|
هل يمكن التخلص من -ثقافة الشماعة-؟
أحمد سوكارنوعبد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 2513 - 2009 / 1 / 1 - 04:27
المحور:
الادارة و الاقتصاد
عندما انهارت الصروح الاقتصادية فى أمريكا وأوروبا لم يتردد المسئولون فى الاعتراف بالأزمة الاقتصادية التى تعانى منها بلادهم وتضافرت القوى والأحزاب السياسية لإيجاد حلول لوقف النزيف الحاصل فى مجال الرهن العقارى والانهيار غير المتوقع فى سوق المال. كان من السهل إنكار الأزمة برمتها أو التقليل من أهميتها أو حتى محاولة تعليقها على "شماعة". لقد أوضحت لنا هذه الأزمة أن الوسيلة التى تتخذها الدول المتقدمة لمواجهة المواقف الصعبة هو الاعتراف بالأزمة والعمل على تشخيصها تشخيصا جيدا بهدف التوصل للأسباب التى أدت إليها ثم البحث عن الحلول المناسبة لها. أما نحن فلقد اعتدنا على ألا نسمى الأشياء بأسمائها فالهزيمة الحربية نكسة والهزيمة الرياضية تمثيل مشرف والفوز بميدالية برونزية انجاز عظيم والانهيار الاقتصادى كبوة. من الممكن أن نتفهم مثل هذه المصطلحات التى تهدف إلى تخفيف الواقعة ولكن ما لا نتفهمه هو أن ثقافتنا تعتمد على عدم الاعتراف بالأخطاء إذ لم نعتد على تحمل المسئولية حيث نبحث دائما عن شماعة تعلق عليها الأخطاء. كلنا يعلم أن المسئول لا يمكن أن يعترف بخطئه أو حتى بخطأ مرؤوسيه. فعندما نواجه مسئولا بأخطاء مرءوسيه نجده يبادر بنفى الواقعة أو يبادر بإبعاد الشبهات عن مرءوسيه إذ أنه على قناعة بأن أخطاء المرءوس قد يتحمله الرئيس وبالتالى فإن إنكار الواقعة يعد نوعا من الأساليب الدفاعية لدرء الخطر عن شخصه حتى يظل محتفظا بمقعده. وأحيانا يندفع المسئول مؤكدا أن القرارات التى أصدرها جاءت بناءا على توجيهات فلان الفلانى وهذا فى حد ذاته يعتبر محاولة يائسة للتنصل من المسئولية فى حالة إذا ما تبين وجود خلل فى هذه القرارات. من المؤكد أن إصرار مسئولينا على عدم الاعتراف بالخطأ قد انتقل تدريجيا للمواطن العادى. لقد دأب المواطن المصرى والعربى على عدم الاعتراف بالخطأ وفى الكثير من الأحيان يكون دافعه لذلك هو تجنب العقاب النفسى أو البدنى وإراحة الضمير بأنه لم يرتكب الخطأ بل الآخرون هم السبب وعليهم تحمل مسئولية النتائج المترتبة عليه. أذكر أن احد الزملاء كان يسير بجانبى ذات مرة ثم فجأة توقف عن السير قائلا: لقد دفعتنى إلى أن أنسى حقيبتى فى المنزل. تمعنت العبارة التى نطق بها حيث أدركت أنه لم يقل "لقد نسيت الحقيبة" بل اكتفى بإلقاء اللائمة على رفيقه مريحا بذلك ضميره ومبرئا ساحته.
الغريب أن هذا الأمر يتجلى فى مجال الرياضة حيث يسارع مدرب الفريق المهزوم إلى إلقاء اللوم على الحكام أو الملعب أو نقص الأكسجين وبالتالى يخلى مسئوليته عن الهزيمة ولا يلتفت إلى الأسباب الحقيقية التى تتمثل فى النواحى الفنية والبدنية. لقد ذهب الأهلى إلى اليابان تسبقه آمال وأحلام الجماهير العريضة التى تتوقع انجازا أكثر من ذلك الانجاز الذى تحقق فى العام الماضي حيث حصل النادى الأهلى على المرتبة الثالثة فى كأس العالم للأندية غير أن الجماهير أصيبت بخيبة أمل بعد أن لقى الفريق هزيمتين متتاليتين من فريقين أحدهما مكسيكى والآخر استرالى. من المعروف أن الهزيمة أمر طبيعى فى عالم الرياضة ولا نتوقع أن يفوز فريق على طول الخط. ما لم نتوقعه هو ذلك التصريح الغريب الذى صدر عن مانويل جوزيه عقب هزيمة فريقه أمام اديليدا الاسترالى. لقد حمل جوزيه الإعلام الرياضى مسئولية الهزيمة فى هذه المباراة أى أن النقد الذى وجه إلى اللاعبين كان له أكبر الأثر فى إحباط اللاعبين. وفى الواقع فإن هذا التصريح غريب لأنه يبعد المسئولية عن الجهاز الفنى واللاعبين ويثير عدة تساؤلات: إذا كان الإعلام له هذا التأثير القاتل على نفسية لاعبيه فلماذا لم يفرض عليهم حصارا يجنبهم الاطلاع على الآراء السلبية؟ ولماذا لم تتأثر الفرق المنافسة التى تناولتها أجهزة الإعلام فى بلادها بالنقد؟ لا شك أن الحقيقة التى لا يحب أن يعترف بها الجهاز الفنى هى أن تحليل نتائج الفريق فى المباريات المحلية تبين لنا أن الأهلى قد انهزم قبل أن يصل إلى اليابان حيث انهزم من الشرطة وتعادل بصعوبة مع انبى وهذا لم يكن كافيا لجذب انتباه المدرب للخلل الدفاعى الذى يعانى منه الفريق.
والخلاصة أن أحوالنا لن تنصلح فى المجالات المختلفة إذا لم نتخلص من "ثقافة الشماعة" وندرك جيدا أننا لا يمكن أن نتعامل مع الأزمات على اختلاف أنواعها إلا من خلال الاعتراف بها وتشخيصها والتعامل مع الأسباب الحقيقية التى تؤدى إليها.
#أحمد_سوكارنوعبد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بلومبيرغ: ماليزيا تقدم نموذجا للصين لتحقيق نمو مستدام بنسبة
...
-
توقف بطاقات مصرف -غازبروم بنك- عن العمل في الإمارات وتركيا و
...
-
السعر كام النهاردة؟؟؟ تعرف على سعر الذهب فى العراق اليوم
-
الاحتياطي الفدرالي: عبء الديون يتصدر مخاطر الاستقرار المالي
...
-
الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد
-
صندوق النقد يرحب بالإصلاحات المصرية
-
مدفيديف: الغالبية العظمى من أسلحة العملية العسكرية الخاصة يت
...
-
-كلاشينكوف- تنفذ خطة إنتاج رشاشات -آكا – 12- المطورة لعام 20
...
-
إيلون ماسك يحطم الرقم القياسي السابق لصافي ثروته.. كم بلغت ا
...
-
اتهامات أميركية لمجموعة أداني الهندية بالرشوة تفقدها 27 مليا
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|