|
كم يتقاضى قادة العراق الجديد؟
علي بداي
الحوار المتمدن-العدد: 2515 - 2009 / 1 / 3 - 03:53
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
قبل ان يحدث التغيير في العراق ، كنت اقلب مع نفسي مشروعا لبحث امكانية قطع الطريق على محاولات الانقلاب العسكري في بلد كالعراق. فالانقلاب العسكري في حقيقته مشروع مغامرة لتحقيق السطوة والمال، مغلف بادعاءات "الوطنية" و"الانقلاب على الاوضاع السابقة الفاسدة" والرغبة في "الاصلاح" ، وكلما كانت البنى الاقتصادية والثقافية هشة و الازمات متكررة ،كلما توفرت فرص اكثرلفعاليات العسكر الانقلابية . وبتقليبي كل تاريخ الانقلابات في المنطقة لم اعثر الا على استثنائين هما شخصية عبد الكريم قاسم النزيهة صاحبة المبدأ، وعبد الرحمن سوار الذهب السوداني الذي انقلب على جعفر النميري ليسلم السلطة للمدنيين، وفي كلتي الحالتين اثمر الانقلابان عن انقلابين مضادين ارجعا البلدين عقودا الى الوراء. اذن لابد اولا لغرض قطع الطريق على الانقلاب من قطع الطريق على المال وعلى السلطة المطلقة باعتبارهما هدف الانقلابات ، ويتم ذلك بنظام فصل السلطات الى تشريعية وتنفيذية وقضائية وتوزيعها على الاقاليم اما المال فيعالج بسن قانون صارم يتحدد بموجبه راتب الرئيس والوزراء بحد معقول كأن لايتجاوز ضعف رواتب اساتذة الجامعات مثلا، كذلك فان تحديد رواتب اعضاء المجالس، اي مجلس النواب والمجالس المحلية بحدود الدرجات الاعتيادية، يقلص من المغريات التي تجعل الناس تتقاتل على الترشيح بحيث لا يترشح الى هذه المناصب الا من كانت لديه الآهلية والرغبة الصادقة في العمل لصالح الناس .
هذه كانت مجرد آمال ، لاشك انها كانت تراود الكثير من التواقين لبناء نظام متماسك بلا انقلابات ، وقد كنت اتوقع ان يطالب المتصدون للعمل السياسي بعد تغيير النظام بذات المطالب، خاصة وانهم من المناضلين لفترات طويلة ضد سلطة اتهموها بحق بالفساد ونهب البلاد . ولكي يقدر القارئ الكريم ، سبب حرقتي والمي وانا اتناول هذا الموضوع، ولكي لا ابدو منظرا ومن صناع الكلام فقط سوف اضطرلايراد احداث ووقائع لغرض اضفاء الشرعية على طروحاتي، وابعادها عن التحليق باجواء التشكيك بوطنية السادة المسؤولين والعيش على اخطاء واخفاقات هذه المرحلة الصعبة: اولا ،في لقاء لي مع السيدة وزيرة الاسكان في بغداد قبل شهر واثناء لقاء المهندسين لغرض التفكير باعادة الاعمار قالت: انتم مختصون ورصيدكم سنين من الخبرة الاوربية ووزارتنا بحاجة ماسة لكم ولكن...... بسبب اوضاعنا" المالية" والبيروقراطية سوف لن نتمكن من تقديم اكثر من 1000 دولار كراتب شهري للمختص!!! وقد كانت الوزيرة تنطق بالحقيقة المرة .
ثانيا، قبل سنتين كنت قد طرحت مشروعا بحثته مع علماء اوربيين لنصب محطات طاقة شمسية لانتاج الكهرباء من الحرارة المركزة، مستغلين المساحات الفارغة غير الصالحة للزراعة في صحراء العراق، وتوصلنا الى ان مشروعا بتكاليف لاتتجاوز 500 مليون ايرو سيكفي البلاد كلها بل ويحولها الى مُصدر للطاقة الكهربائية الى دول الجوار، وستسهم هذه المحطات بتشغيل نصف مليون عاطل عن العمل، وتحرك قطاعات اقتصادية راكدة اضافة الى مزاياها البيئية والاقتصادية بحفاضها على مخزون النفط العراقي وتدعيم الصناعات البتروكيمائية.
وطوال تلك السنين كان الرد الرسمي الذي يسمعه اصحاب المشاريع من المسؤولين العراقيين ،هو سيل من الشكاوى عن ضيق ذات اليد، وخواء الخزينة، وصعوبة الحصول على الموافقات. هكذا اذن هي دولتنا العظيمة ، ذات الاحتياطي الاكبرمن النفط في العالم ، دولة جائعة ، ترتعد اوصالها بردا في الشتاء، وتغلي على مرجل قيض لاهب صيفا، دولة بملايين الارامل، والعاطلين، واليتامى ، دولة لاتستطيع دفع مرتبات اختصاصيها الذين تحتاجهم لاعادة اعمار ماتخرب ، ولكن المدهش والمؤلم والغريب والصادم في هذه الدولة الخرافية ، ان يسمع المرء ان السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية "تبرع" قبل فترة بمبلغ 300 الف دولار لاحدى المشاريع في الناصرية ، واذا ماسال احدكم مندهشا عن مصدر هذه الالاف ، فعليه ان يستعد جيدا لتفادي نوبة قلبية محتملة لان رواتب ومخصصات الرئاسات ( النثريات) ، اي قادتنا المناضلين السابقين تتجاوز المليون دولار شهريا لكل شخص!
هذا النظام اللامعقول من المزايا والامتيازات الهائلة للقادة يلعب الان دوره السئ في تثبيت سلطة الحكام( اي اننا حققنا عبرالديموقراطية اهداف الانقلاب) وعبر تبرعاتهم، ومكارمهم، يبدو المسؤلون كملائكة رحمة متصدقين على الفقراء واليتامى والمعوزين، واهبين عطاياهم لشيوخ العشائر مكافأة لهم على حسن صنيعهم ، لكي تتحول دولتنا الى دولة صدقات وعطايا ومكارم يجود بها اهل الفضل من قادتنا المنتخبين ،بدلا من دولة المواطن المضمون اجتماعيا، المتساوي في كل شئ مع غيره من المواطنين بغض النظر عن دينه وقوميته ومكانته الاجتماعية. هل سمعتم بعطايا ديغول او شيراك؟ هل قرأ احدكم عن مكرمة من بوش من نثرية البيت الابيض لتأسيس مستشفى ؟ او عيدية من جيب رئيس وزراء الصين ( اي من جيب الدولة) للارامل؟ كان عبد الكريم قاسم يتقاضى راتبه من وزارة الدفاع كضابط ، وعبَر طوال عهده القصير المثمر عن تعاطفه مع الفقراء بشكل سياسات، ومشاريع، واصلاحات لانهاء الفقر و بسياسة تعليم مجاني شامل ورعاية صحية وتوزيع اراض على فقراء الفلاحين ، ولا اعتقد ان منصفا سيتهم عبد السلام عارف اوعبد الرحمن عارف بل وحتى احمد حسن البكر بالتمتع بهكذا نثرية تتجاوز ميزانية بعض الدول. واذا ما رجعنا للخلف الى مابعد تموز 1958 سوف لن نر مسؤولا واحدا بدرجة محافظ ( متصرف) باسطول حماية من ثلاثين شخص، بل ان حماية عبد الكريم نفسه وهو القائد العام للقوات المسلحة ، لم تتجاوز الشخص الواحد وقد رايته ليلا في سيارته في منطقة الوزيرية اوائل 1963 وكان لي آنذاك خمس سنوات من العمر، كان اعزلا من الحماية ، باسما محاطا بحب الناس الذين هجموا على سيارته ورفعوها عن الارض وهم يقبلونه ، مع انه لم يكن منتخبا من الناس ،فكيف لايخاف غير المنتخَب من الناس في حين يحيط المسؤول المنتخَب نفسه بالجيوش والاساطيل ويمنع السير في ربع احياء العاصمة لان حضرته ينوي الذهاب الى عمله؟ ان وجود 124000 انسان يعملون كحماية للمسؤولين دلالة مخيفة على فوبيا الامن التي تسيطر على تفكير المسؤولين والتي تتعارض مع كونهم مناضلين تعودوا مجابهة الاخطار. ولعل انسب ما بامكاني ان اهديه لمسؤلينا في بداية العام هو معطيات رواتب رؤساء الوزارات الاوربية علما بان مستوى المعيشة والغلاء في هذه البلدان يفوق مستوى المعيشة ومتطلباتها في العراق باضعاف . دعوني أطالب ان تكون سنة 2009 سنة الكشف عن رواتب هؤلاء السادة اولا ثم سن قانون للحد من هذا .. الفساد الرئاسي الذي قد يكون بريمر سببه من يدري؟
الرواتب السنوية لرؤساء الوزارات الاوربية بالايرو لسنة 2003
رئيس وزراء بريطانيا 172.920 رئيس وزراء فرنسا187.404 .رئيس وزراء النمسا226.056 رئيس وزراء المانيا 177.528 رئيس وزراء بلجيكا 167.208 رئيس وزراء الدنمارك 176.460 رئيس وزراء لوكسمبرغ 164.268 رئيس وزراء السويد 137.676 رئيس وزراء ارلندا 132.756 رئيس وزراء هولندا 113.065 رئيس وزراء.فنلاندا111.012 رئيس وزراء اسبانيا 80.064
#علي_بداي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميثاق شرف لانقاذ العراق ....نداء للموقعين على نداء-مدنيون- و
...
-
هل نحن امة عبيد ايها السيد المالكي؟؟
-
شعب يعيش في المنافي وحكومته تستورد العمالة المصرية
-
العراق ..من ارهاب البعث الصدامي الى الارهاب الديني
-
عشرون غابة ورد على اجساد ضحايا حلبجة
-
قصة رأس مطارد.... عبير والوحش
-
بأسم الحسين
-
قولوا لا للغزاة العثمانيين ، نعم لشرق اوسط ديموقراطي لاامريك
...
-
بالسلامة يامالكي .. ولكن من لسليمة الخبازة؟؟؟؟؟
-
هدية تركيا المسلمة الى جيرانها المسلمين بمناسبة العيد!!
-
انا ..مع حزب العمال الكردستاني
-
الخارجون من دين الله
-
محقة احلام منصور ام لا؟؟
-
فوز عراقي... على الطائفيين والمتخلفين
-
ماذا يريد حكام تركيا من حزب العمال الكردستاني؟
-
من اجل قناة فضائية لليسار العراقي
-
هل ياس المثقفون العراقيون من ا لعراق؟؟؟
-
الطم ياشعبي الحبيب
-
قدم بقطار امريكي وغادر بذات القطار ومنحه المتخلفون مجدا لا ي
...
-
أمة عرب/أسلامية ...بلا قلب ولا ضمير
المزيد.....
-
شاهد.. سياح يحتسون القهوة على طاولة معلقة في الهواء على ارتف
...
-
وفد عراقي يلتقي أحمد الشرع في سوريا لأول مرة منذ سقوط بشار ا
...
-
محكمة عسكرية باكستانية تصدر أحكاما بالسجن على 60 مدنيا
-
رسالة خطية من بوتين إلى العاهل السعودي
-
المعارضة في كوريا الجنوبية تدفع نحو عزل القائم بأعمال الرئيس
...
-
تحليل منشورات المشتبه به في هجوم ماغديبورغ - بي بي سي تقصي ا
...
-
كيف نجت عائلة سورية من الهجوم الكيماوي في دمشق؟
-
-فوكس نيوز-: مشرعون جمهوريون يطالبون ترامب باستبعاد جنوب إفر
...
-
حرس الحدود الفنلندي يحتجز ناقلة يشتبه بتورطها في انقطاع كابل
...
-
الدفاع الروسية: خسائر أوكرانيا في محور كورسك تبلغ 230 جنديا
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|