حيدر وسم
الحوار المتمدن-العدد: 2511 - 2008 / 12 / 30 - 03:26
المحور:
الصحافة والاعلام
تشهد المحطات التلفزيونية العراقية حالة من اللا وعي المهني تجلت بالإنفراد الإداري والتأطير الحزبي والإنحياز الخبري والطرح الضبابي والنفاق السياسي والسحاق الفكري عدا هذا وهي المسألة الأهم , العاملين بهذا الوسط الهلامي , فمؤخراً أصبح إسراف الضرر بالمهنيين الحقيقيين وهم كينونة وصيرورة محطاتهم كبير جداً وسأطرح عبر محاور بعض الظواهر التي تفشت بصورة إنفلونزية داخل السلطة الرابعة .
العقود الإذعانية
في أغلب المحطات التلفزيونية الفضائية منها والأرضية نجد إن العقود المبرمة بينها وبين موظفيها هي من نوع أحادية النفع المادي فبنود العقد تسلب المهني كل شئ وقته , راحته , مشاركته , تطلعاته , علاقاته الإجتماعية , وحتى كرامته فالعقود تقر بأن الطرف الأول (المحطة التلفزيونية ) له جميع الحقوق حتى خاصة وإن أرادت الإستغناء عن أحد كوادرها فيكون أسرع من البرق وإذا رغب الطرف الآخر ( المهني ) بالإستقالة فعليه بالإبلاغ قبل شهرين أو شهر على الأقل وما من يحق يمتلكه سوى مرتبه الشهري هذا في حال عدم شموله بعقوبة جماعية فيقتطع من مرتبه عدا شروط جزائية أخرى قد تنهي حياة المهنية فقد أقدمت إحدى الفضائيات على وضع شرط جزائي في حال فسخ العقد مبلغ ( 15000 $) خمسة عشر ألف دولار وهذا المبلغ كبير إذا إعتبرنا متوسط المرتب الشهري هو ( 500 $ ) شهرياً ونضربها بــِِ 30 شهر فيكون الناتج عمل لثلاث سنين ونصف .
الوقت
يكون أسلوب الدوام في المحطات التلفزيونية بصيغة رسمية عسكرية فيطلب من المهني أن يتواجد ( 8 ) ساعات يومياً إبتداءاً من الساعة ( 8 ) صباحاً وحتى الساعة ( 4 ) مساءاً وأي تأخير صباحي يقتطع من المرتب الشهري وأي تأخير فلا أجر إضافي حتى لو كان مبيت لصالح إتمام العمل هذا مع مواصفات سكن رديئة .
العبد والسيد
في كل محطة تلفزيونية توجد هناك مديريات وأقسام فاعلة وأخرى ساندة , أما الفاعلة فهي التي تضم المخرج , المصور , المونتير , محرر الأخبار , المحرر الصوري , المراسل , مهندس الإضاءة . أما الساندة وهي التي تعمل إسناد العملية الفنية من العلاقات , الهندسة التقنية , الإدارة والمالية , الأرشيف , فمثلاً العلاقات يستند عملها على إستحصال الموافقات الرسمية للتصوير دون أي عقبة فتعمل على تذليل المصاعب ودون عرقلة وعلى هذا الأساس تكون الدوائر الساندة بخدمة الدوائر الفاعلة , إذاً لماذا يعامل أفراد الدوائر الساندة معاملة السيد ولماذا يعامل أفراد الدوائر الفاعلة معاملة العبد ولماذا أجر الساندة أعلى من أجر الفاعلة .
الإدارة العامة
أغلب المحطات التلفزيونية حالياً إما تمثل حزب أو دين أو طائفة أو قومية أو معارضة وعلى هذا الأساس لا يغامر أصحاب تلك المحطات بوضع شخص مختص لإدارة جهازها الإعلامي لا يتبنى توجهاتهم المهم عندهم الولاء المطلق فقط حتى وإن لم يمتلك المؤهل الأكاديمي وإن لم يمتلك ممارسة في الوسط الإعلامي بكل تفرعاته المهارية , فيكون المدير في وادٍ والكادر الفني في وادٍ آخر عدا بطانته بطبيعة الحال وتبدأ المشاكل أولاً بإثبات شخصيته بالعقوبات الجماعية لكل وحدة في معسكر المحطة حتى وإن كان على حساب العمل الفني كما إن المدير يكون شديداً بفرض ساعات العمل بصورة عسكرية مقيتة ولا غرو بذلك فهو لا يفقه معنى كشف الموقع بالنسبة للمخرج ويعتبره إضاعة للوقت كما يحلو له أن يعبر , فالموظف يجب أن لا يضيع أي دقيقة من الوقت حتى فترة الغداء يجب أن تستغل بمناقشة أمور العمل ومن يقف أمامه ليوضح له عملية الخلق الإعلامي فمصيره إنهاء خدماته ذلك لتذكيره بفشله هذا عدا حصر صيرورة دفة العمل إلا من خلاله ليجعل من ذاته المحور وهناك حالة مكارثية تعاني منها المحطات بسبب إدارتها المتخمة بالنرجسية المتأتية من تصنيم بطانته له .
نقص الكادر الفني وتعدد المهن
إن المحطات التلفزيونية ذات الميزانية المحدودة لا تستطيع بطبيعة الحال تسديد المبلغ المصروف للبرامج ومرتبات الموظفين لكون الوسائل الإعلامية بشكل عام محرقة وقودها المال فتتخذ إجراءات بديلة من تقليص عدد كادرها الفني وإزدواجية الحرف الفنية ولا تستعن بمهن تعتقدها ثانوية مثل مساعد مخرج أو مساعد مصور أو مهندس إضاءة أو حتى مصمم ديكور وهذا خطأ كون المساعدين للمخرج والمصور هما الخط الرديف للمحطة كما إنه ورقة رابحة تراهن به في أيام المد والجزر بالنسبة للإختصاص الدقيق أما هندسة الإضاءة فترما على كاهل المصور أما إزدواجية الوظيفة فيتحمل العبء الأكبر هو المهني رغم ما فيه من فوائد ذات مردود مهاري فيتقن أكثر من مهنة معينة فيكون محصناً بمعرفة موسوعية وكل هذا دونما إجور إضافية وفي بعض الأحايين يكون المردود السلبي أكثر على المحطة ذاتها حينما يقوم الذي يحترف أكبر عدد من المهن بـ لي أذرع المحطة بطلبها أجر عالي لا يتناسب وعروضها فتكون المحطة أروع مركز تدريبي له ويذهب لأي محطة يشاء .
الدخلاء
وهم آفة الوسط الإعلامي والفني على حد سواء وأكثر موضوع يثير الجدل فلا يمتلك الدخيل أي مؤهل أكاديمي أو إكتسابي أو عن طريق المحسوبية فهناك من هو سائق أو ساعي بريد أو سكرتير تروقه مهنة الإخراج على سبيل المثال فمن خلال الذين يتعكز عليهم يصل لما يرومه وهو لا يفقه أبجديات العمل الفني فيترك المصور يعمل ما يحلو له لجهله بعناصر العمل الفني وجمالياته فهو لا يعرف زوايا التصوير ولا أحجام اللقطات حتى المهم لديه متى ينهي المصور تهيئة الكاميرا كي يصرخ بتلك العبارة والتي طالما حلم بإطلاق سراحها المشروط من فمه إلا وهي ( كــيـــو ) .
التكتلات
أضحى من المتعارف في المحطات التلفزيونية وجود كتل تسقط أحدها الأخرى فمن كتلة المدير العام وكتلة المرشح للإدارة مستقبلاً وكتلة ثالثة وهي الرابحة تعمل لصالح الكتلتين , والتسقيط الإعلامي والفني يكون من خلال التشهير بمستواه الفني والإعلامي أو بمستوى النزاهة الإدارية والمالية والأخلاقية أما المهني الجديد فعليه منذ البدء تحديد مستقبله بأي عصابة يرغب .
محطات تلفزيونية أم مافيات
شهد منتصف عام 2006 وما تلاه إتفاقية نازية بين ( 7 ) محطات تلفزيونية فضائية نصت على عدة بنود منها تشريع الإحتكار الإعلامي وتبادل والتبادل النفعي إلا إن هناك بند أشبه بالبند السابع المفروض على العراق يحول دون إنتقال أي شخص من الفضائيات الموقعة على الإتفاقية إلى الأخرى بعد جلبه براءة ذمة من الفضائية السابقة التي كان يعمل بها حتى تضمن تسيير الإتفاقية دون خروقات للبنود المتفق عليها والمضحك بالأمر نصت بأحد بنودها على توحيد راتب المهني بين الموقعين حتى لا يطمع بتحسين وضعه المعيشي بالإنتقال , فهو مقيد بقوانين لم يصوت عليها ولم يرى بنودها ويذهل حال السماع بها فـمبارك لمافيات المحطات التلفزيونية .
موعد البث معيار المصداقية
يبقى كل من صور ببرنامج تلفزيوني بإنتظار رؤية نفسه على الشاشة كما يخبر أهله وأصدقائه ومحبيه ويبقى في حالة ترقب للموعد المبلغ به أو لعلمه من خلال التنويه للبرنامج التلفزيوني عدا مطالبته بنسخة قرص ليزري فيفاجأ بتغيير موعد البث هذا إن عرض بسبب إدراج لقاء سياسي على قائمة منسق البث تأتيه عادة قبل ساعة على الأكثر أو مؤتمر صحفي مباشر للبرلمان ومسؤول كبير المستوى , وهذه ورثها التلفزيون العراقي منذ أزل الموجات الطولية والعرضية والترددات الأفقية والعمودية مما يسبب إحراجاً للمحطة وفقدانها مصداقيتها وجمهورها ويتناقصان شيئاً فشيئا حتى تـُلغى من قائمة جهاز المستقبل Receiver .
التحييد
في هذه المحطات نرى ونسمع وأحياناً نشتم نتانة المواضيع المجوفة والخلافية والعاقرة فالمؤيدون للمحور المطروح نشاهد ربيعية الإستعراض والرافضين يتناولونه بإستعراض خريفي ولا تجد للوسطية مأوى لها بين الإثنين ولا حيادية بل تحييد للموضوع المفصلي أو المجوف على حد سواء وهو بحد ذاته غباء إعلامي فنسبة السذج بين المشاهدين قليلة جداً وتصل حد الشحة لكون الطرح المباشر الذي تتبناه هذه المحطات لا يجدي نفعاً كذلك التعبوية وأحادية التأويل والمشاهد عادة يود أن يرى غالبية الآراء الطرفين ورأي الحياد فيعمل تناصاً فكرياً ويخرج بحصيلةٍ مجدية يفرزها وعيه لا التأويل الآحادي والتعبوي .
#حيدر_وسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟