|
-الباشا-.. عريس
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2508 - 2008 / 12 / 27 - 09:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
توقف ابني فجأة ، ليمد يده محييا شابا في مثل سنه قائلا: "ماما، صاحبي فلان، كان معي في المدرسة وهو الآن ضابط شرطة" ثم أردف بسرعة " بس هو ابن ناس مش زي بقية الضباط". نظرت للشاب محرجة من اندفاع ولدي، الذي لا يكلف نفسه عبء انتقاء كلماته، فإذا بصديقه يؤمن على كلامه كما لو كان يحاول أن يقنعني أن هناك ـ بالفعل ـ ضباط شرطة "ولاد ناس"!..وقبل فترة كان أحد الزملاء يرجوني أن أتوسط لدى زميلة شابة كي تقبل مجرد زيارة تعارف من ضابط قريب له يريد التقدم لها، وعندما استفسرت منه قال "والله دا ولد كويس جدا بس البنات وأسرهم مجرد ما يعرفوا انه ضابط شرطة مش بيوافقوا حتى على مجرد زيارة التعارف"! تذكرت زميلات لي في المرحلة الثانوية، كن يكدن يفقدن الوعي بمجرد أن يمر أمامهن طيف "بذلة" رسمية. إحداهن تصاب بحالة أشبه بحالات "المجذوبين" كل خميس، ونحن واقفات في محطة مترو سراي القبة بعد انتهاء اليوم الدراسي، حيث يعود طلاب إحدى الكليات العسكرية في إجازة نهاية الأسبوع ، فتسهو عما يدور بيننا من أحاديث بانتظار وصول المترو، لأن عيونها تظل متعلقة بكل "بذلة" تهل علينا، حتى يغادر صاحبها رصيف المحطة. بالطبع كن معذورات، فضباط ذلك الزمان في خيال الزميلات من عينة رشدي أباظة، أو عماد حمدي، أو أنور وجدي، أو شكري سرحان، أبطال أفلام الأبيض والأسود؛ حيث الضابط يعني الشهامة، والمروءة ونجدة المظلوم، وإغاثة المكروب، ومطاردة المجرمين، وحماية المجتمع. أتذكر أيضا موضوعات التعبير التي كنا نكتبها في عيد الشرطة، وكيف كنت أصدق بالفعل ما أقرأه في إذاعة الصباح المدرسية: "ضابط الشرطة هو الملاك الحارس الذي يسهر طوال الليل كي ننام مطمئنين.. تحية له في عيده وباقة حب نهديها إليه"!.. كان ذلك أيام كان مكتوبا على جميع أقسام ومراكز الشرطة "الشرطة في خدمة الشعب"، قبل أن يتحول إلى الشعار المضحك "الشرطة والشعب في خدمة سيادة القانون"! ليصبح في الواقع "الشرطة والشعب والقانون في خدمة سيادته" ـ وهنا يمكن توظيف "هاء" المضاف إليه في سيادته، لتعود على أي مسئول في أي موقع؛ من المخبر أو أمين الشرطة الذي يسخر إمكانيات القسم أو المركز لحماية مصالحه وإرهاب مخالفيه أو حتى مخالفي أقاربه أو جيرانه، صعودا حتى أعلى مسئول في هذا البلد التعيس! ..أفقت من تأملاتي على صوت صديق ابني وهو مازال يواصل تأكيداته أنه ليس من أولئك الضباط الذين يعذبون المواطنين، أو يبتزونهم، أو يرهبونهم!.. سلمت على الشاب بسرعة ومضيت، قبل أن يخونني لساني فينزلق بسؤال ألح علي: "هل تشعر بفخر عندما تتقدم لأهل فتاة طالبا يدها ويسألونك عن مهنتك؟ أم أنك تكون مضطرا لأن تقسم لهم أنك لست من ذلك النوع من ضباط الشرطة الذي يسمعون عنه، وربما يقابلونه ليل نهار؟ وكيف تقنعهم أنك بالفعل ضابط شرطة، ولكن ابن ناس؟".. فلا شك أننا من حين لآخر نسمع عن أمثلة طيبة لضباط أو جنود شرطة أخلصوا في أداء الواجب إلى حد الاستشهاد أحيانا في سبيل هذا الواجب. لكن هؤلاء ليسوا سوى القلة التي تمثل الاستثناء في قاعدة صارت تتحدى جميع محاولات التجميل؛ فمن تعذيب في أقسام الشرطة للمتهمين يصل إلى القتل، إلى التحرش الجنسي بفتاة لجأت للقسم لحمايتها، إلى تلفيق التهم وإجبار أبرياء على الاعتراف بها . وهكذا فقدت قاعدة "الاعتراف سيد الأدلة" مصداقيتها بعدما أصبح "التعذيب سيد الاعتراف". وقبل أيام فقط نشرت جريدة البديل قصة سائق "التوك توك" في الإسكندرية الذي توسل لضابط الشرطة ألا يسحب منه مصدر رزقه، وحاول استعطافه قائلا أنه سيحرق نفسه حيا ، وسكب على نفسه البنزين مهددا، فلم يكن من الضابط إلا أن ألقى عليه بسيجارة مشتعلة كما ذكر السائق قبل صعود روحه إلى بارئها شاكية إليه من لا يرحم من عباده. ولم يمر يومان حتى نشرت الجريدة صورا لضباط شرطة يقبلون بعضهم مهنئين بعدما أطلق أحدهم الرصاص على أحد المتهمين!. أي غلظة قلب، وأي وحش سكن صدور حراس الأمن المفترضين في هذا البلد؟ وما الذي يتلقاه ضابط حديث السن من تعليمات تجعل منه مصاصا للدماء يتلذذ بإزهاق الأرواح بدلا من حمايتها؟ .. في محيط معارفي أكثر من مثال على أبناء الناس الشباب الأسوياء الذين دخلوا كلية الشرطة تحت إلحاح الأهل، ثم عافت نفوسهم العمل في أجواء لم يقبلوها بعد التخرج. وأسمع عن آخرين استمروا في العمل لكنهم يشعرون بالغربة في وسطهم الوظيفي، والحرج في محيطهم الاجتماعي ويحرصون في كل مناسبة على التأكيد على كونهم أولاد ناس. لم أنجب بنتا، لكنني لا أعرف لو كان لدي بنت وتقدم لخطبتها أحد ضباط الشرطة، هل كنت أوافق عليه أم لا؟ وكيف أتأكد من كونه سوف يحسن معاملة ابنتي ولا يلجأ لبهدلتها وإهانتها، وربما تعذيبها عند أي خلاف؟ وهل هناك سمات معينة تظهر على أولئك الساديين الذين يتفننون في إرهاب المواطنين و تعذيبهم وهتك أعراضهم وقتلهم، يمكن من خلالها لأي أسرة أن تقبل أو ترفض أي عريس من جهة أمنية يتقدم لابنتها؟ أرجو أن يدلنا العارفون بالأمر حتى لا نخلط العاطل بالباطل، ونظلم ضباط الشرطة الطيبين "أولاد الناس" ونؤاخذهم بما فعل السفهاء منهم!
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلمت يمينك يا فتى!
-
سلمت يمينك يافتى!
-
الفتى -الحي-.. وتجفيف المنابع!
-
ألف رحمة ونور!
-
بص.. شوف العصفورة!
-
أعذر من أنذر!
-
ارفع رأسك .. أنت سعودي!
-
-كرسي في الكلوب-.. أو،عندما ينقلب السحر على الساحر
-
الطفلة التي فضحتهم!
-
-بهية- هذا الزمان!
-
الدكتور محمد.. وأصحاب المولد!
-
أزهي عصور الفساد
-
متلازمة -الغباء المصاحب للكرسي-
-
مولد.. وصاحبه غايب
-
متى يعلنون الحداد العام؟
-
كرامتنا.. يا أصحاب الكرامات
-
دعوها تشربه!
-
فقع المرارة.. في ثقافة ركوب العبارة
-
إنهم يسرقون التاريخ
-
الحركة الطلابية المصرية.. أمس واليوم
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|