|
المعاني العميقة في أستشهاد الأمام الحسين ( ع )
زهير كاظم عبود
الحوار المتمدن-العدد: 2517 - 2009 / 1 / 5 - 07:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من حق المرء أن يتساءل عن الدوافع العميقة وراء استذكار واقعة استشهاد الأمام الحسين بن علي ( ع ) ، وهل أن هذا الاستذكار يتحدد في أظهار مشاعر الحزن والبكاء على تلك الواقعة المعروفة في التاريخ العربي ؟ ثمة من يطرح الواقعة بشيء من التسطيح حين يعتقد أن مسيرة الأمام الحسين كانت لطلب الأمارة ومنافسة الحاكم الباغي الذي لايستحق أن يتبوء تلك المراكز الدينية والدنيوية !! والحقيقة التي ينبغي التوقف عندها مليا مع استحضار قيم العصر الذي كان يعيشها سيد الشهداء ، بالأضافة الى عدم غياب القيم والتقاليد التي نشأ عليها الأمام ، سواء تلك التي رضعها من والده الأمام علي بن ابي طالب ( ع ) ، او التي رضعها من ثدي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، او تلك التي تلقفها بفطرته او بنبوغه منذ تبلور وعيه وأدراكه من جده المصطفى نبي الأمة ورسولها ( ص ) . وحين تستذكر الإنسانية كل عام ذكرى استشهاد الأمام الحسين ( ع ) بالنظر لما تحتويه الذكرى من عبر ودروس وقيم ، وتعني فيما تعنيه الواقعة ليس فقط ما حدث في واقعة الطف من قتال القلة المؤمنة مع جيش الطغيان والظلم جيش سلطة الحاكم يزيد ، وليس ماجرى بعد ذلك من قتل وسبي خلافاً لما تعارفت عليه قيم العرب والرجولة من قيم في القتال والمنازلة والحروب والأسر وخلافا لأعراف المنتصر وقيم الفرسان والقيم الإنسانية الأخرى . كان يمكن للحسين أن يتفادى تلك المواجهة غير المتكافئة بمبايعة الحاكم الظالم باللسان ، وكانت الكلمة تعني الميثاق والموافقة تعني الدستور الذي يلزم الرجل ، وهذه القيم التي يتمسك بها الأمام الحسين ( ع ) ، لم تكن وليدة الواقعة ، ولا املتها الظروف إنما كانت تلك الكلمة دلالة أكيدة وعميقة على رسوخ المباديء الأنسانية في عقل الشهيد . كما أن القيمة التي نستقيها من الواقعة تتمثل في صمود الثائر رغم يقينه ومعرفته بعدم وجود توازن أو تعادل بين قوته وقوة السلطان ، الا أن القيم التي تقيد الحسين وتملي عليه المواقف والخطوات التي يتقدم بها في دنياه مستندا على اسس دينه ، وتمسكه بعقيدته التي يعتقدها أنها الحق ورفضه مبايعة الحاكم الطاغية الباغي يزيد بن معاوية ولو بالكلام ، هي ما تفرض نفسها في تلك الحال ، الالتزام بالقيم وانتصارها على كل الظروف ، ولهذا فقد أتسع عقل الحسين في تلك اللحظات العصيبة ملتزما بموقفه السياسي والديني والأنساني ، ومعبرا أمينا عن رغبة الناس في عدم قبول الحاكم ، ليصبح الموقف مهما كانت النتائج القيمة التي تنتصر ، سواء انتصر فيها الحاكم أو انتصر فيها الحسين ، فقد أتسع معنى هذه القيمة حتى صارت قيمة أنسانية عامة لتمتد في العقل البشري على امتداد الأرض أكثر منها أسلامية . ومن أجل تبسيط تلك المعاني نجد أن الحسين رفض البيعة ليزيد بن معاوية كحاكم وسلطان على بلاد المسلمين ، وكما نعرف فأن حالة الرفض والقبول يتجسدان في كلمة يقولها الرجل دون وثائق ودون تواقيع وأختام ، وحتى دون الحاجة الى شهود أثبات فالرجل يشهد على نفسه بالالتزام بالموقف ، ومجرد الكلمة التي يطلقها الرجل تعني الموقف والشرف والإلتزام بكل أبعاده . وكما نعرف ايضا أن القلة التي قادها الحسين بن علي ( ع ) لايمكنها بالتأكيد أن تنتصر بالقوة على جيش الامبراطورية المدجج ، ومعرفة عدم التكافؤ مع الأصرار على الأستمرار على ذات الخط يشكل جدلية بين السيف والكلمة ، فالصراع بين الحاكم والمحكوم ، وبين السلطان وبين رفض الحسين كان بين القوة ومعنى الرفض . ورغم عدم تكافؤ القوتين فجيش الحسين قليل العدد والعدة ولكنه ممتلئ بالقناعة بوقوفه الى جانب الحق والعدالة ، كان كل فرد من هذه القلة يتمتع بمعنويات خارقة من انه يؤدي دورا أنسانيا وعقائديا في رفض الحاكم ، وجيش يزيد الكثير العدد والعدة والممتلئ بكل أطماع الدنيا والجهل والحقد المترسب في النفوس وحب السلطة مدفوعا بالجهل والأنقياد والخوف وأطماع الدنيا ، وتلك مفارقة تدل على النقائض في جميع القيم والأعتقادات والمباديء بين تلك الجهتين . ولم يكن الحسين بن علي ( ع ) طالباً للسلطة ولا راغبا في الحكم ولكنه كان مسؤولاً أمام الله والناس في رفض الحاكم الباغي والطاغية والمتفسخ والذي عم هذا الزمان ، فقد سجل التايخ عن شخصية الحسين ومكانته ما يدل على قدرته القيادية في تحقيق العدل الأجتماعي ومكانته الدينية المتميزة بالأضافة الى مكانته الأجتماعية . وحين وقعت الواقعة في السنة 61هـ في اليوم العاشر بعد صلاة الظهر قاتل الحسين ومن معه قتال المؤمن بعدالة قضيته حتى أستشهد على أرض الغاضرية وأستشهد معه جميع من كانوا معه وتم سلبهم أسلحتهم وملابسهم على غير ما كانت تتعارف عليه العرب ، وزاد ذلك بأن تم سبي نساء وبنات الحسين تتقدمهن العقيلة زينب بنت علي وهي أبنة فاطمة الزهراء وجدها رسول الله محمد بن عبد الله ( ص ) ، وتم سوقهن الى عاصمة الخلافة الأموية بدمشق حاسرات الرؤوس ذليلات يتصفح وجوههن الشريف والوضيع ، وبصحبة الأسرى رأس الحسين الثائر مرفوعاً على رمح ليعرض على الخليفة الباغي المنتصر . تلك كانت معاني عميقة تدل على انهيار القوة وأنتصار الكلمة ، دلائل في ضعف حجة الحاكم وقوة الحق عند الشهيد ، وأنتصار معاني الرفض وبروز معنى التضحية كأسمى ما يستطيع أن يقدم عليه الأنسان المتمسك بقيمه ومبادئه . وتدور دورة الزمن لتمتد لأكثر من 1350 سنة حين بقيت الحقيقة ناصعة لم يستطع الزمن أن يطمرها أو تخبئها السلطات الغاشمة ، فقد بقيت واقعة الحسين تدل على ثبات الثائر على موقفه ومبادئه ورفضة للاستبداد والطغيان ومبايعة ومداهنة الحاكم الظالم ولو بكلمة مجرد كلمة من اللسان ، وآثر الاستشهاد على قول كلمة الباطل من اجل ان يبقى حق الأنسان في رفض الطغاة نبراسا أبديا يستذكره الناس في الذكرى التي تتجدد سنويا في تلك الواقعة . بقيت مآثرة الحسين على مر الدهور تجسيداً حياً للمعركة بين الحق والباطل ، وأستمرت مبادئ الحسين تنتشر بين قيم الناس على مر الدهور وتفعل فعلها ودروساً يقتدي بها في الثورة والصمود والثبات ، وليس اعتباطا أن يرد استذكار الشهيد الأمام على لسان محرر الهند القائد غاندي وعلى سلسلة طويلة من القادة والمفكرين ورموز الثقافة الأنسانية ، حيث أن الموقف تحول من الموقف المادي الى الموقف الرمزي ، حين يصار الى مقارنة بين موقف الثائر الحسين وبين مسيرة الحاكم يزيد ، فيكون الحسين في كفة الحق والثبات والعدل والأيمان والمتمسك بالمبادئ حتى ولو كان ثمنها الشهادة ويكون نقيضه في كفة الظلم والطغيان وضياع القيم والمبادئ والكفر والتستر خلف قوة جيوش السلطة وقوة المال ، رغم كل ما يحدث من تعتيم للواقعة الا أن بريقها يكاد أن يطغي على البصر وشواهدها باقية الى الأبد . يقينا ستبقى ذكرى استشهاد الأمام الثالث الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) رمزاً خالداً يعبر عن رفض مهادنة الطغيان والظلم والذي تحول الى رمز أنساني خالد للبطولة والشجاعة والثبات على المبادئ والتضحية بالروح ورمزاً خالداً ما بقيت البشرية
#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل عام وغزة واهلها تحت قنابل أسرائيل
-
عقوبة الفعل المخالف للقانون
-
الثقافة المشوهة في مجتمعنا
-
شموع الحوار المتمدن
-
هل توجد اسباب للخوف من الكيانات العراقية في مجالس المحافظات
...
-
المركز والأقليم
-
عناصر القوة والضعف في دولة الدستور
-
من يتستر على الجرائم المرتكبة بحق المسيحيين في الموصل ؟
-
ليس بالسيف والدم يقوم الدين
-
الأديان العراقية القديمة وقانون انتخابات مجالس المحافظات وال
...
-
عفك ... المدينة الطيبة المظلومة
-
من قتل كامل شياع ؟
-
المطالبة بالكشف عن مصير الدكتور أحمد الموسوي
-
الطاقات العراقية الوطنية .. البروفسور كاظم حبيب أنموذجا
-
الأطار الديمقراطي لقوانين ثورة 14 تموز 1958
-
الحكم الذاتي أو الأدارة المحلية للكلدان الآشوريين السريان
-
ملف الكورد الفيليين .. الى متى ؟
-
وداعا وداعا .. كامل العامري
-
حق الدفاع المشروع عن النفس في مواجهة سياسة الأنكار من وجهة ن
...
-
ناجي عقراوي .. باقيا في القلب دوما
المزيد.....
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|