|
لماذا لا يتصالح اليساريون و الليبراليون العرب مع الدين ؟ لماذا لا يخرج التنويريون بفكر ديني يدعو للحرية و العدالة و المساواة ؟
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2513 - 2009 / 1 / 1 - 04:24
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
عندما تصل دعوة كريمة من موقع فكري له إحترامه و تقديره و إنتشاره على مستوى قراء العربية المثقفين - و بالتأكيد أعني هنا موقع الحوار المتمدن - للمشاركة في نقاش فكري حول قضية ما ، فإن تلك الدعوة تلقى كل إهتمامي ، حتى لو إختلفت مع القضية موضع النقاش أو مع جزئية منها ، و ما عدم المشاركة أو المشاركة المتأخرة ، إلا نتيجة ضغوط الحياة اليومية ، و طي الزمن للحدث موضع النقاش أو تجاوزه له . منذ فترة تلقيت دعوة كريمة من هيئة تحرير الحوار المتمدن للمشاركة في تقييم أحزاب اليسار في المنطقة الناطقة بالعربية . صراحة لست من مؤيدي التصنيفات الحادة الصارمة في ميدان السياسة و الإجتماع و الإقتصاد و الثقافة ، و هي الحقول الأربعة الأساسية التي تتعامل معها الأحزاب الجادة ، و قد أوضحت موقفي هذا بإستفاضة في مقال سابق نشر بالحوار المتمدن ، بعنوان : قبل فرض أي رقابة حوارية ، ما هو اليسار أولاً ؟ لست من مناصري تعبيرات يسار و وسط و يمين ، و يسار وسط و وسط اليسار ، و يمين اليسار و يمين الوسط ، و يمين متطرف و يسار على شاكلته ، و هلم جر ، فالاحزاب بمبادئها و برامجها ، لا بتصنيفات أصبحت اليوم غير دقيقة للتمازج الحادث بإستمرار في الأفكار . و لكن هذا الموقف لا يمنع أبدا من المشاركة في مناقشة هذه القضية الهامة نظراً لما تشهده منطقتنا من ضعف الأداء الحزبي عموما ، و تقاسم الساحة العربية اليوم بين أنظمة حاكمة و مجموعات دينية تعبر عن شكل واحد من أشكال الدين . المشكلة الأساسية لضعف الأحزاب العربية ، و بخاصة الأحزاب الإشتراكية و الليبرالية ، هي إنها لازالت محكومة بنظريات عفا عنها الدهر و تجاوزها العصر . الأحزاب اليسارية لازال أكثرها محكوم بمقولات تهاجم الدين ، مثل : الدين أفيون الشعوب . و الأحزاب الليبرالية الكثير منها لازال متأثر بأفكار فولتير و التصرفات التي حدثت أبان الثورة الفرنسية ، من معاداة و إهانة للدين . اليساريون و الليبراليون العرب لازالوا يتعاملون مع الدين على إنه إما أداة في يد الطغاة أو على إنه طريق للخرافة و التخلف . اليساريون و الليبراليون العرب يعيشون في قواقعهم و لا يريدون أن يتعاملوا مع التراث الديني الإسلامي و المسيحي ، الذي مثلما فيه جانب مظلم ، كان الدين فيه أداة في يد الإستبداد ، و طريق للخرافة ، فإن هناك جانب أخر لهذا التراث ، جانب مضيء ، كان فيه الدين ، طريق للنضال ضد الطغاة و الفاسدين ، مثل تراث الإمام العظيم ابن حزم الأندلسي في مناصرة الحرية و المرأة و الفقراء ، و مثل الفكر البروتستانتي في ألمانيا الذي تسبب في ثورة الفلاحين الألمان التي قادها رجل دين بروتستانتي ، و مثل الثورة البريطانية التي قادها كرومويل ، و مثل الكثير من المشاركين في الثورة الأمريكية ضد طغيان التاج البريطاني ، فالكثير من المشاركين في الثورة الأمريكية لم يكن إيمانهم بالديمقراطية نابع من أفكار عصر التنوير بل من أفكار الحرية التي في الكتاب المقدس في المسيحية ، خاصة سفر القضاة . اليساريون العرب هللوا لفوز الحزب الشيوعي القبرصي في فبراير من عام 2008 ، و لكنهم على ما يبدو لم يسمعوا بالحوار الذي أجراه رئيس الوزراء القبرصي الحالي مع قناة يورونيوز في فبراير 2008 ، حين ذكر أن تسعين بالمائة تقريبا من أعضاء الحزب هم مؤمنين ، رافضا بذلك التصريح ، الربط بين مبادئ الحزب الإقتصادية و الإجتماعية و بين معاداة الدين . كذلك فإن اليساريون العرب الذين يظهرون إعجابهم بشافيز ، لا يبرزون توافق شافيز مع الدين ، حين جعل شافيز ، المسيح ، عليه السلام ، الإشتراكي الأول و نصير الفقراء . و بالمثل فإن هناك أمثلة لمثل هذا العمى الفكري في التيار الليبرالي العربي ، لا يتسع المقال لذكرها . بناء على ذلك لي أن أسأل : لماذا لا يتصالح اليساريون و الليبراليون العرب مع الدين ؟ لماذا لا يخرج التنويريون العرب بفكر ديني يدعو للحرية و العدالة و المساواة و الحضارة ؟ فليس المطلوب في المصالحة مع الدين ، تبني فكر ديني مرفوض . و ليس المطلوب أيضا أن نعيش مقيدين بالتراث الفكري الديني الذي أخرجه الإصلاحيون القدامى ، مثل الأئمة ابو حنيفة النعمان و ابن حزم و محمد عبدة و غيرهم . المطلوب هو أن نخرج نحن ، جيل اليوم ، و أجيال المستقبل التي ستأتي بعدنا ، فكرها الإصلاحي الديني ، الذي يجعل الدين ، أي دين ، مصدر و نصير للحرية و العدالة و المساواة و الحضارة و التحديث ، و غير ذلك من القيم النبيلة ، التي لا يختلف سويان في هذا العالم على نبلها . مع رفضنا المطلق لفرض أي وجهة نظر دينية أو روحية على أحد ، كما هو مذكور في البيان التأسيسي لحزب كل مصر ، و المنشور بالحوار المتمدن و يوتيوب .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى غزة قدمنا العرض الأسخى ، و الأكثر واقعية و ديمومة
-
الإنقلاب الغيني بروفة للإنقلاب المصري ، و لكن أين نقف نحن ؟
-
آل مبارك الأسرة الثانية و الثلاثين الفرعونية ، بدعة المواطنة
...
-
الإمساك بالبرادع ، لن يأت بالحكم القوي لحكومة متمدنة
-
اللوم في غير مكانه ، لن يأت بالحكم القوي لحكومة متمدنة
-
ذئابنا ليس بينهم ذئبة روميولوس
-
شريحة ضخمة من صغار المستثمرين ستأتي بالرفاهية ثم الحرية
-
شريحة ضخمة من صغار أصحاب الأعمال ستأتي بالرفاهية ثم الحرية
-
القفز فوق المرحلة القبطية ، فصام في الشخصية المصرية
-
ماذا سيتبقى لنا من القرآن على زمن آل مبارك ؟
-
إلى المضطهدين : تذكروا أن الذي نجح هو أوباما المندمج ، و ليس
...
-
الجمالة و العمال المصريين ، ظلموا مرتين ، قصة المعهد التذكار
...
-
أس مأساتنا زيارات تسول البترودولار السعودي
-
قبل فرض أي رقابة حوارية ، ما هو اليسار أولاً ؟
-
أوباما المصري قبطي أو نوبي ، و أوباما الخليجي من أصل أفريقي
-
نموذجنا هو ثورة التأسيس 1805 ، لا ثورة التأكيد 1919 ، لأن مص
...
-
خروج الشعب للثورة هو إستفتاء يمنح الشرعية للثورة ، و يسبغ ال
...
-
السطو السعودي على التسامح الأندلسي ، و سكوتنا المخزي
-
إنها حرب ثقافية بين نجد و النيل ، و المواجهة لابد منها
-
روسيا بوتين ليست نصيرة الفقراء و المضطهدين و التائقين للحرية
المزيد.....
-
شاهد السبب الذي دفع محتجين برمي عشرات -كرات الطاولة- أثناء ع
...
-
محللة تشرح السيناريوهات المحتملة لاختراق أجهزة الـ-بيجر-.. م
...
-
وزير الصحة اللبناني: -انفجارات بيجر- أدت إلى مقتل 9 أشخاص وإ
...
-
فيديو يظهر لحظة انفجار جهاز -بيجر- في متجر بلبنان
-
بعد تفجير أجهزة اتصالات -بيجر-.. حزب الله يصدر بيانين ويتوعد
...
-
اتهام مغني راب أمريكي شهير بالاتجار بالجنس والابتزاز
-
-بوليتيكو-: زالوجني وقادة كبار في الجيش الأوكراني عارضوا اله
...
-
-البيجر- المنفجر.. ماذا نعرف عن أجهزة النداء الآلي لدى حزب ا
...
-
إنستغرام يطرح ميزة جديدة تعزز رقابة الآباء على حسابات المراه
...
-
ما هو جهاز -البيجر-، وكيف حدثت الانفجارات؟
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|