عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)
الحوار المتمدن-العدد: 2509 - 2008 / 12 / 28 - 07:12
المحور:
القضية الفلسطينية
يبدو أننا سنصل إلى صبيحة يوم التاسع من كانون الثاني دون اتفاق أو وفاق أو تفاهم سيبزغ فجر التاسع من كانون الثاني 2009 والوطن بات أوطانا والشعب بات شعوبا وحكاية الحدود والمعابر لم تعد أزمة فلسطينية مع الاحتلال بل هي أزمة فلسطينية فلسطينية و فلسطينية عربية, سنصل ذلك اليوم والوطن ممزق حتى النهاية وللضفة الغربية قضايا تختلف كليا عن القضايا التي تخص قطاع غزة ومنها قضية المستوطنين والاعتداءات المتكررة معهم ليبدو جيش الاحتلال للعالم بمظهر الجيش الحكم أو ليتم تقاسم الضفة الغربية هذه المرة مع المستوِطنين وبدل أن يفاوض رئيس السلطة الفلسطينية وحكومته أو رئيس منظمة التحرير ولجنته التنفيذية حكومة الاحتلال سيفاوض إدارة مجلس المستوطنين وبدل أن نتفاوض على حدود الضفة الغربية سنتفاوض على حدود كريات أربع وعن طرق المستوطنين في الخليل وبدل الحديث عن معبر الكرامة سيكون الحديث عن معبر برطعة والجلمة وقلنديا وغيرها وغيرهاِ.
إن لم نتمكن من اختراق جنوننا والعودة للعقل فنحن إذن ذاهبون إلى تاريخ جديد لاستقلالات فلسطينية متعددة ما دامت القضايا والظروف متعددة, في غزة سنفاوض على الوقود والطحين والسلع الغذائية والدواء وسفر الطلبة والمرضى وسينتقل صراعنا من الاحتلال إلى مصر رغما عن انف مصر وبدل أن تكون الأزمة في التحرير أو حتى في معبر كارني ستتحول إلى معبر رفح وبدل أن يظل الاحتلال المسبب الوحيد للكارثة سيسعى البعض لجعل مصر تبدو كذلك وستكون التهدئة هي العنوان مع الاحتلال وسنختلف مع بعضنا على التهدئة أو عدمها وعلى حماس أن تحذر من الوقوع في الفخ لتتحول هي نفسها للقيام بما تعرضت له من غيرها أيام المقاومة من اعتقال وملاحقة, فهي إن لم تدرك الطريق وتعود إلى حقيقة أن الشرعية تأتي من وحدة الشعب والوطن فستقاد شاءت أم أبت إلى تكريس الانقسام وبالتالي إلى الانشغال بقضايا جانبية ستعفي الاحتلال من جريمته وستؤسس إلى إنهاء القضية الوطنية الفلسطينية كقضية شعب تحت الاحتلال.
ذلك أيضا ينسحب على الضفة الغربية فكل ما يبدو اليوم أن الضفة الغربية تعيش حالة من بحبوحة العيش الكاذبة ويجري الحديث عن مشاريع بالمليارات هنا وهناك دون أن يتذكر احد قطاع غزة بشيء وتطل أفعى المستوطنين برأسها بشكل يبدو تلقائيا وعاديا وكأنه صراع طبيعي بين أناس يتقاسمون نفس الأرض ومنذ اليوم تخرج أصوات عن دور جيش الاحتلال في لجم المستوطنين والذين يسافرون من نابلس وجنين وطولكرم إلى رام الله ينتظرون وجود سيارات جيش الاحتلال لينعموا بالأمان, تلك كارثة ابعد ما تكون عن العفوية وهي ستقود حتما إلى قيام جيش الاحتلال بخلق حل لازمة نعاني منها نحن ويظهر بمظهر الحامي أو بمظهر المحايد وعلى قيادة الشعب الفلسطيني أن تعلم أن ذلك سيقود إلى تكريس الحلم الصهيوني بتقاسم الضفة الغربية بيننا وبين المستوطنين والقبول بدور جيش الاحتلال كمحايد أو كقوات حفظ سلام في الضفة الغربية.
ما الذي سيحدث إذن إذا ركب الجميع رأسه ولم نصل إلى حل قبل يوم التاسع من كانون الثاني ووجدنا احمد بحر يعلن نفسه رئيسا انتقاليا للسلطة الوطنية الفلسطينية ويعتبر نفسه بناء على نصوص القانون الأساسي الرئيس الشرعي, والمسافة ييننا وبين ذاك التاريخ ليست بعيدة على الإطلاق وهي لا تحتمل إحداث اتفاق تقليدي بل بحاجة إلى هزة حقيقية كان يتوجه الرئيس عباس إلى قطاع غزة علنا للقاء قادة حماس ونقل الحوار إلى الوطن بعيدا عن البروتوكولات والكاميرات ومراسم الجلوس والقيام وشكل الكراسي ومكانة الأشخاص والمسميات, بدل ان يتوجه إلى مكة لأداء فريضة الحج والدعاء والاكتفاء بالدعاء إلى الله بتحقيق الوحدة فالله سبحانه وتعالى قال " فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" فقد كان الأجدر إذن بحماس أن تترك حجاج بيت الله الحرام يتوجهوا لأداء فريضة الحج وان يحج رئيسنا إلى غزة لتحقيق الوحدة بدل الدعاء لها, أليس من المفارقات الغريبة ان تمنع حاس الحجاج وان يدافع عن ذلك العلمانيون, وهل بات لقاء أبناء الشعب الواحد والثورة الواحدة والمصير الواحد من المستحيلات ولو من فوق ركام منزل مهدوم من قبل جرافات الاحتلال ليجلسون عليه كما هو, ولهم أن يخلعوا ربطات العنق لتحويلها إلى مانع لتراب الحجارة عن خلفيات بدلاتهم الفاخرة أن شاءوا وإلا فان الحوار بطرف ثالث يقضي الوقت بحثا بين الحروف وبين الاعتراضات شكلا في معظم الأحيان ومضمونا في قليل من الأحيان سيظل حوار لا يمكن أن يصل إلى نتيجة.
إن من المفترض أن الرئيس محمود عباس هو الرئيس الشرعي للبلاد حتى اليوم وباعتراف حركة حماس فما الذي يمنعه من الانتقال إلى قطاع غزة والإقامة فيها ومعه كل قادة الفصائل لانجاز حوار فوري ومباشر حتى التوصل إلى حل, فما الذي يمنع قادة الفصائل الأخرى بفعل ذلك وإلزام الرئيس عباس بالقدوم إليهم في غزة, وقد يقول قائل كيف سيذهب الرئيس عباس إلى عش الدبابير بقدميه ومن سيضمن حياته فأقول لهم وما هو دور القادة في المفاصل التاريخية اذن, إن المطلوب اليوم حشد كل الجهود على الأرض فعلا لا قولا هنا في الوطن حتى لا يتكرس انقسام الوطن وانقسام قضاياه, وحتى لا نجد أنفسنا يوما أمام مخططات جهنمية تعدها لنا الحركة الصهيونية معتمدة على الانقسام الحالي, فقطاع غزة إن انفصل كليا سيفتح شهية المحتلين على فعل ذلك في مناطق أخرى من الضفة الغربية فمنطقة شمال الضفة الغربية اكبر بكثير من مساحة قطاع غزة والحدود جاهزة ومن يحاول أن يقرا الحقائق على الأرض فليتوجه على الطريق الفاصل بين شمال الضفة وجنوبها والذي يقطع حاجز زعترة ليجد الجدار الشائك هناك وقد أنجز بشكل شبه كامل وحين يتم الإفراج عن نابلس بإلغاء حاجزي حوارة وبيت ايبا ويفتح حاجز عناب لسكان طولكرو وتتواصل جنين مع نابلس وطولكرم سيسهل على الاحتلال عبر قطعان مستوطنيه من إغلاق الطريق الواصل بين الشمال والوسط وستصبح مستوطنات عيلي ومستوطنة طلوع اللبن نقطة الفصل الجغرافية عن رام الله ولن يتمكن فلسطيني واحد من الانتقال من الشمال إلى الوسط إلا بإرادة مستوطني اللبن وكذا سيحدث مع حاجز الكونتينر الكفيل بانجاز انقسام جديد لجنوب الضفة عن وسطها ناهيك عن القدس وقضم الخليل.
في الانتفاضة الأولى أسسنا لأوسلو وتنازلنا رسميا عن الوطن وقبلنا بالتفاوض على ما تبقى واتسع الاستيطان مساحة وعددا واحتل أهم المواقع الجغرافية لتتيح له تحقيق أهداف قادمة وليست الاختيارات للمواقع عفوية أبدا, وتركنا الاحتلال يقيم طرقا التفافية ومنافذ خاصة به وبمستوطنيه, ولمن لا ينسى فان هناك أوامر عسكرية احتلالية لم تلغى تمنع الفلسطيني من السير على الطرق الالتفافية, وان كان العمل بها قد جمد منذ فترة طويلة, وظللنا نرفع شعارات وشعارات ضد الاستيطان والطرق الالتفافية, دون أن نفعل شيئا واحدا ضدها, ثم جاءت الانتفاضة الثانية والتي أسست للطرق البديلة وعلى أيدينا فوضع جيش الاحتلال حواجزه حيث أراد, ورحنا بأيدينا نبحث له عن الطرق البديلة وبدل ان نقاوم هذه الحواجز كرسنا وجودها وأوجدنا بديلها, وبدا الاحتلال بناء الجدار وبدل مقاومته على الأرض اكتفينا بشعارات غبية مثل شعار أوقفوا بناء الجدار – لاحظوا لا اهدموا الجدار بل أوقفوه – وطبعا لم يقف البناء واستكمل بالكامل وتحولت المعركة ضد الجدار إلى حفنة من المتضامنين الأجانب وعاشقي شاشات التلفاز من ذوي الياقات المنشاة وبشكل احتفالي يقتصر على يوم واحد في أسبوع وبمكان محدد بل إن الأمور وصلت بإحدى المستوطنات حد فعل ما يشبه ذلك بان طلبت من جيش الاحتلال السماح لسكان إحدى القرى بالوصول إلى مزارعهم للعمل بها عبر استصدار تصاريح لهم وتحدث قادة المستوطنين عن تعاطفهم مع الفلاحين الفلسطينيين.
الانتفاضة الثانية كرست تجزيء القضية بدل تكثيفها وتوحيدها بهدف تحرير الأرض وظهرت مهمات وشعارات وأهداف لا أول لها ولا آخر:
أوقفوا الاستيطان – لا اقتلعوه وقاوموه
اكسروا حصار غزة – وأين احتلال الوطن
ليرفع الانغلاق عن قلب الخليل – وقلب نابلس
أوقفوا بناء الجدار – والآن وقد انتهى البناء وتوقف
أطلقوا سراح الأسرى المرضى والأطفال والأحكام الطويلة والقادة – وباقي الأسرى ثم وإذا أطلق سراحهم فهل انتهى الأمر.
وعلى هذه الشاكلة العشرات من المهام والشعارات والأهداف الجزئية لمنظمات وحركات وقوى لا تخرج في نشاطها عن اللغة والشعارات بل ويصل الحد ببعضها الاحتكام إلى ما يسمى محكمة العدل العليا الاحتلالية ليظهر المحتلون كعادلين بل ونحتفل بقراراتها على شاكلة تغيير مسار الجدار في نعلين – لا حظوا تغيير المسار من ارض أبو العبد إلى ارض أبو محمود مثلا اعتبرناه انتصار وصفق له البعض ويلا خجل - وعلينا أن نلاحظ أن الاحتلال يتساوق مع تفاهاتنا فهو ينفذ قرار محكمته العليا, ومن جانب آخر نراه هو نفسه يتحدث عن إزالة المستوطنات العشوائية بل ويكرس في أوساطنا مفهوم المستوطنات الغير شرعية في محاولة لترسيخ فكرة أن هناك ما هو شرعي والاحتلال تعود أن ينجح في تسليمنا اللغة التي يريد فنحن تحدثنا منذ عام 1967 عن استعادة الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس تارة أو بإضافة حرف العطف واو أي والقدس ليبدو للمراقب أن القدس هنا قد تم إقحامها في الأمر أو هي ليست بنفس الصفة أو مختلفة عنها علما بان القول بتحرير الأرض المحتلة يكفي بديلا لأي تعابير أخرى مختلفة أو تفصيلية فالتفاصيل هنا هي التي قادتنا للتنازل عن معظم أرضنا علانية.
إننا ندق ناقوس الخطر اليوم قبيل الوصول إلى يوم الكارثة حين يعتقد البعض أن الطلاق مع الآخر نعمة, حين نؤسس لبداية الكارثة الحقيقية بإضفاء الشرعية على تقسيم الوطن إلى كانتونات معزولة ومنفصلة ولا يربطها ببعضها شيء, حن تصبح جنين في قارة أخرى غير القارة التي تنتمي إليها رام الله, وحين تصبح القدس محض رواية وأغنية إن ظل لدينا ن ينتمي لعالم الغناء الملتزم أصلا ناهيك عن ذهاب الجليل والمثلث والنقب وحيفا ويافا إلى الفضاء الخارجي وشبها حتى من رسوماتنا وأشعارنا وأغانينا وأسماء أطفالنا.
إن لم نتمكن من تفادي الكارثة فان التاسع من كانون الثاني سيكون يوما اسودا في تاريخ شعب وقضية ووطن كل فلسطيني, إن لم يستفيق قادة هذا الشعب ويعودوا إلى رشدهم ويتنازلوا جميعا عن كل المصالح الحزبية الضيقة فان على الشعب كل الشعب أن يستعيد زمام المبادرة ويجبر قادته على العودة لطريق وحدة الوطن والشعب طريقا وحيدا للحصول على الشرعية أيا كانت, إن الإعلان عن الإضراب عن الطعام منذ فجر الثامن من كانون الثاني من قبل كل الشعب في الساحات والشوارع وأماكن العمل وحتى في البيوت سيكون طريقا لإعلان الشعب عن إيمانه بوحدته ووحدة أرضه وناقوسا في آذان كل القادة واستفتاء على الوحدة من قبل الشعب وفي سبيل ذلك فإنني أدعو كل المنظمات والهيئات الشعبية والنوادي ولجان المرأة بما في ذلك القوى والمنظمات السياسية المؤمنة بطريق الوحدة من كل ألوان الطيف بما في ذلك القوى والشعوب العربية والإسلامية للضغط على القيادة الفلسطينية للاستجابة لنداء وحدة الوطن والشعب.
#عدنان_الصباح (هاشتاغ)
ADNAN_ALSABBAH#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟