|
الهند وباكستان:تغير المواقع
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 2509 - 2008 / 12 / 28 - 07:17
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
ذهب رئيس الوزراء الهندي نهرو(توفي في أيار1964)بعيداً عن حياد مؤتمر باندونغ(1955)بإتجاه موسكو،على إثر الحرب الهندية- الصينية في عام1962،مستغلاً النزاع الصيني-السوفياتي،وحاجة موسكو للتعويض عن الهزيمة المعنوية الكبرى التي تلقتها في خريف1962 لماأجبر الرئيس كينيدي تحت تهديد الحرب النووية الزعيم خروتشوف على سحب الصواريخ السوفياتية من كوبا،وهو مادفع السوفييت إلى تشجيع الفيتناميين الشماليين على نقض اتفاقيات جينيف(1954)المكرسة لتقسيم فيتنام ،وإلى دعم الهند المصادمة للصين ولحلفاء واشنطن الباكستانيين. من هنا،اعتبرت الحرب الباكستانية-الهندية عام1965حول اقليم كشمير غير بعيدة أن تكون من نوع الحرب غير المباشرة(أوبالوكالة)بين عملاقي الحرب الباردة ليكون انتصار باكستان النسبي في تلك الحرب تعويضاً عن مصاعب الأميركان في فيتنام،تماماً كما اعتبرت حرب حزيران1967،التي خاضتها اسرائيل بغطاء أميركي،ضربة كبرى للسوفييت في وضع كان فيه الأميركي غائصاً في وحول غابات الهند الصينية. مثلما كان انفتاح نيودلهي على موسكو يعني ابتعاداً عن واشنطن وبكين ومصادمة لهما،فقد كانت اسلام آباد هي مدخل مستشار الأمن القومي الأميركي هنري كيسنجر إلى الصين،ووسيطه السري،وكانت هي المحطة التي انطلق منها للقيام بزيارته السرية الشهيرة إلى بكين في شهر تموز1971،ماأنشأ وضعاً دولياً جديداً أجبر الفيتناميين الشماليين،بعد تقارب بكين وواشنطن واتجاه السوفيات تحت ضغط هذا لسياسة التعايش السلمي،على تقديم تنازلات كبرى في اتفاقية باريس(كانون ثاني1973)التي نظمت الإنسحاب الأميركي من فيتنام وكرَست مجدداً نتائج اتفاقيات1954،قبل أن ينهار كل شيء بعد عامين عند حلفاء واشنطن في فيتنام الجنوبية وكمبوديا ولاوس. بالمقابل،فإن أهمية باكستان في استراتيجيات واشنطن الخاصة بحقبة الحرب الباردة لم تقل،رغم الهزيمة المدوية التي عانتها اسلام آباد أمام نيودلهي في حرب كانون أول1971 التي أفضت إلى انفصال"باكستان الشرقية"وتشكيلها لدولة بنغلادش،بل زادت في النصف الثاني من عقد السبعينيات مع انتقال بؤرة التوتر المركزية بين العملاقين من جنوب شرق آسيا إلى وسطها في أفغانستان بعد انقلاب الشيوعيين الأفغان(27نيسان1978)على الجنرال محمد داود وماأعقب ذلك من تطورات أدت إلى غزو عسكري سوفياتي لبلاد الأفغان(27كانون أول1979)،كانت الهند من الدول القليلة الداعمة له. كل ذلك تغيَر مع انتهاء حقبة الحرب الباردة(1947-1989)بهزيمة السوفييت أمام الأميركان ،ثم تفكك دولة الإتحاد السوفياتي. منذ ذلك التاريخ المفصلي رأينا ابتعاداً أميركياً عن باكستان مع اقتراب منهم نحو الهند،يبدو أن خيوطه ترتبط بعاملين رئيسيين:حاجة الولايات المتحدة إلى حاجز غربي(يضاف للشرقي عند اليابان والكوريين بعد"التوحيد") أمام العملاق الصيني الذي تهدد عملقته الإقتصادية مكانةالقطب الواحد للعالم خلال مجريات القرن الواحد والعشرين،فيماكان العامل الثاني متحدداً بإنفكاك تحالف واشنطن مع الحركة الإسلامية العالمية ضد السوفييت بعد انهيار الأخيرين واتجاه واشنطن في أجنداتها ونظراتها ل"العالم الجديد"نحو وضع "الخطر الأخضر"في مكان ذلك"الأحمر"،لتجد في نيودلهي،التي حكمها الأصوليون الهندوس لأول مرة لمدة أشهر من عام1996ثم لسنوات1998-2004وأيضاً عند حزب المؤتمر الحاكم الآن عبر خلفاء نهرو وأنديرا غاندي،حليفاً موثوقاً ضد"الخطر الإسلامي":بدون هذا لايمكن تفسير ردي واشنطن المتباينين على فعلي التجربتين النوويتين الهندية والباكستانية في أيار1998ولاانحياز واشنطن العلني نحو الجانب الهندي في اشتباكات صيف1999الحدودية التي كادت أن تتطور إلى حرب جديدة بين باكستان والهند. لم يتغير هذا الوضع في مرحلة مابعد11أيلول2001،رغم وضع الجنرال مشرَف لنفسه في موقع أمامي مع واشنطن ضد الإسلاميين المحليينفاكاً بذلك تحالفاً معهم استغرق عامين ضد نواز شريف وبنازير بوتووضد حركة طالبان المنتزَعة السلطة بعد الغزو الأميركي لأفغانستان،وهي التي كانت حليفاً لباكستان إثر وصولها للسلطة في كابول بأيلول1996،بعد أن كانت باكستانية النشأةعام1994،إذا لم تكن أيضاً من حيث الصناعة وفقاً ل"تقديرات"تنسب ذلك لوزير داخلية حكومة بنازير بوتو1993-1996،حيث لم يؤد هذا إلى زيادة وزن باكستان الإقليمي وإنما إلى اضطراب داخلي كبير، بين عسكر معزولين اجتماعياً واسلاميين متنامي القوة مع ليبراليين معارضين في حزبي السيدة بوتو والسيد شريف،أصبح كل هم واشنطن فيه هو تلافي سقوط الجنرال خوفاً من وقوع السلاح النووي الباكستاني بأيدي"اسلاميين متشددين"يصلون للحكم،حتى تمَ تأمين تزاوج سياسي بين الجنرال والسيدة بوتو عبر اتفاق لندنتشرين أول2007استمر لمابعد اغتيالها حتى انتخابات شباط،ثم انتهت مفاعيله باستقالة الجنرال في آب2008. مؤخراً،أبرزت زيارة الوزيرة رايس لنيودلهي واسلام آباد،على إثر أحداث مومباي،هذه الصورة الجديدة لموقعي الهند وباكستان في مرحلة مابعد الحرب الباردة عند القطب الواحد للعالم،لينضاف هذا إلى ماأعطته من دلالات اتفاقيات التعاون النووي الأميركية-الهندية،وقبلها اتفاقيات التعاون في المجال الفضائي،المبرمتان في صيف2008. السؤال الرئيسي الآن: إذا قادت عملية انخفاض القيمة الإستراتيجية لإسلام آباد عند واشنطن في مرحلة مابعد عام1989إلى اضطراب داخلي باكستاني كبير،فإلى متى سيبقى غامضاً مدى تلاقي الأميركان مع نيودلهي الساعية إلى استغلال ذلك على مايبدو من أجل تكرار سيناريو1971البنغلادشي في"باكستان الغربية"،إذا لم يكن إلى أبعد بكثير نحو الغاء مفاعيل"انفصال"عام1947؟..........
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تبريد لبنان
-
الرئيس المدني الذي حجّم العسكر
-
بوتفليقة: الرئيس المدني الذي حجَم العسكر
-
استخدام اليمين لكارل ماركس
-
تنامي قوة دول الجوار العربي
-
اهتزاز الخارطة الأيديولوجية العالمية
-
نهاية فصل شرق أوسطي عاصف
-
تدخلية الدولة في الإقتصاد: كينز وخصومه
-
بين أزمتي 1929 و2008: دراسة مقارنة
-
حول تداعيات الضعف المستجد للقطب الواحد
-
هل انتهى مدُ(الليبرالية الجديدة)؟....
-
القوميات الثلاث المستهدفة
-
لينين ويلتسين:من رأسمالية الدولة إلى اقتصاد السوق
-
جورجيا وروسيا:الجيرة الصعبة
-
استهداف السودان
-
مابعد جورجيا:هل وصل (القطب الواحد)إلى مرحلة الأزمة؟
-
تحولات أميركية جديدة
-
عسكر موريتانيا:العودة من وراء الستار
-
ثالوث السياسة العربية
-
هل انتهت الثورة اليمينية؟
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|