|
الحل الوسط في الصحراء الغربية
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 2514 - 2009 / 1 / 2 - 07:32
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
عانى المشروع المغاربي، الذي انبثق من ديناميكية حركة التحرر الوطني في خمسينيات القرن الماضي، من صراع المحاور الداخلية، خاصة التنافس المغربي - الجزائري داخل الدائرة الإقليمية وامتداداتها عربيا وأفريقيا. ولم يكن اختلاف نماذج الحكم و الخيارات الأيديولوجية والتوجهات الاقتصادية هو العائق الأساسي الذي حال دون نجاح الاندماج المغاربي، بل إنّ المشكل المحوري الذي اعترض هذا المشروع هو التضارب القائم بين الطرفين المركزيين في الاتحاد، من حيث العلاقة الثنائية والملفات الإقليمية والرهانات الدولية، مما تمتد جذوره إلى ما هو أبعد من موضوع الصحراء، مع الإقرار بأنّ هذا الموضوع هو بدون شك العقدة المستعصية اليوم في الرهان المغاربي. إذ يدور الصراع بين الطرفين حول ثلاث نقاط أساسية: أولاها، من سيخرج منتصرا في نزاع الصحراء الغربية. وثانيتها، من سيحظى بود واحترام الدول الكبرى. ومن المفارقات الملفتة أنّ الجزائر والمغرب ملتزمان علنا بالإبقاء على الاتحاد المغاربي وتطويره وتفعيله كفضاء للحوار والتكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي، غير أنه لا يمكن الحديث عن فضاء بهذه الأهمية الاستراتيجية مع استمرار الحدود المغلقة بين دولتين جارتين تشكلان مركز الثقل في البناء المغاربي. والحال أنّ تأثير هذا الوضع غير الطبيعي ينسحب سلبا على المنطقة المغاربية برمتها، ولم يعد مقبولا من الطرفين انتهاج سياسات سلبية يتضرر منها شركاؤهما في الاتحاد المغاربي. إنّ الجارين المغاربيين، الجزائر والمغرب، يلتقيان تحت مظلة منظومة 5+5 بين الدول الشمالية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وينضويان تحت لواء الحلف الأطلسي في توجهاتهما الأمنية، إلا أنهما يعجزان عن اللقاء تحت سقف المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة. والمفارقة في حسابات البلدين أنّ ما عجز عنه الاتحاد المغاربي، الذي يعتبر بكل المعايير الموضوعية والروابط التاريخية والامتداد الجغرافي أقرب إلى انتسابهم الطبيعي، يراد أن يكون الاتحاد المتوسطي بديلا عنه. ومن المفارقات أنّ بلدان الجوار المغاربي، في الضفة الشمالية للبحر المتوسط، يعتمدون مقاربات في الحوار مع الأقطار المغاربية تضع في الاعتبار مخاطر تنامي التطرف والهجرة غير الشرعية والإرهاب والجريمة المنظمة، بينما هم يعيشون في عصر آخر تسيطر فيه الخلافات السياسية، على حساب الضرورات الأمنية والإنمائية والاستراتيجية. فهل يعقل أن لا تقيم النخب السياسية المغاربية اليوم، خاصة في الجزائر والمغرب، تمييزا بين شروط نشأة وتطور أزمة الصحراء الغربية في لحظات تشكلها في سبعينيات القرن الماضي، وبين مآلها الراهن في علاقاته بالمتغيّرات الجارية سواء في المغرب الكبير أو في العالم ؟ فبعد رحلة الشقاء الأيديولوجي وحرب الزعامات الإقليمية الخاسرة، والتوترات المفتعلة، وبعد أن اكتشف النظامان، في الجزائر والمغرب، تعثر تجاربهما التنموية، وبعد أن تبين لهما أنّ الأمن الإقليمي تصنعه إرادة الشعوب في الحوار والتعايش، لا افتعال الأزمات والتوترات، ألم يحن أوان النخب الثقافية والسياسية الحرة والديمقراطية للتفكير والعمل من أجل مستقبل العلاقات المغربية – الجزائرية ؟ أما حان الوقت لأن تبادر قوى المجتمع المدني إلى فك العزلة، التي تطوق الشعبين بسبب جريمة إغلاق الحدود، وإلى أن تعمل على إطلاق مبادرات التواصل والتبادل ؟ أليست هذه القوى مجتمعة مطالبة، اليوم، بلعب دور تاريخي من خلال بلورة رؤى مشتركة للتعاطي المجدي مع الإشكاليات المستعصية التي تواجه البلدين: من فقر، وبطالة، وإرهاب، وحريات عامة، وإكراهات قادمة من الاقتصاد المفتوح وتدخل سافر للقوى الأجنبية في إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، وأزمة الهوية داخل المجتمع، والحركة المتنامية للمواطنة الباحثة عن حلول لمعضلاتها، ومواجهة الأنظمة والدفع بها إلى دمقرطة المشهد السياسي وبناء المؤسسات الوطنية الديمقراطية القادرة وحدها، ومن ورائها القوى الاجتماعية بكل ألوان الطيف الذي تمثله، على تقرير مصير الشعبين. ربما كان خطأ المتعاطين مع نزاع الصحراء أنهم لا ينتبهون إلى هذا التعايش السلبي، الذي استمر أكثر من ثلاثين سنة، تغيّرت خلالها معطيات دولية ومفاهيم سياسية، وفتحت أجيال جديدة عيونها على الواقع، من دون حدوث تغيير في المواقف. إنّ مقترح الحكم الذاتي الموسع في الصحراء، الذي قدمه المغرب ورحّب به المجتمع الدولي، جاء لكسر الجمود وطي صفحة الماضي، وهو يستجيب لقاعدتين أساسيتين: أولاهما، اعتبار أنه في كل صراع ليس هناك طرف يمكن أن يأخذ كل شيء، مهما كانت شرعية حقوقه. وثانيتهما، أنّ هذا الحل يعتبر أنّ القضية يمكن أن تُحَلَّ على أساس خلق وضعية خاصة، تسمح للسكان بتسيير شؤونهم اليومية دون الارتقاء إلى شخصية دولية منفصلة. ولاشك أنّ مفتاح هذا الحل الوسط هو بيد المغرب والجزائر، باعتبارهما اللاعبين الأساسيين في المعادلة والقادرين، عبر توافر الإرادة السياسية، على تحقيق التوافق بشأن حل قضية الصحراء وتسويتها سلميا وطي صفحتها, قبل أن تنفجر وتعبث بها الأيادي الخارجية. وهذا الحل الوسط لن يساهم فقط في إنهاء المشكلة، بل من شأنه أن يقود إلى إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين وتطويرها، ومن ثم إعادة إحياء اتحاد المغرب العربي. وعسى أن يتعزز الاقتناع بأنّ حل المشاكل الإقليمية والمحلية من خلال البدء في إقرار تنظيمات اللامركزية هو الأفضل، سواء اقتصر الموضوع في مرحلة أولى على إقليم الصحراء بسبب طول أمد النزاع، أو تعداه في وقت لاحق ليصبح منهجية عصرية في إدارة الشؤون المحلية في أرجاء المنطقة المغاربية والعربية كافة. إذ أنّ التجارب الإنسانية، التي اتخذت هذا الاتجاه، أوضحت الفرق بين انتكاس بناء الدولة المركزية، الذي يزيد في الأعباء كما في تجارب العديد من الدول العربية، وبين التطورات التي عرفها الاتحاد الأوروبي في ضوء الحفاظ على خصوصية مكوّناته وتنوعها.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يكسب الفلسطينيون الرهان ؟
-
حسيب بن عمّار .. وداعا
-
حقوق الإنسان .. تراث مشترك للإنسانية
-
تحديات مغاربية
-
حقوق الإنسان في عالم متغيّر
-
كيفيات التعاطي المغاربي المجدي مع التحديات
-
حقوق الإنسان في التشريعات العربية
-
حوار الثقافات .. إلى أين ؟
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|