نضال حمد
الحوار المتمدن-العدد: 772 - 2004 / 3 / 13 - 09:53
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
يبدو ان ما من شيء سيمنع انضمام عدة دول أوروبية جديدة وهي بولندا وتشيكيا وهنغاريا وسلوفاكيا وسلوفينيا واستونيا وليتوانيا ولاتفيا بالإضافة لجزيرتي قبرص ومالطة، فكل الدلائل تشير الى ان هذه الدول سوف تصبح في يوم العمال العالمي الذي يصادف دائما في الأول من أيار – مايو - القادم في عداد دول الاتحاد الأوروبي. وبهذا الدمج الميداني الكبير تكون أصبحت الحدود الجديدة للاتحاد الأوروبي على الحدود بين بولندا ولاتفيا وليتوانيا واستونيا وبعض الاتحاد السوفياتي سابقا، مما يعني أن بمستطاع أي شخص أن يركب سيارته من اوسلو في النرويج حتى الحدود البولندية الروسية بدون أن يسأله أي شخص عن جواز سفره، يعني يمكنه السفر الى روسيا و عبور السويد والدنمارك والمانيا وبولندا بدون سؤال، لأن السؤال الأول سوف يكون مع التوقف الحدودي الأول على الحدود الروسية البولندية.
يصغر العالم الأوروبي يوما على يوم ويصبح أشبه بالبيت الواحد المقسم الغرف تقسيما جيدا يناسب كل سكانه، فتحت سقفه الكبير توجد الدول الكبيرة والأخرى الصغيرة ، من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا حتى لوكسمبورغ و قريبا مالطة وقبرص. هذا البيت الأوروبي يعطي سكانه امتيازات كبيرة وضمانات أمنية واقتصادية وسياسية، لذا نرى أن الدول الفقيرة في القارة الأوروبية تفعل كل ما بوسعها لقبول عضويتها في الاتحاد. وتقوم بعض الدول بالتنازل عن كثير من الأشياء مقابل نيل العضوية. وتتسابق دول أوروبا الشرقية بالذات وهي الدول الأفقر في القارة والمتخلفة صناعيا وديمقراطيا على نيل العضوية والانضمام للاتحاد.
بينما تكافح دول أوروبا لوحدتها في اتحاد واحد اسمه الاتحاد الأوروبي نرى أن الدول العربية التي تملك كل مقومات الوحدة بلا استثناء، علما أنها بلاد واحدة ذات رسالة واحدة ولغة وحدود وتاريخ وجغرافيا واحدة لا تفكر حتى بمجرد حل الخلافات فيما بينها. فمجرد النظر إلى واقع الحال العربي المزري يجعلنا نعي عمق الأزقة التي تواجه أنظمة الحكم العربية، فهذه الأنظمة جاءت الى سدة الحكم إما بالوراثة أبا عن جد أو بالانقلابات والتدخلات الخارجية والعوامل القبلية والدينية، واستمرت بفضل الوضع الدولي الذي كان بحاجة لخدماتها ووجودها على وبالشكل الذي كانت عليه. وما مشروع إدارة بوش للهيمنة على الشرق الأوسط والبلاد العربية تحت مظلة التحديث وشعار التغيير والديمقراطية سوى بداية جدية لاستئصال الوحدة العربية الموجودة في قلوب وعقول الشعوب العربية، تلك الشعوب التي تتشكل منها أمة العرب الواحدة.
إن التغيير في البلاد العربية مطلوب وكان مطلوبا يوم كانت تقف أمريكا ضده وتقوم بحماية الأنظمة التي دارت وتدور في فلكها وتحارب المطالبين بالتغيير بحجة ميولهم اليسارية او القومية. واليوم نشهد معا اكبر مسرحية احتلال أمريكي غربي صهيوني للوطن العربي، إذ تقوم إدارة بوش بكتابة السيناريو والإخراج وتحتكر دور البطولة لكن مع إعطاء ادوار أساسية وأخرى عابرة أو قصيرة لبعض الدول الدائرة في فلك الإمبريالية الأمريكية المتجددة، ومن تلك الدول الكيان الصهيوني وبريطانيا وبولندا وأسبانيا وايطاليا وتشيكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا وحتى أوكرانيا وفي بعض الأحيان روسيا الاتحادية. هذا المشروع الأمريكي هو بالأساس مشروع صهيوني يريد الهيمنة على بلاد النفط والسيطرة على منابع المياه العذبة في شرق المتوسط. ومن ثم التحكم بسوق العمل حيث سيصبح العرب عبيدا يديرون أعمال الاستعمار الأمريكي الصهيوني. لكن هناك عقبة قد تقف بوجه الطموحات الامريكية وهي الاتحاد الاوروبي الصاعد والذي لا ينسجم في كل شيء مع الامريكان والصهاينة، وهناك عدة دول في الاتحاد وعلى رأسهم فرنسا التي تملك وجهة نظر ورؤية خاصة للمنطقة العربية وللتعاون الأوروبي العربي. وحتى ان الموقف الفرنسي يعتبر سياسة إسرائيل عقبة حقيقية بوجه السلام، وهناك المواقف الشعبية الأوروبية التي ترفض سياسة أمريكا وإسرائيل وتقف ضدها ، وهذه المواقف الشعبية تعتبر دعما وسندا قويا لتوجه فرنسا وحلفاؤها في الاتحاد.
إذن هناك فرق بين مواقف الأنظمة الأوروبية والنظام الأمريكي مع حليفه الصهيوني وبين مواقف الشعوب الأوروبية من جهة أخرى. لذا علينا كعرب عامة وكفلسطينيين خاصة استثمار حالة التضامن والتعاطف والموقف الشعبي الأوروبي لما فيه خير قضايانا ومصالحنا القومية. وعلينا الترحيب بمواقف الشعوب الأوروبية الرافضة لاحتلال العراق و التي رفضت الحرب سابقا الحرب على بلاد الرافدين وخرجت بالملايين تندد بها وبالإدارة الأمريكية وتعلن دعمها وتعاطفها مع الشعب الفلسطيني. هذه الملايين هي التي تعرض قسم منها في العاصمة الأسبانية مدريد لعملية دموية لا ندري من يقف وراءها بالرغم من اتهام الحكومة الأسبانية لمنظمة آيتا الانفصالية في اقليم الباسك، وكذلك بالرغم من رسالة منظمة القاعدة التي تبنت فيها المسئولية عن العملية. هذا النوع من القتل الجماعي يمس الأبرياء من المدنيين الذين قال قسم كبير منهم لا للحرب ، لا لأثمار ، لا لبوش ولا لشارون. هذه العملية مدانة ومرفوضة ولا يمكن تبريرها لأنها تصب في مصلحة الذين يؤيدون حرب بوش وتبعية الحكومة الأسبانية الحالية.
تعرضت أسبانيا لهذه الهجمة الدموية وهي على أعتاب الانتخابات و، وبنفس الوقت جاءت الهجمة في مدريد وأوروبا على أعتاب استقبال أعضاء جدد في الاتحاد الأوروبي، مما يعني ان هناك توجه عند الذين يقفون وراءها لتصعيد أعمالهم في المنظور القريب، وهذا يدل على أن ربيع أوروبا قد يكون حاميا وساخنا جدا هذا العام. ففرنسا اتخذت احتياطات أمنية كبيرة تحسبا وتخوفا من وقوع عمليات مشابهة على أراضيها. في ظل هذا الوضع الجهنمي وعبر القاء نظرة سريعة على الدول التي ستكسب العضوية في الأول من مايو أيار القادم ، نجد أن معظمها من دول الأنظمة الاشتراكية سابقا والأنظمة التابعة لأمريكا لاحقا وحاضرا. ولهذه الدول مواطنون هاجروا الى الكيان الصهيوني وبحسب القوانين فان بامكان هؤلاء الحصول على الجنسية الأوروبية الموحدة، أي جواز السفر الأوروبي، فالدستور الأوروبي ينص على أن الجواز الأوروبي يمنح لمواليد وأحفاد مواليد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حتى إذا كانوا لا يقيمون في تلك الدول بعد. وهذا يعني من ضمن ما يعنيه أن قرابة مليون يهودي إسرائيلي أي ما نسبته 20% من يهود إسرائيل يستحقون الحصول على جواز السفر المذكور. ومعروف أن الجواز الأوروبي يمنح حامله امتيازات كثيرة منها ما يتعلق بالسفر والتعليم والعمل داخل القارة الأوروبية. وقد بينت نتائج الاستطلاعات أن معظم الإسرائيليين( 85%) يؤيدون انضمام كيانهم الى الاتحاد الأوروبي لأسباب اقتصادية، بالرغم من اتهامهم للاوروبيين بمعاداة السامية. كما هناك اهتمام من المسئولين الإسرائيليين بالأمر، لكن الاتحاد يرفض ذلك الأمر و بنفس الوقت يبدي حرصه على معاملة إسرائيل معاملة الجار المميز.
أوروبا مقبلة على عملية ضم كبيرة سوف تربك ساحتها الداخلية سياسيا وسوف تكون بالتأكيد معززة للتوجه المتأمرك والمتصهين داخل الاتحاد الأوروبي ، لأن معظم الدول الجديدة التي ستدخل الاتحاد في أيار المقبل تعتبر دولا خفيفة تدور في فلك الصهيونية العالمية والإدارة الأمريكية. هذه العملية التوسعية بالتأكيد سوف تكون ضارة للقضية الفلسطينية وللقضايا العربية.
#نضال_حمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟