أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد كاظم النور - المتغير الثقافي ..! حضارة تقف على رأسها...















المزيد.....

المتغير الثقافي ..! حضارة تقف على رأسها...


سعيد كاظم النور

الحوار المتمدن-العدد: 2516 - 2009 / 1 / 4 - 06:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يمكن أن تتحرك الثقافة على مساحات فكرية واسعة وأن تتنقل بين ثنايا موضوعـات عديدة ومتباينة لتسجل لنا علامات ناضجة قابلة للتقدم والتفاعل مع غيرها من المعطيات الموضوعية المتجددة التي تقيها من الإصابة بهوس الاصطلاحات وتحديدها،وهي بذلك تعبر عن كونها مسار مضيء مـــن المعارف والإصلاحات الدائمة ، والتهذيب الدقيق وغير القابل للاندراج تحت ملفات التعلـيم التقليدي ومنح الشهادات الأكاديمية ، فالعوامل الثقافية هي أساسا أحداث فكرية ووظائف إنسانية مشبعة بالجدل والحوار وتناقل الخبرات والتحري عن الحقائق ، وهي أيضاً بنفس الوقت مشترك اجتماعي ميال إلى التقدم يمكن أن يقودنا إلى إدراك العقل والتحرر من أسر البلادة ليحقق لنا ميلاً حضارياً بارزاً ومؤثراً ضمن مواقع ومواطن ألارتقاء البشري . ونحن ندرك عموماً إن الانفعال الثقافي في الغالب هو بداية لفعلٍ إبداعي ومحاولة لتأسيس ظاهرة حيوية ايجابية ، لذلك فأن مايراه المثقف الحقيقي يجب أن يأخذ مداه ووقته الكافيين للتنقل ضمن المجال الحي والمبدع والحضاري والإنساني لفكره لا ضمن المتخيل الشائك والهوس المرتجل القابع في أسفل الدماغ ، فنظرة المثقف هي نظرة حقيقية ومسئولة ولها دلالة استكشافية وخّلاقة ومتميزة عن نظرة الآخرين والتي تتراوح مابين الحيرة وبين الخيال والابتعاد عن الحقيقة .
فالنشاط الإنساني المرتبط ارتباطاً قوياً بالبيئة ومكوناتها الموضوعية والذي يتم توارثه عبر مراحل زمنية معلومة من قبل أفراد ذلك الكيان البيئي يمكن أن ينتج حدثاً ثقافياً محلياً متميزاً ومؤثراً وله سجله الخاص بهؤلاء الأفراد الذي يوثق كل نجاحاتهم وأيضاً كل إخفاقاتهم إضافة إلى تطوراتهم والانتقالات الجارية عليهم والتي تحدث خلال حقب زمنية متعاقبة يمكن أن نطلق عليها في وقت من الأوقات زمناًحضارياً أو تراثاً مصدرياً ملموساً أضف إلى ذلك إن هذا النشاط له القدرة على المساهمة في تشذيب وتهذيب العقول التي تدخل ضمن عملية التلقي والحوار والجدل وتوجهها بالاتجاه الذي يخلق تصوراً معيّناً في الحياة أو طريقة محددة للتعامل مع مايحيطنا ، وكل هذا يجري بفعل الأنشداد الجماعي غير المنظور نحو الخلق والإبداع ، وأن مجرى هذه الأفعال والأحداث وتواليها تنتج لنا قيماً وتصوراتٍ مؤشرةً و معنيةً بمجتمعٍ ما، يمكن أن نطلق عليها ثقافتهُ الخاصة بهِ والخاضعة لكافة مؤثراتـه الذاتـية
والموضوعية التي ستصوغها بملامح تلك البيئة وذلك المجتمع .
وإذا كانت الثقافة إصلاح وتهذيب وارتباط متقن بكل مايتعلق بالفن والأدب والجمال والعمران والسلوك المتمدن فأن فقدانها وغيابها يعني الارتداد إلى الخلف والخراب الداخلي للنفس وخشونة الطباع وسيطرة الأوهام على العقول والانشغال بالمتردي وما يترتب عن كل هذه التنازلات من انحطاط ذاتي وموضوعي تجعل عملية التلقّي والتفاعل مع المحيط تتم بشكل غير متكافئ وغير متوازن تنتج في النهاية كيان مشوّه من التشكلات ونتاج غير مستقل وغير علمي وغير مدرك وفاقد للأفق من التأسيسات والتلاقيات والمنتديات وما يصدر عنها من مطبوعات وإعلانات وسلوكيات وتقاليد تترابط وتتعامل بشكل يومي مع مفردة الثقافة ، بحيث تصبح هذه العملية من الترابط ألمعلوماتي والمعرفي ، وهي عنصراً مهماً من عناصر التوالد الثقافي ، ناقصة وعقيمة لأنها غير حوارية وأحادية المصدر ، أي أنها تتم من جانب واحد ، ذلك الجانب الذي يصدر الفعل والمعلومة ، بينما يبقى الجانب الآخرسلبياً وخاضعاً ومنشغلا ًبوهم الانفعال الخيالي والمرتجل وغير المنظم .


وقبل أن نلاحظ ونستطلع المتغيرات التي طرأت عليها يلزمنا الأمر أن نوضح معنى الثقافة الحقيقي أو أن نقرأ ماهيتها والتي تبدو لنا على أنها كل القيم والمفاهيم والسلوكيات والأساليب الخاصة والمشتركة لمجموعةٍ بشريةٍ أو أمة من الأمم والخاضعة للإصلاح والتهذيب لتظهر بصورة نشاط إنساني سائد وظاهرة مؤشرة لجماعة ما أ و شعب ما .
إن الافتراض الذي ذكرناه عن الثقافة إضافة إلى عشرات التعريفات التي وردت بخصوصها يجعل منها كلمة تتوازى وتشتمل على اختصاصات متعددة قد تقود البعض إلى ربطها باختصاص أكاديمي محدد ما يفقدها روحها ودلالتها الحقيقية ويبقيها حبيسة الجامعات وقاعات الدرس وهذا يعني موتها الأكيد ، ولذلك تجدر الإشارة إلى أنها لاتخضع لأي نوع من الأختصاصات بل هي ديمومة من الحكايات والذكريات والتقاليد والتفاصيل المتوالدة والخاصة بشعبٍ من الشعوب والتي تخضع لشرط الأكتشاف والإصلاح المرتبط بالفكر والمتجه نحو فهم الطبيعة والسيطرة على مكوناتها وبالتالي خلق أو المشاركة بخلق حدثٍ حضاريٍ يمكن أن يُسجَّل كظاهرة متقدمة على غيرها ومساهمة في تنشيط اللغة وتحديث دلالة مفرداتها ، ووفق هذه الاشتراطات فنحن نراها تتباين في مدى تقدمها وتطورها من مكان إلى آخر تبعاً للنموذج البشري السائد ونمط التقاليد المتبعة والمفروضة على المجتمع وطبيعة العلاقات والترابطات والتصنيفات الاجتماعية وبالتالي طريقة عمل النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في ذلك المكان .
أن تعاقب الاتصالات والتلاقيات والتصادمات الحضارية والتي أطاحت بالكثير من الافتراضات والبُنى الفكرية والتشكلات الاجتماعية السائدة وبنفس الوقت أسّست وأرّخت وأقامت أكثر من ذلك من الاندفاعات الجديدة في أوسع المجالات الاجتماعية والفكرية والسياسية ومن الحكايات المصاغة التي تخبرنا وتنبؤنا عن تلك الفترات والأزمنة والحوارات المتداولة آنذاك ومدى إسهامها في تشكيل الحضارات المتعاقبة والعلوم والفنون والتقاليد الراسخة ، إن ذلك التعاقب وبشكل متوالي قد طوّر ووسّع مشتملات هذه المفردة ومداخلاتها وعدّد أنواعها وآفاقها بعد أن عمل على اكتشافها وجعل لها خصوصية وفصلها عن تعلقها بمفردات أخرى كالحضارة مثلاً حيث كانت مقترنة بها ولفترات طويلة وتعني ما تعنيه أية حضارة قائمة أو أننا نجدها متماهية مع فن من الفنون أو علم من العلوم أو ذائبة بفلسفةٍ ما ، قبل أن يتم استدراج كل معطيات الحياة الإنسانية والفكر البشري ليتم الاتفاق على اختيار صورة حياتية عامة وطرق وأساليب في العيش كانت البدايه الأولى والأساس الممهّد لخلق أجواء ناطقه بكل تلك المصادر الاساسيه لحياة شعب من الشعوب . فعلى سبيل المثال إننا نلاحظ أن العقائد الفكريه والسياسية والدينيه والملامح ألفنيه وكذلك بعض المكتشفات العلميه السائده في مجتمع ما ساهمت بشكل رئيسي وفعّال وعلى مّرالزمن في خلق ثقافة معيّنه ومتصفة بصفة تلك المجتمعات التي تنشأ فيها . وبنفس الوقت قد تبرز لنا توجهات أخرى تخالف وتعاكس ما هو سائد من تقاليد وأعراف وسلوكيات يمكن أن يتم تهذيبها وتوجيهها نحو الطريق المؤدي إلى حدوث صراع منظور وبارز وقابل للتطور إلى الحد الذي يجعل منه عملية توالد وانتقال وتحوّل في الكثير من المعايير والأسس الفكرية والاجتماعية والسياسية وما يتبعها لينتج لنا عند نقطة معينة ثقافة جديدة أخرى لها ميزاتها ومصادرها واستنباطاتها الخاصة بها .
أن قراءة هذه الأحداث والسلوكيات والقيم المتراكمة والعقائد المتعددة واستبيان الكيان الموضوعي والبحث عن ترابطاته واستكشافها وإيضاح الأفكار الواردة إلى المجتمع هي نشاط إبداعي وعمل فكري متصل باللغة ومرتبط بالمحيط الاجتماعي ومعنيّ بنفس الوقت بوضع الخطوط العامة ووجهات النظر بخصوص كل تلك المصادر والقيم التي تشكّل الثقافات السائدة في المجتمعات ،

وهذا النشاط تتم إدارتهُ وممارستهُ من قبل أشخاص معينين يرتكزون على أسس وطرق عمل واحدة ولهم سلوك إنساني متشابه إلى حدٍ كبير وهموم مشتركة ومعايير منطقية ، وهؤلاء الأشخاص هم من نطلق عليهم > وهم يمارسون عملهم ضمن مجالاتٍ فنيةٍ وفكريةٍ ومعرفيةٍ تميّزهم عن غيرهم وتجعلهم مرتبطين ومشدودين إلى منظومة عمل دائمة ومتطورة وفاعلة ولا تخلو من خطورةٍ .
بقي أن نعرف ونميّز ونفرّق بين الثقافة كمفهوم خاضع للبيئة التي تخلقهُ وتكون مصدره الأساس ومحل تطوّره وانتقالاته ، وهي عملية تجعلها متعددة الأصول وتختلف من مكان إلى آخر تبعاً للمحل الذي تتكوّن وتنشأ وتتطور فيه وبين المثقف كعامل وناشط وعنصر متحرك ضمن هذه المنظومات الثقافية وما يترتب عليه من ترابط وتبادل واشتراك إنساني وبالتالي من عموميةٍ في المعايير والأسس والضوابط التي تجعل منه مثقفاً ، أي إن الثقافات تتعدد وتتباين في أشكالها وأصولها ومنابتها وانتماءاتها , إلا أن المثقف يتحدد بملامح وسمات مميزة تجعل له أسس واحدة متشابهة وتطلعات متقاربة وثوابت رئيسة في العمل تحدد مهنته الثقافية .
تبادل الأدوار
لقد حصل تغيير كبير في المواقع والمسئوليات والصلاحيات الثقافية .. وهذا التغيير وان تطلب حدوثهُ مدة زمنية طويلة ، لأنه جرى بشكل تدريجي ومتأني وبطيء، غير أن نتائجهُ وقفت في آخر المطاف بشكل ثابت ومرتكز وموزّع على مساحات مترامية من العالم وأصبحنا أمام واقع ثقافي جديد وتشكلات ثقافية متعددة ، لها توجهات وتقاليد وشواخص وفنون في الاستدراج والإنتاج وكذلك في تهيئة الآخرين للتلقي العشوائي . وعندما نتمهّل قليلاً أمام هذه الوقائع والتشكلات لغرض إعادة فحصها واختبارها سوف نتمكن من رؤية ميزة مهمة وصفة بارزة تتميّز وتتّصف بها ، وهي تسارعها في التأسيس والتكوين والتطور وكذلك ترابطها المعقّد ضمن شبكة متلاطمة ومتداخلة ومعقّدة من إيصال المعلومات وتسلّم البدائل وإنتاج الثيمات وايضاً تحقيق الأرباح .. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى سرعة تلاشيها واختفائها ونسيانها لتحل محلها تشكلات جديدة تسير بنفس مسار سابقتها ولكن بتقنيات وتصاميم وتراكيب أخرى . وكما يبدو فأن الزمن المعتاد أصبح خجولاً ومتعباً وغير قادر على اللحاق بهذا التراكم الهائل من إنتاج الثقافات الحديثة والمثقفين الجدد ، وبهذه السرعة من احتلال الأمكنة وتشكيل المواقع وصناعة الأسماء (الثقافية) والتلاوة العصرية للأكليشيهات المتشابهة والثابتة والبادئات والخاتمات التي يبتدئ ويختتم بها مثقفو العصر كتاباتهم وبرامجهم ورسائلهم الثقافية . فالثقافة السائدة اليوم هي ثقافة متلابسة ومكوّنة من كتل ثقافية مصنّعة وموجّهة من قبل نظام عالمي واحد هدفه ابتلاع وهضم مجمل الثقافات المحلية الواردة إليه عبر وسائل الاتصال الحديثة التي يؤسسها ويرعاها ويتحكم بها وبواسطة مجاميع هائلة من الأوعية الناقلة من المتعلمين وأصحاب الشهادات والذين يعملون بأجور جيدة مقابل قيامهم بالاستطلاع والتقرب من التقاليد والصور الكائنة في ذاكرة المجتمعات المحلية والظاهرة على شكل نتاجات أولية يمكن ملاحظتها في السلوكيات السائدة وفي الفنون المعبّرة عن المشترك الإنساني والحضاري الخاص بتلك المجتمعات ليتم بعد ذلك إعادة إنتاج مجمل هذه المدخلات بلغةٍ جديدةٍ وبثقافة كونية واحدة وبرؤية عالمية حديثة لها قراءاتها وتفسيراتها وتعريفاتها لكل الأحداث الجارية في العالم وبثها عبر وسائل الاتصال الحديثة والسريعة والمترابطة


بشبكة معقّدة ومتقدمة علمياً ، تتم رعايتها كما ذكرنا من قبل الجهة المؤسسة لتلك القيم والساهرة على إستمرار عملها ، ناهيك بإضافة مُدخلات ومُخرجات جديدة ، أي إبتلاع ثقافات محلية أُخرى وإعادة إنتاجها بثقافة عالمية تساهم في تحقيق وإدامة (إنتصاراتها ) المعرفية ، وتبعاً لذلك وعلى مدى زمني غير محدد سوف يتم إنتاج الجيل الجديد من المثقفين (غير المشاكسين) والمصنّفين ضمن دوائرهم التخصّصيّة التي تعينهم على البقاء في مراكزهم المدة المطلوبة .
وقبل أن نُكمل إطّلاعنا على كافة أحداث ومرتكزات ونتائج هذه التغييرات الجارية ، تجدر الإشارة مرة أخرى ولغرض التذكير إلى التمييز بين الثقافة والمثقف والتعرف عليهما جيداً ، فالثقافة كمفهوم ناتج عن مُعطيات وتضادات وتصارعات وإنتاج موضوعات وكذلك عن خيالات وماديات تكتسب عبر مراحل زمنية تطورية صفة التجانس والإنسجام والترابط مع الكون وآلية حركاته ، نراها تتباين وتتنوع في أُصولها ومواردها ومصادرها فهي تَمور بين أوساط واسعة من الأصول والانتماءات والتوجهات والأحداث التي تخلق منها كيان متعلق ومرتبط بالبيئة التي نشأ ضمنها ، ولذلك فنحن نرى التأريخ يحمل لنا ثقافات كثيرة جداً تختلف فيما بينها إختلافات جذرية تصل إلى حد التصادمات والصراعات المُزمنة ، وهذا يعود كما ذكرنا إلى الوسط الذي تتكون خلاله كل ثقافة .
أمّا المثقف وهو العامل النشيط والبرهان الدائم المتواجد داخل كل هذه التحركات المنتظمة في الأطر التي أشرنا أليها ، فنراه يمثّل وحدة ودلالة مشتركة من السلوكيات والهموم التي تميّزهُ عن غيرهِ وتربطهُ بمهمّة إنتاج الوعي وصناعة الفكر وبلورة وتحديد ملامح وتصورات وعقائد يسعى جاهداً ليجد لها حضوراً ومنبتاً ومنشأً في مجتمعهِ ، أي إنهُ يحمل صفات متشابهة بغض النظر عن المجتمع والأساس والبيئة التي يمثلها وينطلق منها.
إن التغيير الذي جرى على صياغة الرواية الثقافية تعدّى حدود المصادر الفرعية لمنتجات الثقافة حتى وصل إلى بنائها الكلّي فأصبحت اليوم تمثل كتلة عالمية مصنّعة بواسطة نظام كوني .، آسرٍ ومبتلعٍ لمجمل الثقافات المحلية ، ومحرك للكثير من التلاقيات والتجمهرات التي تُعنى بها ، وتسعى بنفس الوقت لكي تتحوّل إلى زعامةٍ معرفيةٍ جديدةٍ ومتسلطةٍ أو بدلةٍ بنياشين برّاقة يرتديها ذوي الاختصاصات وأصحاب الخبرات التقنية الحديثة والعاملون (الجيدون) في حقولهم العلمية والفنية والإدارية وأصحاب الشهادات والذين على شاكلتهم ، فتغدو الثقافة كأنّها حضارة تقف على رأسها ، وتشتمل على صور لجمهور غير متجانس من المتخصصين الذين يصنّفون بموجب إختصاصاتهم إلى أنواع مزوّدة بقوائم نموذجيّة من الإصطلاحات والبناءات اللغوية المرتبطة بنموذجهم الثقافي . وبهذه الطريقة يتم لفظ هذه الأصناف إلى المجتمع بصورة (مثقف العصر) العامل ضمن منظومة الثقافة العصرية المنتجة عالمياً والحريص على الإنعزال والتفرغ لذاته .
لقد تزامنت كل هذه التغيرات والإنقلابات الجارية على الجسد المعرفي وعلى العقل البشري مع وجود قناعة متنامية ومتصاعدة لدى المشتغلين في الحقول الثقافية والعلمية بهذه الإرتدادات والتراجعات والإنعكاسات ماأدّى إلى وقوع إنشطار كبير في عقل الثقافة وصيرورتها حتى غدت عبارة عن شظايا شبه معرفية فاقدة بالتدريج لمجمل ركائزها الفكرية والسياسية والفلسفية والعقائدية والدينية ، وهي بالتأكيد من مصادرها الأساسية ،ومستعيضة عنها بمُدخلات إمّا أن تكون إيهامية وغير واقعية وخالية من مكتنزات إرثها الإجتماعي، أو أنها أطروحات تغلب عليها اللغة الإصطلاحية والجدل المفضي إلى تزاحم عدة أسماء لمصطلح واحد ، وتبعاً لذلك

سيتم حتماً حصر الشكل الجديد من المثقفين وتحديدهم بالحدود الممكنة التي تسمح لهم بالتحرّك والإشتغال وفق تلك الأطر المشار إليها فقط ، وتوزيعهم على دوائر معرّفة عالمياً تتعامل بموجب المعطيات والإمكانات والترابطات الثقافية (المعاصرة) والتي ستلزمنا في نهاية الأمر بالتقيّد الذاتي بتوصيات الثقافة (المعاصرة) المحدودة و((المنمّقة)) و((اللامعة)) ... وسنرى المثقف الجديد بهويات لم نألفها كثيراً من قبل .، فهو إمّا أن يكون أستاذاً جامعياً يتحرّك ضمن حدود قاعة الدرس ويكرر محاضراته بنفس الأقاويل الأكاديمية والقانونية السائدة والثابتة منذ سنين ... أو أننا سنفاجئ (( بمثقف )) من نوع آخر .. وهو نوع المتصفح الدائم على الشبكة الدولية والقادر على مواصلة البحث عن المواقع الجديدة والعثور على ضالته (( المعرفية )) وتلقّيها بالصورة التي تطرح بها , وحسب هذا النوع فأن هذه الشبكة تكاد تكون مصدر وعيه الوحيد ودليل معرفته الرئيسي وكذلك محل سكونه وانفعالاته و(( إبداعه )) , وهناك نمط آخر من الإفرازات الحديثة والذين يمثلون صورة أخرى للمثقف الجديد ونقصد بهم أصحاب ثقافة ((التحليل والخبرة)) .. وهؤلاء نراهم حاضرين على الفضائيّات ، ويمكن تشبيههم بالمقاولين الجاهزين لتزويد تلك القنوات الإعلامية((بتحليلاتهم)) و((خبرتهم)) لقاء أجور محدّدة يعتاشون عليها .. وهم يصنّفون طبقاً للحكايات التي يروونها .. فنرى مثلاً الخبير والمحلل السياسي أو العسكري أو القانوني أو البايولوجي أو اللغوي ...الخ . ويشتد ظهور هذا الصنف مع موسم كثرة التأزّمات والتوترات الدولية والتي تحدث في مناطق من العالم غير مستقرة في الغالب , أو مع شيوع حالات وأحداث جديدة تهم وتشغل الرأي العام . أمّا ماتبقّى من الذين لم يحالفهم الرأي السديد ولا التحليل العلمي ولا الحضور الإجتماعي فحتماً سيتشكّل منهم فريق من بعض الكَتَبَة المنعزلين , والخضوعيين .. وهم حبيسي إجترار الحذلقات اللفظية الجاهزة ، حيث تتصف كتاباتهم كونها وعاء للأنقطاعات والتداعيات والتهافت المستمر والميوعة الثيميّة التي تدل على ضعف التجربة وخواء الذاكرة وفقرها الإجتماعي .
كل هذا يعني إحتضار الثقافة ...! ولهذا فإن الصعوبة تكمن حالياً في إيجاد طريق واحد ..قادر على خلق التوازنات , وترتيب مسار إبداعي و متجدّد للمعرفة بمجملها يمكّنها من إعادة إنتاج نفسها كحضور إجتماعي وسلوك يومي وتداول إنساني تلقائي ، . على المثقف الحقيقي أن يقتحم تلك الصعوبة بديناميكية ذاته ، وتوجيهها نحو حيوات المجتمع ...!



#سعيد_كاظم_النور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد كاظم النور - المتغير الثقافي ..! حضارة تقف على رأسها...