|
ما وراء الحجاب .. والأكمة ؟
إبراهيم المصري
الحوار المتمدن-العدد: 775 - 2004 / 3 / 16 - 09:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قد تختلف جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الدينية والواعظون من كل نوع وأصحاب نظرة الإعتدال الديني كما يسمَّون أنفسهم ، قد يخلتف كل هؤلاء على أمور كثيرة سواء في الخطاب أو في الأساليب ، لكنهم جميعا يصدرون عن رؤية دينية للكون والمجتمع والدولة والفرد ، وتبدأ هذه الرؤية من مجرد الوعظ الأخلاقي عند البعض إلى اعتبار العالم كله ساحة حرب بين دار الكفر ودار الإسلام . ولما كانت حقائق الواقع أقسى من هضمها عند هؤلاء باختلاف شرائحهم ، فإنهم ينازعون فيما يمكن تعميمه وليس أسهل من قضية الحجاب شبكة لاصطياد المجتمع ومعه الدولة والفرد إلى هذه الرؤية الدينية التي ترسم حداً فاصلاً لا يمكن التفاهم عنده إلا بالقتل كما فعلت جماعات مثل الجهاد أو القاعدة أو أنصار الإسلام أو بالتكفير كما يفعل الكثيرون ، ومثال الراحل فرج فودة لا يزال في الذاكرة . وقضية الحجاب هذه تخفت حدتها أو تزيد حسب المتاح من وقائع ، وقد جاء قرار الرئيس الفرنسي جاك شيراك بحظر الرموز الدينية في المدارس والمؤسسات الحكومية الفرنسية ليقدم الحطب اللازم لأصحاب الرؤية الدينية ، فاندلع الجدل على قضية الحجاب مُتخذا هذه المرة أبعاداً عالمية . وفي هذه المعركة المُثارة منذ ربع قرن على الأقل يدور الجدل بين مؤيدين ومعارضين يستند كلاهما إلى النص الديني في دفاعه عن وجهة نظره وفي الحقيقة فإن الآيات القرآنية الخاصة بالحجاب مرتبطة بأسباب نزول يتخذها المعارضون سنداً ، فيما يقول المؤيدون إن الحجاب فريضة مُلزمة ويستندون أيضاً على النص الديني . المعارضون سوف يخسرون دائماً فلا أحد يحميهم ، وهذا مثال قريب للغاية ، فقد كتبت الشاعرة والناشطة الحقوقية العراقية المقيمة في هولندا بلقيس حميد حسن مقالاً في جريدة إيلاف الإلكترونية تقول فيه إن الحجاب ليس فرضاً ولم ترفض بلقيس الحجاب وإنما تركت أمره للسلوك والحرية الشخصية عند المرأة المسلمة فما كان من أحدهم إلا رد عليها قائلا : لا تقولي في القرآن برأيك يا بلقيس وقال آخر لها مستشهدا بقول تراثي لبشار : إذا صاحت الدجاجة مثل الديك فلتذبح .. وقال أيضا أخطأ على بن أبي طالب وأصابت بلقيس ، ولنا أن نتصور ماذا يمكن أن يحدث للسيدة التي وصفها أحدهم بسلمان رشدي وهذا مثال فقط للتخويف الرهيب الذي يتعرض له كل ما يمكن أن يقول رأياً يخالف ما يقول أصحاب الرؤية الدينية . كما أن قوة المكنون الديني في المجتمع العربي الإسلامي هي من الغليان بسبب أزمة هذا المجتع بالذات مع الحداثة بحيث لا تترك فرصة ولو صغيرة للتنفس . لنسلم بأن الحجاب فريضة .. فماذا بعد ؟ ، سوف يتقدم أصحاب الرؤية الدينية على اختلافهم خطوةً أخرى وهكذا حتى يحكموا قبضتهم على المجتمع والدولة والفرد . إن الحجاب في حدِّ ذاته ليس هو المشكلة سواء كان فرضاً أم حرية شخصية تقدم عليها امرأة كي توفق بين سلوكها في الزي ومعتقدها الديني ، لكن المشكلة أن يكون الحجاب مطية يعبر عليها أصحاب الرؤية الدينية لحصر البشر فيما يرون أنه الحق في تماهي مع الدين وكأن الدين ووجهة نظرهم وحدة واحدة ، حتى أن الخروج عن وجهة نظرهم حتى بالنقاش يضع المعارض في خانة الكفر بما يحمله هذا من خسارة في الدنيا والآخرة . في المجتمعات العربية قديماً لم تكن قضية الحجاب هذه مطروحة بمثل هذه القسوة وكان السلوك العام متعففاً بمنظومة قيم تضبط حركة الناس بدون هذا النزاع الضاري بين السلوك والمعتقد ، ثم أغار علينا أصحاب الرؤية الدينية على اختلافهم لكي يضعوا سؤالاً لكل سلوك وكأن الإنسان يمكن أن يصبح ( روبوت ) مبرمجاً بالأوامر والنواهي . إن الخطأ الكبير الذي يقع فيه من يحاول اخراج نفسه ومجتمعه إلى حداثة تنقذنا من مشاكل الفقر والجهل والتخلف هو الصدوع عن نفس مربع حوار أصحاب الرؤية الدينية ، يقول هؤلاء إن النص الديني يقول كذا وكذا ويرد المعارضون إنه لا يقوله بهذا الشكل وإنما بشكل مختلف . ويبدو هذا أكثر ما يبدو في قضية الحجاب بين ما يقولون إنه فريضة وبين ما يقولون إنه ليس كذلك مستندين إلى أسباب النزول الخاصة بآيات الحجاب في القرآن الكريم . ولا داعي لإخفاء الرأس في الرمال ، فما هو حاصل صراع مكبوت أحيانا ومتفجر أحيانا أخرى .. وعلى كل من يحاول اخراج نفسه ومجتمعه إلى حداثة تضعنا مثل بقية البشر في هذا العصر الذي نحياه أن يخرج من مربع حوار أصحاب الرؤية الدينية وليس هذا رفضا للدين في حد ذاته لأن الدين كمعتقد وثقافة وسلوك وعبادة قائم في نسيج المجتمع ، والمشكلات الحقيقية ليست في الدين ، وإنما في قدرتنا على التطور اجتماعياً وعلمياً وسياسياً واقتصادياً . سوف يقول أصحاب الرؤية الدينية إن صلاح كل هذه المجالات فيما يقولون وعلى من يعارضهم أن يقول لهم شكرا ، أخذنا علما بخطابكم ولن ننغمس معكم في الجدل ، فعندنا كتاب نقرأه وموسيقى نسمعها وعمل نقوم به ودين نؤمن به ورب نعبده بدون وصايتكم علينا وإن أخطأنا فحسابنا عند الله عز وجل . لقد ظهر أحد أصحاب الرؤية الدينية هؤلاء على شاشة فضائية عربية مهاجما ورافضا اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب وبالمدنيين تحت الإحتلال ورافضا وثيقة حقوق الإنسان بوصف كل هذا من وجهة نظره ( قانوناً وضعياً وليس قانوناً إلهياً ) ، ثم سأله المذيع يا فلان أنت ترفض هذه الاتفاقيات التي أعطتك حق اللجوء السياسي والأمن والحماية في بلد تعتبره كافرا وقد رد فلان هذا قائلا لماذا تقسِّمون الأرض ، وكان الرد قاطعا في دلالته على رؤية هؤلاء التي ترى الأرض كلها ملعبا لأقدامهم وصيداً لرؤيتهم التي يحلمون بها معممة على جميع البشر . هذا الفلان له قصة إضافية ، فبعد يوم من التفجيرات الإرهابية في قطارات مدريد نسبت صحيفة عربية رسالة منسوبة إلى تنظيم القاعدة يتبنى فيها هذا التنظيم تلك التفجيرات الإرهابية ، ورغم أن الحكومة الإسبانية نفسها تعاملت بحذر وبقيت على اتهامها لمنظمة إيتا الإنفصالية إلا أن فلاناً هذا بالذات قال لوسائل الإعلام إن رسالة تنظيم القاعدة صحيحة ونسبة التفجيرات الإرهابية لها صحيحة . وقال إن بريطانيا أو إيطاليا قد تكون الهدف المقبل لـ «القاعدة». وقال إن «تنظيم «القاعدة» لا يحتاج الى إعلان المسؤولية. يكفي من له علاقة بأهل السنة والجماعة أن يعلن المسؤولية تحت أي مسمى جهادي او توحيدي اذا بلغه إشعار بذلك من أهل الثغور، مثل «المفردون» او «انصار الاسلام» او كتائب أبو حفص المصري». وقال: «سمهم كما شئت. كلهم أهل السنة والجماعة سواء سموا «القاعدة» أو «انصار القاعدة» او «جيش أهل السنة» او المفردون السلفيون او كتائب أبو حفص المصري، لكن جميعهم رجال بن لادن». وأضاف: «آن الأوان أن ندرك بأن أهل التوحيد غرباء، وهذه الأمة في جهاد ضد أهل الكفر والإلحاد». وما قضية الحجاب إلا البداية وإن طالت في أجندة تتداولها جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الدينية والواعظون والمعتدلون والمتطرفون والواقفون تحت لافتة مكتوب عليها بحبر سري ( نحن أوصياء الله عليكم ) لقد عبر الغرب هذه الوصاية منذ زمن طويل حينما نادي مفكروه بأن ما لله لله وما لقيصر لقيصر ولم يجعل هذا الغرب أقل إيماناً وإنما جعله أكثر تطورا مع بقاء الدين مصاناً في نفوس البشر وفي المجتمع .
شاعر وصحفي
#إبراهيم_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بلطة صدام حسين
-
لنصفق لجماعة الإخوان .. بمرارة
-
بعث العراق سلطة صدَّام قياماً وحُطاماً كتابٌ للقراءة .. مرتي
...
-
باسمي .. باسمي فقط
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|