فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 2519 - 2009 / 1 / 7 - 07:35
المحور:
حقوق الانسان
كتبتِ الزميلةُ «مريم فارس» فى جريدة «اليوم السابع» عن الطفلة «سارة» ابنة الأعوام الخمسة التى تمنّت أن تتذوق الآيس كريم، قبل أن تذهب إلى الله، حيث ستجد كثيرا من الحلوى واللعب والفساتين الجديدة، كما أخبرتها أمُّها!
ذهبتِ الصحفيةُ بعد أيام تحملُ أمنيةَ الصغيرة، لكنَّ السرطانَ كان قد أذابها ولم يُمهل الحلوى لتذوبَ على اللسان الذى مرّرته الأدويةُ والكيمياء. لم تبكِها الأمُّ إلا بقدر المشوار من بيتها الفقير إلى القبر، الذى سيضمُّ جسدًا نحيلا أنهكَه المرضُ اللصُّ. قالت: «الموتُ أرحمُ بها من الجوع والمرض، بنتى عند ربنا هتكون مبسوطة، وهبقى مطمنة عليها أكتر».
نعم، الموتُ أرحمُ بسارة من الحياة مع المرض والفقر، المِعْوليْن اللذين لو اجتمعا على جبلٍ فتّتاه. إلى سارة المصرية التى بين يدى الله الرحيم، وإلى أطفالِ فلسطينَ الذين حصدهم سرطانُ إسرائيل، أهدى هذه القصيدة.
(سـارة)
قلبُ البنتِ يغنى/
رغم اللثغة/
رغم غيابِ الحرفِ عن الشفتين/
رغم الوجعِ الضاربِ فى أنحاء العنبرِ والجدرانِ/
ورغم الموتْ./
أعرفُ كيف يكونُ الموتُ رءوفا بالأطفالْ/
يرفعُ وهنَ النومِ وألمَ المشى وشَقَّ الركضِ مع الأترابْ/
يُعفى شَرَهَ الدمِّ الموغلِ فى أطماع الوفرةِ بالسرطان/
هُمْ أطفالٌ/
بعد قليلٍ يغدون ملائكةً بجناحين شفيفيْنِ/
يطيرون بلا ألمٍ نحو الربِّ الحانى الباسطِ كفيّه لقدومهمُ/
وكان ملاكُ الرحمةِ عند الباب:/
هاتى كفَّكِ يا بنتَ الخامسةِ. لأعلمَّكِ كيف يكون السيرُ بلا شرخٍ فى العظمِ وفى الأعصابِ. وكيف تكونُ البسمةُ رائقةً. حين تكفُّ كراتُ الدمِّ عن الإسرافِ. وكيف يكون اللعبُ مع الدُميةِ والدبدوبِ بلا دمعٍ. كيف الأمُّ الحَزْنى تفرحُ. حين يراودُها طيفُ الأملِ بِلَيْلٍ. كيف فساتينُكِ ترقصُ حين تمرُّ شرائطُها فوق الرقبة. دون صراخْ. كيف جدائلُ شَعركِ تنمو ثانيةً، حين الكيمياءُ الشريرةُ جزّتْها والإشعاع. كيف اليومُ يمرُّ خفيفًا دون عقاقيرَ ودون طبيبْ.
قلبُ الأطفالِ يغنى/ فَرُحْتُ أغنى معهم/ رغم العنبرِ مملوءٍ بالحسرة. رغم أنابيبِ المصْلِ الطولى تخترقُ الرُسغَ الغَضَّ الراقدَ فى وهنٍ فوق سريرٍ أبيضَ ، وشراشفَ تصرخُ من فرط الحَزَنِ. ورغم الآباءِ الباكينَ وراء زجاجِ المَخْبَرِ. والأطفالِ المسروقين من العمرِ. ورغم زهورٍ تقفُ وراء البابْ، فوق توابيتَ ملّونةٍ فارغةٍ، تترقبُ أجسادًا لم تتعلم بعدُ، كيف العيْشُ بلا شكشكةِ الإبر وشَفْطِ الدم من الأوردةِ. وكيف الموتُ رفيقٌ بالأطفالْ.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟