|
جلالة القول!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2516 - 2009 / 1 / 4 - 09:13
المحور:
القضية الفلسطينية
خير الكلام ما قلَّ ودلًَّ؛ وأهمه وأفصحه وأبلغه هو "الجامع المانع" منه؛ وإنِّي، والحقُّ يقال، وعلى كثرة ما قيل من أقوال لها وزن الفعل، في مأساة غزة، وفي مأساة العرب في غزة، لم أسمع كلاماً يَخْتَصِر "الحقيقة" خير اختصار، ويُعبِّر عنها خير تعبير، كذاك الذي جرى على لسان جلالتها إذ قالت "الصمت كُفْرٌ!".
لقد قيل في "الصمت"، أو "السكوت"، قولٌ كثيرٌ، بعضه مدح، وبعضه ذم، فقيل في مدحه "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"، وجاء في آية قرآنية "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ فَليَقُلْ خيْراً أو لِيَسْكُتْ"؛ ولكن ليس كل "صمتٍ ذهبي" يظلُّ "ذهبياً"، فثمَّة من يصمت دهراً لينطق كفراً. أمَّا في ذمِّ الصمت، أو السكوت، فقيل "الساكت عن الحق شيطان أخرس".
"الصمتُ كُفْرٌ"؛ فهل في هذا القول البليغ دعوة إلى "الخروج عن الصمت"، أي إطلاق "اللسان العربي"، الذي كان "مبيناً"؟
كلاَّ، فجُلُّ الكلام العربي الآن هو من ذاك الصمت، أي من الصمت الذي يُعَدُّ كُفْراً؛ فهل فيه دعوة إلى الخروج عن صمت الألسن إلى فِعْل الأيادي؟
كلاَّ، فجُلُّ الفعل العربي الآن هو "الصمت الكافِر" وقد لبس لبوس "الفعل".. الفِعْل الذي لو توقَّفوا عنه، وامتنعوا، لكان ذلك خير فعل يفعلونه!
لقد سَمِعَت ورأت "التعاطف" و"التنديد"، قولاً وفعلاً، فقالت "كفى، فكل هذا لا يكفي"، فإنَّ غزة هي الآن في أمسِّ الحاجة إلى الدواء والغذاء والمعونة.. والمأوى لأولئك الذين دُمِّرت بيوتهم.
لقد خاطَبَت أولئك العرب، الذين لهم آذان لا تسمع، وعيون لا تُبْصِر، وعقول لا تعقل، وأيادٍ ليست بـ "يَدٍ"؛ لأنَّها فقدت معنى "القوَّة"، وأقدامٍ تخشى صعود الجبال فتُبقي أصحابها في عيشٍ أبدي في الحُفَر، وبين الحُفَر؛ فهل أرادت حضَّهم على "عدم نسيان" غزة بما تعنيه وترمز إليه؟
كلاَّ، ففي قولها البليغ تحذير للعرب من أن تنساهم غزة، فإذا كانت غزة هي الكرامة والعزَّة والإقدام والصمود والفداء والتضحية.. فإنَّ كل تلك القيم التي في غيابها تغيب الأمم الحيَّة يمكن أن تنسى العرب إذا ما اختاروا نسيان غزة!
"قِفوا مع غزة حتى لا تنساكم غزة!"؛ هذا هو "النُصح" و"التحذير" وقد اجتمعا معنىً في هذا القول العظيم!
لا تعتصموا بحبل الصمت (لساناً ويداً) فَمْن اعتصم به ما عاد معتصماً بحبل الله، واشترى الكفر بالإيمان!
إنَّه الكُفْر بعينه الآن أن يكون، أو أن يظل، كل عملكم وفعلكم الإدانة والشجب والتنديد.. والدعاء الذي ذمَّه الله في قوله "كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إلا دُعَاءً ونِدَاءً".
وإنَّه الكُفْر بعينه الآن أن يجتمع العرب ليقرِّروا.. ليقرِّروا (وبئس القرار) دعوة "المجتمع الدولي" إلى أن يمارِس الضغوط على إسرائيل لتُوْقِف عدوانها، وكأنَّ العالم لن يسألهم في استغراب، وهازئاً بهم وبقرارهم: هل مارستم أنتم شيئاً من تلك الضغوط قبل ومن أجل أن نجيبكم؟!
وإنَّه الكفر بعينه.. الكُفْر بالله، وبالعقل والضمير، وبكل القيم والمبادئ الإنسانية، أن نؤمِن بجدواهم، وبجدوى قولهم وفعلهم، فقولهم فِعْلٌ مشين؛ وفعلهم "صمتٌ كافر"!
إنَّ غزة لا تريد لا دعاءكم، ولا حتى سيوفكم، فدعاؤكم لها بطول العُمْر، ودعاؤكم على قتلة الأنبياء والأطفال بالسوء، لن يُفْهَم أبداً على أنَّه موقف من "مواقف أضعف الإيمان"؛ أمَّا سيوفكم، التي من حديد في الداخل، ومن خشب في الخارج، أي في مواجهة إسرائيل، فهي أطول من قاماتكم.
غزة اللابسة الحداد عليكم، والتي تَغْفِر لكم إلاَّ ما ارتكبتموه من إساءة في حقِّ أنفسكم، لا تُكلِّفكم إلاَّ وسعكم، ولا تدعوكم إلاَّ إلى أن تجرؤوا على أن تكونوا لها "الصليب (أو الهلال) الأحمر"، و"الجمعية الخيرية"، التي تمدُّ أهلها بالغذاء، وبنزرٍ من "زكاة" أموالكم، التي تَعْجَز عن أكلها كل نيران الحرب الإسرائيلية عليهم.
غزة التي يُحْدِق بها القتل الإسرائيلي، جوَّاً وبحراً وبرَّاً، لا تريد الغذاء والدواء من أبناء جلدتها من أجل أن تُطْعِم جائعيها، وتُبْلسم جراح جرحاها؛ ولكنَّها تريدهما، ومنهم، حتى لا يُكْتَب في التاريخ: غزة التي عجزت آلة الحرب الإسرائيلية عن إماتتها ماتت جوعاً!
لقد اشتروا الكُفْر بالإيمان إذ صمتوا، وإذ نطقوا، وإذ عملوا؛ وهل ثمَّة كٌفْرٌ يفوق كُفْرَهم إذ قالوا، في عُذْرٍ أقبح من ذنب، إنَّ الضحية لا يحقُّ لها أن تحصل مِنَّا على الغذاء والدواء؛ لأنَّ للجلاَّد الحق (المُسْتَمَد من احتلاله لأرض الضحية) في أن يمنعنا من إدخال الغذاء والدواء!
صدام حسين احتل الكويت، فأرسلوا جيوشهم لتحارب مع جيش الولايات المتحدة من أجل تحرير الكويت؛ أمَّا احتلال إسرائيل لقطاع غزة، والذي اكتشفوا أنَّه ما زال مستمراً على الرغم من خروج الجنود والمستوطنين الإسرائيليين منه، فيعطيها الحق في أن تمنعنا من أن نُدْخِل الغذاء والدواء إلى أهله، ويسلبنا الحقَّ في أن نُرْسِل إليها جيوشاً وأسلحة وذخيرة على هيئة أطباء ومسعفين ومغيثين وغذاء ودواء ومستشفيات.. وفي وقف تصدير الغاز الرخيص إليها إلى أن يتوقَّف عدوانها.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في إجابة سؤال -ما العمل؟-
-
مجرمون آخرون في خلفية الصورة!
-
حروفٌ حان تنقيطها!
-
هي حرب ضد الشعب الفلسطيني كله!
-
العالم إذ اخْتُصِرَ زماناً ومكاناً!
-
لا تسأل -هل الله موجود؟- ولكن اسْأل..
-
حرب هي الامتداد للانتخابات!
-
في نقد نقَّاد -الحذاء-!
-
-التهدئة-.. نتائج وتوقُّعات وعِبَر!
-
-الإرهاب- بعد بوش!
-
إذا تكلَّم الحذاء فأنصتوا!
-
ليفني تساعد نتنياهو ضدَّها!
-
بعث -المجتمع-!
-
بوش إذ تقمَّص حكمة الفلاسفة!
-
نحن المسؤولين عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية!
-
اتفاقية تؤسِّس للبقاء وليس للرحيل!
-
اتفاقية تنهي الاحتلال بإنهاء العراق!
-
الشارني وموسم ازدهار المنجمين!
-
الشفافيَّة!
-
فلسطينيو -توتسي- وفلسطينيو -هوتو-!
المزيد.....
-
مصطفى شعبان بمسلسل -حكيم باشا- في رمضان
-
شاهد: أصدقاء وأقارب الأسيرة الإسرائيلية آغام بيرغر يحتفلون ب
...
-
حركة حماس تعترف بمقتل قائد جناحها العسكري محمد الضيف
-
القاهرة: لا لتهجير الفلسطينيين من أرضهم
-
عمّان.. رفض قاطع لتهجير الفلسطينيين
-
حماس تنعى عددا من كبار قادتها العسكريين وفي مقدمتهم القائد ا
...
-
سـوريـا: مـا هـي طـبـيـعـة الـمـرحـلـة الـجـديـدة؟
-
الدولي المغربي حكيم زياش ينضم إلى نادي الدحيل متصدر الدوري ا
...
-
العراق ومصر يجددان رفضهما لتهجير الفلسطينيين
-
الجيش الفرنسي يسلّم آخر قاعدة له في تشاد
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|