|
البصرة وغزّة
جمان حلاّوي
الحوار المتمدن-العدد: 2516 - 2009 / 1 / 4 - 09:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم تزل الشعوب الشرق أوسطية والعربية منها بالذات ترزح تحت نير الدوغمائية والتعصب الديني المتطرف في قيادتها ، تلك الشعوب التي انفتحت على العالم وعرفت حقيقة عدم مصداقية الآيديولوجيا الدينية وبات الشرقي على اطلاع وتواصل مع أخيه في غرب العالم بعد تطور الاتصالات وتوسع انتشار الانترنت والهاتف النقال ..الخ . وبات المفهوم الديني وبالا" على هذه الشعوب في قمع تطلعها ورغبتها في العيش مع فهم العالم المحيط والتواصل مع تطوره السريع.. وافتضاح أمر الدين وسذاجة منطقه الفنتازي وسطحية أطروحاته وعدم انسجامها مع تطور العلم والبحث التجريبي الذي خلق أساليب حياة جديدة متمدنة في التوازن الاجتماعي الصحيح ومعرفة كيفية الوقاية وتفادي الخطر والفهم الحقيقي للوجود وكيفية التعامل معه وتطويعه بما يخدم مصلحة الانسان وصحية وجوده وديمومتة حضارته المنطقية والتي تعاديها الآيديولوجيا الدينية الرافضة للتجربة وتغيير المحتوى الفكري المفروض غير الملائم ، لذا تحول الدين من مفهوم أخلاقي إصلاحي كما يدعي إلى آلة تدميرية تقمع معارضيه طالبي التجربة وتعليل الأمور لغرض تفسيرها والتعامل معها بالشكل السوي . إن ما يحصل في الشرق الأوسط الحالي هو الحقبة الأخيرة لنزاع الإيديولوجيات النافقة ، ولأسباب اختلال التوازنات الدولية أعطيت فرصة لها للصعود وسرقة السلطة كما في صعود الطالبان إلى السلطة بعد انتهاء الوجود السوفيتي في أفغانستان وحصول الفراغ السياسي , وكما هو صعود الخميني وولايته إلى سلطة الحكم في إيران الحـّرة بعد أن سحبت أميركا من تحت الشاه البساط بعد أن اعتبر وجها" غير مقبولا" لها بعد أن كان ابنها المخلص وشرطي الخليج لتجعل الشارع الإيراني مشتعلا" بالمظاهرات ضده . وكما في غزّة حين سرقت (حماس) الحكم بانتخابات لم تكن في وقتها ومحلها بسبب الصراع العربي الإسرائيلي ليتشبث الناس بالحكم الإسلامي معارضة" للتطرف اليهودي . وكما هو حاصل في العراق بعد سقوط الدكتاتورية وحصول الفراغ لتتكالب الأحزاب الإسلامية على الحكم مع المد الإيراني المتطرف من جهة ومد القاعدة من جهة أخرى ورغبة المحتل في جعل الساحة متأججة دوما" لتبرير أسباب البقاء حسب القاعدة الاستعمارية ( فــّرق تسد ) ، لذا فما يحصل في غزة اليوم ، وما حصل في البصرة بعد سقوط الدكتاتورية وتكالب المليشيات الدينية المتطرفة على شؤون البصرة وشوارعها هو نفس المفهوم : الدين السياسي المتطرف الذي تنتهجه المليشيات الجاهلة لأسلوب الحياة المعاصرة ، المنقوعة بالهمجية و القتل الحيواني والتصرف المتعصب المتأزم في أيديولوجيا متبلدة سلفية لا تتواءم مع روح العصر والتقدم ، فحماس التي تفرض نفسها وبأفكارها السلفية على شعب غزة ، وتضرب إسرائيل من خلال بيوت غزة . والمليشيات المسلحة الاسلامية التي تنصب صواريخها في أزقة البصرة لتضرب القوات المحتلة البريطانية لترمي الأخيرة جام غضبها على الناس الآمنين دون استثناء , هما وجهان لعملة واحدة : الدين السياسي المتطرف . إن هذا المفهوم الجديد في التحول الديني من الجوامع ليتكالب على الحكم قد استغل التحولات الديمقراطية في العالم والنهج المفتوح في الانتخاب ، وبما أن شعوبنا العربية مازالت تحت خيمة البداوة والتمسك الأعمى بلوازم الدين ومعاداة التطرف اليهودي ( كما في غزة )وحصول الفراغات السياسية كما أسلفت ، كانت أصواتها الانتخابية بالتالي إلى جانب هذه الكتل الدينية المتطرفة النهج والعمل لتتسنـّم الاخيرة سدة الحكم وتنقلب بكل وحشية لتقتل شعبها من المعارضين لأيديولوجيتها ، وبالتالي فأن هذه الكتل الدينية المتسيسة قد حولت مفاهيم تفاهم الشعوب وعلاقاتها من خلال دبلوماسيات السياسة إلى حروب شوارع وتصدير الثورات إلى الخارج (كما في نهج جمهورية إيران الإسلامية مع العراق و جنوب لبنان) ، وقتل الأبرياء من المعارضين من المثقفين وأساتذة الجامعات والأطباء كما في الكتل الدينية-السياسية المتطرفة في العراق.. المشكلة هنا أن الدين لم يتوصل إلى خطاب حضاري والى تفاهم عقلاني متمدن مع الشعوب الأخرى كونه عاجز عن ذلك لخواء خطابه من المحتوى الحقيقي للمنطق وتقبل التحضر والتغير ، انه الفرض ألقسري لإرهاصات منتهية المفعول أمام تطلع حضاري لشعوب انتهت توا" من صراعات دينية أو قومية نالت من سكان هذه المناطق كالحرب العراقية الإيرانية والحرب اللبنانية وحروب العرب الخائبة مع إسرائيل ! و الدين هو ذلك المفهوم الغامض المغلـّف المعادي لمن يعارضه والذي حـّول لهذه الأسباب سياسات التنظيمات القابعة تحت خيمته إلى ذئاب مسعورة ، لذا فأن ما يحصل في غزة اليوم من القتل أو بالأصح الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني هو جريمة اشترك فيها التعصب الديني اللااخلاقي لمليشيات السلطة المتربعة على حكم غزة ( حماس ) ، ورعونة السلطة المتطرفة اليهودية في تل أبيب . وان كلا التطرّفين لا يقبل الحوار العقلاني المتحضر ، لذا لا نرمي الكرة دوما" في ملعب إسرائيل ونكون كالببغاوات نقول ما نسمعه ونراه في الفضائيات ولو كانت لإسرائيل اليد الطولى في العدوان والتوسع في بناء مستوطناتها ، المشكلة فينا نحن العرب الذين لم نفهم الديمقراطية الصحيحة لنختار جيدا وبعيون منفتحة من يرأسنا ويحكم بلداننا , مازلنا بدوا بتلك العنعنة الفارغة والتبجح السخيف بالصحراء والخيمة ودلـّة القهوة المعوجـّة ، وأيديولوجيا الدين ، والذكورة ، والرعونة مع الجار ، وضرب الضيف بالحذاء لنكون رجالا"( زلم !!) ، لا في التفاهم المنطقي والحوار الصحيح ورمي الحجة المقنعة بل في رمي الحذاء في وجه من يخالفني في الرأي !!. حين نتخلص من هذه العنعنة البدوية ونترك الصحراء التي لم تزل متربعة في أدمغتنا ؛ بل ونلغيها إلى الأبد ، ونعرف أن الوجود متوازن وان كل ما فيه خاضع للتمحيص والتجربة ، وأن نفهم أن الديمقراطية (أي حكم الشعب لا حكم العوائل ) هي الحل الأمثل لتحقيق البنى الصحيحة من انتخاب لبرلمان علماني خال من المحاصصة الطائفية ، وحكومة تكنوقراطية متمدنة محايدة لا تنتمي لأي من الأحزاب الموجودة والمعترف بها ضمن الدستور , وخلق أواصر صداقة وتعاون وسلام عادل ومتوازن ومتكافئ مع الدول الجارة حينها لن يعاني شعب غزة كما يعانيه اليوم وسيعيش العراق مزدهرا" وبصرته في أوج تألقها كونها فينيسيا العراق جمان حلاّوي / اميركا Email / [email protected]
#جمان_حلاّوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين الإلهي أم العلمانية هي النور المبين والحصن المتين
-
في ذكرى سقوط الهمجية وولادة الحوار المتمدن
-
تأبين روزخون
-
ماهيّة ( الثقافة الإسلامية )
-
فتوى اللحيدان
-
ثلاثي الانحطاط البشري
-
ممارسة الطقوس .. عبادة , أم مازوخية التراكم القمعي
-
مليكة مزان والربّ ( ظاهرة شعرية اسمها مليكة مزان )
-
ليس هناك مفهوم حياتي غير الكذب ، والدعارة ( الإمارات والممال
...
-
مسرحية ( أغتصاب )
-
الفن وصراع الأضداد
-
ثنائية التفكير والسلوك البشري ( إبليس أو الشيطان مثالا- )
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة - عاصمة الزنج ) / الجزء الثاني ع
...
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة- عاصمة الزنج ) / الجزء الحادي عش
...
-
( ألدولة ) في المفهوم الماركسي
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة - عاصمة الزنج ) / الجزء العاشر
-
ليلة مع الأمازيغية ..--قراءة لقصيدة من ينقذ الرب من هكذا عاه
...
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة - عاصمة الزنج ) / الجزء التاسع
-
أزمة المثقف العربي مع النص المقدس
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة- عاصمة الزنج ) / الجزء الثامن
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|