|
حصريا بالمغرب:- شهادة الإعفاء من الشواهد الجامعية العليا-
سعيدي المولودي
الحوار المتمدن-العدد: 2511 - 2008 / 12 / 30 - 03:23
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لعله صار من باب المألوف أن نسمع ونتداول في شؤوننا العامة السياسية والاجتماعية لفظة الإعفاء ومتعلقاتها الممكنة، ضمن سياقات متعددة، كالإعفاء من التجنيد أو أداء الخدمة العسكرية، أو الإعفاء الضريبي أو الإعفاء من الرسوم الجمركية أو ما يجري مجرى هذه الأمور، غير أن الحكومة المغربية الحالية ـ نفعنا الله ببركتها ـ بادرت في الآونة الأخيرة إلى توسيع دائرة مجالات دال الإعفاء ليكتمل له تمام النفوذ، إذ تضمن المرسوم رقم 2.08.12 بتاريخ 30 أكتوبر2008، وفي المادتين الرابعة والخامسة منه ( الجريدة الرسمية عدد 5689 بتاريخ 08 دجنبر 2008)، وجها آخر للإعفاء هو الإعفاء من الشهادات الجامعية العليا، وهو وجه يجسد في الحقيقة امتدادا لمأزق الحكومة المغربية السابقة التي لعبت دورا رائدا في كيمياء البحث عن منافذ غير شرعية لبناء منظور ملتبس وصياغة حلول عبثية لقضايا الأساتذة الباحثين ومطالبهم الملحة، والغلو في اختزال أوضاعهم في متغيرات مشوشة تكرس التمييز وعدم الإنصاف، وتفرض انحيازا صارخا لفئات أو عينات محددة في أوساط الأساتذة الباحثين وتقديس دورها على نحو يقود إلى تكريس قيم عدم المساواة وشرعنة مظاهر الحيف والجور البائن وإلغاء قيم المواطنة. وقد اتجه مراس الحكومة المغربية ومهارتها التشريعية نحو اعتماد نظرة أحادية لتبرير اهتمامها بالتعليم العالي وأوضاع الأساتذة الباحثين، وخلق شروخ داخل مدارات حقوقهم وواجباتهم، وعملت على تحقيق هدفها بأساليبها الخاصة المعروفة في هذا الباب، بحيث ظل التركيز على إفراغ حقل التعليم العالي من مقوماته الصغرى والكبرى،وإلغاء قيمه الرمزية، وتدمير منطقه الخاص إحدى أبعادها البارزة. واختارت الحكومة المغربية عبر المرسوم المذكور حقائق سوداء وضعتها فوق القوانين الجاري بها العمل، وخارج نطاق المجال التشريعي والتنظيمي في حقل التعليم العالي، أقواها "الإعفاء" من شهادة التأهيل الجامعي، وهي شهادة عليا بعد الدكتوراه، بمثابة اعتراف بما يتوفر عليه حاملها من أهلية علمية لتوجيه أعمال البحث والإشراف عليها وتنسيقها وإنجازها، وتمنح الشهادة بعد إعداد ملف علمي يتم عرضه على لجنة علمية تتولى مناقشته وتقييم أعمال المترشح وتقدير كفاءته،أي أن الأمر عمليا يتعلق بمجهود علمي، وبحث يراعي الضوابط المنهجية والمعرفية والأكاديمية، ومطابق لها،لكن يبدو أن هذه الخاصية مصدر قلق للحكومة المغربية، لذلك هيأت فرصة الإفلات من حتميتها وشرعت بدلها "شهادة الإعفاء" من هذا الوجع العلمي وما يتصل به، لتبدد وهم قوة ومركز الشهادات الجامعية وما تحبل به من معان أوحمولات دلالية تضعها الحكومة المغربية بإجرائها خارج الوضع الاعتباري للبحث العلمي والأستاذ الباحث، وتعرب بوضوح عن عدم اكتراث مقصود بمصداقيتها، ومن هذه الزاوية فإن الأهلية أو الكفاءة العلمية لتوجيه أشغال البحث وإنجازها إنما هي عبء خالص، وإن أفضل أستاذ باحث ينبغي إعفاؤه من وطأة هذا العبء، لأنه لن يزيده إلا متاعب لنفسه، في طريق سعيه للوصول، ولأن الوصول في ملة الحكومة المغربية واعتقادها خير وأبقى، فإن ذلك يبرر تحويل كل القيم الأكاديمية إلى لهو تفقد بموجبه تلك الأهلية والمؤهلات العلمية جاذبيتها لأنها عمليا تحول دون سعادة بعض الأفراد السريعة. ولأن الحكومة المغربية ديمقراطية بما فيه الكفاية،حد العماء،ومن منطلق اعتبارها إطارا صانعا وراعيا للامتيازات، فإنها قررت أن تكون شهادة الإعفاء من شهادة التأهيل الجامعي حكرا على فئة معينة ومحددة من الأساتذة الباحثين، بدل أن تبقى عامة ومفتوحة ليستفيد الجميع من آثارها،وهي مجانية وإجبارية لهذه الفئة وحدها ودون سواها، أما الفئة فهي".. الحاصلون على شهادة معترف بمعادلتها للدكتوراه.." والصيغة التحديدية والاستثنائية هنا ليست في مأمن من النقد، إذ أن الحاصلين على الدكتوراه ليسوا معنيين إطلاقا بالقيمة النفعية لشهادة الإعفاء هذه، بينما الحاصلون على شهادة معترف بمعادلتها لها هم المعنيون بفعل الامتياز و الاستثناء. ويقودنا هذا الإجراء إلى مفارقة مدهشة تضعنا أمام كون واجتهاد تشريعي خاضع من أوله لآخره لميكانيزمات غير متجانسة تضع العلاقة بين "الأصل" و"الفرع" على طرفي نقيض، فالدكتوراه "الأصل" الذي يبنى عليه، وتتأسس على وجوده قيمة الشهادة ـ"المعادل"،لا يحظى بحق سريان هذا الامتياز، بينما "الفرع"الذي يستند وجوده إلى هذا الأصل استنادا ثابتا يتفوق على أصله ويختص بهذا الامتياز، وبذلك تمنح الحكومة المغربية هذا "الفرع"،في الواقع، وسيلة ناجعة أو فرصة فريدة للتخلص من تبعيته أو مجاورته للأصل،وتتولى تمكينه من استقلالية تجعله في موقع ابتعاده وفقدانه لأية صلة تصله به، مما يمنحه وزنا وقيمة وسلطة أقوى منه، وكأن دور المعادلة هنا هو دعم القوة التي تحظى بها الشهادة ـ"الفرع"، وإضعاف قوة الشهادة ـ"الأصل"ورمزيتها. هكذا تبدو الحكومة المغربية الحكيمة، وكأنها تنصب نفسها عدوة للأصل إذ ترتفع بالشهادة ـ"الفرع"،وتسمو بها لتملي إرادتها على الشهادة "الأصل"،وهذا إجراء خطير على المستوى التشريعي، إذ أن المعادلة لا يترتب عنها من الوجهة القانونية،ومن منطلق القواعد العامة إعفاء الشهادة ـ"الفرع"من الخضوع للشروط والضوابط التي تخضع لها الشهادة ـ "الأصل"،ولا تمنحها في الوقت ذاته مؤهلات علمية أو أكاديمية أو قدرات فنية تتميز وتتفوق بها على هذا الأصل. ينجم عن هذه المفارقة الغريبة أن"الحاصلين على الشهادة المعترف بمعادلتها للدكتوراه" سيتم منحهم إطار أستاذ مؤهل، بدون شهادة التأهيل الجامعي بطبيعة الحال، أما حاملو الدكتوراه ـ"الأصل"، فهم مجبرون بقوة القانون للخضوع للضوابط والإجراءات واتباع الخطوات العلمية الضرورية للحصول على شهادة التأهيل الجامعي، هكذا تطورت الشهادة ـ"المعادل" بفعل الإعفاء لتصبح إطارا يمتلك قوة وسلطة وكمال البحث العلمي والأكاديمي،وتحمي صاحبها من عناء المساطر وإعداد ملف التأهيل الجامعي وقوة القانون، كما تنهض بفعل إلغاء الشهادة ـ"الأصل" التي لم تكن غير أداة من بين أدوات أخرى وظفت لخدمتها وصناعة مجدها. لا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن "الحاصلين على شهادة معترف بمعادلتها للدكتوراه" يسمح لهم باجتياز مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي، دون الإدلاء بشهادة التأهيل الجامعي التي هي إحدى الشروط الأساسية الواجبة لاجتياز هذه المباراة،فهم معفون من هذه الشهادة بينما الحاصلون على الدكتوراه مطالبون بالإدلاء بها.وهذه إجراءات كلها معادية لـ"الأصل"في ما يبدو، وتسيطر عليها إرادة اللامبالاة واللامسؤولية تجاه التعليم العالي وآفاق البحث العلمي وتطوير القيم المعرفية والأكاديمية ببلادنا. إن الانحرافات التي تتضمنها المواد المشار إليها في المرسوم المذكور، لا تسهم في الحقيقة إلا في مجال تنمية الميز وتوسيع دائرة سياط التجاوزات وعدم الإنصاف وتغييب قيم العدالة، وقد يكفي الحكومة المغربية الحالية فخرا أنها أضافت إلى نظام الدراسات والامتحانات لنيل الشهادات العليا والدرجات والألقاب العلمية والشروط والإجراءات المتعلقة باعتمادها وتحضيرها وتسليمها شهادة فريدة هي " شهادة الإعفاء من شهادة التأهيل الجامعي"،وهي،بالتأكيد، إضافة كمية ونوعية في مجال التعليم العالي، باعتبارها اعتداء صارخا على حقوق الأساتذة الباحثين ومكتسباتهم، واعتداء مبيتا على جانب من أثمن جوانب التعليم العالي هو البحث العلمي.
#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترقية الأساتذة الباحثين و-الشبكة العنكبوتية-
-
دلالات المكان في مجموعة - قمر أسرير- للشاعر محمد علي الرباوي
-
عيون(6)
-
عيون(5)
-
عيون(4)
-
عيون(3)
-
عيون(2)
-
عيون
-
القيامة (تقريبا)
-
الخوف
-
لقاء
-
ولاء
-
الضاحية
-
الثلاثة
-
الشجرة
-
النفس غير المطمئنة
-
فصول المودة القديمة
-
حالة شبه خاصة
-
تكوين
-
الولدعديشان
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|