أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باقر جاسم محمد - أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية















المزيد.....

أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية


باقر جاسم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 772 - 2004 / 3 / 13 - 09:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يلاحظ المهتمون بالشؤون الفكرية والسياسية و العلمية( و بخاصة العلوم الاجتماعية ) ذلك العنف و الروح العدائية و البعد عن الموضوعية الذي يميز أسلوب أغلب المتحاورين في قضايا خلافية عديدة. وتشمل هذه القضايا مجموعة متنوعة من مثل: العولمة و الهوية الوطنية و التحدي الحضاري و قضية فلسطين و مسألة العلاقة بين الديمقراطية و التنمية و الدين الإسلامي و نظم الحكم و إسهام مؤسسات المجتمع المدني في الحياة العامة وعلاقتنا عربا و مسلمين بالآخر الغربي وغيرها.
قد يقال إن ظاهرة العنف و الموضوعية هذه هي من قبيل المعارك الفكرية و الممارسة الحرة التي تتيح التعبير عن الرأي و الرأي الآخر أو هي من قبيل المعارك الفكرية التي شهدتها ثقافتنا العربية في مراحل مختلفة في القرن العشرين. و هذا صحيح كان الأمر كذلك. لكننا نلاحظ أن ( الحوارات ) التي تشهدها الفضائيات العربية تفتقر إلى أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية . و هذا أمر خطير نظرا لانتشار هذه الفضائيات و سعة تأثيرها في قطاعات واسعة . و لطبيعة البرنامج التلفزيوني التي لا تتيح إمكانية التوقف عند كل نقطة اختلاف و فحصها و التثبت منها و من دقة المعلومات التي تحتويها.
و لكي لا تتحول هذه الفضائيات إلى وسائل و مراكز لبث روح الفرقة و التناحر والتعصب الأعمى و الانغلاق و نفي الآخر , و حتى لا يقال أنك تطلق الكلام على عواهنه فلقد رأيت أن اسهم في هذه المقالة تعزيزا لما هو " في تقديري " جوهر أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية . وهذا الإسهام
موجه إلى معدي البرامج الحوارية و الذين يضطلعون بمهمة تقديمها و كذلك الى المتحاورين فيها و لكن الهدف الأسمى لها أن تصل إلى جماهير المشاهدين فهم من نسعى الجميع , كما يعلنون , لخدمتهم في البرامج الحوارية . و لسوف نعالج المسالة على النحو الآتي :
أولا : في توصيف الظاهرة موضع البحث و النقد /
إن متابعي الفضائيات العربية قد ألفوا تلك الخيبة التي تنتابهم بعد الانتهاء من مشاهدة أغلب البرامج الحوارية في شتى أسمائها و ذلك حين يكتشفون أنهم لم يتمكنوا من تصور أفضل للمسألة المطروحة و إنما ازدادت القضية اضطرابا و التباسا و الأهم من كل ذلك أن مثل هذه البرامج لا تشجع روح الحوار بقدر تبعث على التعصب نظرا لما يشهده الناس من ( حوار ) هو أقرب الى القتال منه الى التفاعل الحواري الخلاق.ذلك أن من المفترض أن تقوم هذه البرامج و على نحو غير مباشر بتنمية و تعميم ثقافة الحوار بازاء ثقافة الإقصاء و التهميش و إلغاء الآخر ( و هو هنا غير الآخر الغربي ) . فنحن قد نكتشف أن محاورا في برنامج يشير عنوانه إلى تعدد الآراء يسعى بكل ما أوتي من جهد إلى إلغاء الرأي الآخر و تسفيه صاحبه متخذا من اعتقاد خاطئ بأنه هو وحده من يملك الحقيقة المطلقة. و يقد يظن مشارك آخر في برنامج يشير أسمه إلى آراء متعاكسة أو يواجه بعضها بعضا أن من تمام إقامة الحجة على خصمه أن يرفع عقيرته بالصراخ للتغطية على صاحب الرأي المقابل . وقد يصل الأمر إلى حد كيل الاتهامات و التشكيك بالعقيدة أو الوطنية. وكل ذلك لا يعزز روح الحوار و إنما انطباعا عميقا لدى المشاهدين حول جدوى الحوار إذا كان تعدد الآراء يثير ردود أفعال مثل تلك التي أظهرها المتحاورون الذين نفترض فيهم النضج المعرفي اللازم للحوار فضلا عن أسلوب التحاور الحضاري . و من هنا يتسلل التأثير السلبي المضاد للهدف المعلن لهذه البرامج.
ثانيا:في أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية :
يمكن إيجاز أخلاقيات الحوار الحضاري المتمدن و شروطه العرفية . ذلك الحوار الذي يسهم في إضاءة كثير من القضايا السياسية و الفكرية و الاجتماعية و ينمي روح التفاعل الإيجابي بين المتحاورين في الآتي:
1. أن القضايا التي يجرى التحاور حولها إنما هي من القضايا الخلافية التي لا ينبغي لأحد أن يزعم لنفسه امتلاك الحقيقة الكاملة بشأنها. لذلك فأن هدف المتحاورين هو ليس فقط الدفاع عن قناعاتهم حوله و إنما محاولة الوصول إلى قناعات مشتركة و متكاملة بشأن القضية موضع البحث و المحاورة.
2 . و ينبغي أن ينطلق المتحاورون من قناعة راسخة و حقيقية بأن معرفتهم حول القضية التي يجري الحوار حولها قد تكون معرفة مباشرة و لكنها ليست معرفة كلية مكتفية بنفسها
أو شاملة أو نهائية . ونحن هنا نستعمل مصطلح المعرفة بمعنى ما يعرفه المرء و هو ما يطلق عليه بالإنجليزية لفظ knowledge في مقابل علم و آليات تحقيق المعرفة الذي يقابله اللفظ الإنجليزي epistemology الذي اشتققنا منه وصف المعرفي في هذه المقالة . فالنقص يكتنف ما يعرفه المتحاورون على نحو من الأنحاء . و من هنا تأتي إمكانية أن يضيف المحاور الثاني الى المعرفة بالقضية التي طرحها المحاور الأول .
2. في مناقشة القضايا ذات الطابع العقدي ، و هي من أخطر القضايا وأكثرها إثارة للعواطف مثل قضايا الاختلافات المذهبية و السياسية و كذلك القضايا التي تمس الذمة كقضية كوبونات النفط العراقية ، تشتد حدة الاستقطاب و تكاد تنعدم فرص التحاور المعرفي المثمر ، فإذا كان المتحاورون في هذه المسائل يمثلون اتجاهات متناقضة على أرض الواقع حد الاحتراب فأن الحوار الذي يجري في الفضائيات قد يمثل فرصة لتوضيح المواقف و استثمار ما يراه المتحاور من وسائل لنصرة ما يعتقده صحيحا ، ولكن ذلك يجب أن يجري مع مراعاة النقطتين (1 و 2 ) أعلاه.و من دون تجاوز أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية . و يقع ضمن ذلك ضرورة احترام المحاور المقابل و انتقاء لغة تحاور تعكس إيمان صاحبها بقضيته على نحو متحضر و متمدن.
3. و تأسيسا على ما سبق ، فأن الإيمان بأن رأي الآخر هو خطأ يحتمل الصواب و رأي صاحب القضية صواب يحتمل الخطأ ( و رحم الله الأمام الشافعي على هذا الموقف الحضاري المتمدن ) نقول أن هذا الإيمان يجب أن يكون حاضرا في عقول و ضمائر و لغة المتحاورين حتى لا يتحول الحوار إلى سجال مذهبي ، و يفرض هذا على المتحاورين النظر عميقا في حجج الطرف الآخر ، ليس لدحضها فحسب ، و إنما من أجل اكتشاف ما فيها من صواب قد يكون قد فات أحد الأطراف الانتباه إليه، و كذلك من أجل البحث عن إمكانات التكامل بين أوجه الصواب في كل رأي و نبذ أوجه القصور . و هذا يعني التعويل كثيرا على حسن نوايا المتحاورين، و من هنا انطلقت إشارتنا إلى أخلاقيات الحوار. بيد أن ذلك لا يعني إغفال الجوانب الإجرائية التي تخص إسلوب إدارة الحوار ، و هو ما سنناقشه لاحقا.
4. و يتكامل مع النقطة السابقة أن نقول بأن فن الحوار لا يعني إبراز قدرات المحاور الكلامية ، و هي قدرات ذات أهمية جوهرية في الحوار ، و إنما يعني و بالقدر نفسه من الأهمية فن الإصغاء الى الآخر و فهم مقاصده بحسن نية .
5. الانتباه إلى أن الحوار ليس معركة يجب كسبها و إنها يجب أن تنتهي بانتصار أحد الطرفين و اندحار الطرف الآخر، و إنما هو مسعى حضاري و معرفي على المستويين الذاتي و الاجتماعي. فعلى المستوى الذاتي هو مسعى لتنمية الأفق الفكري للمتحاورين أنفسهم، و على المستوى الاجتماعي فأن طبيعة وسائل الإعلام و سعة انتشارها تجعل من الحوار فرصة لا تقدر بثمن لتنمية الأفق الحواري لدي المشاهدين . و بهذا يكون الحوار قد صار تفاعلا خصبا و مثمرا للآراء و ليس إزاحة لرأي و إحلال رأي آخر بدلا عنه.
6. ثمة شروط لا تخص المتحاورين أنفسهم و إنما تتعلق بمن يدير الحوار و يقدمه للمشاهدين و لعل من أهمها أن يكون ملما على نحو دقيق بجوانب القضية المطروحة للمناقشة فلا يكفي الإلمام البسيط في تمكين مقدم البرنامج من التصدي لإدارة الحوار بنجاح و إضاءة جوانبه المختلفة . كما يجب على مقدم البرنامج أن يعطي فرصا متساوية و عدم مقاطعتهم إلا بعد الانتهاء من إكمال ما يريدون قوله. كما أن عليه أن يكون حياديا فلا يسمح لنفسه باستغلال موقعه لتوجيه الحوار باتجاهات يفضلها هو نفسه. و لعل هذا الشرط من أعسر الشروط و أهمها في الحفاظ على الجوهر الحواري للبرنامج . و لعله أيضا سبب إخفاق الكثير من البرامج الحوارية.
7. و من المعلوم أن إدارة الحوار يسبقها إعداد وتخطيط يقوم به معد البرنامج ، وهو قد يكون مقدم البرنامج أو شخص سواه ، و يساعده في ذلك أشخاص آخرون. كما يساعد مقدم البرنامج أثناء تقديمه على الهواء محررون مساعدون و فنيون ممن يتلقون الاتصالات الهاتفية و الفاكسات و يقوم هؤلاء بأدوار مهمة في التأثير على اتجاهات الحوار و دفعها إلى نتائج معينة قد لا تكون نتيجة لصيرورة الحوار نفسه أو لحقيقة ما يجري من مناقشة . ومن المنطقي أن نفترض أن هؤلاء لا يفعلون شيئا إلا بناء على توجيه مسبق من معد البرنامج. ولتأكيد صحة مثل هذا الاستنتاج نتذكر جميعنا كيف اكتشفنا مصادفة أن أحد مقدمي البرامج كان يعمل على نصرة اتجاه بعينه و ذلك بتنسيق الاتصالات مسبقا مع صحفي معروف بحماسه المفرط لهذا الاتجاه . و لم نكن لنعلم ذلك لولا أن الصحفي نفسه أفصح عنه في لحظة انفعال . و يقول قائل أن ذلك مما يزيد التشويق . ويمكن الرد على هذا بأن من يرد التشويق فليتصل بصحفي آخر و من الاتجاه المعاكس للغرض نفسه لا أن يأخذ اتصالات من أشخاص من بسطاء الذين قد لا يحسنون عرض قضيتهم . و من المحتمل أيضا أن يؤخذ عدد أكبر من الاتصالات الهاتفية المناصرة لرأي بعينه بغية الإيحاء بأغلبية وهمية تناصره . و هنا يصل الأمر حد التدليس و التزييف و هو ما ينال من السمة الأخلاقية للحوار.
8. و نرى أن تجنب النزعة الإستقطابية المفرطة التي تمثل ملمحا رئيسيا في بعض برامج الرأي الأسبوعية خاصة مهم للغاية لإبراز التنوع في الرأي . ففي كل قضية نجد أكثر من رأيين . فمن الضروري هجر نظرية" أما أبيض و أما أسود " الإعلامية البالية التي نعتقد أنها تتجسد في مقولة " من ليس معنا فهو ضدنا " . و هذا الأمر ممكن بإشراك ما يقل عن ثلاثة متحاورين يمثلون مواقف مختلفة . فأذا كانت القضية المطروحة تحتمل الاستقطاب فلبكن أحد المتحاورين يمثل طرفا و المتحاور الثاني يمثل الطرف المقابل على أن يمثل المحاور الثالث الاتجاه الوسطي المعتدل . هذا فضلا عن إلزام المتحاورين بضرورة التزام أخلاقيات الحوار و دعم ما يقولونه بما يتيسر من وثائق حتى لا تضيع الحقيقة في زحمة الادعاءات و الادعاءات المتقابلة و ينتهي البرنامج الحواري المشاهدون أكثر حيرة من ذي قبل.
هذه هي جملة الشروط الأخلاقية و المعرفية التي ، بحسب تقديري ، يمكن لها أن تؤسس( و ليس تبعث اليأس ) للحوار المعرفي الحضاري المتمدن الذي نأمل أن يؤثر في مختلف أطياف المجتمع على نحو إيجابي و فعال و بما يرسي دعائم ما نطمح إليه من حرية و ديمقراطية ، و هو حوار مختلف عن الكثير مما نشاهد من برامج ترفع يافطة الحوار و لكنها في واقع الأمر تزرع و " تذيع " روح التعصب و الانغلاق و الشك بالآخر و العمل على نفيه و إقصائه. وهو أمر لا أزعم أنني الوحيد الذي يعمل من أجله . بل هو الهم الأول لكثير من الكتاب و أصحاب الكلمة الطيبة .
باقر جاسم محمد
الثاني عشر من آذار 2004



#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باقر جاسم محمد - أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية