|
القانون نصير الحقوق أو سوط الاستبداد
رابحة الزيرة
الحوار المتمدن-العدد: 2507 - 2008 / 12 / 26 - 09:42
المحور:
حقوق الانسان
في الصين القديمة كانت إحدى المدارس الفلسفية الشهيرة تؤمن بأنّ الإنسان في الأصل ذو طبيعة شريرة، وأنّ الطريقة الخيرة التي يتصرّف بها سببُها - في الغالب - تأثير البيئة الاجتماعية، وخاصة تعلّم الطقوس الدينية وضوابط قوانين العقوبات، وكانت تؤمن بالمبدأ القائل: "إنّ قانوناً واحداً مقترناً بعقوبات شديدة لضمان تنفيذه أفضل من كلّ كلمات الحكماء لحفظ النظام"، كما كان حكماء الهند يؤمنون بأّن الإنسان بطبعه جشع، وإنه إذا ما تُرك له العنان فإنّ العالم سيتحوّل إلى ورشة للشيطان يسود فيها منطق السمَك، أي "أنّ الكبير يأكل الصغير".
وفي المقابل هناك جدل دائر في كتب القانون والفلسفة والاجتماع على خلفية الفكرة القائلة بأنّ وراء النظم القانونية المعمول بها في المجتمعات المختلفة ثمّة قانوناً أسمى يمكن على أساسه أن نحكم على القانون البشري الوضعي أو نتجاوزه إلى ما هو أنقى وأرقى، يعني بذلك قانون القيم والأخلاق المنبثقة من كلام الحكماء أو شرائع الأنبياء، المنسجم مع الفطرة السليمة، الذي يعطي كل ذي حقّ حقه، إذا استُوعب، ولا يمكن أن يقبل ما ليس بحقّ على أنه حق ولو شرّعت له أحدث التشريعات والقوانين، كالعلاقات المشبوهة للمثليّين التي يراد لها أن تُقنّن لتصبح عرفاً بينما هي مخالفة للقوانين الطبيعية.
ثمة تجاذب وتنافر بين الحقوق والقانون، فمرّة يُتّهم القانون بأنه سوط الطواغيت لمنع الناس من الحصول على حقوقهم المشروعة وممارسة حريّاتهم، ومرّة يُطَالَب به ليكون أداة لإيفاء الناس حقوقهم لأنه لولا وجود القوانين لضاعت الحقوق، كما أنّ بينهما تلازماً فلا يمكنك التحدّث عن الحقوق دون أن تتطرّق إلى القوانين والتشريعات التي تضمن إعطاء هذه الحقوق لمستحقّيها، وكلما وجدت حقّاً ضائعاً بحثت عن قانون يعيد الحق لأهله، ومن هنا لم يعد يُنظر إلى القانون كقوة سلبية صرفة لكبح الشرّ، بل أداة لتحقيق أهداف الإنسان التي توجهه إليها دوافعه الخيّرة.
وفيما يخصّ "حقوق الإنسان"، فهناك ما يسمى بـ(الحقوق المعنوية) النابعة من إنسانية كل إنسان وتقوم على دعامتي الحرية والمساواة التي أُريد للناس أن يكونوا عليها قبل أن تقوم فيهم سلطة تحدّ من ممارستها وتستهدف ضمان كرامتهم التي أقرّتها كل الشرائع وأكّدت عليها الرسالة الخاتمة بقوله تعالى: "ولقد كرّمنا بني آدم"، فالحقوق المعنوية أو الطبيعية حقوق ثابتة يحظى بها الفرد لمجرد كونه إنساناً، ونوع آخر من الحقوق يعرف بـ(الحقوق القانونية) التي أنشئت طبقاً لحاجة الناس، وهي مكتسبة وقد توصّل إليها الإنسان بعد معاناة وكفاح نتيجة لما مرّ به من حروب ومآسي وتحدّيات حتّمت عليه صياغة تلك القوانين لحفظ الحقوق والنظام في المجتمعات الإنسانية بعد أن تراجع الوازع الأخلاقي واندثرت الأعراف والقيم التي كانت تنظّم العلاقات في المجتمعات القديمة.
ولكن في ظل الأنظمة الحالية، والظلم المستبد على جميع الأصعدة فليس من الممكن التحدّث عن حقوق طبيعية مجرّدة للإنسان تُعطى له دون عناء المطالبة، كما أنّ القوانين مهما تطوّرت، إذا لم ترقَ إلى المستوى الذي يجعلها فوق الأقوياء، فلا مجال للحديث لا عن حقوق طبيعية، ولا حقوق قانونية بل فوضى عارمة، وظلم مستشرٍ، ومزيد من الضحايا على مذبح العدالة الإنسانية.
كما أنّ المطالبة بالحقوق لا يمكن أن يكون إذا جهل الإنسان حقه، أو اعتبر التنازل عن حقوقه نوعاً من التضحية أو المسالمة أو الصبر على الأذى، وما إلى ذلك من تسميات يتبنّاها الكسالى أو الغافلون عن حقوقهم.
يُذكر أنّ نادلة مسلمة في بريطانيا رفعت دعوى قضائية تطالب بتعويض مقداره ثلاثين ألف دولار لأنها أُجبرت على ارتداء ملابس غير لائقة أثناء أدائها لعملها فلما رفضت ذلك تمّ فصلها من العمل فوراً، رغم أنها عندما تقدّمت للوظيفة كانت ترتدي ملابس محتشمة ولم يُشترط عليها استبدالها بغيرها بمميزات خاصة، فلو لم تكن تعرف القانون الذي يحتفظ لها بحق الاعتراض والمطالبة بالتعويض لاستمرّت في عمل يهين كرامتها الإنسانية ويجرّها نحو الرذيلة.
مجتمعاتنا العربية تعاني من قلة معرفة وجهل بالكثير من الحقوق التي تضمنها لها القوانين الدولية والتشريعات الوطنية، كما أنّ القضاء والمحاكم فيها يشكو من بيروقراطية وترهّل في البتّ في القضايا المكدّسة لديها – ربما تطبيقا لسياسة التطفيش حتى يتنازل الفرد عن حقه - والمؤسسات الحقوقية، والنقابات وغيرها من منظمات تُعنى بشئون العمال والموظفين وعموم الناس أرهق بعضها في مواجهات مع الأنظمة المراوغة، وانشغل بعضها الآخر بقضايا جانبية أو حزبيّة، وبقى أكثر الناس يجهلون حقوقهم أو ينتظرون من يدافع لهم عنها صِرفاً.
#رابحة_الزيرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عيد التضحية عيد التحرّر من الموبقات
-
الحبّ الزوجي .. كاستحواذ وكعنفٍ مخملي
-
رحيل بوش .. فرْحةٌ في ذاتها
-
التسامح والسلام ثقافة وممارسة
-
فتاوى نوادر لكن للنوادر!
-
في ذكرى استشهاد أبي اليتامى والمساكين
-
تنويم غير مغناطيسي لسرقة الجيوب
-
الارتقاء بمستوى الوعي
المزيد.....
-
الرئيس الإسرائيلي: إصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق
...
-
فلسطين تعلق على إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال
...
-
أول تعليق من جالانت على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار
...
-
فلسطين ترحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقا
...
-
الرئيس الكولومبي: قرار الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو منطق
...
-
الأمم المتحدة تعلق على مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة ا
...
-
نشرة خاصة.. أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت من الجنائية الد
...
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|