|
خيانة المثقف للديمقراطية والحداثة
وضاح المقطري
الحوار المتمدن-العدد: 2522 - 2009 / 1 / 10 - 08:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خيانة المثقف للديمقراطية والحداثة عن مديح القبيلة والانحياز لها ليس غريبا أن يذهب مثقف من أصول تقليدية إلى تمجيد القبيلة، والترويج لوجودها كقيمة حداثية لكن الغريب أن يسوق مثقف –إذا سلمنا أن صفة المثقف تلصق بصاحب المعرفة وسعة المعلومات فقط، وأسقطنا عنه الصفة النقدية والتغييرية الثورية- لدور القبيلة والأشكال التقليدية المعيقة لحركة الحرية الشخصية والجماعية وحقوق الإنسان، لأنه إذا وجد للمثقف الأول مبرر –أي مبرر بسبب انتماؤه السابق على ثقافته للقبيلة- فإن المثقف الذي لا تقف خلفه أية قبيلة لن يكون دفاعه عن القبيلة بريئا إلى جانب كونه غير موضوعي أو منطقي. في ندوة إقليمية من أربع جلسات عقدها المرصد اليمني لحقوق الإنسان بالتعاون مع مركز البحوث للتنمية الدولية بكندا دافع عدد من المثقفين عن القبيلة، أو بالأصح روجوا للقيم التقليدية التي ترسخها باعتبارها تقدم إحياء لما تتبناه المجتمعات الحديثة بشأن حقوق الإنسان وحقوق المرأة والضمان الاجتماعي ورعاية الأمومة والطفولة ورعاية المعاقين كما قال أحمد الأصبحي الذي يرى: "أن القبيلة العربية إذا ما أحسن إعدادها لتحمل رسالتها لن تتعارض مع قيام الأحزاب والتنظيمات السياسية ولن تخل بممارسة التعددية السياسية والحزبية بقدر ما يشكل تأهيلها رافداً قوياً يغذي هذه الأطياف بالقدرات الواعية والمؤهلة لممارسة هدفية التنوع في إطار التنوع ووحدة المشروع الحضاري."، وكأن الحاصل الآن أن ثمة نقص في تأهيل القبيلة وإعدادها، وليس إعادة إنتاج لها من قبل الأنظمة التي تستفيد من وجودها للإبقاء على سيطرتها على المجتمعات. ولم ينتبه الأصبحي إلى أن تأهيل القبيلة سيعني مباشرة إلغاء وجودها لأن التأهيل سيعني حتما تجاوز شكلها التقليدي ودمجها في المجتمع، إلا أذا كان يقصد بذلك التأهيل إعدادها لحراسة العادات والتقاليد من قيم الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان. وزاد الأصبحي أن ابتكر مصطلح القبائل العالمية في عبارة له تفيد أن هذه القبائل احتلت اليوم مكان الصدارة في صنع القرار الاقتصادي الوطني، دون أن يحدد مفهوما للمصطلح الذي ابتكره، أو الاقتصاد الوطني الذي صنعت القبائل العابرة للقارات قراره. الدكتور محمد عبد الملك المتوكل أستاذ العلوم السياسية عودنا في كل مناسبة على الدفاع المستميت عن القبيلة والأشكال التقليدية، وبمبررات لا تملك حق الوجود إلا إذا كان لا يؤمن بالحداثة والديمقراطية الخاليتين من تلك الأشكال التقليدية. يحاكم الدكتور المتوكل المثقفين الذين يرى أنهم أسوأ من القبيلة لأنهم يتآمرون على المجتمع باستخدام قدراتهم المعرفية والثقافية، وكأنه كان يفترض –قبل أن يعرف مجتمع المثقفين- أنهم ملائكة أنقياء أطهار، وبالتالي يبدو كمن يرى أنه من الأفضل أن يكون المرء تقليديا على أن يكون مثقفاً. يذهب الدكتور المتوكل إلى أن القبيلة هي من كانت –وربما ما زالت- تحمي الطرق من قطاعها، وهي من تنجد الملهوف، وينسى أن القبيلة هي من تصنع قاطع الطريق، وأن قطاع الطرق هم من القبائل. ويؤكد المتوكل أن الإشكالية تكمن في ثقافة بعض-البعض فقط- من المنتسبين إلى هذه القبائل وليس في القبيلة ذاتها، وإن السلطة هي التي تقوم بتزوير الانتخابات لإنجاح فلان أو علان من مشائخ القبائل، وبهذا يسقط عن القبيلة أي مسؤولية تجاه إفشال الحداثة والديمقراطية، لأنه يفترض وجود "مؤسسات مجتمع مدني هي من تعمل على خلق التوازن بين المجتمع والمؤسسات العسكرية والقبلية"، وكأن القبيلة تسمح بوجود المجتمع المدني، أو أن هذا المجتمع قادر على الوجود والنمو في ظل هيمنة أنظمة مسنودة بالقبيلة. فالمجتمع المدني كنمط تقدم مجتمعي لا يرضى لنفسه أن يقف وسيطا بين طرفي نقيض (الدولة المؤسسية، والقبيلة) لأن من وظائفه الانتصار للمؤسسات الحديثة، وتعزيز قيم الحداثة وحقوق الإنسان التي لا تتكامل إلا في ظل تلك القيم الديمقراطية والحقوقية، وفي هذا الصدد يرى الدكتور فؤاد الصلاحي ردا على من يقول بوجود ديمقراطية في المجتمع القبلي: "أن سواسية أفراد القبيلة تأتى بنتيجة لانعدام التراتيبية فيها، وهذا أمر طبيعي طالما أن أسلوب الإنتاج الأساسي الذي تعتمد عليه القبيلة هو أسلوب إنتاج الكفاف الذي لا ينتج عنه فائض يتيح امتلاكه تراكم للثروة وحدوث تمايز فئوي أو طبقي. فالتراتيبية في أي مجتمع ترتبط بقدرة المجتمع على إنتاج فائض اقتصادي"، وبالإضافة إلى ذلك فإنه و"في سياق التغلغل الرأسمالي في المجتمع وحدوث تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية وتعاظم ظاهرة الهجرة والحراك الاجتماعي واستخدام النقود في العمليات الاقتصادية والتبادلية كل ذلك أدى إلى تمايز اجتماعي واقتصادي في القبيلة وفقاً لمعايير عده منها الملكية، حجم الفائض والتراكم الرأسمالي، التملك القانوني للأرض، وتولى مناصب إدارية وسياسية على المستويين المحلى والوطني كل ذلك- وغيره- ساعد على بروز تراتيبية في البناء القبلي مما تنتفي معه مقولة الديمقراطية القبلية التى استنتجها البعض من نظرتهم لوضع القبيلة خارج إطار عام هو المجتمع وعزلها عن السياق التاريخي الذي يشترك ويتداخل فيه العامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي." حسب الدكتور الصلاحي أيضاً. ووفقا للدكتورة عفاف الحيمي فإن "الثقافة التقليدية القبلية السائدة تحمل مضامين تمييزية بين الرجل والمرأة لصالح الرجل، ومن ذلك تمجيد الذكورة التي تعني القوة والسيطرة والسيادة أما الأنوثة فتعني الضعف والخضوع والاستسلام للرجل "ظل راجل ولا ظل حائط"، كما تعبر التنشئة الاجتماعية السالبة عن المرأة بأن ليس لها القدرة على مواجهة الحياة الاجتماعية لوحدها، فتصبح ضعيفة وهشة، ذات حياة ليس لها قيمة إلا بالرجل ولا تكتسب مكانتها الاجتماعية إلا من خلاله ومن الأمثال التي ترد في هذا المجال: من قلة رجاله ناسب"، وعبارة "أخت الرجال"، و"البنات جالبات المصائب ومنكسات العمائم"، "الولد سر أبيه" و"ولد عاصي ولا عشر طائعات". كما أن الثقافة التقليدية القبلية في العقل الجمعي-وبحسب عفاف الحيمي أيضاً- لا ترى في المرأة إنسانيتها وإنما هي كائن مخلوق حقير على استعداد لبيع نفسها لأول عابر سبيل إذا غفل الرجل لحظة واحدة عن حراستها، فالمرأة بدون الرجل مال سايب. وصدى تلك الثقافة في أمثلتنا الشعبية المتداولة بين الناس مثل:عقل مية مرة في رأس نعجة دورا، والمكلف ربع رجال، والمرة عز قدرك، والمرة عقلها بدرمها، إي بكعب رجلها، ,العاقلة من النساء كالشاردة من الإبل، وهي إلا مرة. إن المجتمع المدني يقوم بدور الوساطة بالفعل، لكنه يقوم بتلك الوساطة بين الأفراد والدولة، كونه وجد أساسا لخدمة الفرد داخل المجتمع، وسيكون المجتمع المدني فارغ المعنى إذا حاول الوساطة بين القبيلة والدولة، لأن ثمة تناقض بينهما، فلا دولة في ظل سيادة القبيلة، ولا يمكن أن تكون ثمة سيادة لقبيلة في وجود الدولة، وإذا وجدت القبيلة فيلا إطار الدولة، فإن تلك الدولة لن تكون سوى عصابة كما يؤكد لنا الدكتور المتوكل دائماً. ويتناقض مفهوم المجتمع المدني مع القبيلة، كونه يعمل على دمج الأفراد في المؤسسات والوساطة بينه والوسيطة منها، أو تلك التي تقف بين الفرد والدولة، وتتولى سلطات محدودة. ويعمل دائما على محاولة نشر السلطة لا مركزتها، وحماية الفرد من طغيانها وتغولها. وإذ يتمثل المجتمع المدني في منظمات واتحادات ونقابات طوعية؛ فإنه يكون بذلك نقيضا مباشرا للقبيلة التي يكون الانتماء لها بصلات الدم والقربى والمناطقية والطائفية أحيانا كثيرة.
#وضاح_المقطري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل أتاك حديث الهوية؟!! في بحث الجنوبي عن حقه وحقيقته
-
اقتصاد يغدق فقراً -عرض كتاب-
-
المكان متورط بالنسيان
-
الفيدرالية هي الحل
-
مطر في المنفى
-
صورة أمي في خريف المطر
-
أميمة ... الشجن الذي لا ينام ،، الحنين الذي لا يغيب
-
إلهة البهجة الدائمة
-
ندوة العدالة الإنتقالية وانتهاء حرب صعدة
المزيد.....
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|