|
عام على سقوط القتلة !
سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 774 - 2004 / 3 / 15 - 03:25
المحور:
ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري
في بداية سنة 1979 م هجرت أنا العراق ، مثلما هجره كثيرون غيري ، وكان كل واحد منها يحدوه أمل بعود قريب ، ومظفر الى العراق ، شرطه زوال الحكم العفلقي ، الفاشي فيه ، وكان الرهان في أمل زوال الحكم هذا ينصب على الظرف الداخلي والخارجي في وقت واحد . في الخارج كان جل نقاشنا يتمحور حول نقطتين : اسقاط النظام الدكتاتوري ، أم انهاء ذلك النظام ، وكان البعض منا ما زال يرمي بعيونه على جثة الجبهة التي ولدت ومات في يوم واحد . فحين وقع عزيز محمد ، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي ، وأحمد حسن البكر ، رئيس الجمهورية ميثاق تلك الجثة ، كان حزب البعث العفلقي في العراق، وفي نفس يوم توقيع ذلك الميثاق قد عمم على قواعده منشورا يطلب منها به موافاة القيادة برسم أفضل صورة لقتل الحزب الشيوعي العراقي ، واخارجه من ساحة العمل السياسي في العراق ، مثلما توهمت تلك القيادة الغبية ، وكان الحري بها أن تتعض بتجربتها المخزية في سنة 1963م ، والتي فشلت بعد أشهر من قيامها ، وبسبب من معادتها للحزب الشيوعي العراقي ، وتعريض كوادره لتصفيات دموية قلّ نظيرها ، وقد شخصت قيادة البعث هذا السبب بعد سقوط تلك التجربة بنفسها . لقد ظل التعامل ، لأي نظام حكم في العراق ، مع الحزب الشيوعي العراقي ، محرارا لقياس وطنية ذلك النظام ، فحين يسوء هذا التعامل ينزل في العراق بلاء وخيم ، وتضطرب الحياة السياسية فيه ، ويخيم عليه جو من الخوف والارهاب ، وينعكس كل هذا على الحياة الاقتصادية والأجتماعية للناس فيه . بعد انفراط عقد الجبهة تلك ، وشن الحرب على الحزب الشيوعي ، ارتكب صدام مجزرة الرفاق ، ضحايا المؤامرة السورية المزعومة ، ولم تمر أشهر على ذلك ، حتى ارتكب مجزرة الحرب العراقية- الايرانية ، وقد امتدت تلك المجزرة على مدى سنوات ثمان صحاح ، أكلت فيها الملايين من العراقيين والايرانيين ، يضاف لهذا ما رمت به تلك الحرب من آثار اجتماعية واقتصادية رهيبة على مختلف أوجه الحياة في العراق ، والتي لا زال يعاني منها البلدان والشعبان للساعة . بين موت الجبهة تلك ، والحرب القذرة التي شنها صدام على الشيوعيين ومناصريهم، وخروجنا من العراق ، وبين سقوط القتلة في التاسع من نيسان من العام المنصرم ، شهدت ساحة المعارضة العراقية في الخارج نشاطات كثيرة ، لكنها لم تستطع هزّ النظام في بغداد واسقاطه ، فقد حصن النظام نفسه بثروة العراق الهائلة ، وبدعاية مضللة جعلت منه ليس حامي البوابه الشرقية ! فحسب ، وإنما حامي العرب والقبلتين والحرمين ، وسيّر باموال العراق المظاهرات والمسيرات في أكثر من مدينة وعاصمة عربية ، حتى عاد بدعايته تلك صلاح الدين ، والقعقاع إن كان للقعقاع من وجود في التاريخ العربي ! ومع تلك الثروة أحاط صدام نفسه بجيش عرمرم ، حبته كل دول العالم بأفتك الاسلحة، وأشدها خطرا ، وكثير ما أستخدم هذا الجيش في قمع أية هبة جماهيرية ، أو انتفاضة ، والأمثلة على ذلك كثيرة . فقد سُخر هذا الجيش منذ تأسيسه لضرب الشعب العراقي ، وليس للدفاع عن حدود العراق ، فبمجرد أن تنزل مظاهرة في شارع من شوارع بغداد نزل هذا الجيش بدباباته ومدرعاته لقمعها ، وكأن لا توجد أجهزة شرطة في العراق بعد، وحين استولى صدام الهارب من الجندية على قيادته ، أذلّ قادة الجيش هذا أي ذل، وصار يذبحهم ذبح الخراف ، أو يلقي بهم الى أفواه الأسود الجائعة ، والأمثلة على ذلك كثيرة أيضا . وحظي صدام بدعم عربي وأجنبي لا مثيل له ، فقد أغدقت عليه دول الخليج أموالا طائلة لا زالت تعتبرها ديونا على الشعب العراقي ، في وقت كان صدام قد انفقها في حروبه التي باركوها هم ، وصلوا في محاربها ، كما أغدقت عليه دول كبرى مثل الاتحاد السوفيتي وقتها ، وأمريكا ، وفرنسا ، أم البعث ، التي وصلت بها الوقاحة الى تأجير صدام طائرات : السوبر اتندار التي استخدمها فيما سمي بحرب السفن في مياه الخليج . لقد قاست المعارضة العراقية في الخارج ظروفا صعبة وممضة ، وقد اغلقت دول كثيرة الأبواب دونها ، أو عرّضتها لمساومات رخيصة لا تمت الى النزاهة في شيء ، وصار بعض من أطرافها يتاجر بالعراق وشعبه ، وانحصر دور الآخر في العمل الأعلامي ، والذي كان كثير ما ُلوحق بكواتم الصوت من قبل أجهزة مخابرات سفارات صدام المبثوثة في دول كثيرة من العالم . وإنني هنا إن أنس فلا أنسى تلك المشادة الكلامية التي وقعت بين السفير العراقي في عدن ، وبين رئيس الجمهورية ، عبد الفتاح اسماعيل بسبب من مقالة كتبتها أنا في جريدة 14 أكتوبر العدنية ، وتحت عنوان : البوهة وتهمة القسمات ! كنت قد فضحت فيها الممارسات القمعية الفضيعة التي كان صدام يرتكبها بحق أبناء شعبنا العراقي ، وتحت ظلال سكوت مريب من أغلب دول العالم التي سال لعابها على نفط العراق . ورغم أنني كتبت تلك المقالة دون أن أشير صراحة الى العراق ، ولا الى النظام فيه ، لكن هذا لم يقنع السفير العراقي حين رده عبد الفتاح بقوله : إنني قرات المقالة ولم أجد فيها اشارة للحكم عندكم في العراق . فردّ السفير قائلا : ( أنتم ما تعرفون لغة الشيوعيين العراقيين ، بس احنا نعرفها !! ) لقد كان هم النظام الوحيد ، الأوحد هو البقاء على كرسي الحكم ، مهما كلف ذلك العراق والعراقيين من خسائر وفواجع ، وكان صدام يطمح الى أن يُجلس أحد أبنائه على الكرسي هذا من بعده ، وقد هيأ ابنه ، قصيا ، للجلوس عليه ، لكن فاته شيء واحد، هو أن الذي أجلسه على هذا الكرسي ، وجاء به حافيا من أزقة بغداد ، وجبانا فرّ أمام طلاب جامعة بغداد ، حين أطلق عليهم الرصاص من مسدسه في كلية الحقوق، ولاذ عنهم بشرطة عارف التي كانت تطوق تلك الكلية ساعتها ، قد قرر خلعه من حكم العراق ، لكن صداما ، الذي تخيل أنه صار فارس الأمة العربية ! أبى ونفخ ريشه ، فقد كان مستهاما ، متيما ، مغرما ، يملأه حب الحكم والسلطة ، وقد ظل هذا الحب القاتل يلازمه في جحره حين هتف بالجنود الأمريكان : أنا صدام ، أنا رئيس جمهورية العراق ! يا لسوء العراق والعراقيين يا صدام ! أما تدري يا صدام أن كرسيك الذي سخرت ثروة العراق من أجله ، وجيشت الجيوش لخدمته ، وأعدمت الكثيرين فداء له ، قد رماه الأمريكان خارج قصر حكمك ، فأخذه أحد العراقيين الذين حولته أنت على ابان عهدك فقيرا ، معدما ، ثم وضعه على قارعة الطريق ، يؤجر الجلوس عليه للغادي والرايح بمئتين وخمسين دينارا من دنانير بريمر! وليس من دنانيرك التي ضاقت بها مزابل العراق الآن ! ؟ فماذا جنيت لنفسك وللعراق؟ هل رأيت كيف تكون نهاية الظلم والظالم ؟ ها أنت مثل بعير أجرب تتحاماك الناس ، ويطوف بك الأمريكان من مكان الى مكان ، فبئس الرجل أنت ، وبئس الرئيس ! والآن ، وبعد أن زال صدام وحكمه ، وحلّت محله قوى عراقية تمثلت في مجلس الحكم المؤيد بقوة الاحتلال الامريكي ، والتي لولاها لدخلت تلك القوى في حرب شعواء ، تغذيها أطراف خارجية ، ما انفكت وعلى امتداد تاريخ طويل تسعى لتدمير العراق . ويقف في مقدمة هذه الدول تركيا وايران ، وبدلا من أن تتدخل هاتان الدولتان مباشرة في شأن العراق الداخلي ، خوفا من الامريكان ، وليس حبا بالعراقيين ، راحتا ، وعن طريق قوى عراقية ، تتدخلان في الوضع المضطرب أصلا فيه لهذا الحد أوذلك ، وكلاهما يساوم أمريكا فيما يحدث في العراق من أجل نفسيهما ، وليس من أجل العراق الذي لا يهمهما أن تشبّ النار في كل بيت منه ، ويحترق أخضره ويابسه في حرب طائفية ، أو عنصرية لا تبقي ولا تذر ، ولا يستطيع أحد يكذب التاريخ القريب فيما مضيت إليه ، وعلى هذا الاحد أن يراجع تلك الكوارث الرهيبة التي حلّت بالعراق ابان الحروب الطاحنة التي دارت بين الدولتين : العثمانية والصفوية على أرضه ، والتي صار فيها العراقي في بغداد أوالبصرة يأكل من لحم جثة أخيه أو اخته ، بعد أن تحول كل شيء فيهما الى بلقع . أما الامريكان فهمهم الاول والاخير مصلحتهم ، وتثبيت أقدامهم في المنطقة . والعراق، في حكم نظرهم الطويل ، بلد مهم في ثروته وموقعه ، وها هم الآن يبسطون سيطرتهم عليه ، ولهم قول الفصل فيما يُراد له ولا يُراد ، وهم والحال هذه يصرون على بناء سياسي له ، يتلائم والبناء الاقتصادي الذي يطمحون باشادته فيه ، فليس من المعقول أن يقيموا اقتصاد سوق حرة ، وعلى رأس السلطة رجل يطمح ببيت مال للمسلمين ، أو باشتراكية للينين. لقد كان جون دوي ، قائد البراغماتيين ، يردد دائما : لا تسلني عن من خلق الطاولة ، سلني عن مقدار ما ستدر عليك من ربح ! هذا هو اختصار فلسفة رأس المال ، وهذا ما تنشده هذه الفلسفة أين ما حلت ، ومتى ما نزلت، وحتى يصل الامريكان الى بغيتهم هذه سيثار غبار معارك بين العراقيين أنفسهم ، وليس بالضرورة أن تكون البنادق هي السلاح فيها ، فقد تكون العصي ، والحجارة ، والسباب اسلحة بديلة ، وكل واحد منهم تدفعه غاية ، هي في حقيقة الامر خارج دائرة الصراع الحقيقي ، فهذا الطرف يرفع شعارا لمعركته هو : السفور فجور ! وذلك يرفع شعارا مضادا يقول : الحجاب عقاب ! وثالث يرى أن الاكراد نزلوا أول ما نزلوا كركوك وطوزخرماتو ، ورابع يرسم حدود تركمانيا ، والى أن تسيل الدماء ، وتتعب الشوارع من المتظاهرين والمصلين ، يشع مؤتمر للطائف في سماء العراق ، عندها سيرضى الجميع بارباع الحلول ، إن لم يكن بانصافها ، وتظل أمريكا هي السيد المكين رغم أنفي تركيا وأيران ، وآخرين من دونهم !
#سهر_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظرف الشعراء (8) : كثير عزة
-
صبيحة والموقف الايجابي من المرأة !
-
ظرف الشعراء (7) : أبو نواس
-
الزرقاوي ورسالة مخابرات الدولة !
-
أزمة السكن و تصريحات الوزير !
-
ولكنه ضحك كالبكا !
-
حين صار كوكس مُلا !
-
رشى صدام من القصور الى الشوارع !
-
ظرف الشعراء (6) : ليلى الأخيلية
-
شباط : الماضي والحاضر !
-
ظرف الشعراء (5) : دِعبل الخزاعي
-
مرفوض في عمان مقبول في بغداد !
-
ظرف الشعراء ( 4 ) : بشار بن برد
-
ويبنون بيوتا من خشب !
-
ظرف الشعراء ( 3 ) : ولادة
-
مكرمة السيد مجلس الحكم !
-
وحدة العراقيين والحزب الشيوعي العراقي !
-
ظرف الشعراء
-
قومية النفط !
-
ظرف الشعراء ـ 1 ـ العرجي
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
|