|
الخطاب الاسلاموي في المظاهرات الشعبية
رشيد طلحة
الحوار المتمدن-العدد: 2519 - 2009 / 1 / 7 - 07:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في اليوم العاشر على التوالي لا زالت آلة الحرب الصهيونية مدعومة بمباركة أمريكية تحصد المزيد من الشهداء و الجرحى الفلسطينيين حيث تجاوز عدد القتلى ال 500 شهيد أغلبهم من المدنيين خاصة الأطفال و النساء، في ظل صمت رهيب للأنظمة العربية الرجعية و الاستبدادية التي عبرت أكثر من مرة عن عدم اكتراثها بمعاناة الشعب العربي في فلسطين و لبنان بل الأكثر من ذلك كونها بادرت إلى مساندة الكيان الصهيوني و شرعنة جرائمه من خلال تحميل المقاومة الفلسطينية و قبلها المقاومة في جنوب لبنان مسؤولية ما يقع في المنطقة بسبب مغامراتهما الغير محسوبة العواقب. هذا الصمت الذي اشمأزت منه نفوس الشعوب المقهورة، و هي تشاهد صور القتلى و الجرحى و مشاهد الدمار يخيم على كل شبر من غزة، جعل الملايين من الجماهير تخرج إلى الشارع للتعبير السلمي عن استنكارها للمجازر الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني و إدانتها للصمت العربي الرسمي و دعمها و مساندتها للمقاومة الفلسطينية. و بدعوى حماية النظام العام و الممتلكات لم تتوانى الأنظمة الاستبدادية على استغلال ترسانتها القانونية لمنع هذه المسيرات الاحتجاجية أو قمع المتظاهرين و استعمال العنف المفرط ضدهم و الذي وصل لدرجة القتل كما و قع مِؤخرا في مراكش المغربية. هذا الذعر الذي أصاب الأنظمة العربية جراء تزايد الغضب الشعبي ضد مواقفها الرسمية من القضايا الوطنية و انحيازها للإدارة الأمريكية و ركوعها تحت أقدام الامبريالية الأمريكية جعلها تحشد كل أجهزتها البوليسية و الاستخباراتية لكتم الأصوات الحرة. غير أن هذه المظاهرات سواء كانت تلقائية أو منظمة عرفت نوعا من الاستغلال الإعلامي من قبل بعض الأحزاب و الجماعات السياسية خاصة الإسلامية التي لا تفوت فرصة وقوع حرب في قطر مسلم (البوسنة- الشيشان- كوسوفو-أفغانستان-العراق-فلسطين ... ) أو إساءة للمقدسات و الرموز الدينية (الرسوم الكاريكاتورية) إلا وسعت للارتزاق منها و استغلالها سياسيا و إعلاميا لصلحها حيث يتم تصوير الحدث على انه حرب ضد الإسلام و المسلمين و بالتالي فينبغي التفاف المسلمين لمحاربة الكفار ( اليهود و الصليبيين)، و قد لاحظنا ترديد شعارات من هذا القبيل ، عن وعي أو بدون وعي، من قبل العديد من المتظاهرين في كافة الأقطار العربية التي سمح فيها التظاهر و حمل لافتات تزكي الحقد الديني و يسيء للقضية الفلسطينية التي أخذت بعدا عالميا بعد أن كانت مجرد قضية قومية عربية. هذا التصوير الذي ينطلق من الخلفيات الشوفينية و الفاشستية للجماعات الإسلامية يخفي الوجه الحقيقي للصراع العربي الإسرائيلي و يختزله في حرب دينية بين المسلمين و اليهود و الهدف منه هو إثارة الحقد الديني و الطائفي بين الشعوب و بالتالي شرعنة العمليات الإرهابية، فماذا يميز إذن المشروع الصهيوني عن المشروع الاسلاموي؟ لقد نجحت الصهيونية في جمع شتات اليهود في العالم و ترحيلهم لفلسطين، و لم يكن ليتاح لها ذلك لولا لجوئها للخطاب الديني و دغدغة مشاعرهم الدينية من خلال الدعاية للهجرة لإسرائيل بأنه استجابة لدعوة الرب لاسترجاع أرض الميعاد و جعلها تحت سلطة شعب الله المختار ليسود من خلالها على العالم و يحيي فيها مملكة داوود و سليمان. كما انه عندما تأمر الحكومة الإسرائيلية جنودها لقتل الشعب الفلسطيني بوحشية إنما تذكرهم بواجبهم المقدس لحماية مملكة اليهود و السير على نهج النبي موسى، فكل فلسطيني قتيل هو قربان للرب. فمشروع الدولة اليهودية الذي نظرت له الصهيونية منذ بداية القرن الماضي يقوم على أساس بناء دولة دينية خالصة لليهود لا مكان فيها لغيرهم. نفس الخطاب ، مع اختلاف في الجزئيات، نجده في مرجعيات الجماعات و الأحزاب الإسلامية خاصة المتطرفة منها ، فهي تبيح القتل و سفك الدماء باسم الإسلام و جهاد الكفار و تسعى لإقامة نظام حكم تيوقراطي مبني على الاستبداد و إخضاع رقاب الشعب لسلطة الله و تطبيق الحدود و الشريعة الإلهية و استئصال المعارضين مهما كانت انتماءاتهم و دياناتهم. إن حقيقة الصراع في منطقة الشرق الأوسط عامة و في فلسطين خاصة أكبر من ذلك، فهو يدخل ضمن إستراتيجية طويلة الأمد للامبريالية الجديدة بقيادة أمريكا و حليفتها الصهيونية للسيطرة على ثروات المنطقة و إخضاع حكامها و تركيعهم، و تفتيت شعوبها و تمزيقهم عبر زرع العداوة الطائفية و الدينية، و خلق كيانات صغيرة يسهل التحكم في مصائرها خدمة للرأسمالية العالمية و مصالح الشركات الكبرى المتعددة الاستيطان. فمشروع تحالف الصهيونية و الامبريالية العالمية لا يهتم مطلقا بالانتماء الديني أو المذهبي للأنظمة الحاكمة بقدر ما يهتم بطبيعة مشاريعها السياسية ( رجعية أم ثورية) و مواقفها الرسمية من القضايا التي تدخل في صلب مخططاته الاستعمارية ( الحرب على الإرهاب مثلا).
#رشيد_طلحة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحوار المتمدن منار كل اليساريين
-
في ذكرى اغتيال بن عيسى
-
كرونولوجيا حياة و مؤلفات ماركس
-
ثورة أكتوبر: ما لها و ما عليها
-
المواطن والسلطة و السياسة
-
بؤس الفتوى الدينية
-
اليسارفي المغرب: أسباب الأزمة
-
اليسار في المغرب واقع و افاق
-
تاريخ اليسار في المغرب
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|