|
الثوابت الوطنية وستراتيجية الاعلام العراقي
محمد نعناع الحميداوي
الحوار المتمدن-العدد: 2521 - 2009 / 1 / 9 - 09:48
المحور:
الصحافة والاعلام
لكل وطن هويته الخاصه به ، وثوابته المنبثقه من روح ومبداء الوطنيه الصادقه لدى الشعب ، و ليس غريبا ان نجد من يريد ان يطمس ثوابتنا الوطنيه تحت شعارات مختلفة الا اننا نحن من يعرف ثوابت الوطن وما تعنيه تلك الثوابت من قيم اخلاقيه ووطنيه وشعبيه لن نقبل بان تطمس هويتنا وثوابتنا من قبل أي مخلوق على وجه الارض . و مما لاشك فيه ان موضوعة الوطنية تلتقي بصورة مباشرة مع قضيتين اساستين هما المصلحة العامة و التعددية الثقافية ، و عند الحديث عن الثوابت والمرجعيات ومفهوم المصلحة الوطنية ، يبرز معه الحديث عن التوافق والتراضي بين القوى السياسية بما يضمن مبدأ التعددية الثقافية التي تحترم التمثيل الصحيح لكل فئات المجتمع على أساس مفهوم المواطنة. ما هي «الثوابت» وكيف نحميها؟! قد يتحدث البعض عن « الثوابت الوطنية »، وينادي بها، وهو موغل في التنازل عنها! و قد يكون الاسم متفق عليه من الجميع، ولكن ماذا عن المسمّى والمضامين؟! يعتقد الكثير من المراقبين بان الثوابت الوطنية باتت تحتاج إلى تعريف من جديد وتوضيح لمن لا يعرف أو يغمض عينيه عنها، والتذكير بها في سبيل حمايتها من الذين يستخدمونها في سياقات غير التي وُضعت لأجلها. «الثوابت الوطنية » كما نفهمها، هي ما يتفق عليه كل الشعب من حقوق و واجبات. في الحقيقة، ليس الذنب ذنب الجيل الحاضر في عدم بلورة المشروع الوطني ، بل يعود الأمر إلى سوء إدارة المشروع الوطني و قيادته وفقدان الشفافية والصراحة على طول خط بناء الدولة العراقية الحديثة. فكان السياسيون يظنون بأن كل انحدار سيكون آخر الانحدارات، فيفاجَأون بمنزلق جديد لم يكن بحسبانهم. و الثوابت الوطنية : تعني في عرف المصلحين و الساسة وعلماء الفكر السياسي كل ما لا يمكن التسامح ازاء المساس به ، و ما تورثه اجيال الحاضر لاجيال المستقبل ، و لا يحق لصانعه ان كان شخصا او فئة او جيلا او حقبة تاريخية التنازل عنه ، فهو بالتالي ليس ملكا خاصا لصانعه بل هو ملك للتاريخ . و بعد هذه المقدمة البسيطة هل تعتقدون بان من الممكن لاي شخص ان يدعي الوطنية او الحفاظ على ثوابتها .. كلا فالذي يسوق الناس الى سلخانات الحرب سرعان ما تسقط حجته ، و لعل السياسيين من اكثر الناس حديثا عن شيئين ( الوطنية و الدين ) و لكن الكثير منهم بعيدين عن قيم العقائد الدينية و الثوابت الوطنية ، و من بين 30 صراعا جرت احداثهما في الشرق الاوسط بين المسلمين فيما بينهم او بين المسلمين و تيارات دينية و فكرية كان السبب في الصراع النفوذ السياسي و الحلول لهذه الصراعات العودة الى الثوابت الوطنية . و لعل التجربة العراقية ابان النظام السابق اوضح مصداق على كشف زيف من استعار الوطنية ولبسها ثوبا ظن انه قشيب . فكانت هذه الوطنية المستعارة بمثابة الثوب الذي يستر العري في خلاء الضعف الذاتي و الخواء الفكري و التسافل الاخلاقي . هذا لان بيانات رجال السياسة في كل مراحل التاريخ مثال بارز على الخلط المتعمد بين الشعار و الواقع ، بين الوطنية الحقيقية و بين الوطنية المستعارة . و لعل الكثير من السياسيين و اصحاب الراي تكلموا بالوطنية و منهم من لامس اطرافها لكن الوطنية الحقيقية كانت دائما كجمر تحت الرماد تحتاج الى من يثورها بشكل عنيف . اما اهم الثوابت الوطـنية التي اجمعت عليها القوى السياسية العراقية و من ورائها الشعب العراقي فهي : اولاً : لا عودة لقيم ورموز وسياسات وأجهزة القمع للنظام الدكتاتوري السابق. ثانياً : القبول بالآليات الديمقراطية في تشكيل وإدارة السلطة التنفيذية ومجلس النواب وفي التداول السلمي للسلطة. ثالثاً : نبذ العنف ونهج التآمر والعدوان في حل المشكلات السياسية واعتماد الحوار والآليات الديمقراطية في حل المشكلات . رابعاً : الإيمان بوحدة العراق أرضا وشعبا وحكومة . والالتزام بانتمائه العربي والإسلامي. خامساً : الإيمان بأهمية العمل الجاد والسريع لاستكمال مقومات السيادة الوطنية . سادساً : احترام الثوابت الوطنية والدستورية واحترام آليات التعديل في الدستور سابعاً : إدانة الإرهاب الذي يستهدف المدنيين والأبرياء ودوائر الدولة العامة والبنى التحتية . ثامناً : احترام حقوق الإنسان. تاسعاً : إدانة نهج التكفير والتخوين بحق أي مكون من مكونات المجتمع العراقي. الإعلام و"الثوابت الوطنية" كيف تعاطى الإعلام العراقي مع الثوابت الوطنية؟ نحن هنا بصدد إعطاء تقويم موضوعي مدعّم بالشواهد والإثباتات. لكن رغم ذلك فهذا التقويم لا يرقى الى مستوى التقويم العلمي الذي يخضع لمقاييس ومعايير وأدوات بحث علمية لا ندّعي في هذه المساهمة الاستناد عليها. مع ذلك سنحاول، هنا طرح أفكار وملاحظات وآراء مفيدة وهي كلها خاضعة للنقاش. لم يكن المشروع الوطني متبلورا لحظة التغيير الذي عصف بالعراق فظلا عن وجود ثوابت وطنية متفق عليها بل لعل الاجندة السياسية و الاستقطاب الطائفي كان هو المحرك الاكبر على الساحة العراقية ، و لم يكن الاعلام ليبتعد عن هذا الواقع . و لكن بعد فترة تغيرت الرؤية و تقهقرت الخطابات الطائفية و برزت الروح الوطنية . لقد دأب الإعلام العراقي على تسويق الثوابت التي تدعم الوحدة الوطنية وما تفرّع عنها من مقولات وشعارات، وباتت هذه نقاط محورية في كل خطاب أو تحليل أو مهرجان أو لقاء. فإضافة إلى الداعي الاول للحديث عن الوطنية و ثوابتها و هو الاستنزاف المستمر للارواح دعمت مؤتمرات ميدانية و اعلامية هذا الملاك الجديد المسمى بالوطنية و اكبر هذه المؤتمرات مؤتمر وثيقة مكة . المقولات و الشعارات وفي الأطر والأشكال التي استخدمت فيها أصبحت مقدسات و محرمات في نفس الوقت و خصوصا في الطرح الاعلامي و هذا ما كشفته بعض وسائل الاعلام من خلال اللقاءات الحوارية بين طرفين او اكثر . من الأمثلة التي يمكن أن نقدّمها عن الالتباسات التي تحصل في استخدام تلك المقولات و الشعارات الوطنية اعلاميا ، مقولة "نبذ الطائفية". فالاعتقاد السائد، وبالأخص ما يتعلق بالممارسة القائمة، أن نبذ الطائفية هو الذي يحمي الوحدة الوطنية، وبالتالي يُستخدم، أحياناً كثيرة،استباقياً كوسيلة وقائية لمنع ما يُظَنّ أنه يعكّر الوحدة الوطنية. بينما نبذ الطائفية هو ـ باستثناء بعض الحالات ـ نتيجة أكيدة ومضمونة وطبيعية لمجتمع مؤمن بمبادئه الانسانية متوثقة فيه عرى الوحدة الوطنية. ذلك أن الوحدة الوطنية غالباً ما تكون اتفاقاً ما بين جماعات يتمّ على أساس تسويات تقرّها الجماعات لتعيش بعضها مع بعض بانسجام ووئام وسلام ضمن وطن أو أمة. فإذا ما انسحب أي فريق من الأفرقاء من الالتزام بالتسويات المتفق عليها ينفرط هذا العقد . وإليكم مثلاً آخر عن التباسات استخدام مقولات الوحدة الوطنية بشكل سطحي وغير عقلاني: مِن مستهلكي الخطاب السياسي والثقافي السائد عندنا يتوقف لحظة أمام مقولة "الانصهار الوطني" ليكتشف أنها تعني، في ما تعني، أولاً واقع "التعدّدية"، وثانياً ، ضرورة "الوحدة" ضمن التعدّدية. أي أن الوحدة الوطنية ضرورة. والتعدّدية حق مشروع، إن لم نقل واقعاً حتمياً. فلماذا، كل مرّة يحكى عن التعدّدية ، تقوم القيامة، وكأنّ مَن ينادي بالتعدّدية عدوّ الوحدة الوطنية. بينما، وللأسف، لا يستقيم الكلام عن التعدّدية ويُرحّب به إلاّ في حال واحد: هو حال الطائفية. رغم ان العيش المشترك هو من الثوابت الوطنية. لكن الطائفية هي سمّ قاتل للعيش المشترك وهي من ألدّ أعداء الوحدة الوطنية. هنا، لا بدّ من التمييز ما بين "الطوائفية" و"الطائفية". فالطوائفية هي حق المتديّنين في أن ينتموا إلى جماعة دينية. وهو حق طبيعي ومشروع، لا بل أقول إنه ضروري. إنه ضروري لأن الطائفة هي التعبير السوسيولوجي عن الإيمان الديني. فما قيمة الايمان إن لم يُعبّر عنه ثقافياً واجتماعياً؟ أما الطائفية فهي تمثيل الطوائف في السلطة السياسية، وبالتالي اشتراع بعض القوانين الملزمة، استناداً إلى الانتماء الطائفي. فأين إعلامنا من التصدي لهذه المشكلة التي هي، في نظرنا، من أكبر المشاكل التي تعترض اكتمال وحدتنا الوطنية. صحيح أن إعلامنا العراقي كان مؤسّساً كاعلام سلطوي و استمر لفترة طويلة تحت هذه العباءة . وصحيح أن إعلاميّينا هم من روّاد النهضة العربية الثقافية والسياسية و ليس الوطنية . و فوق ذلك ما زال إعلاميّو اليوم اقل كفاءة وثقافة ولا بدّ من الاعتراف بأن إعلامنا بات محاصراً أكثر فأكثر، ويوماً بعد يوم، وأن إعلاميّينا يكافحون التدجين. فمن يستطيع أن ينكر أن وسائل الإعلام في العراق تنضوي شيئاً فشيئاً تحت أنظومة المحاصصة، المحاصصة الفئوية والاقتصادية والسياسية والمذهبية. وفي حال كهذه يضيق هامش الحرية الإعلامية. والحرية الإعلامية ـ كسائر الحريات ـ هي من حقوق الإنسان الأساسية فالحرية هي حق للصحفي من المجتمع الذي يعيش فيه. إنها خدمة له ليعمل، وهي خدمة للمجتمع ليعرف كل شيء. فلا صيانة للحرية إلاّ بالحرية، وهي بعكس ما يقال لا تحدُّ أبداً، لا نهاية لها" أما دور الإعلام، في مختلف القضايا، لا سيما في صياغة خطاب وطني حقيقيّ ينأى عن التعويم المصطنع لمنطق الثوابت الوطنيّة، فإنه دور رسوليّ. وإذا كان العراق ضرورة حضارية للعالم، فكم يصبح دور الإعلام فيه كبيراً. "لذلك لابد أن نقول إن التعايش و الوحدة الوطنية ليس ملكاً للعراقيين و منهم الاعلاميين بل هو أمانة في ايديهم . لذلك سنقدم مجموعة من النقاط المهمة التي تسمح بان يكون للاعلام دور بناء في العراق الجديد و منها : 1. اعتماد الايجابية في الطرح الاعلامي وبث روح التفاؤل والثقة والامل في الجمهور. 2. معالجة ملفات العنف واللغو والتطرف والطائفية وباقي الملفات الحساسة بالحكمة ودون استفزاز. 3. التأكيد على وحدة الوطن في عمقه العربي والاسلامي مع مراعاة بقية مكونات الشعب العراقي والتذكير المستمر بالاخوة بين القوميات والاديان والطوائف المختلفة ضمن النسيج العراقي وبالتأريخ المشترك بينهم. 4. تبني المنهج الاسلامي الوسطي المعتدل من خلال طرح عصري منفتح. 5. الدعوة إلى المساهمة بفاعلية في بناء الوطن وتحويل التنظير الفكري المجرد إلى واقع عملي ملموس. 6. الاهتمام بكل الجوانب الحياتية المتعلقة بالجمهور بكل اصنافه والتركيز على القطاعات المهمة في المجتمع كالمرأة والطفل والشباب. 7. بناء رؤية سياسية ناضجة لدى المواطن تنطلق من الثوابت الوطنية والتاريخية والاسلامية. 8. الاهتمام بالرموز الفكرية والتربوية وابراز شخصياتها. 9. تبني هموم ومصالح عامة الشعب والدفاع عن حقوق المواطنين وبالاخص المظلومين منهم . 10. الاهتمام بالملفات العربية والاسلامية والعالمية من خلال التغطية الاعلامية الشاملة. فلنعتبر هذه تذكرة و جزء من واجب علينا جميعا القيام به و هو المحافظة على الثوابت الوطنية من خلال استراتيجية اعلامية شاملة.
#محمد_نعناع_الحميداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنمية الارهاب في العراق الجديد
المزيد.....
-
رجل يُترك ملطخًا بالدماء بعد اعتقاله بعنف.. شاهد ما اقترفه و
...
-
وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده و
...
-
مايوت: ارتفاع حصيلة ضحايا الإعصار شيدو إلى 39 شخصا وعمليات ا
...
-
2024.. عام دام على الصحافيين وعام التحديات الإعلامية
-
رصد ظاهرة غريبة في السحب والعلماء يشرحون سبب حدوثها
-
-القمر الأسود- يظهر في السماء قريبا!
-
لافروف: منفتحون على الحوار مع واشنطن ولا نعول كثيرا على الإ
...
-
زيلينسكي يدين ضربات روسية -لاإنسانية- يوم عيد الميلاد
-
بالأرقام.. في تركيا 7 ملايين طفل يعانون من الفقر وأجيال كامل
...
-
استطلاع: قلق ومخاوف يطغى على مزاج الألمان قبيل العام الجديد
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|