|
الديمقراطية بالمعنى الإسلامي
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 776 - 2004 / 3 / 17 - 09:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
د . مويل كامل تعقيب : د. منذر خدام تعريف : الديمقراطية هي حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه، أي الشعب من منظار الديمقراطية هو موضوع الحكم وهو أداة الحكم وهو غاية الحكم. وحتى يحكم الشعب نفسه يجب أن يمتلك حريته ،وبالتالي الحرية هي جوهر الديمقراطية، والحرية لا يمكن أن تكون مطلقة وإلا استحالت إلى فوضى واستحال المجتمع إلى غابة.إذن يجب أن تنتهي حرية الفرد حيث تبدأ حرية الآخرين، وبالتالي لا بد من تنظيم لهذه الحرية، وتنظيم الحرية هو مساواة الناس في الحرية، وبهذا نستطيع أن نضع مرادفا لكلمة الديمقراطية وهو الحرية المنظمة. أركان الديمقراطية: إذا كانت الديمقراطية هي الحرية المنظمة فإن أركان الديمقراطية بناء على هذا المعنى هي الحرية والمساواة. أ - الحرية: أوضح مثال على الحرية من تاريخنا الإسلامي تلك الحادثة المشهورة، حادثة ضرب ابن عمرو بن العاص للقبطي، لأن القبطي سبقه. وفي سياق هذه الحادثة قال الخليفة الراشد عمر: (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً )). إن هذه المقولة تعني أن الناس أحرار ومتساوون في الحرية وليس لأحد أن يستعبد أحداً، أي ليس لأحد أن يحوز حريتين ويترك الآخر دون حرية. كما أنها تعني أن امتلاك الحرية هو أمر فطري وطبيعي، فالحرية ليست أمراً مكتسباً وإنما تكون مع الإنسان منذ ولادته. كما أنها تعني أن الناس كل الناس ، وليس المسلمون منهم فقط ، ولدوا أحرارا ويجب أن يبقوا كذلك، ومن واجب المسلمين أن يردوا الحرية للناس إذا أقدم أحد على استلابهم تلك الحرية.وليس أدل على ذلك من قول الخليفة عمر وفعله،ومحل القول قبطي أي مسيحي وليس مسلماً. ب- المساواة: ومثالنا على ذلك حدث مشهور أيضاً، وهو قصة جبلة بن الأيهم والفزاري،ومنها يقول الخليفة الراشد عمر : (( إن الإسلام سوى بينكما )). فالناس متساوون في الحرية وفي غير الحرية، متساوون في الحقوق ومتساوون في الواجبات ومتساوون أمام القانون ومتساوون في فرص العمل. والمساواة ليست مطلقة، فليس لنا أن نساوي الكسول والمجتهد، والغبي بالذكي، والعامل بالقاعد، إنما المساواة في الفرص. أركان البنيان المجتمعي: يقوم المجتمع الديمقراطي ومن وجهة نظري كمسلم على مجموعة من الأركان: 1-الوحدة الإنسانية: وأساس هذه الوحدة مجموعة من النصوص والأدلة منها قوله تعالى : ((وإلى عاد أخاهم)) أخاهم بماذا؟ . (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى..)) . (( كلكم لأدم وأدم من تراب)) . (( الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)). ((لا فضل لعربي على أعجمي ..)). ومن هذه الوحدة الإنسانية نقول بالمساواة في المواطنية، وبغض النظر عن اللون أو العرق أو الجنس أو المعتقد. المساواة في الإنسانية والكرامة البشرية، والحرية والحقوق والواجبات والفرص وأمام القانون. 2- حرية الاختيار: وأساس هذه الحرية قوله تعالى: (( لا إكراه في الدين)) ،وإذا لم يكن هناك إكراه في الدين فليس هناك إكراه في الفكر كما أنه لا إكراه في السياسة ولا إكراه في الاقتصاد، فللإنسان أن يختار الدين الذي يراه، كما له أن يعتنق الحزب السياسي الذي يحقق أماله وطموحاته ويختار الشكل الاقتصادي الذي يراه صحيحاً. ومن حرية الاختيار تتولد التعددية بكافة أنواعها، التعددية الدينية والتعددية الفكرية، والتعددية السياسية والتعددية الاقتصادية. 3- الأمة مصدر السلطات: الخليفة في الإسلام ليس ظل الله على الأرض، كما أن أهل الحل والعقد وسائر المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية تستمد سلطتها من الأمة أي من الشعب. والشعب هو الذي يختار ممثليه وبالتالي فهو الذي يعزلهم إذا شاء، وليس لأحد مهما كان هذا الأحد أن يتحدث ويقول أو يفعل باسم الله وإنما باسمه ومن وجهة نظره كمسلم وهو يصيب ويخطئ. يصيب باقترابه من الكتاب ويخطئ بابتعاده عن الكتاب. وقولنا الأمة مصدر السلطات مؤداه جماعية القرار، فالأمة تعبر عن نفسها بأغلبيتها، ورأي الأغلبية ليس بالضرورة أن يكون صواباً، وإنما هو أقرب إلى الصواب من رأي الأقلية. فالعقل الجماعي أقل خطأ من العقل الفردي. وفي هذا يقول الرسول (ص ): ((اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فإن الله لم يكن ليجمع أمتي على ضلاله )). مسألة الأغلبية والأقلية مسالة كمية، فمساواة الناس في التصويت تقتضي بالضرورة أن يكون رأي الأكثرية هو النافذ عملياً. وجماعية القرار أي أكثريته مؤداه حق المعارضة. فرأي الناس مهما كثر هؤلاء الناس هو اجتهاد، كما أن رأي الناس مهما قل هؤلاء الناس هو اجتهاد، والقاعدة الشرعية تقول (( الاجتهاد لا ينقض باجتهاد )). 4- فصل السلطات : وهذه مسألة مستجدة والقول بصحة الفصل أو خلافه الأصل فيه المنافع والمضار أي المصالح المرسلة،ومن هنا أقول بفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وفصل السلطات مؤداه مسؤولية السلطة التنفيذية أمام السلطة التشريعية، أي المحاسبة (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا )). كما أن كل خلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تحله السلطة القضائية، بالاستناد إلى القانون والدستور، وهذا يقتضي حصانة القضاء ومرجعيته. 5- سيادة القانون: وهذا هو الركن الأخير في بنيان المجتمع الديمقراطي. وسيادة القانون تعني أولاً وجوده فلا سيادة للقانون دون أن يكون هناك قانون. ولا قيمة لهذا القانون إن لم يكن شرعياً أي مختارا من قبل الأغلبية الشعبية، سواء كان ذلك بشكل مباشر أم كان بشكل غير مباشر. وسيادة القانون تعني ثالثاً؛ مساواة الناس أمام القانون، وكون القانون فوق كل الناس.بقي أن أقول أن هناك فرقاً بين المجتمع الديمقراطي والمجتمع الإسلامي، وهذا الفرق يكون في الركن الأخير من سيادة القانون، وبالضبط مصدر القانون. ففي المجتمع الديمقراطي مصدر القانون هو المجتمع أي أكثرية المجتمع، فهو قانون وضعي أما في المجتمع الإسلامي، فالإسلام بشقيه القرآن والحديث هو المصدر الوحيد للدستور والقانون ومن هنا يكون المجتمع الديمقراطي هو مقدمة للمجتمع الإسلامي. نحن كمسلمين سوف نعمل داخل المجتمع الديمقراطي وبكل الوسائل السلمية أي الحوار والإقناع على تشكيل أغلبية إسلامية تختار الإسلام كمصدر وحيد للدستور والقانون وسنعمل على تطبيق هذا القانون، أي تطبيق الشرعية الإسلامية وإقامة حكم الله في الأرض. وأما باقي الأركان فهي نفسها ستبقى في المجتمع الإسلامي قائمة كما كانت قائمة في المجتمع الديمقراطي. الديمقراطية ولا إله إلا الله: الإله في اللغة هو المعبود، فلا إله إلا الله تعني لا معبود إلا الله،، أي مساواة الناس في العبودية لله. لا إله إلا الله تعني أن المسلم لا يستعبد أحداً، كما أنه لا يسمح لأحد أن يستعبده. فلا إله إلا الله بهذا المعنى هي جوهر الحرية. فجوهر الحرية ليس أن يكون الإنسان عبداً لله فذلك سنة موضوعية وإنما أن لا يكون عبداً لأحد سوى الله. لا إله إلا الله تعني محاربة الطواغيت، لأنهم يستعبدون الناس من دون الله.فجوهر لا إله إلا الله هو تحرير الناس من العبودية للطواغيت، ليس لإدخالهم في الإسلام وإنما لمنحهم حرية الاختيار، إما أن يختاروا الإسلام وإما أن يدعوه، وهذه هي الغاية من الجهاد الإسلامي ولا غاية سواها. ومن هنا فإن لا إله إلا الله تعني أن يعمل المسلم على محاربة الطواغيت أي الحكام المستبدين، وبهذا يكون للا إله إلا الله ، مضموناً ديمقراطياً والمسلم إن لم يفعل ذلك ويرضى بحكم الحكام المستبدين يكف عن كونه مسلماً.
الديمقراطية والشورى: الشورى كأصل تشريعي،وكركن من أركان النظام السياسي لا خلاف عليها. فقد امتدح الله المؤمنين بأن وصفهم قائلاً (( وأمرهم شورى بينهم ))، كما أن الله أمر رسوله (ص) وفي ذلك أمر لكل مسلم فقال: (( وشاورهم في الأمر )). فحدد الإسلام الشورى كمضمون ولكنه لم يحددها كشكل. فكان الرسول (ص) والخلفاء الراشدون (ر) يشاورون المسلمين ولكنهم كانوا يأخذون أحيانا برأي الأقلية وغالبا برأي الأكثرية، ومن هنا أرى أن الشكل اتفاق أي ما يتفق عليه المسلمون وفي ضوء الواقع وبما يضمن مصالحهم وما يتناسب مع المقاصد الشرعية وينهض بواقعهم. فلهم أن يتفقوا على إلزامية الشورى. والديمقراطية بما هي رأي الأكثرية شكل من أشكال الشورى، أي الشكل الذي نسميه الشورى الملزمة. وأنا أرجح شكل الشورى الملزم أي (الديمقراطي) لمجموعة من الأسباب، على رأسها ما يولده الشكل غير الملزم من تسيب ولا مبالاة وإهمال ولا مسؤولية في القول والعمل. هذا من الناحية العملية، وأما من الناحية النظرية فالشكل غير الملزم أقل صواباً من الشكل الملزم لأن العقل الفردي أقل صواباً من العقل الجمعي. تعقيب د.منذر خدام إن من يقرأ السيد مويل يدرك بدون صعوبات تذكر ،أن ما كتبه يندرج في إطار منظومة فكرية غير المنظومة الفكرية الإسلامية.فالسيد مويل لا يفكر بالديمقراطية من داخل المنظومة الفكرية الإسلامية بل من داخل إحدى القراءات العربية الدارجة للفكر النهضوي الأوربي ، أعني القراءة التلفيقية . فعندما تحدث السيد مويل عن مصدر القانون في الديمقراطية التي ينشدها، أي الإسلام بشقيه القرآن والحديث، حدد بصورة لا لبس فيها موقعه في المنظومة الفكرية التراثية الإسلامية. وأكثر من ذلك لا يتمايز السيد دمويل عن زملائه من المفكرين السلفيين بتحديد مصدر التشريع بالقرآن والسنة دون الاجتهاد الذي يقول به المتنورون من المفكرين الإسلاميين، مع انه يمارس الاجتهاد بامتياز في مداخلته.يقول السيد دمويل بأنه سوف يعمل من (( داخل المجتمع الديمقراطي وبكل الوسائل السلمية، أي الحوار والاقتناع، على تشكيل أغلبية إسلامية تختار الإسلام كمصدر وحيد للدستور والقانون، وستعمل على تطبيق هذا القانون، أي تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة حكم الله في الأرض)). هذا هو جوهر مداخلة السيد مويل،بعد نزع الديكورات الليبرالية عنها، وبه يتحدد موقع السيد مويل في منظومة الفكر التراثي الإسلامي.ومن هذا الموقع يصعب على السيد مويل أن يرى الديمقراطية بل الشورى، والشورى غير والديمقراطية غير، فلكل منهما سياقه التاريخي، وانتظام خاص للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تكون في داخلها، وحددت وظيفته، وإن محاولة الجمع بينهما أو النظر إلى إحداهما على أنها الأخرى لا يتعدى كونه نوع من التلفيق، الذي هو رائج في وطننا العربي ومحايث لعمليات الانفعال بالعالم المحيط بنا، نأخذ منه ما هو فيه نتيجة، لنبني عليه كمقدمة مقطوعة عن سياقها التاريخي، أي دون تبيئة ضرورية تتحول بموجبها إلى عامل إنهاض وتطور في واقعنا العربي بدلا من تكييفه فقط. وهكذا إذن، فإن السيد مويل المناضل في سبيل (( تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة حكم الله في الأرض)) يفصح عن انتمائه الفكري إلى المنظومة الفكرية التراثية الإسلامية، وهو أيضا ينتمي سياسيا إلى أحد تياراتها السلفية الأكثر تشدداً، أعني تيار ((التكفير والهجرة)). ومن الطبيعي انطلاقا من هذا الموقع الفكري والسياسي الذي ينتمي إليه السيد مويل أن يعتبر المجتمع الديمقراطي مقدمة لمجتمعه الإسلامي المنشود. لا نريد أن نناقش السيد مويل فيما هو جوهري في منظومته الفكرية والسياسية ،أعني الدعوة إلى إقامة حكم الله في الأرض وتطبيق الشريعة الإسلامية، فما دون هذا المستوى العام الشعاراتي للقضية تتمايز الحركات الفكرية والسياسية الإسلامية إلى فسيفساء يصعب الجمع بينها، تكفر كل فئة منها الفئة الأخرى.فهي تختلف حول مضمون هذا الحكم الإلهي الذي تدعو إليه ،وتختلف أيضا حول طرق إقامته،وهذا شيء طبيعي.((حكم الله في الأرض)) فكرة مجردة متعالية،أما العاملون عليها فهم بشر لهم زمنهم ومصالحهم، حتى ولو ادعوا عكس ذلك. إن ممارسة السياسة من حقل المقدس الديني سوف تكون ممارسة غير ديمقراطية بالضرورة،من جهة لأن السياسة تتعالى بالمقدس الديني ، ومن جهة أخرى لأن المقدس الديني ينظر إلى الآخر المختلف دينيا على انه كافر.في إطار ثنائية المؤمن والكافر، لا مجال للحلول الوسط، وهذه الثنائية هي الحاكم الفعلي للمنظومة الفكرية والسياسية للمتدينين والموجه لسلوكهم في دنياهم . وهذا يفسر إلى حد بعيد جمود المقدس الديني في حدود القراءات الماضوية له، وعلى اختلاف هذه القراءات فهي لا تؤسس للمشروع الديمقراطي لا من الناحية الفكرية ولا من الناحية السياسية.وعندما نلمس نزوعا ديمقراطيا لدى هذا الداعية الإسلامية أو ذاك ، لدى هذه الحركة الإسلامية أو تلك،على أهمية ذلك، فإن مرجعه، على الأغلب الأعم ، يكمن في مدى التأثر بروح العصر، وبالتالي تغلل بعض أفكاره وأدواته المفهومية في منظومتها الفكرية والسياسية لتكون تلفيقاً هشاً، لا يخفي المتحول والظرفي فيه، الثابت والجوهري.ففي وقت صعود المد الاشتراكي كتبت عشرات الكتب ومئات المقالات في مسعى للتوفيق بين الإسلام والاشتراكية. وفي الوقت الراهن تدبج المقالات وتكتب الكتب للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية..الخ.إنها ردود أفعال الحركة الفكرية الإسلامية والسياسية تجاه متغيرات زمنها في مسعى للتكيف، دون بلوغ حدود التطور بما يعنيه من تجاوز وتقدم.فقراءة الحاضر من موقع الماضي لا يؤد إلى تقدمه، فالحاضر لا يقبل القراءة التي تؤد إلى تجاوزه إلا من موقعه كحاضر ،وحتى النظر فيما هو ماضي فيه( تراثي) لا يكون انطلاقا من الماضي بل من الحاضر سواء تبنياً أو استلهاما. وبالعودة إلى اجتهادات السيد مويل ((الإسلامية)) التي طالت جوانب أساسية من المشكلة التي نحن بصددها ، اعني مشكلة الديمقراطية، والتي تضعه خارج المنظومة الفكرية الإسلامية كما سلفت الإشارة إلى ذلك فلا بد من الاعتراف بأهميتها، وإن السيد مويل يقدم اجتهادات جريئة تستحق الثناء. في تعريفه للديمقراطية، أو قل تبنيه للتعريف المتداول لها والشائع الاستخدام في الفكر الليبرالي، أي ((حكم الشعب بالشعب وللشعب )) ، يجعل السيد مويل الشعب ليس فقط موضوع الديمقراطية وأداتها ، بل وغايتها.وهو في ذلك يبتعد عن المرجعية الفكرية التراثية الإسلامية، ليقترب من المرجعية الفكرية النهضوية الليبرالية، لذلك من الطبيعي من موقع المرجعية الأخيرة أن يرى السيد مويل جوهر الديمقراطية في الحرية والمساواة وأن يحاول البحث في التراث الإسلامي عن سند لها. إن مقولة الخليفة عمر(( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)) لم يكن لها في التاريخ الإسلامي أية دلالة واقعية، بعيدا عن الحدث الذي استدعاها وتسبب بها، فتاريخنا هو تاريخ الاستبداد بامتياز.مع ذلك تعود هذه المقولة لتثبت حضوراً مكثفا في المثاقفات الجارية في الوقت الراهن حول قضايا الحرية والديمقراطية.وبعيدا عن الحمولة المعرفية لهذه المقولة، وعن دلالتها الرمزية والمبدئية ، التي يمكن أن يزاد بها أو ينقص حسب الظروف،فإن قراءة السيد مويل لها تجعل الناس ليس فقط أحراراً بل ومتساوين في الحرية بغض النظر عن كونهم مسلمين أو غير مسلمين.وأكثر من ذلك الحرية لدى السيد مويل هي أمر فطري طبيعي،ومن واجب المسلمين أن يردوا الحرية للناس إذا أقدم أحد على سلبهم إياها. وما دام الناس متساوين في الحرية حسب السيد مويل، فإنهم بالتالي متساوون في جميع المجالات. فالناس متساوون في الحقوق والواجبات ومتساوون أمام القانون وفي فرص العمل،وهم متساوون في المواطنة لأنهم يشكلون وحدة إنسانية. ويصعد السيد مويل من اجتهاده في مجال الحرية ليقول بحرية الاختيار، التي يجد سندا ومرجعا لها في قوله تعالى(( لا إكراه في الدين)).فإذا لم يكن هناك إكراه في الدين حسب رأيه،فليس هناك إكراه في الفكر، كما أنه لا إكراه في السياسة ولا إكراه في الاقتصاد..الخ. ومن حرية الاختيار كما يقول السيد مويل بحق، تتولد التعددية بكافة أنواعها والتي بدونها لا تكون الديمقراطية ولا يقوم البنيان المجتمعي الديمقراطي. يعتبر السيد مويل أن الشعب هو مصدر السلطات، وهو الذي يختار ممثليه وبالتالي هو الذي يعزلهم إذا شاء.ويعبر الشعب عن رأيه عادة من خلال نفاذ رأي الأغلبية مع احترام حق المعارضة،مع أنه ليس بالضرورة أن يكون رأي الأغلبية على صواب، إلا أن إمكانية الصواب لديها تكون أكبر عادة منها لدى الأقلية.وإن القول بفصل السلطات مثله مثل القول بأن الأمة مصدر السلطات من الأمور المستجدة في الفكر الإسلامي، الأصل فيه حسب السيد مويل((المصالح والمضار أي المصالح المرسلة)). ويخطو السيد مويل خطوة أخرى أكثر جرأة في تعبيره عن هواجسه الليبرالية عندما يقول بان القانون، أي قانون لا قيمة له((إن لم يكن شرعياً أي مختارا من قبل الأغلبية الشعبية)). لكنه سرعان ما يستدرك فيقول بأن المصدر الوحيد للقانون هو(( الإسلام بشقيه : القرآن والحديث)) من هذه الزاوية يفرق السيد مويل بين المجتمع الديمقراطي وبين المجتمع الإسلامي، وإن الأول يؤد إلى الثاني، وهنا يبدو السيد مويل تلفيقيا بامتياز. تحت عنوان(( الديمقراطية ولا إله إلا الله)) يقدم السيد مويل تأويلا جميلا لمقولة (( لا إله إلا الله)) يكاد ينفرد به.فلا إله إلا الله حسب السيد مويل تعني أن المسلم لا يستعبد أحدا، كما أنه لا يسمح لأحد باستعباده. لا إله إلا الله بهذا المعنى هي جوهر الحرية.ويشتق السيد مويل من هذا التأويل العام لعبارة لا إله إلا الله معنا آخر يتعلق بمحاربة الطواغيت وتحرير الناس من استعبادهم، ليس ((لإدخالهم في الإسلام ،وإنما لمنحهم حرية الاختيار،إما أن يختاروا الإسلام وإما أن يدعوه..)) وبذلك تتحدد الغاية من الجهاد الإسلامي حسب السيد مويل. ويذهب السيد مويل إلى مدى أبعد في اجتهاده عندما يقول بأن المسلم يكف أن يكون مسلما إذا توقف عن محاربة الطواغيت والحكام المستبدين، ويكاد يقول: إذا لم يكن ديمقراطيا لأن محتوى مقولة (( لا إله إلا الله)) هو محتوى ديمقراطي. يعتبر السيد مويل أن الشورى أصل تشريعي وركن أساسي من أركان النظام السياسي الإسلامي،مع أن تاريخ الإسلام السياسي والفكري لا يوافق ما ذهب إليه السيد مويل. الشورى في واقع الأمر أقل صلة بنظام الحكم في الإسلام، وهي لا تنتمي إلى مجال السياسة بقدر ما تنتمي إلى مجال الأخلاق وآداب السلوك،فهي مشبعة بحكم قيمة وذات دلالة وعظية، لذلك لم تكن ملزمة أبداً.وإن التأويل المعاصر لمصطلح((الشورى)) كما ورد في القرآن ، في موضعين اثنين، هو في الحقيقة نوع من التجاوز لدلالتها اللغوية والاصطلاحية، خصوصا عندما تقدم كبديل للديمقراطية.ولا ضير في ذلك طالما أن هذا التأويل يندرج في إطار تأصيل الديمقراطية في ثقافتنا وتاريخنا ،واعتبارها ملزمة. قلة ممن يفكرون من داخل المنظومة الفكرية الإسلامية، وخصوصا من العاملين في الساحة السياسية يمكن أن يشاركوا السيد مويل آراءه واجتهادا ته التي حفلت بها مداخلته.فثمة في القرآن وفي الحديث ما يؤسس لعكس ما جاء به السيد مويل ويؤصل خطابا مختلفا تماماً لا مجال للخوض به. مع ذلك لا يسعنا إلا أن نثمن مرة أخرى ما جاء به السيد مويل ، وان نثني على جرأته الاجتهادية التي يستحق عليها كما نعتقد حسنتين. ومرة أخرى لا بد من القول أن جميع المفاهيم والمصطلحات الاجتماعية ليس لها قيمة بذاتها، بل قيمة تاريخية.فدلالتها اللغوية والاصطلاحية مشروطة بتاريخيتها، أي بانتسابها إلى زمن ومكان معينين وإلى بنية اجتماعية محددة.فمفهوم الحرية أو مفهوم المساواة ،وحتى مفهوم الشعب أو مفهوم نظام الحكم ..الخ ،على سبيل المثال ، ليس لها الدلالة اللغوية والاصطلاحية نفسها ولا الحمولة المعرفية ذاتها، كذلك الأمر بالنسبة لمفهوم الديمقراطية.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في الحدث- الزلزال العراقي
-
الديمقراطية التي نريد
-
الصراع الطبقي وأشكاله
-
أزمة الديمقراطية في الوطن العربي
-
البناء الاجتماعي ومفاهيمه الأساسية
-
المادية التاريخية وسؤالها الأول
-
الديمقراطية: معوقات كثيرة …وخيار لا بد منه
-
المادية الجدلية وسؤالها الأول
-
الديمقراطية بين الصيغة والتجسيد
-
المنهج الماركسي واشتراطاته
-
شي بحط العقل بالكف....
-
منطق الفكر
-
نقد الفكر مقدمة لنقد السياسة
-
الديمقراطية وبيئتها المفهومية في الوعي السياسي العربي
-
الديمقراطية والنخبة
-
الديمقراطية والعلمانية والليبرالية
-
الديمقراطية والمجتمع المدني
-
عندما -تحاول- أمريكا التفكير بعقل -غير- إسرائيلي يظل مثقفونا
...
-
الديمقراطية وحقوق الإنسان
-
الديمقراطية والحرية
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|