أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مرح البقاعي - دانتي مغادراً غزّة















المزيد.....

دانتي مغادراً غزّة


مرح البقاعي

الحوار المتمدن-العدد: 2517 - 2009 / 1 / 5 - 07:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بينما يسعى اللادينيون في الولايات المتحدة إلى حضّ الجهات القضائية والرسمية على حذف عبارة "فليساعدني الله"، من قسم التتويج الرئاسي الذي سيتلوه الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما حين تسلّمه مقاليد رئاسة الولايات المتحدة يوم 20 يناير 2009 لمدة أربع سنوات رئاسية، وذلك انتصارا من هؤلاء اللادينيين للمادة الأولى من الدستور الأميركي التي شددت على ألا يرعى أو يسنّ الكونغرس الأميركي أي قانون أو تشريع يقوم على قاعدة الدين أو الترويج الديني. ويقوم الناشط السياسي مايك نيودو هذا الأسبوع بمساع حثيثة من أجل استصدار أمر قضائي من المحكمة الفيدرالية في واشنطن لمنع رئيس المحكمة العليا جون روبرتس من إدراج عبارة "فليساعدني الله" في نص القسم الذي سيلقّنه للرئيس أوباما، وذلك تأكيدا على ضرورة الابتعاد ما أمكن عن أي مؤثرات دينيّة أوعقائدية في الشأن السياسي تطبيقا لبنود الدستور الأميركي.

في الوقت عينه، نشهد في الشطر الشرقي من العالم زعيما دينيا، معمَّما ملتحيا، جماهريا كاريزميّا، خطيبا بليغا، قادرا على تهييج الشارع العربي بجملة بيانية واحدة من معقله الحصين في الضاحية الجنوبية البيروتية، نراه يستدعي في خطابه السياسي يوم نصرة غزة، أئمة الإسلام، الأحياء منهم والأموات، ابتداء بالحسين في كربلاء ووصولا إلى الخامنئي في طهران، مستحضرا الشهادة وثقافة الشهادة، التي تعني ـ برأيه ـ "ثقافة الحياة الحقيقية"، مستلهما شهادة الإمام الحسين في الماضي التليد، وداعيا الشعوب العربية المستنفرة إلى تلبية نداء الإمام الخامنئي في الحاضر العتيد، وإعلان الجهاد نصرة لإخوانهم في غزة، واصلا خط الدم المفلوت على امتداد ما ينيف على أربعة عشر قرنا من اللطم والنواح والمآتم المنصوبة، مضرما نار الاصطفافات الطائفية والنزعات التهويشية لشعوب لم تعد تملك من بديهيات الوعي السياسي ما يكفيها للتمييز بين ما هو شهادة وما هو انتحار، وما طبيعة الظرف الذي يستدعي كل منهما، وما هي دواعيهما ونتائجهما أيضا.

مما لا ريب فيه أن القدرات الخطابية والبلاغية للسيد حسن نصر الله هي العصى الذهبية التي عرفت إيران كيف توظّفها لهش قطيع الدهماء في الشارع العربي وحشد غضبه وتوجيهه باتجاه أعدائها مجتمعين: الولايات المتحدة الأميركية، اسرائيل، والأنظمة والدول العربية غير المتعاونة مع مشروعها. وكان نصر الله قد حسم الأمر في خطاب سابق تشدّق فيه مجاهرا أنه "عضو في حزب ولاية الفقيه"، معلنا نفسه مندوبا ساميا رسميا في لبنان والعالم العربي عن حكومة الملالي في إيران.

والسيد حسن نصر الله قارئ محنك للمشهد السياسي العربي والإقليمي، وهو يعرف، بحدسه العقائدي، أن ركوب موجة العداء لأميركا وإنكار اسرائيل هو الوسيلة الأبلغ لحشد هياج الشارع العربي وتحويله إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار، على جبهتي الداخل والخارج في آن، في اللحظة التي ينزع الصاعق عنها بتوجيه من الباب العالي في طهران.

هكذا غدا حزب الله "تيرمومتر" شديد الحساسية لجسّ وتحديد حرارة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة ـ العلاقة الملتبسة والمشكوك بأمرها أصلا في عين المراقب الحاذق لتراوحها بين نبذ معلن للعامة، وجذب مغلف بالسريّة يتداوله الخاصة من أهل الحكم. وانضمت إلى هذه المعادلة حركة حماس في غزة بحكم الشحن المادي والمعنوي الذي تتلقاه من طهران، ما دعاها، بدفع من التبعية الضاغطة والشرط الإقليمي المشحون، إلى الانقلاب على الشرعية الفلسطينية (التي كانت أول من رحّب بحماس في العمل السياسي)، وشقّ الصف الفلسطيني الواحد، وتحويل غزة وأهلها العزل إلى رهينة بيد مسلحيها، يسخنون جبهتها، كلما دعت الحاجة إلى ردع الغضب الأميركي عن إيران.

يفيد درس التاريخ أن أعتى حركات المقاومة في العالم، ومن أذكر منها الشين فين أو الجيش الجمهوري الإيرلندي، ألقت جانبا سلاحها الذي حملته لعقود من عمر المقاومة فور دخولها في العملية السياسية لنيل حقوقها المشروعة التي حملت السلاح وقاتلت من أجلها، وذلك إثر أن وجّه جيري آدمز رئيس الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي في العام 2005 رسالة إلى وحدات الجيش الجمهوري الإيرلندي يدعوها إلى "إلقاء السلاح" ويطلب من المتطوعين "المساعدة في تطوير برامج ديمقراطية وسياسية خالصة من خلال العمل السلمي حصرا".

هذا عن الشين فين وزعاماته التي جنحت إلى خيار السلم حين بطل فعل الحرب. إلا أن حزب الله الذي خرج منتصرا إثر الانسحاب الاسرائيلي من الشريط الحدوي في العام 2000، وجد ترسانته العسكرية في مأزق حين اقتضى بسط شرعية الدولة اللبنانية جمع أسلحة الميلشيات وحصر المظاهر المسلحة بالجيش اللبناني وحده، وبالتالي ضرورة تحول الحزب إلى ممارسة الحياة السياسية، فما كان منه إلا أن ابتكر حرب تموز 2006 ليجدد شرعية قبضه على الزناد. الحرب التي تسببت في مقتل 1200 لبناني من بينهم نساء وأطفال، وتهجير وتشريد الآلاف سكان لبنان، وتدمير البنية التحتية من جسور ومرافق عامة، إضافة إلى تدمير 90 ألف مبنى سكني، وخسائر اقتصادية تجاوزت قيمتها الأربعة مليارات دولار. وكان حسن نصر الله قد صرّح بنفسه إثر انتهاء الحرب أنه لو تسنى له تقدير حجم الخسائر التي ستلحق بلبنان وشعبه لما دخل هذه الحرب!

وها هي حركة حماس في غزّة ( التوأم السنيّ لحزب الله الشيعيّ) تدير حجر الرحى من جديد. ففي الساعات الأولى من انتهاء هدنتها المتفق عليها مع اسرائيل بدأت بإطلاق صواريخها من جديد على المستوطنات الاسرائيلية معلنة تجدد الحرب وانتهاء الهدنة من طرف واحد، ومؤجّجة جبهة أخرى أرادت لها إيران أن تشتعل، بالتعاون مع سفرائها العقائديين في الأراضي الفلسطينية، لتعلن نفسها حامية وحيدة للإسلام بشقيّه: السني والشيعي، وحافظة للمسلمين والمقدسات الإسلامية، منتقدة على لسان رئيسها أحمدي نجاد الأنظمة العربية المتخاذلة والمتواطئة مع الجلاد على سحق غزة بمن عليها... وذلك على مبدأ: الصيد في الماء العكر، الذي هو من أحد تجليات (الباطنية)!

الأدهى من هذا كله، والأدعى للتوجس والريبة، ما ختم به نصر الله خطابه التعبوي في يوم نصرة غزة، والذي مفاده إعتقاده الجازم بأن الأميركيين لا مانع لديهم من أن يحكم حزب إسلامي أصولي أو حركة إسلامية أي بلد من البلدان العربية والإسلامية، مرددا "أن الأميركيين ليس عندهم مشكلة مع صلاتنا ولا مع صومنا ولا مع عمائمنا ولا مع لحانا، مشكلتهم الحقيقية هي مع برنامجنا السياسي"!

إذاً هو قول صريح من حسن نصر الله، رأس حزب الله، أن ما كان يدعوه حروبا صليبية يشنها الغرب ضد الإسلام، وهجمة بربرية على الشعوب المسلمة ومعتقداتها ومقدساتها ـ وهي الكليشهات التي روّجت لها الحركات الدينية الإسلاموية لعقود من الزمن ـ كانت بطبيعتها مواجهات سياسية بحتة، ولا علاقة لها بغرب مسيحي أوشرق مسلم! يقول قوله هذا مبرّئا به ساحة الغرب بعامة، والأميركيين بخاصة، مما أطلقت عليه تلك الحركات الأصولية التكفيرية عينها صفة الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين إثر أحداث الحادي عشر من أيلول!

دعونا نعترف بشجاعة (سافرة) أن أهل غزة اليوم هم ضحية إنفصاليي الداخل من آل البيت الواحد قبل أن يكونوا محطّ حقد متطرفي الكاهانا من الجار/العدو. أهل غزة هم من يدفعون غاليا ثمن التجاذبات والإلتواءات السياسية للأنظمة العربية العنينة، من جانب، وشراسة الآلة السياسية الاسرائيلية وطغيان نهج الهدم في بنيتها السيكولوجية على منطق العيش المشترك أوالمصالحة أو حتى التهدئة، من جانب آخر.

وأقولها جلية في هذا المقام: "أهل غزة أولا" وغزة تأتي ثانيا. نعم، الإنسان أولا ثم الأرض، فمهما كان التراب غاليا، تبقى الروح البشرية هي ظل الله على ثراه، فهل يرضى الله أن نجازف بظله، ونطفئ صورته على أرضه، باسم نصرة دينه؟

فصل المقال يكمن في لزوم تفكيك حلقات الأحلاف التي نسجتها إيران على شكل بؤر سياسية ذات طابع ديني مقولب على قياس الشبق الامبراطوري الفارسي، هذا التفكيك الذي أضحى مطلبا وطنيّا ملحّا وعاجلا لضرورة التوقّف الفوريّ عن تداول المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة، وتسعير أدواته، متمثّلة في حزب الله في لبنان، وحركة حماس في غزة. فحزب الله ليس سوى حالة من عسكرة منكَرة وتجيير جهادي للتصوف الشيعيّ بما يتناقض وجوهر روح التشيّع الاجتهادية؛ أما نزعات الانفصال والعزل التي مارستها مجموعات حماس المسلحة إثر الانقلاب على المسار السياسي الفلسطيني الشرعي، فليست إلا تفريغا لجوهر حركة التحرر الفلسطينية، واختطافا لإرادة الشعب الفلسطيني في إقامة دولة واحدة موحََّدة على أرضه، دولة اعترف فيها أعداؤه قبل أصدقائه، وهي نزعات لا تعدو أن تكون أكثر من محاولة انتحارية لفتح بوابة جحيم دانتي الذي "تاه في ظلمات الغابة لأن الطريق الملائم قد اختفى"، على حد تعبير هذا الشاعر الإيطالي الذي كان في طليعة من جاهروا بالخروج على الكنيسة وضرورة الفصل بين الدين والسياسة!



#مرح_البقاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عُمّالُ التنوير
- دخان واشنطن
- رفّة الكترونية
- حوار الأديان هو حوار الشعوب لا حوار الحكومات
- السياسة بأيدٍ ناعمة
- تمر
- دوائر كونية
- الفياغرا السياسي !
- المفكّر العربي طارق حجي... العيب فينا .. والشرف لك!
- بعيدا عن وخز السياسة.. قريبا من كَرَز القلب
- مربّعات بيروت
- مرح البقاعي: المثقفون العرب خاضعون لأيديولوجيات متجاوزة
- في بعث -الفحولة- السياسية
- العالم ما بعد أميركا
- سوريا الوطنية، بين وجع الناصرية ومواجع الفقيه الإيراني
- مشنقة الياسمين !
- آل البيت السوري
- مدّ اللسان الإنكليزي
- ثالوث التجديد الإسلامي
- الشاميّة العالمية


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مرح البقاعي - دانتي مغادراً غزّة