين ليس كحركة مقاومة فقط تقاتل المحتل الأجنبي مثل الإرجون في السابق ولكن كحركة سياسية دينية تزود المجتمع بخدمات اجتماعية وتعليمية وصحية. ومن وجهة نظر الفلسطينيين فإن مقاتلي حماس ليس جسماً غريباً لكنهم أبناء كل عائلة في القطاع وباقي المناطق الفلسطينية إنهم لا يختبئون خلف المواطنين إن المواطنين يرونهم كمدافعين عنهم. وبالتالي فإن كامل العملية بنيت على افتراض خاطئ. تحويل حياة المدنيين إلى جهنم لا تسبب ثورة المدنين ضد حماس وعلى العكس من ذلك توّحد الفلسطينيين حول حماس وتعزز قرارها بعدم الاستسلام. لم يحتج سكان ليننغراد ضد ستالين ولا ثارت لندن ضد تشرشل. من أعطى الأوامر لمثل هذه الحرب وبهذه الأساليب في منطقة كثيفة السكان يعرف أنه سيتسبب في قتل المدنين وهذا لم يؤثر عليه أو يعتقد أن المدنين سوف يغيرون طرقهم ويحرق مشاعرهم ولن يقاوموا إسرائيل في المستقبل. كانت الأولوية للمخططين لتقليل الخسائر بين الجنود بعلمهم أن تأييد الحرب بين الإسرائيليين سوف يتغير إذا وصلت تقارير عن خسائر هذا ما حدث في حرب لنبان. وأخذ هذا بعين الاعتبار لأن الحرب جزء من الانتخابات ويهود باراك الذي ارتفعت أسهمه في الاستطلاعات في الأسبوع الأول من الحرب يعرف أن صورته ستنهار إذا وصلت صور الجنود القتلى إلى شاشات التلفزيون لذلك وضع شعار جديد: لتقليل الخسائر بين الجنون دمّروا كل ما يعترضكم. فإن المخططون على استعداد لقتل 80 فلسطيني مقابل جندي واحد وإن محاولة منع الخسائر في جانبنا سبب قتل المدنيين. إنها نوع من الحرب الشيطانية الوحشية. شخص مثل باراك بدون قدرة على التصوّر وشعاره في الانتخابات (ليس فتى طيب بل قائد) لا يستطيع التصور كيف ستكون مشاعر الناس في العالم نحو قتل عائلات بأكملها. تدمير المنازل على سكانها. صفوف الأولاد والبنات في الملابس البيضاء استعداداً لدفنهم والتقارير عن نزف الناس حتى الموت لعدة أيام بسبب منع سيارات الإسعاف من الوصول إليهم. قتل الأطباء والمسعفين أثناء ذهابهم لإسعاف الجرحى. قتل سائق وكالة الغوث الذي شكّل صدمة للعالم . صورة طفلة جريحة تتلّوى من الألالم على الأرض وتصيح ماما ماما. فكر المخططون أنهم سيمنعون العالم من رؤية ذلك بمنع التغطية الإعلامية، وعار على الصحفيين الإسرائيليين أنهم وافقوا بالاكتفاء بالتقارير والصور التي يزودهم الجيش بها. وكأنهم على مسافة بعيدة من مكان الأحداث. وقد أصبح الصحفيون الأجانب على ذلك فتم نقلهم إلى أماكن محددة. لكن الكاميرات موجود في القطاع في وسط جهنم ولا يمكن ضبطها. تبث الجزيرة على مدار 42 ساعة وتنقل الصور إلى كل بيت. ملايين العرب والمسلمين الذين يشاهدون الصور المرعبة يتظاهرون من نيجيريا وموريتانيا وأندونيسيا وينظرون إلى القادة العرب في مصر والأردن والسلطة الفلسطينية كمتعاونين ضد أشقائهم. تشهد الأنظمة الأمنية العربية اهتياجاً خطيراً وبدأ حسني مبارك الذي أغلق معبر رفح بالضغط على صانعي القرار في واشنطن التي ترفض حتى الآن وقف إطلاق النار) ولكن سرعان ما بدأ هؤلاء يستشعرون الخطر الذي يهدد المصالح الأمريكية الحيوية في العالم العربي فعمدوا إلى تغيير مواقفهم بشكل مفاجئ محدثين قلقاً بين الدبلوماسيين الإسرائيليين الراضين عن أنفسهم. إن الأشخاص الذين لا يستفيدون من العبر لا يستطيعون فهم دوافع الناس العاديين ويتوجب عليهم تخمين ردود أفعالهم سأل ستالين ساخراً " ما حجم التناقضات لدى البابا" وربما يسأل يهود باراك " ما حجم التناقضات لدى أصحاب الضمائر الحية " وعند ما يتخلصون من هذه التناقضات ويتبقى لديهم القليل منها خاجلة وضعيفة وغير منظمة وعندما تزداد الوحشية عن حدها يتجمع الكتل البشرية الهائلة من المتظاهرين القادرين على صنع قرار. إن الفشل في فهم طبيعة حماس سببت الفشل في فهم النتائج المتوقعة . ليس إسرائيل فقط غير قادرة على كسب الحرب بل حماس أيضاً لا تستطيع أن تخسرها. حتى ولو نجح الجيش الإسرائيلي في قبل كل مقاوم حمساوي لآخر رجل فإن حماس سوف تفوز. سيكون مقاتلي حماس قدوة للأمة العربية، أبطالاً للشعب الفلسطيني، نماذج لكل شاب في العالم العربي. وستسقط الضفة الغربية في أيدي حماس وستذهب فتح إلى الهاوية وستهدد أنظمة الحكم العربية. إذا انتهت الحرب وما زالت حماس صامدة مجروحة لكن لم يتم القضاء عليها بأعتى الآلات الحرب الإسرائيلية إنه يشبه نصراً خيالياً. انتصار العقل على ا لمادة وماذا سيتبقى في ذاكرة العالم؟ الوحش الإسرائيلي الدامي المستعد دائما لدخول جرائم الحرب. ولا يعيقه أية قيود أخلاقية وسيؤثر هذا على مستقبلا ونظرة العالم لنا وسيحرمنا الفرصة للعيش بهدوء وسلام. وفي النهاية فإن هذه الحرب جريمة ضد أنفسنا جريمة ضد دولة إسرائيل.
#فضيلة_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعبة اللوم في غزة
-
العقوبات الجماعية الاسرائيلية ضد غزة
-
فهم كارثة غزة
-
100 عين مقابل عين واحدة
-
العمليات الاستخبارية في العراق 2
-
العمليات الاستخبارية في العراق
-
إعادة بناء الاقتصاد الأمريكي -نموذج بوش
-
دراسة الإرهاب
-
الإرهاب العالمي - قائمة المطلوبين -
-
قتل المدنيين : نموذج بوش للعولمة
-
الفتيان من بغداد (كوماندوز عراقي يدرّبه المتعاقدون)2
-
الفتيان من بغداد ( كوماندوز عراقي يدرّبه المتعاقدون) -1-
-
حرب خفية جداً 1
-
الجنود الأمريكيون العائدون من العراق : شاهد عيان3
-
الجنود الأمريكيون العائدون من العراق : شاهد عيان2
-
الجرحى الأمريكيون في العراق شاهد عيان 1
-
تعميق الأزمة الإنسانية
-
اليسار الفلسطيني والفرصة الضائعة
-
الحرب الجوية الخفيّة في العراق 2
-
الحرب الجوية الخفيّة في العراق 1
المزيد.....
-
موزة ملصقة على حائط.. تُحقّق 6.24 مليون دولار في مزاد
-
تقارير عن معارك عنيفة بجنوب لبنان.. ومصدر أمني ينفي وجود قاد
...
-
قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها ف
...
-
إسرائيل تهاجم يوتيوبر مصري شهير وتوجه له اتهامات خطيرة.. وال
...
-
بوليتيكو: الصين تتجاوز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في
...
-
وسائل إعلام عبرية: اختفاء إسرائيلي في الإمارات والموساد يشار
...
-
غرابة الزمن وتآكل الذاكرة في أعمال عبد الله السعدي
-
فوائده كثيرة .. ابدأ يومك بشرب الماء الدافئ!
-
الناطق باسم -القسام- أبو عبيدة يعلن مقتل إحدى الأسيرات الإسر
...
-
-تحليق مسيرة ولحظة سقوط صواريخ-.. حزب الله يعرض مشاهد استهدا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|