|
تعديل الدستور عملية معقدة و تسيطر عليها المصالح الحزبية و الفئوية الضيقة
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2508 - 2008 / 12 / 27 - 09:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تابعنا جميعا مخاض عملية و لادة الدستور العراقي بايدي الاطراف المتنفذة المسيطرة على زمام الامور في عام 2005، و الظروف السياسية العامة و واقع العراق و الموازين القوى و التوافقات على كيفية صياغته و انبثاقه في حينه ، و كيفما كانت العوامل المؤثرة على انبثاقه ، دخلت في امراره العديد من الوعود و المواثيق و من ضمنها عدد من بنود الدستور نفسه كالمادة المتعلقة بتعديل الدستور التي جاءت ارضاءا للاطراف من اجل تسهيل امراره ، و الذي كانوا معترضين عليه و على العملية السياسية بمجملها ، و ضمنوا هذه المادة بهذا الشكل اليه كالية لتعديله بعد امراره و لتكوين لجنة نيابية لتقديم المقترحات خلال مدة لا تتعدى اربعة اشهر من تاريخ بدء عمل اللجنة الخاصة ( لم ينتهي عملها لحد اليوم) و كان من المفروض ان تجري الاستفتاء على التعديلات خلال شهرين من انتهاء عمل الجنة المختصة في تعديل الدستور . من المعلوم ان الاطراف التي صاغت الدستور كانت ذات اهذاف و شعارات و افكار و ايديولوجيا خاصة و ضيقة لا تتعدى فئة او شريحة او مذهب او عرق ، و لم تشترك كافة مكونات الشعب في العملية بشكل حقيقي و الذي من المفروض ان يكون الدستور بارضاء الاكثرية الساحقة ، لاستثناء الظروف التي مرٌ بها العراق بكافة مكوناته . و عليه نرى الدستور بمضمون و مظهر و صياغة واطار و ديباجة تتسم بافكار و عقائد الاحزاب الحاكمة فقط و ليس الشعب العراقي و اطيافه المتعددة و مايتسم به من المميزات الثقافية الحضارية ، و بصراحة اكثر نقول ان الدستور انبثق في اطار الفكر و نتاجات العقليات الروحانية و السطحية و امتزجت به بشكل سطحي قشور علمانية و ديموقراطية للتوافق عليه من قبل الاطراف ، و الطبقات الكادحة و الفقيرة المعدمة لم يكن يمثلها احد و اهملت تطلعاتهم و امالهم في صياغة الدستور ، و لذلك لم نحس ما يمكن ان يفدهم و يضمن مستقبلهم في هذا الدستور الا القليل القليل . اليوم نسمع الكثير من النداءات للاسراع في تعديل الدستور هنا و هناك . لو تفحصنا ها لم نحس بانها صادرة من اجل الاكثرية الساحقة من الشعب و لاهداف و مصالح عامة ، و انما تصدر من اطراف و شرائح ذو اهداف و افكار معينة و لمجموعات و طوائف و شرائح معينة وخاصة دون غيرها . و على العكس مما نرى هناك اصوات مطالبة بتعديل بعض البنود التي تتسم بالعلمانية و الديموقراطية و حقوق الانسان و التعددية من اجل المساومات و كنتيجة لصراع طائفي عرقي ، اي الهدف هو ازالة بعض نكهات التقدمية الموجودة فيه و لا غير . كما تسربت الى الاعلام و الراي العام ، ان لجنة تعديل الدستور ناقشت ما يقارب سبعين حالة التي يراد التعديل فيها و تريد اقرارها بشكل قانوني و تبدا من التعريف الى الفدرالية و سلطة الاقاليم و المادة 140 و مصير كركوك و المناطق المتنازع عليها .....الخ و لم نسمع بمطالبة ما حول مدى عمق علمانية و ديموقراطية الدستور و حقوق الانسان و الطبقات الكادحة و مصيرهم الذي يجب ان يضمنه في بشكل عام و ان لا يستغل بغطاءات دينية و مذهبية و عرقية ، و مواقف القوى الرئيسية غير واضحة المعالم ، و ارائها لم تطفوا الى السطح لحد اليوم ، فهل هذه القوى لديها طلبات التعديل هي ايضا لتحقيق اهدافها التي ساومت و تنازلت عن بعضها من اجل ارضاء المقابل اثناء صياغة و اقرار الدستور ام لا ، ام يكتفون بالدفاع عما هو موجود دون رفع سقف طلبات التعديل الذي به يعقد الامور و يُدخل المناقشات في متاهات لا مخرج منها . من واجب كافة المؤسسات التقدمية باختصاصاتها المتنوعة الثقافية والاعلامية والسياسية و منظمات المجتمع المدني الحقيقية و ممثلي العمال و الموظفين و الكادحين كافة ان تكون لهم اراءهم التي من الواجب ان تضمن ما يصحح الاخطاء و يرمم الثغرات و يعيد الامور الى نصابها الصحيح في ضمان المصالح العليا لتحقيق الاهداف الانسانية الاجتماعية الحقيقية لكافة شرائح المجتمع ، و هذا ما يتطلب توعية و ارشادات و تثقيف و اثارة الراي العام ، في حال وصلت اعمال اللجنة الى ما يمكن ان توضع على المحك في اعادة صياغة الدستور و تعديله و اعلاء شان المفاهيم التقدمية في مضمونه ، و هذا ما يتطلب توحيد الجهود ايضا و بمساعدة المنظمات المدنية التقدمية المستقلة التي تعمل من اجل حياة ديموقراطي علماني تقدمي ضامن لحقوق الانسان و الحداثة و المجتمع المدني و العدالة الاجتماعية .و من اهم الواجبات التي تقع على عاتق اليساريين هو العمل على اثارة الطبقات الكادحة ذات النسبة الساحقة في المجتمع العراقي في بيان رايهم بشكل سلمي ديموقراطي و يكثفوا من ضغوطاتهم ليضمن الدستور ما يرضيهم و من ثم اجراء الاستفتاء الشعبي العام ، و العمل على تقليل تاثيرات القوى الحزبية المتنفذة على عملية تعديل الدستور و افساح المجال لبقية المكونات لابداء مواقفهم و ارائهم بما يضمن حرية تعبيرهم لهذه الاهداف المصيرية. بعد التمحص و التدقيق يستوضح لدينا ان الذين دابوا على صياغة و امرار الدستور، و هم يعتكفون اليوم على تطبيق تعديله من خلال لجنة منبثقة من قبلهم و هم لا يمثلون الاكثرية في الشعب العراقي ، و لذلك يتطلب ان يدخل الى تلك اللجنة و بشكل قانوني في مرحلة ما ممثلي كافة شرائح الشعب لابداء ارائهم و مواقفهم ، و عليه يمكن ان ينتظر الشعب استقرار الوضع و ارساء الحال على شاطيء الامان بشكل طبيعي بعد دورات انتخابية اخرى و ليظهر من يمثلون الاكثرية الساحقة و يتغير الخريطة السياسية و من ثم البدء بعملية تعديل الدستور بمن يمثلون الاكثرية لنجاحه ، و ليكن بداية عمل الممثلين الحقيقيين لكافة الشرائح بعد دورات انتخابية اخرى هو ان يستهل بعملية تعديل الدستور و بما فيه تعديل البند المتعلق بالتعديل نفسه و بشكل قانوني و بما يقنع الشعب وفي وقت وهم يكونوا في حالة هدوء و استقرار .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاصرار على المركزية صفة غريزية للمتنفذين في السلطة العراقية
-
تحولات في الصراع الامريكي الايراني على ارض العراق في ظل الاد
...
-
ماذا تضم لنا السنة الجديدة سياسيا في العراق و المنطقة
-
في ليلة حالكة من ثمانينات القرن الماضي
-
مواقف المثقفين و مسار تقدم الشعب العراقي في الوقت الراهن
-
مهنية الصحافة و معتقدات الصحفي
-
هل بامكان روسيا الجديدة قيادة التيار اليساري العالمي؟
-
البحوث و الدراسات العلمية اولى الوسائل الهامة لارتقاء المجتم
...
-
ازالة الطابع الاسطوري الشرعي عن البنية الايديولوجية الراسمال
...
-
نهاية ال(نهاية التاريخ)
-
معرفة النفس بعد التامل و التركيز في كينونة الحياة
-
تمازج اليات العولمة مع موروثات الفلسفات الشرقية
-
قدرة الحوار المتمدن في تحقيق الأهداف اليسارية و الطبقة الكاد
...
-
هل تنبثق قوى معارضة في اقليم كوردستان؟
-
نظام اقتصادي عالمي جديد هو الحل للازمة الانية
-
ألم يأت دور الشباب بعد تسمين شيوخ العشائر في العراق
-
حان الوقت لاعادة النظر في صفة التكبر لدى امريكا
-
الشفافية و طرد مفتشي مكافحة الفساد في حكومة المالكي
-
تحزٌم بعض المثقفين بحزام العفة المذهبية!!
-
هل الازمة المالية العالمية قوضت العولمة ام حاصرتها ؟
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|