|
محددات الأنظمة التربوية.
سعيد الراشدي
الحوار المتمدن-العدد: 2518 - 2009 / 1 / 6 - 09:19
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
يذهب الإستاد جوريس P.GEOIS إلي أن هناك عوامل متعددة تؤثر أما سلبا أو إيجابا على الأنظمة التعليمية والتربوية، هاته العوامل نجملها في ثلاث محاور كبرى هي:
1- عوامل اقتصادية، ويندرج تحت هاته النقطة، كل ما يمس التطور الاقتصادي والتقني إضافة إلى التطور العلمي.
2- عوامل سياسية، وتشمل نوعية الأنظمة السياسية التي تنتمي إليها الأنظمة التعليمية.
3- عوامل اجتماعية، ويمكن حصرها في التطور الذي يشهده علم النفس والعلوم الاجتماعية الأخرى. وبالخصوص المرتبطة منها بالتربية والتعليم.
I - العوامل الاقتصادية: 1.1 العوامل المرتبطة بالتطور العلمي والتقني:
في البداية نشير إلى أن هذا التطور التقني وما صاحبه من تطور اجتماعي ما هو إلا نتيجة للتطور العلمي الدي عرفته الإنسانية مند بداية هذا القرن.
وقد أدى هذا التطور إلى نمو مطرد في الميدان التعليمي. فاليوم دخلنا فيما يصطلح عليه بالحضارة العلمية civilisation scientifique والتي تميز بعدة خصائص نجملها فيما يلي: - فهناك من جهة التراكم العلمي في جميع الحقول المعرفية، ومن جهة أخري التطورات التي مست الميدان العلمي والتكنولوجي، مما اثر وبصورة مباشرة على التطور في الميدان التعليمي، هاته التطورات يمكن رصدها على مستوى: - علم الحياة (البيوكيمياء)؛ - المواد الصناعية المتطورة؛ - الاستعمالات المتطورة للطاقة. فالنتائج المترتبة عن هدا التطور نتج عنه تغير جدري على مستوى العمل وكذلك على مستوى الهوايات الشخصية للأفراد.
مما أدى إلى إحداث تغييرات جذرية وعميقة على مستوى الأسرة وعلى بنيات المجتمع. فالتقنية الحديثة عملت على تطوير القطاعات التقليدية: الفلاحة، التعدين، وسائل النقل، والأكثر من هذا الخدمات، عن طريق الانترنيت، وأدخلتنا إلى حضارة القرن العشرين، حضارة العالم الآخر. فالواضح من النظام الصناعي الذي ودعناه مع منتصف القرن العشرين، انه عالم كان الهدف منه هو تطوير القدرات الجسدية للإنسان، وبالخصوص منها العضلية، أما الهدف من النظام الذي ولجناه مع بداية منتصف القرن الماضي، فهو يرتكز بالأساس على تطوير المهارات الذهنية للإنسان، وبالخصوص منها مهارة حل المشاكل ومهارة الإبداع.
فآلة الثورة الصناعية كانت تسعى إلى تطوير الطاقة، ومعالجة الموارد الأولية. أما الآلة الحديثة فهدفها هو تنمية المعرفة وتطوير ذكاء الإنسان." فبدلا من أن يباشر عملية الإنتاج الصناعي بنفسه، يدع ذالك للآلة ويتفرغ هو للدراسات السابقة على الإنتاج أو التالية له (من بحت وتسويق وتنظيم للعمل) بل يتفرغ فوق هذا، بفضل ما ييسره له عمل الآلة من فراغ، لدراسات ألصقت بطبيعته الإنسانية، كالفكر، والأدب، والفن، والاختراع، وسوى ذالك، وقد حملت هذه الآمال مفكرين أمثال jean Fourastié في كتابه أمل القرن العشرين الكبير، وفى كتبه التالية...على الظن بان حضارة ما بعد الصناعة آتية قريبا وأنها سوف تحرر الإنسان من ربقة العبودية وتمضى به في معارج النمو الجدير بالإنسان" ، وفى نفس الاتجاه يلاحظ نفس الكاتب"... إن تغير وسائل الإنتاج يملى على إعداد راس المال البشرى، تغيرا مقابلا، بحيث تتلاءم وسائل ذالك الأعداد مع الوسائل المحدثة في الإنتاج. ولاشك أن التربية التي ينبغي أن تقدم للشبيبة في عصر الثورة الصناعية، الثانية عصر الأوتوماتكية والسبيرنطيقا cybernétique ،لابد أن تكون مختلفة جدا في بنيتها وطرائقها عن التربية التي كانت تقدم في مرحلة الحرف والصناعات اليدوية بل في مرحلة الثورة الصناعية الأولى، ثورة الآلات الميكانيكية."
في مقابل هذا التطور العلمي الهائل، أضحى دور المدرسة دورا أساسيا في تنمية المجتمعات والعمل على تطورها.
فدور التعليم والحالة هذه، انتقل من إعداد المختص الماهر، إلى تكوين أشخاص ذوا مهارات متطورة، تجمع بين ثقافة عامة وشاملة، وبين تخصص دقيق ومهني متطور.
فالتعليم الذي لايستطيع أن يكيف مريديه مند نعومة أظفارهم مع التقنيات الجديدة، ولا يمكن هولاء عند بلوغهم من إمكانية التكوين المستمر، هو تعليم يركب مخاطرة تفريخ أمية جديدة في المجتمع. هاته الأمية التي ستعمل على تعقيد المشكل الأساسي الذي يواجهه التعليم اليوم، والمتمثل في بطالة حاملي الشواهد، بالخصوص عطالة الشباب. 2.1 - التباعد الحاصل بين البرامج التعليمية والتطور العلمي: هذا التباعد المتمثل أساسا في عدم مسايرة الأنظمة التعليمية لعجلة التطور والتجديد، فقد أعطت هاته الأنظمة أهمية قصوى للطابع الكمي على حساب نوعية ما يدرس. فلم تعمل على تجديد بنياتها التربوية حسب متطلبات العصر ومقتضيات الزخم المعرفي والتقني الذي أفرزته العقود الأخيرة. وقد زاد من حدة هذا المشكل عدم إلمام واضعي البرامج التعليمية بالمشاكل التي يعانى منها التعليم، فكما لاحظ ذالك الأستاذ محمد لبيب النجيحى ، ففي "المكاتب يخطط للبرامج التفصيلية، وينفد التفتيش على المدارس... ويحدث في حجرة الدراسة أن المدرس ذو الضمير يحاول أن يدرس البرنامج الموضوع ويتبع التعليمات المفصلة. وأنها لمهمة تثير اليأس. فهو يشعر أن الذين يخططون لا يفهمون المشكلات العملية الموجودة في مدرسته، ولا يشعر انه مندمج في العملية التعليمية بشكل عميق أو شخصي. فلم يسأله أحد عن رأيه أبدا ولم يطلب أحد مشورته فيما يتعلق بتطوير المنهج. وعليه أن يتبع المنهاج والنصوص بشكل جامد لان تلاميذه سيؤدون امتحانا خارجيا". وينهي الكاتب ملاحظته هاته بقوله "هناك هوة كبيرة بين أولئك الذين يخططون البرامج التعليمية وأولئك الذين يقومون بتنفيذها، إلا أن التخطيط لا يمكن أن يقوم بذاته، ولا التدريس، وبشكل ما يجب التقريب بين الاثنين. فالتخطيط يجب أن يتدفق في اتجاهين من القمة إلى اسفل ومن القاعدة إلى أعلى، وكل الموارد البشرية في المؤسسة يجب أن تستعمل بكاملها".
إلا أن الأمر لا يقف عند مستوى وضع وصياغة البرامج ، بل يتعداه إلى محتوى هاته البرامج وما يؤخذ عليها من كونها لاتأخذ بعين الاعتبار المستجدات العملية، وهذا ما يذهب إليه الاستناد عبد الله عبد الدائم في كتابه نحو فلسفة تربوية عربية "... فنحن نعيش، في عالم الفتات المتناثرة والمعلومات المتكاثرة التي تنهال علينا من كل جانب، بحيث نعجز عن استيعابها. "وبالأحرى إدماجها في برامجنا التعليمية، وهكذا فمنذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، لاحظ فريق دولي أسس للتفكير حول التطور المستقبلي للتعليم، بمبادرة من منظمة اليونسكو"أن هناك بون شاسع بين البحوث المنجزة في ميدان الطب، وعلم النفس،وعلوم التربية من جهة، والتطبيقات البيداغوجية من جهة أخرى" ونفس الفريق لاحظ أن هناك تباعد بين ظهور التقنيات الجديدة، والتحولات الاجتماعية المترتبة عنها، وبين الممارسات البيداغوجية التي تحت عليها البرامج التعليمية.
إن التطور السريع الذي تعرفه المجالات العلمية، والتجدد المستمر لوسائل الإنتاج وما يستلزمه كل ذالك في إعداد الرأسمال البشرى، يفرض على المسؤولين ألا خد بفكرة التربية الدائمة éducation permanente أو المستمرة طوال الحياة، و هاته الفكرة الأخيرة تستمد مشروعيتها من الحقيقة الثابتة، والتي تدعى بان سرعة تقدم المعارف و الأبحاث في عصرنا، ينتج عنه تقادم هاته المعلومات بنفس السرعة التي تظهر به معلومات جديدة،"..ولا حاجة إلى التوقف عند مظاهر هذا التغيير الذي يشمل كل شئ في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفي حياتنا اليومية ومأكلنا ومشربنا وملبسنا...ولعل اخطر ما فيه هو تغير المواقف والاتجاهات والقيم الإنسانية تغيرا سريعا مروعا، تبعا لذلك كله... وحسبنا من كل ذالك أن ندرك عمق التغيير السريع الذي يتم في الحياة الأسرية وما يتصل بها من انتقال مغذ في سيره وخلال فترة وجيزة، من الحياة الزوجية إلى حياة الإخلاء ومن العفة المطلقة إلى الإباحة الجنسية المطلقة." ولتجاوز هاته الحالة الجديدة من طرف النظام التعليمي فعليه، ودائما حسب نفس الكاتب، القيام " بثورة تكنولوجية مقابلة، وتجديدا في بنيته وأساليبه، ويفرض عليه خاصة أن يتخلص من النماذج التعليمية التي تنتمي إلى الظروف الإنتاجية القديمة، وان يبحث في صور جديدة ونماذج جديدة تحقق الأهداف الجديدة للتربية في إطار ظروف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحدثة والآخذة في النمو." من كل هذا يستخلص الكاتب أن على الأنظمة التعليمية والتربوية التخلي عن فكرة الإعداد المتخصص الضيق خلال مراحل التعلم، وان تتبنى بدلا منها تقديم الأساسيات اللازمة في العلوم والتقنيات الرئيسية التي تصلح للعديد من المهن والوظائف، وتترك مهمة إكمال الإعداد بالتالي لأشكال التأهيل وإعادة التأهيل وإكمال التأهيل، التي تتم بعد دخول سوق العمل، عبر مرحلة العمر .
وفي نفس الاتجاه يرى الإستاد النجيحي انه يمكن "استخدام المدارس كوسائل للتدريب من اجل عمليات الإنتاج بحيت تجهز مناهجها وتعليمها لتخريج العمال المهرة الذين يتقدمون مباشرة إلى الوظائف، وهم مجهزون تماما ومزودون بالخبرة. كما يمكن أن تستخدم المدارس بصفة غير مباشرة، كمنتجة للموارد البشرية وذالك لمواجهة احتياجات الإنتاج في الاقتصاد، وبتأكيد اكتر على المهارات الأساسية في المعرفة واللغة، والعلوم الطبيعية والاجتماعية، وتحويل الكثير من عبء تدريب العمال المهرة خارج الوظيفة وفى أثنائها إلى العمل والصناعة."
ولبلوغ هاته الأهداف فمن الواجب على السلطات المنظمة للتعليم أن تعمل على إعادة تكوين المدرسين، وإعادة تحيين البرامج التعليمية باستمرار حتى تواكب كل المستجدات العلمية والتقنية، وهو ما يتطلب مجهودات جبارة وأموال طائلة من أين للحكومات بها خاصة في دول العالم النامي. كما أن المدرسين هم كذالك أو على الأقل اغلبهم ليسو مستعدين لبدل المجهود المطلوب واستيعاب التقنيات الجديدة.
وعندما لا تتوفر هاته الشروط التي أوردناها سابقا فان التعليم يتحول إلى عائق للتنمية. ولن يساهم في تطور المجتمع كما هو مطلوب منه.
3.1 - نقص الموارد المتاحة للتربية والتعليم: فكما يقر بذلك عبد الله عبد الدائم في كتابه التربية في البلاد العربية : " تتلخص أزمة التربية في البلاد العربية (وفى سواها من البلدان النامية ) في الحقيقة القاسية الآتية: تتزايد الحاجيات والمطالب التربوية ... تزايدا سريعا تقصر عنه الإمكانات المتاحة، من مالية ومادية وبشرية، ويكفى لنغوص في أعماق الأزمة منذ البداية أن نذكر بواقع الإمكانات المالية المتاحة للتربية في هذه البلاد."
وحول ضعف الإمكانيات المرصودة للتعليم في العالم وفى كتابه، أزمة التعليم في العالم، يورد الباحث P.H.COOMBS إحصائيات مقارنة بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة موضحا فيه مدى فقر ومعانات ميزانيات التعليم في العالم النامي، وذالك بالمقارنة مع ميزانيات الدول المتقدمة ويعرضها لنا على الشكل التالي :
في سنة 1970 انفق العالم بشقيه (النامي والمتقدم) حوالي 160 مليار دولار على التعليم والتربية، كان فيها نصيب العالم المتقدم حوالي 92.2 % في حين أن الدول النامية لم تنفق على تعليمها إلا 07.8 % من هد المبلغ، أما في سنة 1975 فالدول المتقدمة أنفقت على تعليمها ما يعادل 88.7 % من مجموع 255 مليار دولار، ولم يكن من نصيب العالم النامي من هذا المبلغ الهائل إلا حوالي 11.3 % ، أما في سنة 1979 حيت انفق العالم على تعليمه ما مقداره 580 مليار دولار، فان الدول النامية لم يكن من نصيبها من هاته الميزانية إلا حوالي 12.4 % .(وهنا لابد أن نأخذ بعين الاعتبار نسبة الدول النامية بالمقارنة مع الدول المتقدمة).
ورغم المجهودات المبذولة في الإنفاق على التعليم في العالم، فتبقى رغم ذالك بعيدة كل البعد عن الإيفاء بحاجيات الدول بالخصوص منها النامية، فهي كما يذهب إلى ذلك الأستاذ عبد الله عبد الدائم واصفا وضعية التعليم في البلاد العربية" ورغم هذه الزيادة المتسارعة في الإنفاق على التعليم، هيهات أن يسد هذا الإنفاق حاجات التربية في البلدان العربية" . أما النتائج المترتبة عن شح الميزانيات المرصودة للتعليم، فلا يمكن مقاربتها بطريقة شاملة، ولذلك سنكتفي بذكر بعضها لا على سبيل الحصر ولكن على سبيل المثال فقط فهي: ا - تحد من ولوج جميع الأطفال البالغين سن التمرس للمدرسة ليلقى بهم في الشارع. وهكذا يبقى شعار تعميم التعليم الذي رفعته كل الدول النامية مند 1960 بعيد المنال، في الوقت الدي استطاعت فيه معظم الدول المتقدمة أن تعمم التعليم مند القرن التاسع عشر :
ـ فمثلا اليابان عممت التعليم منذ 1886، وإنكلترا سنة 1870، في حين أن الدانمارك عممته مند 1817، أما فرنسا فلم تعممه إلا سنة 1882 ـ بل ألا دهى من هذا كله، أن معظم هاته الدول المتقدمة قد وصلت الآن إلى تعميم التعليم الثانوي. وهكذا اصبح اليوم هم هاته الدول هو التوسع في التعليم العالي وجعله في متناول اكبر عد ممكن، حتى أن نسبة الطلاب في هذا التعليم عند بعضها اصبح يقارب 50 من مجموع الطلاب الذين هم في سن التعليم العالي. كما في الولايات المتحدة الأمريكية، والسويد، مثلا.
ب ـ تحول دون استفادت الكبار من التعليم أو إعادة التأهيل، وهده كلها أمور تبقى من المستحيلات، مادامت ليست هناك اعتمادات كافية للقيام بها ته المأموريات.
ج ـ أما الجانب الأكثر قتامة في هذا الموضوع، المتعلق بضعف الميزانيات المرصودة للتعليم، فهو كما يصفه الباحث عبد الله عبد الدائم في كتابه، التربية في البلاد العربية ، " ... إن هذا التعليم المقصر في بعده الكمي مقصر تقصيرا اكبر في محتواه وفى بعده الكيفي " تم يضيف ويقول" والحق إن تطور التربية اليوم لم يعد يكفى في قياسه ؛ للاعتبارات الكمية وحدها، بل غدت الاعتبارات النوعية الكيفية اخطر شانا واعظم دلالة، فلقد زال ذلك العهد الدي كان يعتبر فيه مجرد التوسع الكمي في التعليم مطلبا وغاية. ولم نعد نقبل ( في المنظور الحديث للتربية) أن نرى في أي توسع كمي في التعليم عاملا من عوامل تعجيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد. صحيح إن الدراسات الحديثة أكدت على دور التربية الكبير والحاسم في عملية التنمية. ولكنها أضافت إلى ذلك قيدا أساسيا هو أن التوسع في التعليم ليس دوما وأبدا أداة من أدوات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل قد ينقلب أحيانا إلى أداة معاكسة للتنمية.
4.1 التنافر بين حاجيات سوق العمل والمناهج التعليمية: فكل تعليم "لا يستند إلى حاجيات سوق العمل المقبلة من الاختصاصيين والعاملين في شتى مجالات النشاط الاقتصادي، وشتى المهن، توسع يفقد التنمية التربوية معناها، بل كثيرا ما يؤدي إلى إعاقة أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.." والملاحظ إن هذا التنافر الحاصل بين حاجيات السوق والبرامج التعليمية ناتج عن عدة عوامل نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: ـ هناك طبيعة المدرسة التي تعمل على جعل مريديها ولمدة طويلة معزولين عن العالم الخارجي.
ـ التمدرس المستمر ولمدد طويلة (والدي زادت في تعقيده تأزم البطالة) مما يجعل المتمدرسين بعيدين عن عالم الكبار. ـ التنظيم العقيم للمدرسة، يعمل على جعل المتمدرسين من نفس الفئة ألعمرية يبتعدون بعضهم عن بعض.
يضاف إلى كل هذا " أن طبيعة التعليم السائد في الأقطار النامية تعليم عام يقدم معلومات نظرية، وذالك بالمقارنة مع التعليم المهني، والفني، الذي لا يزال في كثير من الحالات غير كاف، كما أن مضامينه وتخصصاته غير قادرة على تلبية احتياجات خطط التنمية من القوى البشرية. وعلاوة على ذالك لازالت العلاقة ضعيفة بين الواقع الاجتماعي الذي اصبح شديد التشابك والتغير، وبين النظم التعليمية الجامدة التي لم تستطع لحد ألان تحقيق متطلبات المجتمع المتزايدة والمتنوعة" . وأمام هاته الأوضاع المتأزمة فالسؤال الدى يجب طرحه هنا (وانطلاقا من كل ما سبق) يمكن صياغته على الشكل التالي:
ما هي الطريقة المثلى التي يمكن بواسطتها ربط التعليم بمحيطه الاجتماعي من جهة، وبمحيطه الاقتصادي من جهة أخرى؟
وكإجابة على السؤال المطروح أعلاه نقترح لهذا الربط القيام بمجموعة من الإجراءات العملية نذكر منها بالخصوص:
ـ لابد من الاهتمام (إضافة إلى المعارف الأساسية) بالمهارات التي تؤهل المتمدرسين للاندماج في المستقبل، وتؤهلهم للتغيير.
ـ لابد للتعليم أن يسعى إلى تكوين أشخاص ذوى ثقافة عالية، إلى جانب تخصصات متعددة تسمح لهم بالانتقال من تخصص إلى تخصص آخر، وذالك بغية التمكن من حل المشاكل الاجتماعية والتقنية التي يمكن أن تعترض سبيلهم أتناء العمل.
ـ لابد أن يكون هناك تناوب أو تعاقب، بين فترات الدراسة وفترات العمل، والتي يتمكن المتعلم بواسطتها من معايشة تجارب مهنية حقيقية.
ـ التهييء للنضج الاجتماعي، وذلك عن طريق الإدماج الجزئي للشباب في مختلف القطاعات الاجتماعية ؛ حديقة الأطفال، مؤسسات التعليم، مستشفيات، دور العجزة ...الخ
فتطور بنية الاقتصاد الحديث وتطور عوامل الإنتاج خاصة، وتزايد الدور الذي تلعبه مرحلة ما قبل الإنتاج (Pré- production)، كما تسمى اليوم، وعوامل الإنتاج غير المباشرة التي لا تعتمد على العدد الكمي للعمال بمقدار ما تعتمد على إتقان الوسائل الفنية والعلمية الحديثة، أمور تدعو كلها إلى إعادة النظر في بنية التعليم في شتى مراحله، ولاسيما القلب من هذه المراحل، نعنى التعليم ألتانوى الذي يحكم إلى حد كبير سائر أنماط التعليم والتكوين، من هنا فإن التربية التي ينبغي أن تقدم للشباب في عصر الثورة المعرفية ، عصر الأوتوماتكية والسبرانية cybernétique ، لابد أن تكون مغايرة تماما في برامجها وطرائقها عن التربية التي كانت تقدم في مرحلة الحرف والصناعات اليدوية، بل في مرحلة الثورة الصناعية الأولى، ثورة الآلات الميكانيكية" .
إلا انه رغم كل هاته الاحتياطات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، فان " أهم ما في هذه الحقائق البديهية جميعها أن شكل هذا الإعداد ومتطلباته أمور تآخ بالتطور والتغير السريع نتيجة لتغير وسائل الإنتاج. وسوف يا خد هذا التطور والتغير أبعاده الجديدة الجذرية بعد انتشار الثورة الصناعية الثانية، الثورة العلمية والتقنية، التي أدنت بالظهور وأخذت بالانتشار والتي ستسود العالم المتقدم ...، ولعلها تزحف إلى البلدان السائرة في طريق النمو، بل لعل قدر هذه البلدان وأملها في تجاوز التخلف يكمنان في أن تزحف هي إلى تلك الثورة الثانية."
II - العوامل السياسية: 2.1 نوع النظام السياسي: فنوعية النظام السياسي هو الدي يحدد القوى المتحكمة في سياسة البلاد وهو الذي يحدد طريقة هذا العمل السياسي، خصوصا على مستوى التربية والتعليم، وحسب داينو فالسلطة السياسية هي التي تقوم بتحديد السياسة التربوية، و"قد تعمل ( يضيف نفس الكاتب) على إشراك المواطنين وممثليهم أو الجماعات الضاغطة، من أحزاب ونقابات ...، أو تتحاشى ذلك حسب طبيعتها، ويكون نتاج السياسة التربوية مجموعة من التصريحات بالنوايا تتعلق بتوجهات أو قيم يراد تنميتها. وغالبا ما تكون متضمنة في الخطب السياسية والوثائق الرسمية أو شبه الرسمية وفى خطب السياسيين." من هنا فالتربية والتعليم لا يمكن أن تكون إلا نتاج نوع النظام السياسي الدي افرزها،" فإذا كان هذا النظام يعتمد على قيادات من نوع معين كقيادات الأحزاب مثلا، تلك القيادات التي لا تنظر إلى الصالح العام وإنما تنظر إلى صالح الحزب وأفراده معتمدة على إثارة مشاعر الجماهير وانفعالاتها دون تحقيق عملي لما تنادي به، فإن هذه القيادات تكون عقبة في طريق التنمية الاجتماعية ..." فالملاحظ وعبر المراحل التاريخية انه بمجرد ما أن يحدث تغيير نظام حكم ما أو على الآفل التوجه السياسي لبلد ما، حتى نجد أن التعليم يحول ويستغل كوسيلة لنشر أيديولوجية هذا النظام الجديد، والتي كانت وراء وصول الحكام الجدد إلى سدة الحكم. وإذا بحثنا عن الأمثلة فهي كثيرة ولا يمكن حصرها، وهنا سنكتفي فقط بمثالين أحدهما من المغرب والآخر من أوربا الغربية: فالمثال الأول من المغرب، نعرضه مع مادي الحسن في كتابه: السياسة التعليمية بالمغرب، حيت يقول" لقد انحصر هدف التعليم التقليدي السائد بالمغرب في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في الحفاظ على استمرارية نخبة ثقافية متشبعة بالتعاليم الإسلامية وإتقان اللغة العربية وقواعدها. وكان دور هذه النخبة هو تدبير شؤون المخزن من جهة، ومؤازرة السلطان بين أفراد العائلة الملكية من جهة أخرى. ومن بين الفئات المتخرجة من مراكز التعليم، وخاصة من جامع القرويين،نجد القضاة والعدول..." وبعد الحماية مباشرة أي سنة 1912 نجذ هاردى، (المخطط الأول للسياسة التعليمية في مغرب ما بعد الحماية ـ كما قدمه مادي) يحدد الأهداف والتوجهات الجديدة للتربية والتعليم على الشكل التالي : " مند سنة 1912 دخل المغرب في حماية فرنسا، وقد اصبح في الواقع أرضا فرنسية. وعلى الرغم من استمرار بعض المقاومة في تخومه،...فانه يمكن القول: إن الاحتلال العسكري لمجموع البلاد قد تم. ولكننا نعرف نحن الفرنسيين إن انتصار السلاح لا يعنى النصر الكامل : أن القوة تبنى الإمبراطوريات ولكنها ليست هي التي تضمن لها الاستمرار والدوام. إن الرؤوس تنحني أمام المدافع، في حين تظل القلوب تغدي نار الحقد والرغبة في الانتقام، يجب إخضاع النفوس بعد أن تم إخضاع الأبدان، وإذا كانت هده المهمة اقل صخبا من الأولى فإنها صعبة مثلها، وهي تتطلب في الغالب وقتا أطول" وهنا الإشارة واضحة إلى ما يجب أن يقوم به التعليم لتحقيق الغرض المطلوب. أما المثال الثاني والمعبر بطريقة واضحة ومباشرة عن الدور الدي يمكن للتعليم أن يقوم به في نشر أيديولوجية الحكام الجدد، فهو مثال التغييرات التي لحقت ألمانيا بعد وصول النازيين فيها إلى الحكم، وهكذا نجذ أن " تمجيد السلالة الآرية التابعة للدولة الألمانية وكراهية اليهود والغجر، كل ذلك يشكل جهازا عقلانيا خفيفا للغاية، بيد أن جوهر الموضوع يكمن في هذا التمجيد الأساسي للمجموع والضرورة الماسة لوجود ما يسمى "بكبش المحرقة". كانت ألإسقاطات التربوية لهذا المذهب بدائية: تعبئة شبه عسكرية للشباب، محاضرات عن الوراثيات لا تبات سمو السلالة الآرية، محاضرات عن زوال الديموقراطيات وتواطؤ اليهود مع الرأسمالية، كانت التهيئة للحرب والحرب نفسها تسيطران بشكل واف على القادة لتمنعهم من الخوض عميقا في المسائل التربوية. " وهكذا فقبيل وصول هتلر إلى الحكم انتشرت في ألمانيا جمعيات أسسها أنصار هتلر، والتي كان يطلق عليها (Hitlergugend) وكانت موجهة بالخصوص إلى الشباب، فتلقن فيها تربية سياسية، إلى جانب التربية البدنية، وكان من بين مؤطري هاته الجمعيات، متخصصين أسندت إليهم تكوين قوات مساعدة للجيش. أما بعد وصول هتلر إلى الحكم فهناك مجموعة من الترتيبات أخذت على مستوى المدارس التعليمية، منها بالخصوص: ـ تعيينات المدرسين، حيت عمل على إبعاد كل من شك في ولائه للحكم النازي. ـ أسست مدارس خاصة، أطلق عليها: مدارس أد ولف هتلر، والتي أصبحت تقوم بتفريخ أطر الحزب النازي. وكذلك أطر الجيش. كما أنشأت معاهد للتكوين في الميدان السياسي والعسكري، والتي كانت تعطى فيها الأهمية القصوى لتكوين أطر الحزب. إلا انه يضاف إلى كل ما سبق الحديث عنه، والمتعلق بالتطورات الجذرية الكبرى التي يمكن أن تلحق تعليم بلد معين وعلاقته بتغيير الأنظمة السياسية، وما يصاحب ذلك من جعل التربية والتعليم وسيلة لنشر إيديولوجية الزمرة التي استولت على الحكم، فان بعض الحكومات (وذالك أما بمحض إرادتها أو تحت ضغط الشارع) تعمل على تطوير التعليم وتشجيعه، وذالك: - بإصدار تشريعات تعمل على تشجيع التعليم، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: - إلزامية وإجبارية التعليم للأطفال المتراوحين سن التمدرس والدي يلزمهم بالبقاء في المدرسة إلى غاية سن معينة، غالبا ما تتعدى 16 سنة في الدول الغربية. - إقرار بعض التشريعات والقوانين المتعلقة بمجانية التعليم، والتشريعات التي تقنن سن العمل، والتي تحرم تشغيل الأطفال، مما يسمح لهم بالتوجه إلى المدارس. وبصفة عامة فكثير من البلدان العربية (على سبيل المثال) عرفت تغيرات في " نظمها السياسية التقليدية، واتجهت نحو نظم سياسية جديدة تتمشى مع روح العصر ومع مستلزمات النمو الاقتصادي والاجتماعي السريع، وقد أبرزت هاته النظم دور التربية وأكدت أهميتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية...، ونتج عن ذلك جو نفسي ملائم لنمو التربية عامة ولنمو بعض أنواع من التربية بوجه خاص...الأمر الذي أدى إلى تدافع اكبر نحو التعليم والى احدات تغييرات أساسية في بنية التربية ومحتواها الكيفي." في الأخير لابد أن نشير مع داينوD’HAINAUT إلى أن كل نظام سياسي كيفما كان نوعه يحاول أن يجعل من التعليم عنصرا فعالا لتحقيق مشروعه السياسي العام، فالملاحظ عند جميع الأمم الأوربية ـ بالخصوص الغربية منها ـ أن سن ( بفتح السين) نظام التعليم الإجباري ـ ما بين 16 و 18 سنة ـ ما هو إلا ذريعة تحل محل التجنيد الإجباري، الهدف منها هو جعل الأغلبية الساحقة من المجتمع تمر أو تشكل في القالب الاجتماعي الذي وضعته الطبقات الحاكمة. 2.2 تمركز أو عدم تمركز الأنظمة التعليمية : إذا كانت جل الأدبيات التربوية، تتفق على أن السلطة السياسية هي التي تستأثر إما بوضع وتحديد السياسة التربوية، أو بإشراك هذه السلطة للقوى الضاغطة في هذه العملية، فهذا يعود حسب " Fournier فورنيى" إلى نوعية الأنظمة السياسية، فهو يميز بين الأنظمة السياسية المركزة، والأنظمة الأقل تمركزا، فحسب هذا الأخير، فإن الأولى ( الأنظمة المركزة) توجد بصورة عامة في أوربا الغربية، كفرنسا مثلا، حيت يقول وزيرها في التعليم (غيشار O. ( Guichard متحدثا عن السياسة التعليمية في فرنسا:" إنها الأكثر تركيزا، والأكثر ثقلا، والأكثر انفصالا عن العالم". في حين نجذ أن النموذج الثاني يوجد في الأنظمة السياسية، التي تتكون من فيدراليات، كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية، مثلا. إلا أن هذا لا يعنى دائما، حسب نفس الكاتب (فورنيي (Fournier أن بعض الدول ذات الأنظمة المركزة لا تعرف أنظمة تعليمية مرنة، حيث يعهد فيها بالنظام التعليمي إلى المجالس البلدية. أما "لو غران Legrand. L " فيذهب في كتابه:" السياسات التربوية"، إلى "أن تعدد أو اختلاف مواقف الحكومات، بالنسبة للسياسة التربوية، ناتج عن التناقض الواضح بين موقف الدول ذات التأثير الأنجلوسكسوني، حيث تقتصر مهام الحكومات في تحديد الأطر العامة للنشاط، دون أي تدخل مباشر في التنظيم وفى إدارة المؤسسات، وبين مواقف الدول الأوربية الأخرى عامة حيث تتولى الحكومات كل ما يختص بإدارة هذه البنيات، حتى أنها تتدخل في التفاصيل. والمقارنة بين النظامين الإنجليزي والفرنسي يعطى فكرة واضحة عن هذا الموضوع. أما عن جذور المركزية بصورة عامة ، فيرى لوغران Legrand " أن المركزية أو اللامركزية ليست معطيات سياسية في الأساس، ...فهما (المركزية واللامركزية) في البداية، عاملان ذوا طبيعة تاريخية مرتبطة بالخلفية القاعدية للشعوب وناتجة عن اللعبة العرقية لامتلاك السلطة، وعن العادات الفكرية النابعة من الوجود المستمر لممثل هذه السلطة. من هنا يذهب (نفس الكاتب) إلى أن المركزية الفرنسية، تعود في أصلها إلى القرون الوسطى (حيث كانت وليدة الرغبة الثابتة في احتكار الأراضي، لكي تكون تحت تصرف السلطة العليا)، مرورا بالثورة الفرنسية، والإمبراطورية النابولونية، والجمهوريات اللاحقة، وكلها ساهمت في تمتين هده المركزية، كنتيجة للسعي وراء السلطة من قبل الفئة الحاكمة، كما ساهمت الكنيسة الكاثوليكية بحظ وافر في هذا التوجه المركز. هذا من الناحية التاريخية، أما إذا حاولنا البحت عن أسباب تمركز السلطة في بعض الدول الآن، فنجذ أن لو غران Legrand يرى " أن التوجه نحو المركزية يأتي دائما نتيجة سعي حزب ما أو مجموعة ما من بين العديد من الأحزاب والمجموعات، إلى إخضاع مجموعة من المواطنين أو طائفة مجاورة لها، أو لسلطتها أملا في الحصول على منفعة مادية أو معنوية" أما تحليل العلاقات الممكنة في إطار هذين النوعين من النظامين (المتمركز وغير المتمركز) في الميدان التربوي، فيعرضها لنا داينوا D’Hainaut على الشكل التالي : "ينطلق هذا الأخير من أن المشكل المطروح في المركزية أو عدمها، يمكن البحث فيه على مستوى نقطتين أساسيتين هما: أولا: درجة الحرية المخولة للشركاء الفاعلين في الميدان التربوي، وقد حدد هؤلاء الشركاء في أربعة عناصر وهي: ـ المؤسسات؛ ـ المدرسون؛ ـ المتعلمون؛ ـ السكان بما فيهم الآباء. وثانيا؛ هو: أن المظاهر الأساسية للفعل التربوي تتم على ثلاث مستويات هي: ـ اختيار الأهداف؛ ـ اختيار الطرق والوسائل التعليمية؛ ـ اختيار طرق التقويم. من هنا فمساهمة الشركاء التربويين في اتخاذ القرار في ميدان التربية والتعليم يتخذ أربعة أوجه، وهي: - الحرية التامة، وهي بطبيعتها لا يمكن أن تمنح إلا لشريك واحد(من بين الشركاء الأربعة: المؤسسات، المدرسون، المتعلمون...الخ)؛ - المشاركة، والذي يعنى توزيع السلطة بين الشركاء والمسيرين؛ - المسئولية، ليس في اتخاذ القرار، ولكن تعنى ترك نوع من الحرية على مستوى الإنجاز؛ - الخضوع، والذي يعني التطبيق الحرفي للقرار دون المشاركة في اتخاذ أية مبادرة. ويبقى الوجه الأخير (في نظرنا) هو الذي يعبر أكثر وبصدق عن وضعية الأنظمة التعليمية المركزة.
III - العوامل الاجتماعية والثقافية: وهي تعنى كلما يتعلق بسلوكات الأفراد والجماعات، وما يترتب عن ذلك من نظم القيم، والغايات المشتركة، التي تؤثر على تطور التربية.
3.1 - العامل الديني والفلسفي: لا يمكن لأي أحد أن ينكر الدور الذي يلعبه تصور المجتمعات للإنسان في التأثير على التربية والتعليم. فالمدرسة كانت ومنذ الأزل، وما زالت المكان المفظل لنقل قيم ومعارف وتجارب الجماعات من جيل إلى جيل . كما لا يمكن لأي أحد أن ينكر الدور الذي تلعبه الأديان والمعتقدات في تطور المجتمعات، فهي تلعب دورا أساسيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك بالعمل على أن " ترسخ في أذهان الناس وفي شخصياتهم قيما وسلوكا وعادات. أن يكون الدين عاملا فعالا في المجتمع. ذلك لأنه ما جبل عليه من قداسة وبما له من تأثير فعال على النفوس وسيطرة كبيرة على الضمائر وتغلغل في الشخصيات يصل إلى أعماقها، فإنه قادر بذلك على التأثير في عملية التنمية ووسيلة من وسائل تجميد الأوضاع وإيقاف عجلة التطور". يضاف إلى كل ما سبق أن "التنظيم الديني هو المسئول إلى حد كبير خاصة في المجتمعات النامية عن نظام القيم الذي يحدد الغايات العليا للحياة، ويرسم شكل السعادة البشرية، فإذا كان رسم شكل هذه السعادة مرتبطا بحياة أفضل للإنسان على سطح هذه الأرض فإنه يساعد بذلك على إنجاح التنمية. وهذا لاشك عدة من عدة أمثلة." وحسب SUCHODOLSKI- فان تاريخ التربية على مر العصور كان حاضرا فيه وبقوة، التعارض بين وجهتي نظر أساسيتين هما: ـ توجه أسس على ماهية الإنسان، ويقابله السؤال: كيف ينبغي أن يكون الإنسان؟ ـ وتوجه ثان قائم على وجود الإنسان. فالتوجه الأول والذي كان من رواده أفلاطون، والقديس توماس لاكوينى، وضعوا أسس التربية وتوجهاتها انطلاقا من القوانين الأبدية والتي حددت بطريقة ميتا فيزيقية مصير الإنسان (ماهية الإنسان) وهكذا ميز أفلاطون بين عالم المثل العالم الحقيقي والكامل والثابت، وبين عالم الظلال المتغير وغير الحقيقي، وهو العالم الذي يحيا فيه الإنسان، وهذا التميز والفصل بين العالمين الحقيقي، والمزور جعل أفلاطون يدعى أن هدف التربية ألأسمى هو تنمية لدى الإنسان كل ما يؤكد انتسابه إلى عالم الحقيقة المثالية، وكل ما تقوم عليه ماهيته الحقة، تلك الماهية التي يخنقها وجوده العملي في الحياة. أما التوجه الثاني فقد ظهر في العصور الوسطى وكان من رواده الأوائل، كل من رابليه(1490 ـ 1553) ومونتني(1533 ـ 1592) وجان جاك رو سو، فقد اهتموا وبطريقة تجريبية بوجود الإنسان، ونظروا إليه كما هو موجود في هذا العالم. من هنا وحسب التوجه الذي نتبناه لوجود الإنسان، فالتربية تختلف من تربية مرتكزة على استيعاب المعارف وذلك حسب التوجه الأول، قوامها التلقين، المراقبة، العقاب. إلى تربية مهتمة أساسا بالتطور الطبيعي للإنسان. تعتمد في بنيتها على التعبير التام عن رغبات الفرد انطلاقا من الحرية الطبيعية للإنسان. وهكذا وكما أسلفنا سابقا، فالدين والفلسفة اللدين يتبناهما مجتمعا ما (أو على الأقل السلطة الحاكمة فيه). وعلى مر العصور تدخلا دائما في تحديد غايات التربية والتعليم، فالمبادئ والقيم التي تعمل التربية والتعليم على غرسها في الناشئة، دائما ما تستمد أصولها من الدين أو الفلسفة التي تتبناها المجتمعات، أو على الأقل الطبقات التي تستأثر بالحكم فيها، ولنا في ذلك أمثلة عديدة، نقتصر هنا على الأمثلة التالية: ـ المثال الأول نقتبسه من تاريخ التربية والتعليم بجامعة القرويين، والدي يعود إلى القرن الثاني عشر الهجري، وهو عبارة عن الظهير الذي بعت به السلطان سيدي محمد ابن عبد الله إلى المشرفين على التعليم في هاته الجامعة وذلك حوالي 1757 ، وهذا جزء من هذا الظهير: " ليعلم الواقف على هذه الفصول أننا امرنا بإتباعها والاقتصار عليها ولا يتعداها إلى ما سواها... (الفصل الثالث): في المدرسين في مساجد فاس، فإنا أمرناهم ألا يدرسوا إلا كتاب الله تعالى بتفسيره، وكتاب دلائل الخيرات في الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن كتب الحديث المسانيد والكتب المستخرجة منها (البخاري ومسلما من الكتب الصحاح. ومن كتب الفقه) المدونة والتحصيل ومقدمة ابن رشد والجواهر لابن شاس، والنوادر. والرسالة لابن أبى زيد القيرواني، وغير تلك الكتب من كتب الأقدمين. ومن أراد تدريس ابن خليل فإنما يدرسه بشرح بهرم الكبير. والمواق (والحطاب. والشيخ علي الجهوري والخرشي الكبير لا غير) فهده الشروح الخمسة: بها يدرس خليل مقصورا عليها وفيها كفاية. وما عداها من الشراح ينبذ ولا يدرس به، ومن ترك الشراح المذكورين واشتغل بالزرقانى وأمثاله من شراح خليل، يكون كمن أهرق الماء واتبع السراب. ... وكذلك الفقهاء الذين يقرؤون الإسطرلاب، وعلم الحساب فيأخدون حظهم من الأحباس، لما في تلك من المنفعة العظيمة والفائدة الكبيرة لأوقات الصلاة والميراث، وعلى هذا يكون العمل إن شاء الله. ومن أراد أن يخوض في علم الكلام، والمنطق، وعلوم الفلاسفة، وكتب غلاة الصوفية، وكتب القصص، فليتعاط ذلك في داره مع أصحابه، الذين لا يدرون بأنهم لا يدرون. ومن تعاطى ما ذكرناه في المساجد ونالته عقوبة فلا يلو من إلا نفسه، وهؤلاء الطلبة الدين يتعاطون العلوم التي نهينا عن قراءتها ما مرادهم بتعاطيها إلا الظهور والرياء والسمعة، وان يضلوا طلبة البادية، فانهم يأتون من بلدهم بنية خالصه للتفقه في الدين، واستماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه. فحين يسمعونهم يدرسون هذه العلوم التي نهينا عنها يظنون انهم يحصلون على فائدة بها فيتركون مجالس التفقه في الدين، واستماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه". المثال الثاني نقتبسه من الفلسفة التربوية والأهداف التربوية في الدول العربية الخليجية المشاركة في " مكتب التربية العربي لدول الخليج" كما هو وارد في القرار الذي صدر عن المؤتمر السابع لوزراء التربية والتعليم والمعارف لدول الخليج العربية( القرار رقم م ع / 75 /ق 20 )، وقد حدد القرار خمسة مصادر للأهداف العامة للتربية كالتالي : ـ العقيدة الإسلامية بمنهجها الشامل للإنسان والكون والحياة. ـ العروبة بتراثها وقضاياها المعاصرة وآمالها واتجاهاتها نحو المستقبل. ـ الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ومطالب التنمية في منطقة الخليج العربي. ـ اتجاهات العصر، ومقتضياته، وخصائصه، حاضرا ومستقبلا، فيما يتفق وأصول الثقافة العربية الإسلامية. ـ حاجات الفرد العربي ومطالب نموه في دول الخليج العربي. أما المثال الثالث فسنقتبسه من كتاب صدرته وزارة التربية الوطنية ببلجيكا سنة 1973 تحت عنوان "التعليم من اجل عالم الغد" وفيه نقرأ الأهداف والسلوكات التي يتعين على التعليم البلجيكي العمل على تنميتها لدى الناشئة وهي: - الدفع إلى بناء أدوات الاشتغال الذهني. - الانفتاح على الثقافة العامة وعلى غنى المدرسة الموازية. ـ ملكة الإبداع. ـ الحرية. ـ المسئولية المرتبطة بالحرية. والناتجة عن القيم التي تعمل هاته الأخيرة على ترسيخها لدى المتعلمين. ـ الالتزام. ـ القدرة على التحمل.... فمشروع الإنسان الذي يسعى كل من هاته الأمثلة إلى تكوينه، يختلف من مثال إلى آخر ، فإذا كان المثال الأول يسعى إلى تكوين إنسان مسلم، على مقاس المذهب المالكي، فان الطريقة التي ستوصل إلى هذا الإنسان تختلف، وكذلك الوسائل، فهي أولا قبل كل شئ، يجب أن لا تتم إلا عبر دراسة كتاب الله تعالى بتفسيره، وكتاب دلائل الخيرات في الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه. ...وما عداها من الشراح ينبذ ولا يدرس به، ومن ترك الشراح المذكورين واشتغل بالزرقانى وأمثالهم، من شراح خليل يكون كمن آرق الماء واتبع السراب. وحتى تكون تعليمات المشرع، مطبقة بحذافيرها، وحتى يعمل بها الجميع، فقد أضاف إليها الوعيد، بقوله، ... ومن تعاطى ما ذكرناه في المساجد، ونالته عقوبة فلا يلو من إلا نفسه... وعلى النقيض من ذلك فالتعليم البلجيكي، بمبدإه الليبرالي، والذي اقر مجموعة من الكفاءات التي من المفترض القيام بتنميتها لدى المتعلم، دون أن يحدد لها الوسائل التي يجب استعمالها للوصول إلى تلك الأهداف، على عكس ما رأيناه في المثال الأول، والتي حاول فيها واضعوها استعمال الوسيلة بطريقة محددة أصلا دون غيرها.(فالزرقانى في شرح ابن خليل يعتبر جريمة لأنه لن يؤدى إلى تكوين الفرد الذي تسعى السلطة إلى تكوينه). والجدير بالذكر إلى أن التعليم كلما كان تقليديا، وكلما كان الإنسان الذي يسعى إلى تكوينه محددا وبصورة دقيقة، كلما كانت حرية المدرس والطالب حرية محدودة لا تسمح لهما بالتصرف، وبالتالي تجعل دورهما ينحصر في عملية التلقين، على عكس دور المربى الذي هو التكوين. من هنا ودائما فنموذج الإنسان الذي نهدف إلى تكوينه، (والدي يوجه انطلاقا منه العمل التربوي) يختلف من موقع الاتجاه التربوي الذي تبناه رابلي RABELAIS 1494- 1592 والمتمثل في رأس لاتحد معارفه Une culture sans limite، إلى الاتجاه الذي تبناه مونتني MONTAIGNE 1533 ) -1592 ) في رأس حسن الإعداد وان لم تكن معارفه كثيرة Une tête bien faite plutôt qu’une tête bien plaine. في الأخير لابد أن نؤكد من جديد على أن التصور الفلسفي والديني الذي تتبناه المجتمعات، هو الذي يحدد النيات والمقاصد(الأهداف بمفهومها العام) التي تسعى التربية والتعليم لتحقيقها لدى هاته المجتمعات. وهكذا نجد أن التربية التقليدية تقوم بدعم القيم والاتجاهات التقليدية، في حين أن التربية الحديثة تعمل وبطريقة اكتر صعوبة على مساعدة الناس في الحفاظ بعناصر من الماضي والتي تراها هامة في حياتها، (بالخصوص منها المحددة لهوية المجتمع) إلا أنها في نفس الوقت مدعوة إلى مساعدة هؤلاء على اكتساب أساليب جديدة في التفكير، تتناسب ومطالب الحياة الجديدة. وهكذا " فالتعليم القديم (كما هو سائد الآن في الدول النامية) قد علم الناس للوظيفة والجلوس في المكاتب، وعلمهم احتقار العمل. إلا انه الآن تظهر مطالب جديدة، فالدول الحديثة الاستقلال لديها عمل يجب القيام به، عمل في البناء وفى الهندسة وفى الصحة وفى إنتاج الغداء وفى إعادة التشييد. وهذه الدول تسال الرجل المتعلم سؤالا جديدا ما الذي يمكن أن تفعله بتعليمك؟ أيمكن استخدامه في تدريب افضل، أو في عمل نافع؟ أن تلقى العلم لم يعد وحده كافيا، فالحصول على التعليم ليس غاية في ذاته، بل هو مجرد البداية وهو الإعداد للعمل، وعلى التربية أن تعد الإنسان لدوره الجديد في العمل الإيجابي النشيط."
3.2 العامل المرتبط بالجانب البيداغوجي: مما لاشك فيه أن فهم الأنظمة التعليمية الحالية كلها رغم اختلاف اتجاهاتها، يفرض على الباحث القيام بعرض أهم التيارات البيداغوجية التي أترث على الفعل التربوي وذالك على الأقل منذ نهاية القرن 19 . هاته التيارات تتمثل في: - النزعة التربوية " التقدمية" -النزعة التربوية "التواترية" - النزعة التربوية "الجوهرية" - النزعة التربوية "التجديدية". ا- التيار التقدمي: جاء كنتيجة للثورة التي أعلنت ضد النزعة التربوية التقليدية، وقد ظهرت هذه النزعة منذ أواخر القرن التاسع عشر، إلا أنها لم تبلغ قمة تأثيرها إلا في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن العشرين، وذالك في الولايات المتحدة الأمريكية، على يد الأمريكي جون ديوي، والذي عرض أفكار هذه النزعة في كتابه "مدارس الغد" (ظهر سنة 1915)، حيت أوضح فيه أن المدرسة أنقى من المجتمع الكبير، وبالتالي فهي التي ستقوم بالدور الأساسي لتغيير المجتمع. ما دامت التربية هي على الدوام عملية تطور، وبالتالي فغايتها ليست هي التكيف مع المجتمع، أو مع العالم الخارجي، أو مع بعض المعايير المتواترة للخير والصدق والجمال، بل هي عملية تجديد مستمرة للخبرة أو كما عبر عن ذلك جون ديوي:.." أننا بذلك نصل إلى التعريف الفني للتربية: أنها ذلك التجديد أو إعادة التنظيم للخبرات الذي يضيف معنى إلى الخبرة السابقة، والذي يزيد من القدرة على توجيه مسار الخبرات اللاحقة.." أما أهم المبادئ الأساسية التي تنبني عليها أطروحات هذا التيار فهي تتمثل في: - التعلم يجب أن يتم عن طريق حل المشكلات اكتر مما هو عن طريق استيعاب المواد الدراسية. - التربية يجب أن تكون هي الحياة ذاتها وليس الإعداد للحياة. - حرية النمو الطبيعي. - الميل هو الدافع للعمل. - المتعلم هو الموجه وليس المدرس، من هنا فدور المدرس يبقى محصورا في النصح اكتر مما هو رمز السلطة والسيطرة. - يجب دراسة تطور الطفل دراسة علمية. - على المدرسة أن تشجع التعاون، اكتر مما تعمل على تشجيع التنافس، لان الأفراد إذا عملوا متعاونين تكون مرد وديتهم اكثر مما لو عمل كل منهم بمفرده. ب- التواترية: جاءت كرد فعل على النزعة التقدمية،ذات طابع أرستقراطي، انطلقت في البداية من الفلسفة الواقعية التقليدية، ولذلك غالبا ما يستشهد روادها بأرسطو والقديس توما لاكويني. أما اسمها فقد اشتق من فكرة مفادها أن المبادئ الأساسية للتربية تتواتر ولا تتغير، بمعنى أن النظرية التربوية تنتقل من الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة، دون أن يمسها تطوير أو تحريف، بل هي ثابتة، وأصحابها غالبا ما يمقتون كل ما يمت بصلة إلى الحياة الحديثة، مثل نتائج الثورة الصناعية، والثورة العلمية، والقيم غير الدينية، وقيم البروليتاريا، والثورة التكنولوجيا، وثورة الإلكترونيات... ولذلك فهي غالبا ما نعتت بالتيار التربوي المحافظ. أما أهم روادها فنذكر على الخصوص، روبرت هانتشز، و ومورتيمر ادلر، أما أهم مبادئها الأساسية فيمكن إجمالها فيما يلي: * مادامت الطبيعة البشرية - على حد قول أصحاب هذه النظرية - ثابتة، فان طبيعة التربية هي الأخرى ثابتة، وهذا ما عبر عنه ادلر بقوله " إذا كان الإنسان حيوانا عاقلا ذا طبيعة ثابتة على مر التاريخ، فلا بد والحالة هذه من وجود بعض الملامح الثابتة في كل منهج تربوي سليم بصرف النظر عن الثقافة والعصر". * يجب على التربية أن تركز على تكوين العقل البشري، مادام العقل هو الصفة المميزة للإنسان.من هنا فدور المربي لدى التواترية، وبحكم نضجه وما تراكم لديه من خبرات، يعتبر مركز العملية التعليمية، مادام أن دوره يتمثل في نقل المعرفة إلى التلاميذ وتوجيههم وضبط سلوكهم وتقييم نتائج عملهم. * بما أن الحقيقة عالمية وثابتة، فيجب على التربية أن تتجاوب معها وتعمل على نقلها إلى أذهان الأطفال، دون العمل على تغييرها أو تجاوزها، وهذا ما عبر عنه هتشنز حين قال:" التربية تشمل التعليم والتعليم يشمل المعرفة، والمعرفة هي الحقيقة، والحقيقة في كل مكان واحدة، ولذى فإن التربية في كل مكان يجب أن تكون واحدة" . * دور التربية هو الإعداد للحياة، وليست بأي حال من الأحوال كلمة مرادفة للحياة. فنظرة التواتريين إلى الحقيقة هو الثبات وليس التغير، فإن إعداد الطفل للحياة يجب أن لا يتغير بتغير الزمان. * على التربية أن تمد الطفل بمجموعة من الموضوعات الأساسية التي ستمكنهم من معرفة الصفات الثابتة والدائمة للعالم من ألنا حيتين الروحية والمادية، وفى هذا الشأن يقول ادلر:" إن التربية الأساسية للحيوان العاقل هي تنظيم قدراته العقلية وتنمية ذكائه. وهذا التنظيم يتحقق من خلال الفنون الحرة والقراءة والاستماع، والكتابة والكلام، ذلك لان الإنسان حيوان اجتماعي فضلا عن كونه حيوانا عاقلا. وحياته العقلية تتم في مجتمع لا يتحقق وجوده إلا بالاتصال بين أفراده. إن المواد الثلاثة: القراءة، والكتابة، والحساب، وهي مهارات الاتصال التي كانت دائمة تشكل المواد الرسمية، هي جوهر التربية الحرة أو بعبارة أخرى التربية العامة." *تبقى الكتب العظمى - لدى التواتريين - هي الوسيلة المثلى لتزويد الطالب بما يحتاجه لتنمية إمكانياته العقلية، وهذا ما ذهب إليه ادلر عند قوله " إذا كان هناك حكمة فلسفية ومعرفة علمية، وإذا كانت هذه الحكمة تتكون من بصائر وأفكار لا يطرأ عليها سوى تغيير ضئيل من وقت لآخر، وحتى إذا كانت تلك المعرفة العلمية تشمل العديد من المفاهيم الثابتة وكانت لها طريقة ثابتة نسبيا، وإذا كانت المؤلفات العظيمة في الآداب والفلسفة تهتم بالمشاكل النفسية الدائمة للإنسان، وتعبر - على المستوى العالمي- عن اعتقادات الإنسان في صراعاته النفسية. وإذا كان كل ذلك واقعا فان المؤلفات العظيمة التي كتبها مؤلفون من العصور القديمة، والوسطى، بل والحديثة، تعتبر مستودعا للمعرفة والحكمة، وتراثا ثقافيا يجب أن يكون حافزا لكل جيل جديد. إن قراءة مثل هذه الكتب ليست مجرد العلم بالا حدات الماضية أو لدراسة ألآتار القديمة أو اللغات، بل إن هذه القراءة يجب أن تتم لان هذه الكتب تعتبر معاصرة اليوم كما كانت وقت كتابتها، وذالك لان المشاكل التي تبحثها والأفكار التي تطرحها لا تخضع لقانون التقدم الدائم واللانهائي." ولهذا فالهدف من التعليم لدى التواتريين يعرضه لنا هتشنز بقوله" إن التعليم المثالي ليس تعليما وقتيا، وليس تعليما موجها لاحتياجات فورية، وليس تعليما تخصصيا أو تعليما سابقا للتخصص، كما انه ليس تعليما نفعيا، انه تعليم مدروس لتنمية العقل. إن لدي تعصبا قديما للقراءة والكتابة والحساب والدراسات الليبرالية، من اجل تفهم الأعمال الكبيرة التي أنتجها الجنس البشري...أرى أن هذه هي الظروريات الدائمة والأدوات الفكرية التي نحن بحاجة لها لتفهم الأفكار العليا لعالمنا". ج- النزعة التربوية الجوهرية: رغم أن هذه النزعة لا تعلن ارتباطها بأي فلسفة من الفلسفات. ألا أنها تتلاءم مع عدد من الاتجاهات الفلسفية، وهذا ما أدي إلى كون مريديها لا يشكلون جبهة موحدة، فهم يختلفون على مستوى النظرية، كما يختلفون على مستوى مواد المنهاج، وإذا كانت الجوهرية مثل التواترية تهتم بالمواد الدراسية وتجعلها في مركز العملية التربوية، فإن الجوهرية لا تتفق مع التواترية في أن المادة الدراسية الحقيقية هي الحقائق التي احتفظت بها الكتب العظمى، كما أنها لا تتفق مع النزعة التقدمية في الاهتمام الذي توليه لحرية الطفل. وهذا ما أشار إليه بربكمان عند قوله "إن الجوهرية تضع المعلم في موقع المركز من العالم التربوي. وهذا المعلم يجب أن يكون حاصلا على درجة عالية من التربية والمعرفة العلمية عن ميدان التعلم وتفهم عميق لسيكولوجية الطفل ولعملية التعلم، ومقدرة على توصيل الحقائق والمثل للأجيال الجديدة، وإدراك الأسس الفلسفية والتاريخية للتربية مع إخلاص جاد لعمله.." أما أهم المبادئ الأساسية التي تقوم عليها النزعة الجوهرية فهي: * العمل الشاق والمستمر هو السبيل الوحيد للتعلم: ولهذا طالب أصحاب هذه النزعة العمل بنظام موحد ومتشدد للامتحانات، الهدف منه هو غربلة التلاميذ وتصفيتهم قبل الالتحاق بالمراحل التعليمية العليا وهذا ما ذهب إليه غاردنر بقوله: " ولكن ما أن يصبح التعليم اكثر فعالية في شد الشبان المتفوقين إلى المستوى الأعلى يصبح اكثر تشددا في تصنيفهم. وهذا ما ينطبق على وضعنا الحالي وسيكون اكثر انطباقا في المستقبل، إن المدارس هي الطريق الذهبي للفرص أمام الشبان المقتدرين، ولكن على الأساس نفسه فان المدارس هي الحلبة التي يكتشف فيها الشبان الأقل مقدرة حدودهم. وناذرا ما خطرت هذه الفكرة لأولئك الذين نادوا بالتعليم الشامل. لقد راو الجانب المشرق من النظام حيت يستطيع كل شاب أن يسير حسب مقدرته أو طموحه دون عقبات مالية أو اجتماعية أو دينية أو عرقية، ولكنهم لم يفكروا بالألم الذي يخلقه ذالك للأفراد الذين تنقصهم المقدرة اللازمة، ومع ذالك فان الألم موجود ولابد أن يوجد". * المدرس هو الذي يقود الطفل في تعلمه: وذالك بما تلقاه من تدريب، مما يسمح له بلعب دور الوسيط بين عالم كامل النمو- الذي هو عالم الكبار- وعالم الطفل الذي لا يسمح له بادراك عام الكبار إلا بمساعدة المعلم، وهذا ما دافع عنه كاندل بقوله: "... إن الجوهريين لا يقلون اهتماما عن التقدميين بالمبدأ القائل بان التعلم لايمكن أن ينجح إلا إذا كان قائما على قدرات واهتمامات وأهداف المتعلم، ولكنهم يعتقدون أن تلك الاهتمامات والأهداف، يجب أن تتبلور بواسطة مهارة المعلم، الذي يعتبر سيدا على ذالك التنظيم المنطقي المسمى بالمواد، والذي يفهم عملية النمو التربوي." * العلمية التربوية يجب أن تتم عن طريق التلقين: بالنسبة للجوهريين فالقراءة والتحدت والكتابة وتعلم الحساب، كلها مواد أساسية لابد للطفل أن يتعلمها في مدرسته الأولي، على أن تنضاف إليها التاريخ والجغرافيا والعلوم الاجتماعية، وكل هاته المواد الأخيرة تدرس منفصلة عن الأولى، أما المواد الأقل أهمية عند هذه النزعة فتتمثل في: الأدب، والتربية البدنية، والموسيقى.. على أن المواد الأساسية في المرحلة اللاحقة من التعليم يجب أن تكون اكثر تخصصا ودقة، أما المواد الغير الأساسية فتصبح الأدب والموسيقى والتربية البدنية. وفي هذا الصدد يقول كاندل: "ولما كانت البيئة تحمل في جنباتها طابع الماضي وبذور المستقبل، فإن المنهج يجب بالضرورة أن يشمل تلك المعرفة، والمعلومات التي تمكن الطفل من التعرف على تراثه الاجتماعي والخروج إلى العالم الذي يحيط به، وكذلك المعلومات التي تعده للمستقبل. ويجب أن تعنى التربية بالحفاظ على احسن ما في التراث الثقافي للمجتمع." * ينحصر دور المدرسة لدى الجوهريين في تزويد التلاميذ بالمهارات العقلية التقليدية: وهنا يرفضون التركيز على الاهتمامات الشخصية للطفل، كما لا يشجعون تنمية المهارات الأخرى الغير العقلية لدى التلميذ. د- التيار التجديدى: استمد هذا التيار اسمه من كون أصحابه اخذوا على عاتقهم تجديد المجتمع الأمريكي، وذالك بتفسير القيم الأساسية التي يتبناها المجتمع وإخضاعها للاكتشافات المعرفية التي توصل إليها العلم، واعتبر أصحاب هذا التيار أنفسهم كخلف حقيقي للتقدمية، أما أهم رواد هاته المدرسة فنذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر جورج كاونتسي، وهارولد راج، إضافة إلى تيودور براملد، وبيركسون وغيرهم. واهم ما يميز هذا التيار كونه لم يقف عند التربية بل تعداها إلى مجالات أخرى فنادى بالإصلاح الاجتماعي، كما نادى بوجوب كون المدرسة هي النموذج المثالي للمجتمع مادام مريديها في الوقت الحاضر "هم الذين سيكونون نواة المجتمع في الغد". أما أهم المبادئ التي ارتكز عليها التيار التجديدي فيمكن عرضها على الشكل التالي: * الهدف الأساسي من التربية هو إعادة بناء المجتمع على أسس جديدة، من هنا يجب توجيه المنهاج التعليمي نحو إعادة تشكيل الأجيال الصاعدة حتى تتمكن هاته الأجيال من المساهمة في إعادة بناء المجتمع، انطلاقا من المشاكل التي يتخبط فيها العالم من فقر وحرب وجهل وتلوت بيئي.. وفي هذا الصدد يرى براميلد " إن صياغة جديدة ومعنى جديد للقوة المشتركة وغضب جديد ثائر ولكن قائم على الحق، أمل جديد لتحقيق الديمقراطية للعالم اجمع كلها أمور ممتزجة مع بعضها بعضا، في وسط هذا الخضم الكبير الهائج الذي يشتمل على مئات الملايين من البشر ذوى القدرة الغير المحدودة يكمن المنبع العظيم لقوة التربية المستقبلية. إن المهمة الفورية للمدرسين هي في الاستناد إلى هذه القوة، وبذلك يدعمون سيطرة المدرسة بالاعتماد على الغالبية الساحقة للجنس البشري وبالعمل من اجل تحقيق مصالح هذه الغالبية" . * من مهام المدرسة القيام بلعب دور مركز الإصلاح الاجتماعي: وذالك بالعمل على تغيير جذري في عقل الإنسان، حتى يتمكن من استعمال كل قواه الطبيعية من اجل البناء وليس الهدم، وذالك بتأسيس ثقافة جديدة تقوم على تسخير التطور الاقتصادي لصالح المجتمع كله. * على التربية أن تعمل على توجيه النظام الاجتماعي نحو الديموقراطية: فالمجتمع الذي تسعى إليه التجديدية، يجب أن تعمه الديموقراطية وتصبح فيه السلطة في يد ممتلى الشعب، ودور المدرسة في تحقيق هذا المجتمع هو تربية الأطفال على الديموقراطية، مادام أن التغيير الذي يتوخاه مفكري هذا التيار، يجب أن يتم في عقول البشر قبل أن يصبح واقعا معاشا. * دور المعلم ينحصر في إقناع الطفل بأفكار المدرسة التجديدية: وهذا يفرض الاستماع إلى أفكار المتعلمين ومناقشتها، والسماح لهم بالدفاع عن آرائهم الخاصة، أما تبني الأفكار أو تركها فالقرار الأخير يبقى للمتعلم دون أن يلزمه أحد على ذلك. * إعادة النظر في القيم التي تتبناها المدرسة حاليا: وذالك بإعادة صياغة الأهداف المحددة للتربية، حتى تتلاءم مع ما توصلت إليه العلوم السلوكية للإنسان، هاته العلوم التي ستمكننا من اكتشاف أي القيم الحقيقية التي يؤمن بها الناس، من غيرها من القيم الأخرى والتي يجب مراجعتها والعمل على تجاوزها. 3.3 العامل المرتبط بتطور علم النفس: ظهر كعلم منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، بعد أن ابتعد شيئا فشيئا عن الفلسفة، ليصبح علما قائما بدا ته، يعتمد أساسا على الملاحظة والتجريب، فتشعبت مواضيعه، فمن علم النفس التكويني، إلى علم النفس الاجتماعي، مرورا بعلم النفس التجريبي، ثم علم النفس الإكلينيكي... والملاحظ أن كل هاته العلوم أدلت بدلوها في ميدان التربية والتعليم، إلا أن طبيعة بحثنا هذا لن يسمح لنا بعرض اهتمامات كل علم على حدة ولذلك ارتأينا أن نقف فقط عند الأمثلة التالية دون غيرها: 3.31 الأبحاث المتعلقة بتطور ذكاء الإنسان: لم يكن المهتمون بالبيداغوجيا في مراحلها الأولى، يدركون الفرق بين الطرق والمناهج التربوية، المرتبطة بأعمار المتعلمين، ومؤهلاتهم العقلية، فكانوا غالبا ما يعاملون الطفل على انه رجل صغير. وهكذا وبعد أن ظهر علم النفس النشوئي، اصبح العاملون في ميدان التربية والتعليم يهتمون بالنمو العقلي للطفل وذالك حسب نموه الجسدي. والجدير بالذكر أن الباحتين في هذا الميدان اعتمدوا على طريقتين مختلفتين في دراسة ظاهرة سيكولوجية الطفل على الشكل التالي: ـ أولاهما، ملاحظة التطورات التي تعترض سلوك معين لدى الأطفال مع التطور العمري للطفل. ـ ثانيهما: الانطلاق من مراحل معينة كنقطة مرجعية، فندرس الأطفال حسب مستواهم العمري. أما المراحل الكبرى التي مرت منها الأبحاث المتعلقة بالذكاء فيمكن إجمالها في أربعة مراحل أساسية على الشكل التالي: أ ـ أولى هاته المراحل والتي اهتمت بالتطور المعرفي لذكاء الطفل، وقد توجت هاته المرحلة بما اصطلح عليه ب "معامل الذكاء" ـ quotient intellectuel ـ والذي يعبر عنه عن طريق مقارنة سن الطفل مع عمره العقلي، أما أهم رواد هاته الطريقة، فنجد كل من: بينى سيمون وتيرمان (BENIT SIMON, TERMAN). أما المراحل الكبرى التي قطعها اختبار الذكاء مع بينى فيمكن عرضها على النحو التالي: انطلق بينى بمساعدة سيمون من مشكل تخلف بعض التلاميذ في مدارس باريس الفرنسية، بعد ما لاحظ موظفو بلديتها أن هناك فر وقات فردية بين الأطفال رغم تلقيهم لنفس الخدمات التعليمية. ولحل هذا المشكل انطلق بينى من ثلاث فرضيات، أوصلته إلى وضع مقياس لذكاء الطفل اشتمل على 126 فقرة تمثل مجموعة من المشاكل الموجهة للتلاميذ حسب عمرهم، وذلك لقياس ذكائهم العام. أما المراحل ألعمرية التي يسمح قياس بينى بمتابعتها والتعرف على مستوى ذكائها فهي: * من سنتين إلى خمس سنوات. * من خمس سنوات إلى أربع عشرة سنة. * ما فوق أربعة عشرة سنة. والجدير بالذكر انه إضافة إلى اختبار بيني الذي يعتبر من اشهر الاختبارات واكترها شيوعا في قياس الذكاء، هناك كذالك اختبار وكسلربلفيو Wechsler-Bellevue والذي اشتغل صاحبه على قياس ذكاء المراهقين، والراشدين، وقد قام بوضعه عام 1939 وتم تعديله1955. ب ـ أما المرحلة الثانية والتي عرفت بالتحليل التجريبي للذكاء، فقد مرت بعدة مراحل نذكر منها: 1 ـ نظرية العاملين analyse bi - factorielle الذي اكتشفه سبيرمان SPERMAN الإنجليزي سنة 1903، وهي نظرية تعتمد الإحصاء لإبراز الأجزاء المكونة للذكاء، مفاد نظريته، أن كل مكونات العمليات الذهنية، تشترك في وظيفة أساسية والتي أطلق عليها العامل "G" facteur. هذا العامل يكمن خلف مختلف أساليب النشاط العقلي، إلى جانب العوامل العقلية الخاصة. أما كيف توصل إلى نظريته فقد "تحقق سبيرمان ـ كما يقول اوزى احمد ـ من وجود هذا العامل العقلي العام في كل العمليات الذهنية من خلال معاملات الارتباط. والى جانب العامل العام هناك عامل خاص يستخدم في كل عملية معينة. فقيام الذهن بنشاط في مادة الرياضيات على سبيل المثال يقتضي قدرا من العامل العقلي العام، وقدرا آخر من العامل العقلي الخاص المرتبط بقدرة الفرد في الرياضيات." 2 ـ نظرية العوامل الطائفية، analyse multifactorielle، وهي طريقة اشتغل بها THURSTONE والذي كان مساعدا لاديسون، ثم انشأ مخبرا للقياس النفسي حوالي 1914 ، أما ملخص نظريته فهو، أن الذكاء يتكون من مجموعة من العوامل المرتبطة فيما بينها على الشكل التالي: العامل العددي، عامل الإدراك وفهم أبعاد المجال، العامل اللغوي، الفهم المنطقي، الذاكرة، وعامل الاستنتاج... 3 ـ نظرية العوامل المتعددة،analyse tri- dimensionnelle الذي وضعه ثورندايك E. Thorndike وتتمحور فكرة هذا الأخير، على أن ذكاء الإنسان يتألف من مجموعة من العوامل المتعددة. فالعمليات الذهنية التي يقوم بها الإنسان تقتضي منه توظيف عدة قدرات ذهنية تتألف فيما بينها. وهذا ما يدفعه إلى نفي الذكاء العام واستبداله بعمليات ذهنية متنوعة. ج ـ أما المرحلة الثالثة، فقد عرفت مع ظهور أعمال بياجي، والتي أسست لمنظور إكلينيكي اهتم بالسلوكات المعرفية لدى الإنسان، وقد اهتم فيه بالمراحل المتعاقبة التي يمر بها التطور الذهني لدى الطفل. تلك كانت أهم المراحل التي عرفتها الدراسات المتعلقة بالتحليل العلمي لذكاء الإنسان، وإذا كنا عرضنا هاته المراحل بعجالة، فإننا ارتأينا أن نقف قليلا عند أعمال بياجي، وذالك للمكانة التي حظيت بها هاته الأعمال في ميدان علم النفس التربوي. إذا كان بياجي كما يقدمه الدكتور أبو حطب من " اعظم علماء النفس الأحياء في عصرنا" فان أعماله رغم أهميتها لم تحظ بالمكانة التي تستحقها خاصة في بداية الأمر، "وقد نتج هذا التجاهل عن مصدرين من الخطأ أو سوء الفهم: أولهما جاء من علماء النفس التجريبيين الذين اعتبروا أدلته من النوع القصصي وليس من النوع الذي يعتمد على الملاحظة المنظمة. ... والخطأ التانى جاء من رجال التربية الذين افترضوا انه مادام بياجي قد كتب عن تفكير الأطفال فان نتائجه يجب أن تكون لها تطبيقات مباشرة وبسيطة في حجرة الدراسة. وقد لجئوا في ذلك إلى التبسيط المخل مما أدى إلى كثير من سوء الفهم لنظريات بياجي." أما أهم الأفكار التي جاء بها بياجي فيمكن تلخيصها على الشكل التالي: ينطلق بياجي في أبحاثه من مسلمة أساسية مفادها أن للطفل خاصيتان فطريتان هما: ـ التنظيم: وهو الاتجاه إلى تنظيم وترتيب العمليات في انساق متماسكة. ـ التكيف: وهو الاتجاه إلى التوافق مع البيئة. وهذان الاتجاهان ـ كما يقول الدكتور فؤاد ابوحطبة ـ يؤديان إلى البنيات المعرفية والى الخطط العقلية، وتلك بدورها تتيح للطفل أن يميز بين الخبرات وان يعمم من خبرة إلى أخرى. وقد توصل بياجي في أبحاثه إلى فترات النمو والتي أطلق عليها مراحلpériodes النمو. وقد قسمها بياجي إلى ثلاث مراحل على الشكل التالي: 1 ـ المرحلة الأولي، وتمتد من الولادة إلى نهاية العام التانى وتتميز هاته المرحلة، بالنشاط الحس الحركي، وتطغى على هاته الفترة الحركات الفطرية كالمص، والنظر، والاستماع، والقبض... 2 ـ المرحلة الثانية، وتمتد من سنتين إلى إحدى عشرة سنة، وتعتبر أطول فترة في التقسيم الدي تبناه بياجي، وفى هاته المرحلة ينمى الطفل العمليات المجردة. 3 ـ أما في المرحلة الأخيرة، حيث يستخدم الطفل التفكير المجرد، والمنطق الصوري، فهي تمتد من إحدى عشرة سنة إلى خمسة عشرة سنة. والجدير بالذكر أن كل مرحلة من المراحل السابقة قسمها بياجي إلى مراحل أخرى ـ فرعية ـ حاول من خلالها تتبع النمو العقلي للطفل إلى سن المراهقة. هنا في الختام، لابد أن نشير إلى مجموعة من الانتقادات التي تعرضت لها أعمال جان بياجي، وهى على الشكل التالي: ـ اعتماده على شواهد وبيانات تجريبية، مما حدا به إلى فرض تكوينات نظرية مستفيضة. ـ قبول أقوال الأطفال، على أنها تعبير على التكوينات النفسية الكامنة في داخل الطفل، رغم ما يمكن أن يحدث من أخطاء في طريقة البحت والاستقصاء. ـ عدم إيلاء الأهمية الكافية للفروق الموجودة بين الأطفال. ـ الاعتماد على التقويم الكيفي بدل التقويم الكمي. ـ يضاف إلى كل هذا أن بياجي كما ذهب إلى ذلك، جاردنير" انه مهما قيل عن بياجي باعتباره من اكبر المنظرين للنمو المعرفي، فان الأمر لا يتعلق سوى بدراسة نوع معين من النمو. إن نسق بياجي مركز على برنامج ذهني معالج من قبل شاب يعطى أهمية قليلة لسياق النمو المعرفي في بيئات أخرى غير الغرب، خاصة تلك البيئات الثقافية التي لا تستعمل الكتابة ... بل إن نسقه قد لا ينطبق حتى على كل الأطفال الغربيين أنفسهم، وإنما على فئة قليلة منهم فقط. 3.32 ـ الأبحاث المتعلقة بشخصية الإنسان: وبنفس الطريقة التي ظهرت بها النظريات المرتبطة بتطور ذكاء الإنسان، ظهرت أبحاث حول شخصية هذا الأخير، كان من روادها الأوائل علماء النفس ـ كذلك ـ على اختلاف مشاربهم، وهنا نذكر على سبيل المثال المدارس الكبرى التي عرفها هذا الميدان وهي: ا ـ الاتجاه السلوكي le courant béhavioriste : وتتمحور أعمال هذا الاتجاه حول نقطتين أساسيتين هما: a ـ الاشتغال بما يمكن ملاحظته وما يمكن قياسه. b ـ الاهتمام بالإنسان العالمي، على حساب الاهتمام بالفرد. ب ـ اتجاه علم النفس التحليلي، Le courant psychanalytique وهذا الاتجاه يرتكز على مجموعة من الأولويات نجملها فيما يلي: ـ الاهتمام ب "اللاشعور" اكتر من الاهتمام ب "الشعور". ـ دراسة كمية للطاقة النفسية للإنسان، من حيت مصدرها ومواضيع استهلاكها. ـ دراسة وتحديد البنيات المكونة للجانب النفسي عند الإنسان. ـ دراسة تطور الجانب السيكولوجي ـ الجنسي لدى الإنسان. ج ـ الاتجاه الهومانستي (أو الإنسي) le courant humaniste. هذا الاتجاه انصب اهتمامه على: ـ دراسة الإنسان السليم.sain l’homme ـ العمل على تطوير قدرات هذا الإنسان، والمتمثلة في: الاستقلالية، الإبداع...، 3.4 العامل المرتبط بعلم النفس ـ الاجتماعي: هذا العلم الذي هو فرع من فروع علم النفس، يدرس السلوك الاجتماعي للفرد وللجماعة، كاستجابات لمثيرات اجتماعية، هدفه هو بناء مجتمع أفضل قائم على فهم سلوك الفرد والجماعة. وهذا العلم يتركب من مصطلحين هما"نفس، وعلم،" وهو نقطة الاتصال بين علم النفس من جهة، وعلم الاجتماع من جهة أخرى. وبالتالي فهو يقوم على دراسة وتطور السلوك الإنساني، وقد أصبح علما منذ القرن العشرين، والسلوك يعنى كل استجابة لمثيرات خارجية وداخلية، وهي تكون محددة وراثيا وغريزيا، إضافة إلى العوامل الأخرى ـ أي العوامل الخارجية ـ والتي تلعب دورا في تحريك سلوك الفرد ـ كالبيئة والمناخ ـ، وداخل البيئة نجذ عوامل متعددة منها: التغذية، النضج، التعلم... والجدير بالملاحظة أن علم النفس الاجتماعي يدرس الناحية الاجتماعية من السلوك، ويهتم بالكيفية التي تكتسب بها هاته السلوكات لدى الأفراد، من هنا فموضوع علم النفس الاجتماعي هو دراسة سلوك الفرد ودراسة سلوك الجماعة. وتأثير الجماعة على سلوك الفرد، وتأثير سلوك هذا الأخير على سلوك الجماعة. كما يقوم بدراسة التنشئة الاجتماعية، والاندماج الاجتماعي، إضافة إلى دراسة الجماعة الصغيرة والكبيرة، من حيث تكوينيهما وتنظيميهما، إضافة إلى تحديد أهدافها وقيمها الاجتماعية، والتواصل الموجود بين عناصرها، والأدوار الاجتماعية، والاتجاهات النفسية، والأمراض الاجتماعية، كما يهتم بدراسة دينامية الجماعة. إلا انه وعلى عكس علم النفس التربوي الذي اهتم بالفرد في حد ذاته، وبالعلاقات القائمة بينه وبين الأشخاص القريبين منه ـ الأب، والابن، والمدرس، والطفل ـ ، ف سوسيولوجية التربية أخذت على عاتقها تناول متغيرات أخرى، تتمثل في تفاعل الطفل مع الجماعة التي هو جزء منها وذالك على النحو التالي: ا ـ تعريف الجماعة : تعتبر دراسة الجماعة شيئا مهما لكل من يتعامل في حياته مع الجماعة، سواءا أكان مربيا أم رجل أعمال، أو فرد له مسؤولية اتجاه الجماعة، فعلى هذ الفرد لكي ينجح في معاملته مع الجماعة أن يتعرف على: ـ ماهية الجماعة: وذالك من حيت بنائها وخصائصها، أهدافها ودينا ميتها، والتفاعل الاجتماعي بينها وبين الجماعات الأخرى. ـ مكونات الجماعة: الجماعة وحدة اجتماعية تتكون من مجموعة من الأفراد، بينهم تفاعل اجتماعي متبادل يتميز في الجماعة الإنسانية بوجود اللغة وهي أداة الاتصال الرئيسية، وعلاقات واضحة بين الأفراد، تتحد داخلها الأدوار والمكانة التي يحتلها كل فرد من أفراد هاته الجماعة. ـ طبيعة الجماعة: للتعرف على هاته الطبيعة لابد من معرفة أبعاد بنيوية ووظيفية ونفسية تتمثل في التكوين العددي للجماعة، أنماط التفاعل بين أفراد الجماعة، العلاقات التنظيمية داخل عناصرها،إضافة إلى توزيع الأدوار، وتحديد القيم والأهداف.
ب ـ القسم كجماعة: تعتبر جماعة القسم نوعا من أنواع الجماعات الأولية يمكن تحديد الجماعة على أنها وحدة اجتماعية، تتكون من" فردين أو مجموعة من الأفراد يتفاعلون فيما بينهم ويتابعون هدفا مشتركا بشكل يحقق فيه تواجدهم إشباعا لحاجياتهم الفردية " ، هذ التفاعل الاجتماعي الحاصل بينهم يتميز بوجود اللغة التي تعتبر أداة الاتصـال الرئيسية، كما يتميز هذ التفاعل بعلاقات صريحة بين الأفراد، تتحدد فيها لأعضاء الجماعة الأدوار الاجتماعية التي يقومون بها، وتتميز هاته الوحدة كذالك بمجموعة من القيم والمعايير التي تحدد سلوك أفرادها سعيا لتحقيق هدف مشترك. إن الجماعة في مفهومها السوسيولوجى ،تصنيف لمجموعة من الأفراد انطلاقا من صفات ومعايير مشتركة فيما بينهم، كان نقول جماعة المتفوقين والتي تقابلها جماعة العاديين، أو القول الجماعة الضاغطة والتي تقابلها الجماعة الحاكمة. والملاحظ أن الجماعة في علم النفس الاجتماعي تستوجب التفاعل بين الأفراد المكونة لهاته الجماعة، وذالك في مواقف محددة، مع ما ينشا عن ذلك من علاقات اجتماعية متبادلة. والملاحظ أن هذا التفاعل عندما يقتصر على فردين يطلق على الجماعة، جماعة تنائيه، ويطلق على هاته الجماعة جماعة صغيرة عندما تتجاوز الاثنين وتقل عن أربعين شخصا، أما إذا تجاوزت المائة فتسمى جماعة كبيرة، حيت يصعب فيها التفاعل بين الأفراد المكونين لها. لهذا فعلم النفس يهتم اكثر بالجماعة الصغيرة، وهي كما يعرفها سميت وحدة تتكون من مجموعة قليلة من الأفراد الذين يتصفون بادراك اجتماعي مشترك أو متقارب، وبأنهم يتخذون من البيئة المحيطة بهم موقفا موحدا . أما فرويد فيهتم في تحديده لمفهوم الجماعة بوحدة القيم، والمعايير التي تعمل على توجيه سلوك كل فرد من أفراد الجماعة في تفاعله مع محيطه ومع الآخرين من أفراد الجماعة، كما يذهب إلى أن للقيم والمعايير التي تهيمن على سلوك أفراد الجماعة وظيفتان: 1 فهاته القيم والمعايير تصبح إطارا مرجعيا ينسب أفراد الجماعة إليه سلوكهم، ويحدد توقعاتهم من سلوك زملائهم نحوهم. 2 إنها تحدد مكان الفرد في الجماعة وذالك بمقدار ما يدافع عنها ويتمسك بها، ويتخذها أسلوبا لحياته وموجها لسلوكه. في حين يمتد مفهوم الجماعة عند دويتش deutschليشمل وحدة الهدف الذي تسعى الجماعة إلي تحقيقه، ويرى أن لوحدة الهدف أهميتها فيما ينشأ بين أفراد الجماعة من علاقات وتفاعل، لأنها تصبح بذلك هادفة وليست مجرد علاقات أو مجرد تفاعل. وقد تكون وحدة الهدف كامنة عند كل من أفراد الجماعة لكنها سرعان ما تسفر عن نفسها عندما يهدد الجماعة خطر، أو عندما تتعرض الجماعة لأي مؤثر يتصل من قريب أو بعيد بوحدة كيانها، وبذلك يجب أن ينظر إلى الجماعة على أنها كيان دينا ميكي وليست مجرد تجمع للأفراد. من كل ما سبق يمكن القول بان الجماعة توحي بالعضو، من هنا فالعضو له علاقة بالجماعة، والجماعة تمنح القوة للأفراد الذين ينتمون إليها، إلا أن الفرد داخل الجماعة يحس بثنائية شعورية: من ازدواجية في الشعور الناتجة عن عدم الرغبة في الاضمحلال داخل الجماعة. كما أن التعرف على الجماعة ينطلق من عدة متغيرات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ـ التكوين العددي للجماعة. ـ أنماط التفاعل بين الأفراد المكونة للجماعة، والعلاقات الموجودة فيما بينها. ـ الاشتراك في مجموعة من القيم والأهداف، والتي تسعى الجماعة إلى تحقيقها. ـ الشعور المشترك بالانتماء. من هنا فتحديد طبيعة الجماعة يتطلب معرفة أبعاد بنيوية ووظيفية ونفسية. في حين أن البحت في دينامية الجماعة ينطلق من اعتبار حياتها كنتيجة قوى أو عمليات متعددة ومتحركة يجب كشفها وقياسها بكل دقة. 3.5 تطور تقبل الناس للتعليم: فكما يد هب إلى ذلك الدكتور النجيجى "فلكل موقف اجتماعي محركا ته الخاصة"... من هنا يمكننا القول على سبيل التعميم إن الاتجاهات نحو التغير التربوي تتحدد في نطاق المصلحة الخاصة الذاتية، فبعض الفئات تنظر إلى التغير التربوي على انه مفيد لمصالحها، في حين تراه فئات أخرى ضارا بمصالحها. ففي المجتمعات التقليدية، نجد أن الأشخاص الذين يشغلون مراكز القوة في المجال الاقتصادي، أو السياسي، أو الديني، يميلون إلى مساندة الأوضاع القائمة في ميدان التعليم معتبرين أن التغيرات ليست في صالحهم، وعلى العكس، نجذ أن الذين لا يشغلون مراكز القوة، يميلون إلى النظر إلى الإصلاح التعليمي باعتباره وسيلة للوصول إلى السلطة . أما في المجتمعات الحديثة نجد أن الموقف التقليدي الذي تتخذه الفئات المتمتعة بالقوة إزاء التغير التربوي قد انعكس، ذلك لأنه لكي تظل هاته القيادات محتفظة بمكانها في مجتمع حديث معتمد على التكنولوجيا ، فعليها الاعتماد على فيض متزايد من الكفايات المتعلمة ذات المهارة في مجال المشروعات الاقتصادية وفى الحكم ، وفى الدين، وفى هذه الحالة نجذ أن المصلحة الذاتية للقيادات الحاكمة تطلب التغيير، أما في المجتمعات التقليدية، فان مصلحة القيادات الحاكمة تدعوها إلى تجنيد قواها لمحاربة التغيير. وهنا كذالك لابد أن نشير إلى الدور الأساسي التي تلعبه القيم السائدة في المجتمعات المختلفة، ومنها الدول العربية ـ بالخصوص ـ حيث " تسيطر العادات والتقاليد الغير الملائمة لروح العصر، وسوء فهم التعاليم الدينية، وانتشار الأمية بين جيل الكبار من الرجال والنساء على حد سواء، وضعف الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي بين عامة الجماهير، وضعف الإمكانات والخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية المتاحة لعامة الناس، وصعوبة الاتصال وعدم فاعلية سبله، والعزلة النسبية عن العالم الخارجي، وعدم امتداد ما حدت من تطور ثقافي وحضاري في المدينة إلى الريف، ..." فهناك مجتمعات تنتشر فيها قيم تمجد العلم والمعرفة، ومجتمعات أخرى ترى أن لا طائل من التعليم ما ذام سيمس قيمها ومبادئها التي ورثتها عن حضارتها، " والحق أن الكثير من الآباء كانوا قبل سنوات ليست بعيدة ينظرون إلى التعليم نظرة شك وريب، ويرون فيه في كثير من الأحيان خروجا على تقاليد المجتمع وعلى قيمه الخلقية والدينية، وكان أكثرهم - ولاسيما في الأرياف- يؤثرون الإفادة من أبنائهم اقتصاديا وتشغيلهم معهم في المزرعة، أو الحانوت، والمتجر، أو البيت، وقد تغيرت هذه النظرة تغيرا كبيرا في العقدين الأخيرين، ولا نعثر على بقايا لها إلا في بعض البيئات القروية المعزولة." وتعتبر الفتاة العنصر الأساسي الذي تضرر كثيرا من هاته الوضعية " على أن المقاومة الكبرى كانت تنصب على الفتاة ، وما تزال هذه المقاومة قائمة على نطاق واسع في بعض البيئات الاجتماعية وفى بعض البلدان ... ومع ذلك فقد حدت تطور كبير في موقف الناس من تعليم الفتاة، أدى بطبيعة الحال إلي تزايد مطرد في أعداد الطالبات. وبدأ هذا التزايد في التعليم الابتدائي تم امتد إلى التعليم ألتا نوى، ووصل أخيرا إلى التعليم العالي. واهم عوامل في هذا التطور تطور النظرة الدينية، وتحرر المرأة، والإدراك المتزايد للدور الاقتصادي الذي يلعبه تعلم الفتاة وتأخر سن الزواج وزوال النظام العائلي الأبيسي تدريجيا، وشعور الفتيات بالحاجة إلى الثقافة من اجل الحصول على الأزواج المتعلمين، الذين كانوا يضطرون إلى الزواج بالأجنبيات." إلا انه رغم هذا التفاؤل الذي أبان عنه الكاتب في الأخير، سرعان ما تعترضه بعض العقبات خصوصا من بعض الذين يقفون ضد تعلم المرأة ، وبالتالي مطالبتها بالمساواة مع الرجال وفى هذا الصدد يروى لنا الكاتب محمد لبيب النجيحي التغير الحاصل في نظرة بعض الفقهاء إلى تعليم المرأة، بعد أن أصبحت واعية بفضل التعليم، حيت يقول " من ناحية تعليم المرأة نجذ أن كثيرا من أصحاب الرأي المحافظ قد وافقوا على تعليم المرأة، ولم يدخلوا في اعتبارهم ما ينتج عنه من تحرر فكرى ومن خروج إلى الوظائف، ومن مناقشة الرجل ومن مطالبة بالحقوق ، أي من انتقال من عهد الحريم بصفة عامة إلى عهد حقوق المرأة وكرامتها. فعندما مضى تعليم المرأة في سيره ووصل إلى نتيجته الحتمية التي ذكرناها، أقام هؤلاء من أصحاب الرأي المحافظ الدنيا مطالبين بالحد من كل ما يمكن أن تتمتع به المرأة نتيجة تعلمها." وهذا الموقف لم يكن موقفا للعلماء وحدهم، بل شاركهم فيه بعض الأباء أيضا، مما نتج عنه " الإقصاء والتهميش، والقهر، والفقر، وعدم تكافؤ الفرص التعليمية والمهنية والسياسية والاجتماعية عموما، الأمر الذي حد من مشاركتها الاجتماعية والاقتصادية، ومن دورها الفاعل في صنع وتصريف القرار السياسي والاجتماعي، وبالتالي من مستوى اندماجها في عملية التنمية الشاملة. » ونفس النتيجة يصل إليها الأستاذ مصطفى محسن حين يرى أن "هذا مع ضرورة التذكير بان هذا اللا تكافؤ بين الجنسين، والقائم في الأوضاع الراهنة لمجتمعاتنا العربية و الثالثية (مثل المغرب)، لا ينحصر فقط في مجالات التربية والتعليم والثقافة، أي في المجال الرمزي عامة، و إنما تتعدى مستتبعات هذا اللا تكافؤ هذا الحقل الرمزي لتطال مختلف المجالات والعلاقات و التبادلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية...."
#سعيد_الراشدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكتب نتنياهو يعلن فقدان إسرائيلي في الإمارات
-
نتنياهو يتهم الكابينيت بالتسريبات الأمنية ويؤكد أنها -خطر شد
...
-
زاخاروفا: فرنسا تقضي على أوكرانيا عبر السماح لها بضرب العمق
...
-
2,700 يورو لكل شخص.. إقليم سويسري يوزع فائض الميزانية على ال
...
-
تواصل الغارات في لبنان وأوستن يشدد على الالتزام بحل دبلوماسي
...
-
زيلينسكي: 321 منشأة من مرافق البنية التحتية للموانئ تضررت من
...
-
حرب غزة تجر نتنياهو وغالانت للمحاكمة
-
رئيس كولومبيا: سنعتقل نتنياهو وغالانت إذا زارا البلاد
-
كيف مزجت رومانيا بين الشرق والغرب في قصورها الملكية؟
-
أكسيوس: ترامب فوجئ بوجود أسرى إسرائيليين أحياء
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|