مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2518 - 2009 / 1 / 6 - 09:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد تخلصت من الطاعة يا زارا فوجب عليك أن تأمر الآن
نيتشه , هكذا تكلم زرادشت
تختص الدولة و الله فقط دون بقية الكائنات بإدعاء السمع و الطاعة من أتباعهما , إنهما متشابهان جدا , فهما فوق الإنسان , خارج التاريخ , يدعيان العصمة , إنهما محقان حتى لو حكما ضد البشر , الله "بحكمته" فوق البشرية التي لا يمكن فهمها بشريا , و الدولة بما ينسب إليها من ضرورة مركزية في ظهور و استمرار الوجود الإنساني , في الحالة الأولى يفسر كل ما "يبدو" أنه ظلم يمارسه الله على أنه فوق قدرة البشر على الإدراك و تبرر شرور الدولة على أنها أهون من شرور غيابها , أما نحن البشر , أتباع أو حتى عبيد الله و الدولة , فإننا نلجأ إلى السماء في مواجهة أي موقف خارج عن إرادتنا , في مواجهة أية مصيبة تبدو كقدر أعمى , رغم إدراكنا , و رغم أن اللاهوتيين أو رجال الدين أنفسهم يؤكدون لنا أن الله حر و مصيب في أي شيء يفعله بنا , و يصرون في نفس الوقت على أهمية الدعاء نحو السماء كجزء من علاقة العبودية تجاهها , يناشد معظم المرضى و المفجوعين , معظم من يتألم على أرضنا , الفرج من السماء , نعرف جيدا أن السماء تجيب قلة قليلة من هؤلاء فقط , لكنهم يستمرون في الدعاء دون توقف على الرغم من ذلك..ذات الشيء ينطبق على موقف معظمنا من الدولة , ذات الأمل الذي يلاقى بخيبة الأمل في معظم الأحيان , و ذات الإصرار من جانبنا على تكرار الطلب و انتظار الفرج من تلك القوة التي لا تجيب عادة نداءاتنا المريرة..لماذا إذا نستمر في طلب العون ممن يملك , وفق الخطابات السائدة , القدرة على نجدتنا لكنه في نفس الوقت يختار تجاهل هذه النداءات و يبقى على الرغم من ذلك موصوفا بالعدل و الحكمة مثلا ؟..الجواب بسيط جدا : السمع و الطاعة..لقد جرى خلق السمع و الطاعة كشرط أولي للسلوك الإنساني تجاه هذين الكيانين : الله و الدولة..
الأمثلة التي سأوردها لاحقا ليست حصرية , إنها فقط أمثلة على ثقافة السمع و الطاعة و لا يقصد بها حصر نقد هذه الثقافة على الأمثلة التالية فحسب دون غيرها , بل يقصد استخدامها كأمثلة لثقافة مسيطرة على حياتنا بكل تلاوينها و تفريعاتها..
يعني السمع و الطاعة الخضوع التام لسلطة ما دون نقاش و الالتزام التام بأوامرها دون تفكير , يصبح السمع و الطاعة اللذين اختصت بهما الدولة و السماء أساسا لأية حالة هيمنة , أساسا لكل حالة يهيمن فيها القوي على الضعيف , هذا يبدو مبرر استمرار استغلال الإنسان للإنسان و استعباد الإنسان للإنسان كل هذه الفترة الطويلة..هنا يكون سلاح السمع و الطاعة هو أمضى سلاح بيد القوى المهيمنة و السائدة ضد ضحاياها..يقول النبي مثلا "أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم" ( أخرجه مسلم , 68 ) , هنا تصبح سلطة مالك العبيد جزءا عضويا من سلطة السماء , و يصبح السمع و الطاعة سلاحا أساسيا لتدجين مقاومة العبيد ضد مالكيهم , لكن الحديث الذي يختزل كل أشكال الهيمنة الأرضية للقوى السائدة و ارتباطها العضوي بالسمع و الطاعة تجاه الإله هو الحديث التالي "ثلاثة لا تسأل عنهم , رجل فارق الجماعة و عصى إمامه و مات عاصيا ( السلطة السياسية المباشرة – سلطة الدولة ) و أمة أو عبد أبق فمات ( سلطة مالك العبيد – الرأسمالي القديم ) و امرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده ( السلطة الذكورية داخل العائلة )" , القضية لا تتعلق بالسماء فقط ( هذا الكلام سيسعد السلطويين المعادين للدين أو بعض الأصوليين المعادين بالضرورة لأصولية أخرى ) , بل بثقافة السمع و الطاعة في كل أشكالها , يقول ابن خلدون في مقدمته :"إذا كانت الملكة ( أي السلطة ) و أحكامها بالقهر و السطوة و الإخافة فتكسر حينئذ من سورة بأسهم ( أي أتباعها ) و تذهب المنعة عنهم لما يكون من التكاسل في النفوس المضطهدة" ( مقدمة ابن خلدون , ص 126 ) , "إذا كانت الأحكام بالعقاب ف( هي ) مذهبة للبأس بالكلية لأن وقوع العقاب به و لم يدافع عن نفسه يكسبه المذلة" , بل إنه يرى أن صحابة الرسول الأوائل لم ينقادوا للدين و لا للدولة التي قامت على أساسه بالقوة القهرية للدولة :"ما وقع من الصحابة من أخذهم بأحكام الدين و الشريعة و لم ينقص ذلك من بأسهم ( أي تحررهم من أية سلطة و عدم انقيادهم لها ) بل كانوا أشد الناس بأسا...لأن الشارع صلوات الله عليه لما أخذ المسلمون عنه دينه كان وازعهم فيه من أنفسهم...إنما هي أحكام الدين و آدابه المتلقاة نقلا يأخذون أنفسهم بها بما رسخ فيهم من عقائد الإيمان و التصديق...قال عمر رضي الله عنه : من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله . حرصا على أن يكون الوازع لكل أحد من نفسه...( أي ) تبين أن الأحكام السلطانية و التعليمية مفسدة للبأس" ( المقدمة ص 127 ) , هكذا يرى ابن خلدون أن السمع و الطاعة التي لا بد منها للدولة ترافق الأشكال المدينية من الاجتماع البشري أو العمران البشري كما يصفه ابن خلدون و ما يرافقه هذا من تسلط السلطة السياسية – الدولة على حساب إضعاف بأس أتباعها..يقول عبد الله القصيمي هنا أن التحريم كممارسة مرتبطة بالسلطة , أية سلطة , دينية كانت أو زمانية , "يعني أنه يوجد شيء فوق البشر , إنه دلالة أليمة على أن الإنسان محكوم من بعيد" بل إن من يمارس التحريم على البشر "إنما يعنون أن يحرموا عليهم الذكاء و الحرية و المقاومة" ( أيها العقل من رآك )..إذن فثقافة السمع و الطاعة تشكل الأساس الضروري لأي قهر أو اضطهاد أو قمع يقع علينا كبشر , إنها ضمانة استمرار السلطة , أية سلطة , التي كما يقول ابن خلدون , هي سلطة بسبب وجود أتباع ينقادون لسلطانها , و ليس لأي سبب آخر....
مثال أخير عما تريد ثقافة السمع و الطاعة , مرة أخرى بكل أشكالها الستالينية و الأتاتوركية و الدينية و البرجوازية , ثقافة المحتل أي محتل و المستبد أي مستبد , أن تحققه , ( فلا توجد سلطة يمكنها أن تستغني عن هذه الثقافة كمكون أساسي في الخطاب السائد ) , عما يعنيه أن نكون مجرد محكومين , بشر عاديين , خاضعين للسماء و الدولة , عن الدرجة المطلوبة من السمع و الطاعة التي لا تقبل أية سلطة إلا بها , يقول ابن حزم الظاهري في الفصل في الملل و الأهواء و النحل مفسرا كون "أن الله تعالى حاكم على كل ما دونه" ب"أنه يعذب من يشاء أن يعذبه و يرحم من يشاء أن يرحمه و أنه لا يلزم أحدا إلا ما ألزمه الله" ف"لو عذب المطيعين و الملائكة و الأنبياء في النار مخلدين لكان له ذلك و لكان عدلا و حقا منه و لو نعم إبليس و الكفار في الجنة مخلدين كان ذلك له و كان حقا و عدلا منه" و ينتقد من قال "أن المحاباة ظلم و لا ندري في أي شريعة أم في أي عقل وجدوا أن المحاباة ظلم و أن الله تعالى قد أباحها إلا حيث شاء" "فصح أن لا عدل إلا ما سماه الله عدلا" "و كذلك وجدنا الله تعالى قد أعطى الابن الذكر من الميراث حظين و إن كان غنيا مكتسبا و أعطى البنت حظا واحدا و إن كانت صغيرة فقيرة" , "و قد علمنا نحن و هم يقينا أن رجلين مسلمين لو خرجا في سفر فأغار أحدهما على قرية من قرى دار الحرب فقتل كل رجل بالغ فيها و أخذ جميع أموالهم و سبى ذراريهم ثم خمسن ذلك بحكم الإمام العدل و وقع في حظه أطفال قد تولى هو قتل آبائهم و سبي أمهاتهم و وقعن أيضا بالقسمة الصحيحة في حصته فنكحهن و صرف أولادهن في كنس حشوشه و خدمة دوابه و حرثه و حصاده و لم يكلفهم من ذلك إلا ما يطيقون و كساهم و أنفق عليهم بالمعروف كما أمر الله تعالى فإن حقه واجب عليهم بلا خلاف و لو أعتقهم فإنه منعم عليهم و شكره فرض عليهم...و أغار الثاني على قرية للمسلمين فأخذ صبيانا من صبيانهم فاسترقهم فقط و لم يقتل أحدا و لا سبى لهم حرمة فربى الصبيان أحسن تربية و كانوا في قرية شقاء و جهد وتعب و شظف عيش و سوء حال فرفه معايشهم و علمهم العلم و الإسلام و خولهم المال ثم أعتقهم فلا خلاف في أنه لا حق له عليهم و إن دمه و عداوته فرض عليهم" "أفلا يتبين لكل ذي عقل من أهل الإسلام إنه لا محسن و لا منعم إلا الله تعالى وحده"...................
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟