|
الوعي الجمعي العراقي والموقف من أمريكا
سلمان شمسه
الحوار المتمدن-العدد: 774 - 2004 / 3 / 15 - 03:07
المحور:
ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري
يرتبط الوعي الجمعي لأي شعب بمجموعة من الرؤى والتقاليد التي تراكمت لديه خلال مرحلة تاريخية معينة لتشكل ذاكرته الجمعية المرتبطة بواقعه الحاضر والمستمدة من خبرته وتاريخه القريب والبعيد. ويعرف الباحث الإجتماعي والكاتب علي الوردي الثقافة الإجتماعية بأنها ( مجموعة التقاليد والقواعد والأفكار الموجودة في أية أمة من الأمم. وهي تشمل مختلف شؤون الحياة فيها، كالشؤون الدينية والقانونية والفنية والصناعية واللغوية والخرافية وغيرها) . ويشترك الوعي الجمعي العراقي في تاريخه الحديث بكرهه للمستعمر الذي انعكس على شكل ثورات وانتفاضات ساهمت فيها مختلف شرائح الشعب العراقي بالرغم من بساطة تفكيرها وانخفاض مستواها الفكري والثقافي قبل ومع بداية تشكل الدولة العراقية في أوائل العشرينات من القرن الماضي. وحري بالذكر هنا خيبة الامل التي اصابت الثوار من امريكا عند عدم مساندتها مطالبهم التي بعثوها الى الرئيس ولسن في العام 1919 بمناسبة انعقاد مؤتمر باريس ذكـّروا فيها الرئيس ولسن بمبادئه في حق الشعوب تقرير مصيرها وعززوها برسالة اخرى ارسلت اليه بواسطة سفارة الولايات المتحدة في طهران التي استعانوا فيها بحكومة الولايات المتحدة الامريكية للمطالبة بحقوق الشعب العراقي إلا ان موقف امريكا كان منحازا بشكل واضح الى جانب الدول الاستعمارية عهدئذ كبريطانيا وفرنسا في الوقت الذي كانت فيه امريكا قد رفعت لواء التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها كما جاء ذلك واضحا بالمبادئ التي اعلنها الرئيس ولسن. ان هذا الموقف شكل جانبا هاما من الوعي الجمعي العراقي بحيث رصف كل دول الغرب في زاوية المستعمرين، رغم ان امريكا لم تكن في ذلك الوقت مستعمرة لأي بلد، ولم يكن موقفها سوى التقاء مصالح مع تلك الدول الاستعمارية. وقد عزز ما تبناه الوعي الجمعي العراقي بشأن دول الغرب قوة وحجم وتأثير الماكنة الاعلامية البلشفية حينها ومن ثم فضحها لاتفاقيات سايكس- بيكو التي قسمت الدول العربية. إن متطلبات الحرب الباردة دفعت الولايات المتحدة لدعم واسناد الانظمة العربية رغم علمها انها أنظمة تضطهد شعوبها ولا تمتلك أي شرعية في وجودها على سدة الحكم سوى عدائها للشيوعية ومنعها من تغلغل النفوذ السوفيتي في المنطقة وحرمانه من الوصول الى المياه الدافئة... لقد توج مبررات الوعي الجمعي العراقي ضد دول الغرب (الاستعمارية) و تعمق اكثر واكثر لدرجة اليقين المطلق حينما سالت انهار من دماء اعز ابناءه في انتفاضة 1991، التي أعقبت هزيمة النظام واندحار قواته في الكويت نتيجة تنصل أمريكا عن التزاماتها ووعودها للشعب العراقي وسماحها لطائرات ومدافع النظام العراقي بقصف التجمعات العراقية المنتفضة وانقضاض قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة على المدن المنتفضة وقتل عشرات الألاف من أبنائها- كل ذلك جرى لأن أمريكا وقوى إقليمية أصبحت معروفة تصورت أن البديل القادم لنظام صدام هو نظام شيعي سيكون موالياً لإيران، وذلك ما أرعبها وأرغمها على التراجع ثم ليصرح جورج بوش الأب بأن صداماً ضعيفاً على رأس السلطة في العراق أفضل من نظام آخر لا نعرفه لأنه كلبنا. وبعد أكثر من عشر سنوات من تنكر بوش الأب لوعوده، التقت في لحظة تاريخية هامة مصلحة الشعب العراقي مع السياسة الأمريكية التي قررت التخلص دون رجعة من ذلك النظام الظالم وتهيئة الظروف الكبيرة والهائلة من أجل إسقاط ذلك النظام ورميه إلى المزبلة.
وتتكون روافد الوعي الجمعي العراقي في موقفها من أمريكا ، من أربعة مجاميع مُسيَسة ، ثلاثة منها تكره الإستعمار و الإحتلال وتربط ذلك بأمريكا وبريطانيا ، وهي الحوزة العلمية وأتباعها ومريديها، التيار اليساري و الشيوعي، القوميون وبضمنهم البعثيون بالإضافة إلى شريحة من الناس غير ُمسيسة، لكنها تشترك بوعي أو بدونه مع تلك القوى في كرهها للإحتلال. أما المجموعة الرابعة والتي تضم الأكراد والحركة الكردية، الذين يمثلون إحدى فصائل حركة التحرر الوطني بالمنطقة، إلا أنهم وبسبب العسف والظلم الكبيرين الذي لحق بهم وأشكال الإضطهاد المتنوعة والمروعة التي مورست ضدهم وبسبب التداعيات التي أفرزتها حروب النظام الصدامي البائد فإنهم بلوروا موقفاً مغايراً من أمريكا لأسباب سنأتي على ذكرها. المجموعة الأولى: الحوزة العلمية في النجف بما تمتلكه من ثقل ديني ورصيد إجتماعي وقفت في بداية الحرب بإجماع تياراتها المختلفة ضدالإحتلال، وكذلك بعض الأحزاب الدينية التي ترتبط بتلك الحوزة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع وعيها بأن هذه الحرب هي التي سوف تؤدي لإسقاط عدوها النظام الديكتاتوري في العراق. قام النظام العراقي بتضييق الخناق على الحوزة العلمية وعلى أنصارها منذ استلامه السلطة عام 1968، إلا أن تلك المضايقات لم تكن ظاهرة للعيان تماماً، بل اتخذت في البداية شكل مراقبة وتوجس من نشاط الحوزة الدينية في المجتمع وكذلك مراقبة حركة حزب الدعوة الإسلامية ونشاطه عن كثب بإنتظاراللحظة المناسبة للإنقضاض على هذا الحزب الحركي الذي مَثَلَ ظاهرة ً جديدة حينئذ ٍ في حُسن تنظيمه و تغلغله بين شرائح مثقفة في المجتمع مثل الشباب وطلبة الجامعات. ولم تنتظر سلطة البعث كثيراً فقامت في عام 1977 بمنع إقامة الشعائر الدينية للشيعة ثم صَعَدتْ الموقف بإعدامها لمجموعة من النشطاء الإسلاميين وقامت بحملة إعتقالات واسعة لأعضاء حزب الدعوة والمتعاطفين معه وأعدمت غالبيتهم. كما لم تتورع عن إعدام و إغتيال العديد من علماء الحوزة الدينية ورجالها إبتداءاً بالشهيد السيد محمد باقر الصدر في عام 1980 ( وكان رحمه الله حينئذٍ في أوج عطائه الإبداعي المتفرد) وإنتهاءاً بإغتيال الشهيد السيد محمد صادق الصدر وأبنيه عام 1999. ويعود رفض الحوزة العلمية للتدخل الأمريكي إلى مسوغات و منطلقات دينية بحتة تحرم الإستعانة بالأجنبي(الكافر) ضد الحاكم(المسلم) وإن كان ظالماً. فلو عدنا إلى فتاوي السيد السيستاني في النجف والسيدين الجزائري والحائري في قم والسيد محمد حسين فضل الله في لبنان لوجدنا أن هناك تطابقاً أو تناغماً كبيراً بين تلك الفتاوى التي صدرت عنهم، مما يدل على وجود رفض للأجنبي الذي هو أمريكا وبريطانيا أو الإستعانة بهما أياً كانت الأسباب. وإذا عدنا إلى عامي 1917 و1920 فسنرى أنه ومن نفس المنطلقات وقف رجال الدين الشيعة ضد البريطانيين وقاتلوهم بضراوة واستبسال رغم أنهم كانوا متضررين ومنتهكين من قبل العثمانيين. وهم الآن يقومون بنفس الدور وإن بصورة أهدأ ويتوصلون إلى نفس الإستنتاج في رفض مجئ الأجنبي، رغم الفارق الشاسع بين الدوافع والأسباب ما بين الحالتين، لكنهم هذه المرة لم يكرروا الخطأ الذي ارتكبوه حينذاك بالإبتعاد عن الحكم ودوائره. فالإستعمار البريطاني كان امتداداً للإستعمار العثماني ولكن بأساليب وتكنولوجيا ومعدات عسكرية أحدث وأكثر تطوراً. في حين هدف قوات التحالف أعلن ومنذ البداية بأنه من أجل القضاء على نظام حكم ديكتاتوري اعتدى على جيرانه وخرق حقوق الإنسان بفظاظة بالغة وارتكب مختلف أنواع الجرائم ضد شعبه وشعوب المنطقة، وأن هدفها تحرير العراقيين ومساعدتهم على بناء الديمقراطية في بلدهم ليكونوا نموذجاً يُحتذى به في المنطقة. ولا يُنكر أن تغيير النظام في العراق هو أحد أهداف أمريكا الواضحة وليس كلها. أما المتبقي من أهدافها فهو محاربتها للإرهاب في المنطقة التي هيأت الظروف بوعي وبدونه لأخطر وأسوأ أنواعه متمثلاً بالقاعدة، بالإضافة إلى تغيير المنطقة سياسياً، وتحقيق بعض المصالح لإسرائيل بتدمير القوة العسكرية العراقية. ورغم مرور فترة طويلة نسبياً على دخول القوات الأمريكية-البريطانية الى أرض العراق وإسقاطها النظام الديكتاتوري البائد وإقرارها مع الأمم المتحدة بأن وجود قواتها في العراق هي بمثابة قوى محتلة، إلا أن الحوزة العلمية بأسمائها الكبيرة مثل السيد السيستاني وغيره لم تدعو لمواجهة تلك القوات أو محاربتها بالسلاح تقديراً منهم لحالة المخاض التي يعيشها العراق جراء تحركات فلول النظام البائد الناتج من تضرر مصالحهم وكذلك فلول القاعدة والقوى المتطرفة التي زادت من عملياتها الإرهابية التي هدرت دماءاً عراقية أكثر بكثير من هدفهم المعلن وهو تصفية حساباتهم مع أمريكا حتى وإن كان ذلك على حساب العراقيين ومن دمائهم وأمنهم ومستقبلهم.
المجموعةالثانية: التيار الشيوعي واليساري الذي أمعن النظام في إضطهاده والتنكيل به سواء عند وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963 أو بعد مجيئه إلى السلطة للمرة الثانية وخصوصاً منذ عام 1979 (العام الذي أصبح فيه صدام حسين رئيساً للعراق) وذلك بقتل الكثير من أعضاء الحزب الشيوعي وأصدقائه وتشريد الألاف منهم، ولكن مع ذلك بقي كره الشيوعيين لأمريكا متفوقاً على كرههم للنظام، وذلك من منطلق العداء الآيديولوجي التاريخي للإمبريالية ممثلة ً بالولايات المتحدة الأمريكية. ولم تؤثر في البداية الأصوات التي طالبت من داخل هذا التيار بضرورة التعامل الواقعي مع الأحداث والإستفادة من الفرصة التاريخية نتيجة إلتقاء المصالح بين أمريكا وحلفائها من جهة وبين قوى المعارضة العراقية وفئات الشعب المتضررة من النظام من جهة ٍ أخرى، خصوصاً عندما أصبح هدف الإطاحة بالنظام العراقي أمراً واقعاً لا محالة وهدفاً مشتركاً لغالبية الأطراف. وقد استجابت قيادة هذا التيار لمعطيات الواقع وتداعياته بعد أن أدركت واستوعبت جميع الرؤى والاجتهادات التي ُقدمت لها عن الآفاق المحتملة لما بعد سقوط النظام البعثي، ثم لتنخرط في عملية بناء العراق الجديد من خلال مشاركتها في مجلس الحكم الإنتقالي والوزارة المنبثقة عنه. وكانت تلك المشاركة خطوة صائبة ودقيقة اتخذتها قيادة الحزب الشيوعي واصطفافاً واقعياً وجريئاً مع كافة القوى الإجتماعية والسياسية التي تضررت كثيراً من النظام وعملت بمستويات مختلفة من أجل إضعافه وإسقاطه على مدى عشرات السنين.
المجموعةالثالثة: التيار القومي ممثلاً بحزب البعث وبقية الأحزاب القومية التي كال لها نظام البعث ضربات قاصمة بعد وصوله إلى السلطة عام 1968. وإذا استثنينا الأحزاب القومية الصغيرة التي أضعفها وهمشها نظام صدام فإننا نرى أن هذا التيار يعيش إشكالية معقدة بهذا الصدد، لأن عداوته لأمريكا ليست قديمة ولا تقوم على تضارب المصالح تاريخياً، بل على العكس كانت بينهما مصالح مشتركة وروابط وثيقة جعلت أمريكا تقدم له خدمات كبيرة من أجل الوصول إلى السلطة سواء في المرة الأولى عام 1963عندما تعاونت قوى عديدة داخلية وخارجية معها لِنحرِ ثورة 14 تموز، أو في المرة الثانية التي وصل فيها إلى السلطة عام1968. واستمر التعاون بينهما قائمأ، بل آخذاً بالتطور وخصوصاً خلال الحرب العراقية- الإيرانية حيث تنوعت أشكال وأنواع التعاون من المساعدات المادية المباشرة إلى تزويد النظام العراقي بخرائط دقيقة وهامة ملتقطة عبر الأقمارالإصطناعية لمساعدته في المعارك حامية الوطيس التي دارت بالفاو وغيرها. إلا أن ذلك التعاون انقلب إلى عداوة حين تجاوز هذا النظام(الغبي سياسياً، لكنه الذكي في قمع شعبه والتنكيل به) الخط الأحمر باجتياحه الكويت ورفضه التراجع عن ذلك الإجتياح، بل ورمى إسرائيل بالصواريخ في حركة إستعراضية فارغة المحتوى و مفضوحة الأغراض، وذلك ما جلب الوبال للعراق وأفاد إسرائيل فوائد مادية وستراتيجية كبرى. و منذ عام 1991 بدأ العداء لإمريكا يتصاعد من قبل النظام وأعوانه في الداخل والخارج بالرغم من الإشارات الكثيرة التي أطلقها النظام ورئيسه لمغازلة أمريكا والتلويح لها بمراعاة وحماية مصالحها في المنطقة. إلا أن أمريكا ونتيجة نهج وسياسة جديدتين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر قررت العمل الجاد من أجل كنس هذا النظام وإزالته من الوجود بعد أن استنفد مبررات وجوده وارتكابه خطأ ً قاتلاً بشماتته بأمريكا عندما أعلن صدام حسين شخصياً معلقاً على أحداث 11 سبتمبر وأسبابها بقوله: ( أمريكا زرعت الشر في العالم، لذلك حصدت ما تستحقه في الحادي عشر من سبتمبر) . ومثل هكذا شماتة بأقوى دولة في العالم وبذلك التوقيت ما كان لها أن تمر... فكان ما كان! المجموعة الرابعة: الأكراد والحركة الكردية الذين عانوا على يد الأنظمة المتعاقبة معاناة مريرة . وقد بلغت معاناتهم أوجها على يد النظام البعثي الذي تجاوز في إضطهاده كل الحدود مستخدماً أبشع الوسائل وأكثرها تدميراً وانتهاكاً لأبسط حقوق الإنسان، مما جعل هذا الشعب المغلوب على أمره يستنجد تارةً بإيران وتارةً أخرى بغيرها لحماية نفسه وتحقيق الممكن والمشروع من أهدافه. وبعد الإنتهاء من إجتياح الكويت وعودة مليونين من الأكراد إلى ديارهم قررت أمريكا حماية المنطقة التي يسكنها الأكراد من شرور صدام ونظامه ووضعهم تحت مظلتها ، فأتاحت للشعب الكردي التمتع النسبي بحريته ومزاولة سيادته على أرضه وإجراء انتخابات برلمانية حُسمت بصيغة توفيقية رغماً عن إرادة الحكومة المركزية التي لم يكن لها حول أو قوة لمواجهة هذه المظلة التي ظللت الأكراد وحمتهم من عسف واضطهاد النظام الصدامي على مدى إثني عشر عاماً . فما كان من الشعب الكردي المعروف بطيبته ووفائه إلا أن حمل الود والعرفان بالجميل لأمريكا و استقبل المندوب الأمريكي لإعمار العراق (جي غارنر) بالورود والرقصات الشعبية في أول زيارة له للمنطقة الكردية على خلاف الإستقبال الذي لاقاه في المناطق الأخرى من العراق ، كما ان الحاكم المدني بريمر يستقبل بحفاوة بالغة عند كل زيارة له لكردستان من قبل القيادات والشعب الكردي، ونذكر هنا استقبال وزير الخارجية الامريكي كولن باول والحفاوة البالغة رسميا وشعبيا التي قابلوه فيها عند وصوله الى كردستان تعبيرا وامتنانا من الاكراد لموقف الولايات المتحدة في حمايتهم من صدام وثم تحرير العراق منه .
وهكذا نرى أن القوى السياسية والإجتماعية العراقية المذكورة أعلاه قد حددت مواقفها من أمريكا إنطلاقاً من ظروف تاريخية تم التعرض لها لم تجعل الشعب العراقي ينسى مواقف أمريكا السابقة رغم أن الخلاص من نظام صدام هو أكبر مكسب يناله الشعب العراقي.
من ناحية ٍ أخرى فإن الشعب العراقي انقسم قبيل شن قوات التحالف حربها على النظام العراقي وإسقاطه إلى معسكرين رئيسيين هما: أغلبية الشعب العراقي، التي عانت وتضررت من همجية النظام وسياسته الطائفية- العنصرية وتسلط أبناء العشيرة على مقدرات وثروات البلد وسرقتها جهاراً نهاراً بدون أي وازع أخلاقي أو أنساني. وقد وقفت هذه الأغلبية مع تدخل قوى التحالف من أجل إسقاط النظام الصدامي ليس حباً بتلك القوى ، ولكن لأن السبل والطرق الأخرى لإسقاطه قد سُدت تماماً. أما المعسكر الآخر فيتكون من أتباع النظام والمستفيدين منه وناهبي قوت الشعب ومن لُطخت يداه بدماء الألاف من أبناء الشعب ومجموعة المجرمين الذين أطلق سراحهم قبيل سقوط النظام بأيام، يضاف لهم اولئك الذين لم يميزوا (سواء بطيب نية أو سواه) بين الإحتلال الحقيقي الكلاسيكي وبين قوة عظيمة عسكرياً وعريقة ديمقرطياً وهي تجيش جيوشها من أجل إطاحة نظام ديكتاتوري قمعي لم يستطع شعبه رغم كل محاولاته إطاحته أو التأثير عليه.
الأن وبعد أشهر عديدة على دخول القوات الأمريكية إلى بغداد بإنتصار هائل ومفاجئ على كل الصُعُد هل حققت أمريكا أهدافها ؟ وهل كانت ستراتيجيتها بدخولها الأراضي العراقية بمفردها مع القوات البريطانية ناجحة وناجعة ؟ وما هو الغرض من استبعاد أحزاب وقوى عراقية كانت على أهبة الإستعداد لأن تكون رأس حربة في عملية إسقاط النظام فتُحقق هدفين في آن واحد: الأول هو نيل شرف المساهمة الفاعلة بإسقاط النظام الذي عجزت عن إسقاطه بوسائلها وإمكانياتها وطرقها الذاتية. وثانياً التمهيد لدخول مقبول لقوات التحالف وتوفير الغطاء الأدبي والمعنوي أمام الشعب العراقي لها بعد أن فشلت على الحصول على الدعم والغطاء الدوليين عبر الأمم المتحدة. والجواب هو أن أمريكا حققت الشطر الأول من أهدافها وهو إسقاط النظام ، إلا أن الجميع يعلم بأن لأمريكا أهدافاً أخرى أبعد وأكثر أهمية ً بالنسبة لها من سقوط النظام نفسه لا يمكن أن تتنازل عنها أو تنسحب قبل أن تحققها على الأرض. ومن تلك الأهداف إشاعة الديمقراطية في العراق لتكون منطلقاً لإحداث تغييرات بنيوية وسياسية هامة في عموم المنطقة بدأت إرهاصاتها بجلاء ووضوح في العديد من دول المنطقة التي لم تشهد أية تغيرات منذ سنين طويلة، مثل إلغاء قوانين الطوارئ في مصر بعد فرضها عشرات السنين، وإجراء الانتخابات التشريعية في الأردن بعد تأجيلها لمدة سنتين، وإجراء الإنتخابات التشريعية في قطر لأول مرة منذ عدة قرون، وكذلك البحرين وعمان. كما أن السعودية أعلنت عن اجراء انتخابات بلدية وتشريعية بعد سبعين عاماً. وسوريا تعلن عن انفتاح اقتصادي وسياسي بعد ثلاثين عاماً ونيف من الانغلاق. والسلطة الفلسطينية تقبل بمبدأ تعيين رئيس للوزراء للخروج من النفق الذي وضعت فيه . كما أن هدف أمريكا الآخر هو محاربة الإرهاب في عقر داره قبل أن يصل إلى دارها مثلما حدث في الحادي عشر من سبتمبر إضافة ً لأهداف لن يُعلن عنها إلا في حينه.... وما زالت التغييرات قادمة وبشكل دراماتيكي على الأنظمة المتكلسة في المنطقة، خصوصاً عندما ينجح الشعب العراقي بأخذ زمام أموره بيده ويحقق الإنجازات المنتظرة على طريق الديمقراطية التي سوف يبنيها بعد وضع الأسس اللازمة لها، وذلك بعد حرمانه منها طوال تاريخه الحديث. د. سلمان شمسه هولندا
#سلمان_شمسه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خروج المجرمين البعثيين من السجون يزيد من أخطاء الأمريكان
-
كتاب الدكتور علي كريم سعيد الجديد ينصف الضحية ويفضح القاتل
-
ذكريات عن شيوعي مخضرم
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
|