أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد السلام أديب - قراءة نقدية سريعة في مشروع ميزانية 2009















المزيد.....



قراءة نقدية سريعة في مشروع ميزانية 2009


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 2504 - 2008 / 12 / 23 - 09:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تواصل سياسة الميزانية في بلادنا توجهاتها الليبرالية الأورتودوكسية، من خلال تقوية التوجهات الخارجية للاقتصاد المغربي وفتح كافة الفرص للارتقاء بالاستثمار الخاص المحلي والأجنبي سواء عبر خوصصة المرافق العمومية الكبرى أو عبر فتح مختلف القطاعات الاقتصادية للمستثمرين الخواص.
أما بالنسبة للبنيات الاقتصادية والاجتماعية فهناك مؤشرات متعددة تدل على هشاشتها، وخير دليل على هذه الهشاشة ما أحدثته الفيضانات من تدمير كلي للعديد من البنيات التحتية وتشريد العديد من الأسر واغراق عدد من المدارس والمصحات بل وسقوط العديد من الضحايا.
وإذا كانت الحكومة تلجأ كل سنة بمناسبة تقديمها لمشروع القانون المالي لاستعراض منجزاتها في مجالات عدة اجتماعية واقتصادية ثم الاعلان عن مشروعها المالي الذي لا يكاد يختلف عن المشاريع السابقة مكرسة الخطاب حول عدد من الأولويات الاستراتيجية فإن اجراء قرائة بسيطة حول مدى نجاعة هذه الأولويات وابعادها سيبرز لنا المفارقة الكبيرة بين الخطاب والممارسة.
سنحاول من خلال هذه الورقة تقديم قراءة نقدية سريعة في مشروع ميزانية 2009 محاولين مقارنة توجهاتها الكبرى بالمؤشرات المستمدة من الواقع.

أولا: أولويات مشروع ميزانية 2009
1 – مرتكزات اعداد مشروع ميزانية 2009
تؤكد الحكومة على أنها أعدت مشروعها على أساس عدد من الفرضيات من بينها متوسط سعر البترول 100 دولار للبرميل، ومتوسط سعر الغاز السائل 800 دولار للطن ونسبة نمو 5,8 % ونسبة تضخم 2,9 % كما تراهن على مداخيل عمومية تصل إلى 180 مليار درهم بزيادة بنسبة 3,2 % ونفقات عمومية تصل إلى 202 مليار درهم بزيادة قدرها 7,3 % بحيث أن عجز الميزانية لن يتجاوز 2,9 %.
لكن مرتكزات اعداد مشروع الميزانية ليست واقعية، حيث نلاحظ تناقص سعر برميل البترول نحو أقل من 50 دولار للبرميل ومعدل التضخم الإسمي المشار إليه يجب أن تضاف إليه ثلاث نقاط نظرا لتراكم الزيادات في الأسعار منذ أربع سنوات مقارنة بزيادات تافهة جدا في الرواتب والأجور مما يعني أن نسبة التضخم ستواصل مسارها في نسبة تتجاوز 5 %.
2 – الأهداف الاستراتيجية لمشروع ميزانية 2009
تؤكد الحكومة على أن مشروعها يتوخى التوفيق بين مستلزمات النمو الاقتصادي ومقتضيات التطور الاجتماعي، حيث تطرح بالنسبة للحفاظ على مستوى نمو مرتفع دعم دينامية الاستثمار والاستهلاك والسياسات القطاعية. أما بالنسبة للتطور الاجتماعي فتطرح اعطاء دينامية قوية لتحسين مؤشرات التنمية البشرية.
لكننا من خلال قراءة مشروع ميزانية 2009 سنلاحظ ما يلي:

أ – الاستثمار العمومي

يرصد مشروع الميزانية في اطار برنامج الاستثمار العمومي لسنة 2009 135 مليار درهم ضمنها 45 مليار درهم كاستثمارات عمومية مباشرة للدولة، وتتوزع هذه الاستثمارات على قطاعات الطرق السيارة والسكك الحديدية والمطارات والموانئ بالاضافة إلى المناطق الصناعية والحرة وأقطاب الصناعة الغذائية.
لكن هذا المجهود الاستثماري العمومي الذي يدخل ضمن برنامج البنيات التحتية المخطط له على المدى الطويل يحاول في الواقع تأهيل عدد من القطاعات لعرضها في اطار الخوصصة على المستثمرين الأجانب، وكذا تهييئ الظروف الملائمة لاستقبال الاستثمارات الأجنبية الخاصة. وإذا كانت هذه المشاريع العمومية الكبرى من شأنها خلق عدد من مناصب الشغل وتشغيل عدد من المقاولات المحلية والأجنبية فإن السؤال المطروح هو عن مدى أولويتها مقارنة بالمبالغ المخصصة لها ثم مدى تحقيقها لمردودية آنية مع العلم أن هذه المشاريع التي ترفع مستوى الاستهلاك الآني تعتبر ذات جدوى اقتصادية مؤجلة نظرا لغياب عنصر اليقين حول الأهداف المحددة وفي ظل انعكاسات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.

ب – القدرة الشرائية
تتحدث وثيقة مشروع الميزانية عن رفعها لأجور لموظفي الإدارات العمومية والجماعات المحلية وزيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص على مرحلتين باستثناء قطاع النسيج والألبسة الذي ستنفذ فيه هذه الزيادة على أربعة مراحل نظرا لخصوصياته. كما يتحدث مشروع الميزانية عن الزيادة في التعويضات العائلية من 150 درهم إلى 200 درهم لكل طفل، وكذا التخفيض من الضريبة على الدخل عبر الرفع من الحد الأدنى المعفي من 24 ألف درهم، وتعديل جدول الشرائح الوسيطة والأسعار المطابقة لها في اتجاه الانخفاض، مع تقليص السعر الأعلى للضريبة من 42 % إلى 40 % . كما تم رفع المبلغ الذي يمكن خصمه برسم الأعباء العائلية من 180 درهم إلى 360 درهم، وكذا المبالغ التي يمكن خصمها برسم المصاريف المهنية، وتليين شروط الاستفادة من الخصم فيما يتعلق بفوائد قروض السكن، وعقود تأمين التقاعد التكميلي والتأمين على الحياة. وسيمكن هذا الإصلاح من إعفاء 250 ألف ملزم من الضريبة على الدخل .

لكن القدرة الشرائية للموظفين والعمال والفلاحين تعرف منذ سنوات طويلة تدهورا متواصلا بسبب تجميد الأجور والتسريحات الجماعية والبطالة الواسعة لحاملي الشواهد ولحاملي السواعد وذلك من أجل توفير اليد العاملة الرخيصة القابلة للاستغلال من طرف الشركات المحلية والمتعددة الاستيطان من أجل ما يسمى برفع تحدي التنافسية. كما أن جلسات الحوار الاجتماعي التي كان من المفروض أن تكون عبارة عن مفاوضات حقيقية بين المركزيات النقابية والحكومة والباطرونا، لم تمكن من الوصول إلى حد أدنى من انصاف ذوي الدخل المحدود، فقامت الحكومة بفرض شروطها من طرف واحد بما يخدمها ويخدم مصالح الباطرونا، فجاءت تلك الزيادات الطفيفة في الرواتب والأجور التي تتحدث عنها وثيقة مشروع الميزانية عبر التخفيضات من الضريبة على الدخل والتي تهم المداخيل العليا على الخصوص، علما أن الزيادات المتوالية في أسعار المنتجات والخدمات عصفت بهذه الزيادات في المداخيل قبل التوصل بها.
الخلاصة هي أن حديث الحكومة عن ضخها لأزيد من 40 مليار درهم في الدورة الاستهلاكية من طرف الدولة ، بما فيها 29 مليار درهم برسم نفقات المقاصة لسنة 2009، وأن ذلك سيدعم بقوة الطلب الداخلي ويحافظ على وثيرة الانتاج والتوزيع والاستثمار، مجرد خطاب للاستهلاك نظرا لتدنى مستوى المرتبات والأجور بما فيها الحد الأدنى للأجور ونظرا لأرتفاع نسبة الديون الاستهلاكية التي تزيد من ضعف هذه المداخيل اضافة إلى أن العائلات تعاني من بطالة أفرادها مما يرفع من حجم التحملات العائلية ويقلص إلى أدنى حد القدرة على الاستهلاك، وهذا بطبيعة الحال معاكس تماما لما تتحدث عنه الحكومة من دعم الطلب الداخلي، ولا يخفى على أحد آثار تدهور القدرة الشرائية على الاستهلاك والانتاج والاستثمار، مما يهدد بانكماش اقتصادي واسع وبكساد له انعكاساته طبعا على الاقتصاد الوطني.
الحل المؤقت اليوم لامتصاص الأزمة المستوردة التي ستنضاف للأزمة الهيكلية للاقتصاد المغربي يتمثل في اقدام الحكومة على برمجة زيادات مهمة في مداخيل ذوي الدخل المتوسط والضعيف بمبالغ تتراوح بين 1500 درهم و4000 درهم عبر الرفع من الحد الأدنى للأجور وعبر الزيادة في التعويضات بشكل تتجاوز فيه الشغيلة مديونيتها المفرطة وتكون لها قابلية نسبية للاستهلاك مما سيرفع من حجم الاستثمار والانتاج والتشغيل وبطبيعة الحال فإن الدولة ستعوض مجهودها هذا عبر حصيلة الضرائب على الانفاق التي ستشهد ارتفاعا مهما نتيجة توسع السوق الداخلي. كما أنه على الدولة الحرص على التطبيق الحرفي لمدونة الشغل عبر الزام المشغلين بسداد مستحقاتهم برسم الحد الأدنى للأجور وايقاف التسريحات الجماعية، ففي ظل ميزانية توسعية سيتحرك الانتاج وتدور عجلة الاقتصاد ولن تكون هناك ضرورة للتسريحات، فمن شأن تطبيق قانون الشغل في هذا المجال أن يؤدي إلى عوائد ضريبية تصل إلى 5 مليار درهم في السنة.
ج – دعم التصدير
يتوقع مشروع ميزانية 2009 دعم التصدير عبر عدد من التدابير منها ما يلي:
- تقليص تكاليف المدخلات والمواد المصنعة عبر تخفيض رسوم الاستيراد؛
- تشجيع رسملة المقاولات الصغرى والمتوسطة ودعم تكتلاتها بحيث يقترح مشروع قانون المالية إجراءا جبائيا يرمي إلى تخفيض الضريبة على الشركات بنسبة 10 % من مبلغ الزيادة في رأسمالها ؛
- إحداث صندوق خاص بمبلغ 500 مليون درهم ، منها 250 مليون درهم برسم سنة 2009 ، لدعم الصادرات ، وتمكين المقاولات من استغلال امتيازها التنافسي الذي يتيحه لها موقع المغرب الجغرافي ، ومختلف اتفاقيات التبادل الحر؛
- اتخاذ إجراءات جمركية لتسهيل وتبسيط مساطر عمليات التجارة الخارجية مما سيساهم في تخفيض تكاليفها والآجال المرتبطة بها.
يؤكد هذا المحور على استمرار الحكومة في تكريس التوجه الخارجي للاقتصاد، لكن يبدو أن قطاع التصدير سيعاني كثيرا خلال السنة المقبلة من جراء انعكاسات الأزمة المالية والأزمة الاقتصادية فتباطؤ الاقتصاديات الرأسمالية الأوروبية والأمريكية ستحدث تقليصا مهما في الطلب على المنتوجات المغربية مما سيحدث صعوبات حقيقية في مجال التصدير بينما سيرتفع حجم الواردات المغربية من الطاقة والمواد الغذائية وعدد من الصناعات أو نصف المصنعة، لذا يبدو أن المجهود المالي للميزانية سوف لن يكون له الأثر المنشود بل سيضيع فقط عليها موارد مهمة.

د – تنويع مصادر النمو
إن المجالات التي تستهدفها الحكومة من خلال القانون المالي لتنويع مصادر النمو من خلال "اعطاء دفعة جديدة لقطاعات واعدة" عبر تفعيل قطاعات استراتيجية كالفلاحة والطاقة والفوسفاط والسياحة والصناعة، والخدمات ، والتجارة الداخلية ، والصناعة التقليدية ، والصيد البحري، فإن اللغة التي تتحدث بها الحكومة عن هذه القطاعات توحي بمحاولة تجاوز الأزمة التي تخيم عليها، أو بالعمل على تحضير هذه القطاعات لعمليات واسعة من الخوصصة والرسملة وفتحها على المستثمرين الأجانب، وكلها تصورات وسياسات ستزيد من هيمنة الرأسمال الأجنبي على القدرات الاقتصادية لبلادنا كما ترهن عملية النمو بوهم التنمية الرأسمالية لهذه القطاعات. أما بالنسبة للاصلاح الزراعي والأمن الغذائي والارتقاء بما يرفع من مستوى تلبية الحاجيات الاساسية للشعب المغربي من منتوجات فلاحية ومواد مصنعة وخدمات اساسية فتبدوا بعيدة عن اهتمام المسؤولين.

ه – تحسين مناخ الأعمال
تتحدث الحكومة دائما عن استهدافها تحسين مناخ الأعمال عبر تطوير الاطار المؤسساتي والقانوني الملائم كتسريع وتيرة اصلاح قطاع العدل ودعم الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ومجلس حرية الأسعار والمنافسة واحداث الوكالة المغربية لتنمية الاستثمار وإحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
لكن الممارسة على أرض الواقع تؤكد عكس ما تتحدث عنه الحكومة، فالقضاء يعاني من غياب العدالة على الرغم من المبالغ الكبيرة التي ترصد له سنويا من أجل ما يسمى بالاصلاح، فلازالت التعليمات والخضوع لموازين القوى السياسية المختلة تحدث آثارها عند البث في عدد من القضايا المعروضة على المحاكم، كما أن القضاء على ظاهرة الرشوة لا يستقيم أبدا مع غياب الديموقراطية الحقيقية ثم أن حرية الأسعار لا تعني سوى شيء واحد هو الزيادة في أسعار المنتوجات والخدمات باستثناء سعر واحد ووحيد وهو سعر القوة العاملة أي الأجور التي تضل متدنية باستمرار.
يبقى أن مناخ الأعمال المنشود هو تسليع مختلف مناحي الحياة اليومية للانسان المغربي عبر خوصصة قطاعات حيوية وتدمير مرافق عمومية اجتماعية كمجال التعليم والصحة والتشغيل والحياة الكريمة وهو ما يسير تماما عكس خطاب استهداف التنمية البشرية التي ما فتئت مؤشراتها في بلادنا تتدنى بحيث يرتب المغرب في 126 من سلم التنمية البشرية.

و – تقوية مرتكزات التنمية البشرية
تعترف الحكومة من خلال خطابها بأن هناك عجز وخصاص كبيرين على مستوى التعليم والصحة والسكن ومحاربة الهشاشة والفقر، وتحاول أن تقنعنا بأن إجراءاتها المعتمدة عبر مشروع ميزانية 2009 ستشكل تدخلا حاسما ومستعجلا لتدارك العجز والخصاص المسجل. لكن قراءة بسيطة في البرامج المعتمدة سواء بالنسبة للبرنامج الاستعجالي في مجال التعليم 2008 – 2012 أو بالنسبة لبرنامج الصحة العمومية 2008 – 2012 أو بالنسبة للسياسة السكنية كأمثلة فإنها تؤكد جميعها ارادة الاجهاز على الطابع الاجتماعي لهذه القطاعات.
وفي ما يلي جوانب فشل التدخل الحكومي في مجال التعليم والصحة العموميين على سبيل المثال.

- ضرب الحق في التعليم
رغم الاعلان في بداية هذا العقد على أنه سيعتبر عقدا للتربية والتكوين، ورغم اعتماد ميثاق التربية والتكوين، وانشاء المجلس الأعلى للتعليم. ورغم الميزانيات المنفقة على هذا القطاع، إلا أن النتائج المحصلة تبقى دون أهداف التدريس المحددة وما يحدث في الدول المشابهة للمغرب.
فالعجز في مجال التعليم العمومي يظل جد مهم لدرجة اجماع كافة الفاعلين على افلاس المنظومة التعليمية. ثم ان آخر ترتيب للمغرب من طرف تقرير البنك الدولي حول جودة التعليم في الدول العربية (2007). وعلى الخصوص تقرير المجلس الأعلى للتعليم المقدم في 16 أبريل 2008 يجذب الانتباه نحو فشل هذا النظام واستعجال التدخل ومن هنا حاولت الحكومة الاسراع بوضع البرنامج الاستعجالي بدون استشارة مع الفاعلين الاساسيين ومع النقابات التعليمية. وتظل المؤشرات التالية كافية للتأكيد أن الاجراءات المعتمدة لن تكون في مستوى التحديات المطروحة:
• الأمية: ظلت تزيد عن 50 %، خصوصا في وسط الفتيات وفي البوادي؛
• التعليم التمهيدي ضعيف (45 % سنة 2004) خصوصا في العالم القروي (فتاة مقابل خمسة)؛
• التعليم الابتدائي: أرقام 92 % (87 % في العالم القروي) ترتكز على تصريح الآباء بدون أي تحقيق؛
• الهدر المدرسي: حوالي 1 مليون من الأطفال ما بين 6 و15 سنة غير متمدرسين مع اضافة مختلف الانقطاعات حوالي 1 مليون ونصف من الأطفال يجدون أنفسهم كل سنة خارج المدرسة؛
• التلاميد عند خروجهم من السنة الرابعة من التعليم الاعدادي لا يعرفون لا القراءة ولا الفهم؛
• التعليم الثانوي: رغم تزايد الأعداد فإن أي مجهود لم يرافق ذلك في مجال التأطير وتوجيه التلاميذ نحو التكوين الذي يمكنهم من النجاح؛
• التعليم العالي: إن عدد 280.000 ألف طالب في التعليم العالي يشكل 10 % فقط بالنسبة للدول المشابهة للمغرب. وهو متسم بضعف في المردودية. إن اصلاحح التعليم بدون منحه الوسائل الضرورية لا يمكنه اعطاء النتائج المرجوة.

- ضرب الحق في الصحة
يشير الخطاب الحكومي إلى أنه سيتم من خلال مشروع الميزانية تعزيز عروض العلاجات مع التركيز على العالم القروي ومواصلة توسيع التغطية الصحية التي تتميز بدخول المساعدة الطبية لفائدة الفئات المعوزة حيز التنفيذ. وسيستفيد هذا البرنامج من غلاف مالي قدره 900 مليون درهم . وسعيا نحو تحقيق الأهداف المرتبطة بتحسين مؤشرات الصحة ، فقد تم رصد مبلغ 9,7 مليار درهم لهذا القطاع، أي بزيادة 20 % مع تعزيز موارده البشرية، مما سيمكن خلال سنة 2009 من الشروع في إنجاز 12 مستشفى محلي، وتأهيل 37 مستشفى إقليمي ومحلي، ومواصلة إنجاز مخطط الصحة القروية عبر اقتناء 50 وحدة طبية متنقلة، وإنهاء الأشغال في مركز معالجة السرطان بالمركز الاستشفائي الجامعي بفاس ومواصلة إنجاز المركزين الاستشفائيين الجامعيين بكل من مراكش ووجدة. ويقترح مشروع قانون المالية إعفاء لفائدة الأدوية المخصصة لمعالجة داء السرطان من الضريبة على القيمة المضافة.
لكن هذه الاجراءات تظل غير كافية بل تقوم على سياسة صحية تفتقد للكثير من المصداقية وتراهن أكثر على تسليع قطاع الصحة من خلال عدد من التدابير. فبحسب رأي عدد من الفاعلين السياسيين والنقابيين وبحسب تقارير المنظمات الدولية: (منظمة الصحة العالمية واليونيسيف وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD والبنك الدولي ...)، فإن وضعية الصحة في المغرب مريضة بنموذجها وباختيارها السياسي، وبطريقة تدبيرها وحكامتها.
فأزمة القطاع الصحي في المغرب مرتبطة أساسا بغياب رؤية إستراتيجية شاملة وطنية متوافق عليها (ليس لدينا خريطة صحية في المغرب). فالسياسة الصحية يجب أن تستقي أسسها من عمليات ديناميكية مبدعة، مؤسسة على أساس ميثاق وطني يستقي أسسه من القيم الكونية لحقوق الانسان والحق في الصحة (الحق في الحياة والكرامة الانسانية). ويقوم كل ذلك على مبادئ عامة من التضامن والمساواة والعدالة والمجانية وأخيرا على الديموقراطية ومسؤولية المجتمع والدولة.
فالتفاوتات صارخة بين الأوساط والجهات على جميع المستويات مع ضعف في المردودية وفعالية البنيات الصحية الموجودة. 55 % من أطباء القطاع العمومي يوجدون في جهة الدار البيضاء والرباط بينما لا تشكل الجهتين سوى 19 % من المغاربة.
إن النتائج تعتبر جد مخيفة ومقلقة على عدة مستويات، وهي ناجمة عن نقص اعتمادات الميزانية وإلى ضعف تدبير ما هو موجود (5 % من الناتج الداخلي الاجمالي). وفي هذا السياق، فإن الأمثلة الأكثر اثارة والتي تقلق الفاعلين في قطاع الصحة ترتبط بمؤشرات الوفيات عند الوضع (227 من بين كل 100.000) ووفيات الأطفال (5 من بين كل 1.000) وهي وفيات سنوية لأسباب ترتبط بصعوبة الولوج الجغرافي، والثقافي والمالي. 52 % من النساء القرويات لا زلن يلدن في منازلهن بعيدا عن المتابعة الطبية وبمخاطر ومضاعفات. حوالي 31 % من السكان لا زالوا يوجدون بعيدين ب 10 كيلوميترات من الوحدة الصحية. طفل بين كل 5 أطفال يموتون قبل سن 5 سنوات.
مشاريع اصلاح النظام الصحي، التي أعلنت عنها وزيرة الصحة (الاستراتيجية الجديدة 2008 – 2012)، تعتبر غير قابلة للانجاز، سواء في المكان أو في الزمن، نظرا لضعف الموارد المالية والبشرية من جهة وغياب مقترب شامل ومنسجم مع القضية الصحية في المشروع الحكومي من جهة أخرى. فالصحة تشكل ميدانا لا يمكن فصله عن باقي الميادين مثل: التعليم، التغذية، الماء الصالح للشرب، السكن، البيئة، مستوى وظروف العيش. حماية ورعاية الساكنة الهشة ...). وعليه فإن التقليص من 400 % ن معدل الوفيات النساء عند الوضع في ظرف 5 سنوات (من 227 إلى 50 بالنسبة ل 100.000 ولادة حية) وتقليص معدل وفيات الأطفال من 50 وفاة إلى 15 وفاة بالنسبة ل 1.000 تعتبر من قبيل المزايدة السياسية وليس على أساس استراتيجية علمية عملية قابلة للتحقيق.
النتائج الملاحظة بعد ثلاث سنوات من دخول التأمين الاجباري عن المرض يؤكد أن النظام الجديد بمراسيمه التطبيقية يؤثر أكثر فأكثر على ميزانيات الأسر خصوصا على المأجورين سواء في القطاع العام أو الخاص. كما أن الرميد Le RAMED أو نظام رعاية الأشخاص الأكثر هشاشة اقتصاديا والذي كان من المفروض أن يتم الشروع في تطبيقه في بداية سنة 2007، تأخر في رؤيته للنور. ظهور نظام التغطية الصحية الخاص تحت عنوان "عناية" خرج إلى الوجود الشيئ الذي يدفع الى التفكير ببداية خوصصة هذا القطاع كما هو الشأن في مصر وتركيا.
استهلاك الأدوية هو جد ضعيف بالمغرب، بمتوسط 20 دولار في السنة للفرد الواحد (150 درهم)؛ الرسوم المفروضة على على الأدوية تعتبر جد مرتفعة (49 % من ثمن الدواء عبارة عن ضرائب) ورغم التخفيض الكبير في الضرائب على سعر المواد الأولية والذي انتقل من 25 % إلى 2,5 %، فإن أسعار الأدوية لم تتغير وعدل الاسترداد والذي لا يتجاوز أبدا 41 % من النفقات المدفوعة من طرف المؤمنين، سترفع بدون شك المعدل الذي تتحمله الأسر من أجل صحتها، وذلك على عكس ما تم الاعلان عنه في اطار الاستراتيجية.
كما لا يجب نسيان الانعكاسات الوخيمة لتطبيق اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية الذي سوف يطال بشكل عميق سياسة الأدوية بالمغرب، وذلك على مستويين:
أ – الصناعة الصيدلية ومن بينها الأدوية الجينيريك؛
ب –أهمية الأدوية الجينيرية المستوردة ذلك أن هذه الاتفاقية تمنع الاستيراد الموازي.
إن نوايا الحكومة في اطار الوضع الحالي تعتبر جد خطيرة بالنسبة لنظام الصحة العمومية.
لاستراتيجية المقدمة تستهدف الاسراع بالتحرير وخوصصة الخدمات العمومية الصحية وعلى الخصوص شبكة المستشفيات والتي ربما ستخضع للتدبير المفوض على غرار ال 13 مصحات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
مستخدمي الصحة في جو من التوثرات وعدم التحفيز بشكل يصبحون معه في حالة العجز عن الرعاية الكاملة والانسانية للمرضى.
مخاطر والأمراض المهنية أصبحت عملة جارية في المستشفيات والبنيات الصحية؛ 30 % من مستخدمي الصحة يصابون بالأمراض يتعرضون لها خلال عملهم 3 % مصابون بالحمى الصفراء. مستخدمي الصحة لا يجدون حتى صابونة لغسل أيديهم، وتدابير الوقاية الأساسية، كالتعقيم تعتبر ضعيفة.
- ضرب الحق في التشغيل:
رغم مقولات وزير الاقتصاد والمالية حول الطابع الاجتماعي لمشروع ميزانية 2009 إلا أن نسبة المناصب المالية التي يتيحها في القطاع العمومي والتي تدور في حدود 12 ألف منصب شغل لن تحل اشكالية التشغيل في المغرب لأن سياسة الميزانية تراهن منذ ثلاث عقود على القطاع الخاص في التنمية خاصة القطاع الأجنبي، لكن حسابات الحكومات المتوالية تحولت إلى كوابيس بالنسبة لأبناء الطبقة الكادحة حيث نشاهد الملايين من العاطلين على العمل من بين حاملي الشهادات العليا يتعرضون لهراوات قوات القمع لثنيهم عن المطالبة بالشغل كما أن الواقع يؤكد أن العطالة في تزايد مستمر خاصة بين حاملي الشهادات العليا، وأن نسبة مناصب الشغل التي يتم خلقها سنويا أقل بكثير من طالبي الشغل المتزايدين سنويا. فالبطالة أصبحت في المغرب تكتسي طابعا هيكليا، حيث أن أكثر من 70 % من العاطلين يبحثون عن العمل لأكثر من سنة، علما أن 80 % من العاطلين عن العمل لم يستغلوا من قبل.
إن مثل هذا الواقع من الاقصاء من الشغل ومن الحق في العمل، يدفع الكثير من الشباب إلى اليأس الذي يصل في بعض الأحيان إلى درجة الانتحار (عبر قوارب الموت). فالبطالة التي تضرب أبناء الكادحين في البوادي والمدن أصبحت تشكل مأساة اجتماعية تطال أغلب الأسر المغربية.
أما بالنسبة لاستقرار العمل، فالملاحظ هو صمت الدولة المتواطئ في مواجهة التسريحات الجماعية للعمال من طرف الشركات الإنتاجية، مع تجاهل مقصود في مواجهة عدم تطبيق مدونة الشغل وعدم تنفيذ الأحكام القضائية التي تكون في صالح العمال. كما تؤكد حادثة روزامور التي ذهبت بحياة 66 عاملة وعامل مدى استهتار الدولة بحقوق العمال، نفس الشيء بالنسبة لانهيار عمارة المنال بالقنيطرة، فالحادثتين هما تكثيف لعدم احترام الدولة للحقوق الشغلية للعمال والذي يذهب ضحيته كل يوم العديد من العمال والعاملات في الصناعة أو الزراعة.
إن مختلف البرامج التي اعتمدتها الدولة من أجل ادماج الشباب كانت تشمل وسائل لاستغلالهم وبالتالي الرمي بهم إلى الشارع. كما أن عدد من الشباب الذين وقعوا على عقود عمل في الخارج عبر مؤسسات رسمية كما حدث ل 30 ألف شاب مع شركة النجاة الاماراتية في عهد وزير التشغيل السابق عباس الفاسي، انتهت كسراب أمام هؤلاء الشباب.
كما يشكل تشغيل الأطفال خارج أية ضوابط ظاهرة واسعة الانتشار في بلادنا،(600.000 طفل). وهذا الواقع ناجم عن السماح بتشغيل الأطفال دون السن القانونية في مجال الصناعة التقليدية والفلاحة واستغلالهم في مؤسسات خاصة اضافة إلى ظاهرة خادمات البيوت الصغيرات السن.
إن الخروج من الدائرة المفرغة للعطالة تتطلب اعتماد سياسة مالية توسعية من خلال مشاريع عمومية كبرى واعادة الاعتبار للمرفق العمومي عبر ايقاف نزيف الخوصصة بل وتأميم القطاعات الاستراتيجية بدلا من خوصصتها وذلك بهدف استيعاب الطاقات المعطلة، فمن شأن هذا الاستيعاب أن يخلق مداخيل جديدة تساهم في توسيع السوق الداخلي وتزايد الاستهلاك والاستثمار والانتاج وتحصيل الدولة برسم الضرائب على عائدات مهمة تعيد للميزانية بعض توازنها.

- ضرب الحق في الحياة الكريمة للمواطن
إن سياسات الميزانية في المغرب منذ اعتماد سياسة التقويم الهيكلي ظلت عبارة عن سياسات انكماشية تنتج الفقر والبطالة وتضرب حق المواطنين في الحياة الكريمة. فواقع البطالة وانتشار الفقر بالإضافة إلى تدهور الحق في الشغل وفي الصحة وفي التعليم، يبين بأن الدولة لم تقم بأي مجهود في هذا الصدد، بل إن الحياة الكريمة للمواطن في تراجع متواصل.
وقد قام أحد الباحثين باجراء دراسة حول انعكاس غلاء خمس مواد أساسية على العامل وهي (دقيق فارينا، والسكر والزيت والحليب واللحوم) من خلال قياس ضغط أسعار هذه المواد سنة 1990 على الحد الأدنى لأجر العامل مقارنة بضغط أسعار هذه المواد على الحد الأدنى لأجر العامل سنة 2008، وقد خلصت الدراسة إلى ما يلي:

في سنة 1990 حينما كان الحد الأدنى لأجر العامل يبلغ 1248 درهم بلغت نسبة استهلاك هذه المواد مقارنة بالحد الأدنى للأجر 52 % ؛
وفي سنة 2008 حينما بلغ الحد الأدنى للأجر نسبة استهلاك هذه المواد بنفس الكمية مقارنة بالحد الأدنى للأجر 70 %.
وهذه النتيجة تؤكد على أن العامل سنة 2008 أصبح أكثر ضعفا وقهرا في مواجهة الغلاء المتزايد.
وتبدوا انعكاسات تدهور الحق في الحياة الكريمة صارخة في العالم القروي مقارنة بالمناطق الحضرية، فقد أدى الفشل الدريع للسياسة الفلاحية القائمة على استراتيجية الانتاج من أجل التصدسر واهمال تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتوجات الغذائية إلى انعكاسات سلبية على الساكنة القروية ومنها ما يلي:
- عجز الفلاحين الفقراء والصغار على الاستمرار في تجهيز آبارهم مما دفع بالعديد منهم إلى التحول في أحسن الأحوال إلى عمال زراعيين إن لم بلتحقوا بصفوف البطالة وبالهجرة نحو المدن؛
- لجوء الفلاحين المتوسطين إلى القروض لمواجهة متطلبات النفقات الاضافية التي أصبح يفرضها نضوب آبارهم حتى يحافظوا على مزارعهم ونشاطهم الفلاحي في حده الأدنى؛
- تفاقم الانحرافات الاجتماعية في البادية: كالغاء والتسول والتعاطي للمخدرات واللصوصية؛
- ومعلوم أن انخفاظ النشاط الفلاحي لأغلبية الفلاحين الفقراء يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العامة للبلاد؛
- كما أن التوجه الخارجي للاقتصاد يحافظ على ازدواجية الاقتصاد أحدهما عصري ومستقر في المدن الساحلية الكبرى، والثاني تقليدي متمركز في المدن الداخلية العتيقة ويعاني من التخلف المريع.
لذا فإن البدائل عن هذه الوضعية الصارخة من التخلف تتطلب ميزانية توسعية تأخذ بعين الاعتبار ارتقاء الجماهير الشعبية الواسعة من حالة الفقر والتخلف التي يعيشونها نحو مستوى من الكرامة الانسانية ولا يمكن لهذه الأهداف أن تتحقق في ظل غياب ديموقراطية حقيقية وتفاوت الفوارق الطبقية واغماض العين على الجرائم الاقتصادية واهمال شبه تام للفلاحين الفقراء في البادية، مع النظر فقط للارباح التي يراكمها أصحاب رؤوس الأموال المغاربة والأجانب على حساب أغلب فئات الشعب المغربي.


ثانيا: اختلالات بنية مشروع ميزانية 2009

يتسم مشروع ميزانية 2009 باختلالات بنيوية كما هو الشأن بالنسبة لكافة الميزانيات العامة المعتمدة في بلادنا سابقا ويمكن تقديم بعض الامثلة عن هذه الاختلالات سواء بالنسبة للنفقات العمومية أو بالنسبة للمداخيل العمومية.
1 – اختلال النفقات العمومية
أ – الاختلالات الهيكلية للإنفاق العمومي:
إن الاختلال الذي يطبع هيكل الإنفاق العمومي وهل هو إنفاق لغرض التسيير أو لغرض خدمة الدين العمومي أو من أجل الاستثمار أصبح مزمنا، بحيث ظلت الكفة تميل لجانب نفقات التسيير بحوالي 60 % مجموع النفقات العمومية تليها نفقات الدين العمومي التي تقل عن ثلث الميزانية بقليل 23 % وفي الأخير تأتي نفقات الاستثمار التي رغم زيادة نسبتها إلا أنها لا تتجاوز 18 % .
ويؤكد هذا الاختلال أن الدولة تستهلك أكثر مما تنتج، وأن استهلاكها هذا تمتصه الطبقة الحاكمة كما سنرى ذلك فيما بعد على حساب القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. فقد حافظت الدولة على نفس وثيرة الاستهلاك منذ عقود، لذلك من البديهي أن تعرف عجز مزمنا ولجوءا متواترا نحو المديونية بشقيها الداخلي والخارجي. وبطبيعة الحال فإن عدم القدرة على سداد الديون ومطالبة الدائنين بجدولتها يجعل الدولة تخضع للتكييفات التي تفرضها الامبريالية عليها من أجل خدمة مصالحها.
وفيما يلي هيكل النفقات العمومية:
ستعرف النفقات العمومية في ظل القانون المالي لسنة 2009 زيادة بنسبة 21,85 % مقارنة مع سنة 2008 أي بمبلغ 253 مليار درهم.
ويمكن النظر إلى بنية النفقات العمومية من عدة جوانب، فيمكن تقسيمها إلى نفقات التسيير ونفقات استثمار ونفقات خدمة الدين العمومي الداخلي والخارجي، كما يمكن تقسيم هذه النفقات إلى نفقات اجتماعية ونفقات اقتصادية ونفقات سياسية وأمنية. ونشير هنا إلى الإختلالات التي تميز كل تقسيم على حدة.
فبالنسبة لتقسيم نفقات الميزانية إلى نفقات التسيير ونفقات الاستثمار ونفقات الدين يمكن أن نلاحظ اختلال مزمن يتمثل في هيمنة نفقات التسيير والدين العمومي على حساب نفقات الاستثمار المنتج:
فحصة نفقات التسيير تبلغ في مشروع القانون المالي لسنة 2009 حوالي 60 % أي بمبلغ 150 مليار درهم؛
بينما تحضى نفقات خدمة الدين العمومي بالمرتبة الثانية بحوالي 23 % أي بمبلغ 57 مليار درهم منها 12,25 % مخصصة لمدفوعات المديونية الخارجية و87,74 % مخصصة لمدفوعات المديونية الداخلية.
أما نفقات الاستثمار العمومي فتضل في أسفل السلم بنسبة 18 % فقط أي بمبلغ 45 مليار درهم، علما بأن هناك رصيدا بمبلغ 8,5 مليار درهم من اعتمادات الاستثمار المقررة في إطار ميزانية 2008 لم يتم الأمر بصرفها وتم ترحيلها إلى سنة 2009. ويؤكد لنا وجود هذا الرصيد بأن نسبة إنجاز الأهداف التنموية المعلنة في إطار ميزانية 2008 لم تتعد 65 %، نفس الشيء بالنسبة لميزانية 2007 حيث تم نقل رصيد بمبلغ 9 مليار درهم. كما يؤكد لنا هذا الرصيد بأن القانون المالي يضل مجرد توقعات لا يمكنه أن يؤكد لنا مصداقية الأهداف الحكومية في العديد من القطاعات، والتي لا بد من أن تتوفر لدينا حسابات ختامية حديثة للتعرف على مدى إنجاز الأهداف المرسومة(ومعلوم أن آخر قانون للتصفية قدم للبرلمان هو المتعلق بميزانية سنة 2000).
ب – الاختلالات التي تطبع اعتمادات الإنفاق العمومي:
الاختلال الآخر الذي يطبع النفقات العمومية يتمثل في توزيع الاعتمادات المالية بين القطاعات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية. فالقطاعات الإدارية والتي يمكن وصفها بقطاعات السيادة أو ذات الطابع السياسي والأمني تحظى بالأولوية على حساب القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
فالملاحظ على هذه النفقات هو هيمنة النفقات السياسية على حساب النفقات الاقتصادية والاجتماعية. فميزانيات البلاط والداخلية والخارجية والدفاع والعدل والوزارة الأولى والبرلمان والاقتصاد والمالية تصل إلى حوالي 164 مليار درهم وتحظى بالأولوية بينما القطاعات الاقتصادية والمتعلقة بميزانيات الطاقة والمعادن والصناعة والتجارة والشؤون الاقتصادية والعامة والتجارة الخارجية والمندوبية السامية للتخطيط والتجهيز والنقل واعداد التراب الوطني والماء والبيئة فلا تتجاوز 18 مليار درهم.
من جهة أخرى إذا ما استثنينا قطاعات الصحة والتعليم والإسكان فإن القطاعات الاجتماعية وتشمل عشرة وزارات هي التشغيل والتنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن والثقافة والأوقاف وقدماء المقاومين والشباب والرياضة والسياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري ومنذوبية المياه والغابات فنجدها لا تتجاوز 10 مليار درهم وهذا في الوقت الذي تستفرد فيه وزارة الداخلية بمفردها على 16 مليار درهم وهو ما يؤكد مرة أخرى أولوية الهاجس الأمني على القطاعات الاجتماعية كيفما كان نوعها حتى وإن تعلق الأمر بقطاع مثل وزارة الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري.
وعموما فإن الاختلال والتفاوت الحاصل في النفقات العمومية، يقوم أساسا على عدد من العوامل نجد من بينها ما يلي:

2 – اختلال الضرائب على الإنفاق
لا يقتصر الاختلال على هيكل واعتمادات النفقات العمومية، بل نجد هذا الاختلال كذلك في مجال الضرائب على الإنفاق كالضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركيةو ورسوم التسجيل والتنبر والضرائب على الاستهلاك. ويبدوا هذا الاختلال من خلال كيفية تعامل هذه الضرائب مع طبيعة السلع والخدمات وهل هي سلع وخدمات أساسية حيوية أو سلع وخدمات أساسية وسيطة أو سلع وخدمات عادية أو سلع وخدمات كمالية.
فتعامل الميزانية العامة مع هذه الأصناف من السلع والخدمات ضل دائما يتسم بالحيف على مستوى السلع والخدمات واسعة الاستهلاك نظرا لحيويتها للمواطنين ونلاحظ كيف تحاول الدولة رفع الضرائب على هذا النوع نظرا لأنه عديم المرونة وتستهلكه أوسع فئات المجتمع مما يحقق للدولة مداخيل كبيرة تعوضها عما تفقده من مداخيل نظرا للاعفاءات التي تجريها على الرسوم الجمركية وسلع التجهيز والسلع الكمالية.
فعند اقرار الضريبة على القيمة المضافة لتحل محل الضريبة على المنتوجات والضريبة على الخدمات كان هناك سعر ضريبي بقيمة 30 % كان يفرض على المواد الكمالية. لكن معارضة الطبقات الحاكمة لهذا المعدل لأنه يطال استهلاكاتها البدخية أدى إلى تقليص هذا المعدل لكي يصبح كأي سلعة أو خدمة عادية تخضع لمعدل 20 %.

3 – اختلال المداخيل العمومية
تزايدت الموارد العمومية في ظل مشروع القانون المالي لسنة 2009 بنسبة 23,70 % عن سنة 2008 أي بمبلغ 295 مليار درهم. وترجع هذه الزيادة بالأساس إلى مداخيل بعض رسوم التسجيل والتنبر والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد والضريبة على الشركات وحصيلة الرسم على المنتجات الطاقية.
أما مساهمة باقي الموارد العمومية كعائدات ومداخيل الدولة والاحتكارات والاستغلالات فهي إما ثابثة أو في اتجاه الانخفاض، وعلى العموم فإن مبالغ هذه الموارد تبقى هزيلة، أما بالنسبة للقروض فتتزايد على مستوى القروض الخارجية حيث سجلت نسبة 34,42 % كما تتزايد الاقتراضات الداخلية بنسبة 30,11 %.
فتراجع مداخيل الدولة الاستثنائية يؤدي إلى ايجاد بدائل أخرى تتمثل أساسا في توسيع الوعاء الجبائي بشكل يحابي رأس المال ويزيد من الضغط الضريبي على ذوي الدخل المحدود. وهذا هو ما تسميه السلطات الجبائية بالإصلاح الجبائي.



على سبيل الخاتمة
يبدوا من خلال ما سبق تطويع الرأسمالية للأداة المالية لخدمة مصالحها، فسياسة الميزانية تشتغل لصالح رأس المال بكل وقاحة، فقد تم مؤخرا منح هدية كبيرة للرأس المال من خلال تخفيض الضريبة على الشركات من 35 % إلى 30 % والذي لن تستفيد منه سوى الشركات متعددة الاستيطان بينما يتم تضريب المداخيل الصغرى والمتوسطة بشكل قوي سواء عبر الضريبة على الدخل أو عبر الضرائب على الإنفاق، فمن جهة تتقلص الأجور بسبب ارتفاع الضريبة على المداخيل الصغرى والمتوسطة ومن جهة أخرى ترتفع الأسعار نتيجة ارتفاع معدلات الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على السلع والخدمات الأساسية.
وإذا كانت الطبقات الكادحة هي أكبر ممول لمداخيل الميزانية من خلال ارتفاع المعدلات الضريبية المفروضة على مداخيلها، فإن هذه الطبقات هي الأقل استفادة من النفقات العمومية، بل أن هذه النفقات تستهدف تقليص الإنفاق الاجتماعي خصوصا على مستوى التعليم والصحة العموميين إضافة إلى العطالة المتفاحشة وعدم إيجاد الشغل القار لأبناء الطبقة العاملة، بينما يتوسع الإنفاق على القطاعات الإدارية والأمنية.
وعواقب هذه السياسات تبقى واضحة للجميع، فبينما يحقق رأس المال أرباحا خيالية، يذهب جزء كبير منها نحو المراكز الرأسمالية العالمية عبر تحويل عائدات رأس المال المستثمر من طرف الشركات متعددة الإستيطان أو عبر خدمة الدين العمومي وجزء آخر يغتني به التحالف الطبقي الحاكم والرأسمال المحلي، في المقابل يتزايد تدهور الأحوال الاجتماعية لعموم الجماهير الشعبية الكادحة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال أنه بتزامن مع تنفيذ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يتنازل موقع المغرب في سلم التنمية البشرية من 123 إلى 126.
إن سياسة الميزانية في المغرب تفتقد إذن لأية مصداقية ذلك أن العقد الاجتماعي المفترض والذي يجب أن يقوم بين مختلف أفراد هذا الشعب على أساس من التضامن الاجتماعي نجذه يضرب بكل قوة من طرف رأس المال الذي يشدد استغلال الطبقات الكادحة المستغلة.
الحلول المؤقتة للأزمة الراهنة والمستقبلية يكمن في اعتماد ميزانية تنموية توسعية تستهدف توسيع السوق الداخلي من خلال الرفع من الرواتب والأجور بشكل محسوس، واعتماد مشاريع عمومية كبرى في المجالات التي يعاني فيها المغرب من عجز كبير كمجال الصحة والتعليم واعتماد اصلاح زراعي يرمي الى تثبيت الفلاحين في قراهم مع تشجيع الانتاج الفلاحي والصناعي لتلبية الحاجيات الأساسية للجماهير الشعبية، فبهذه الطريقة ستكون الميزانية العامة في خدمة التنمية وتوسيع السوق الداخلي والاكتفاء الذاتي من المواد الغدائية وفي عدد من الصناعات التي تلبي الحاجيات الداخلية.
كما يمكن في هذا الاطار استيعاب الأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا، الذين سيشكلون رافعة جديدة للدينامية الاقتصادية.





#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى الستين للاعلان العالمي لحقوق الانسان
- الأزمة المالية وآفاق الرأسمالية المأزومة
- الحد من الجريمة والإجرام لا يعالج بالوسائل الأمنية
- اندثار الأمل
- وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب
- السياسة الاجتماعية في المغرب ومواجهة الفقر
- أثرياء يمارسون التهريب القانوني للعملة
- الأزمة والانتفاضات الاجتماعية في المغرب
- حكومة بدون شعب، وشعب محروم من حكومة تعبر عن ارادته الجماعية
- قراءة سريعة في 10 سنوات من الأداء الاقتصادي
- أسباب فشل الملتقى الرابع لتنسيقيات مناهضة الغلاء
- نداء إلى تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية
- مسؤولية الدولة قائمة في محرقة ليساسفة
- سلطات الباطرونا تتغلب على سلطة الدولة
- هجوم رأسمالي على الطبقة العاملة وخمول سياسي ونقابي في مواجعة ...
- أوضاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحين بالمغرب
- المغرب بين الوضع الحقوقي الدولي والجهوي
- لا يمكن توقع ردود فعل الجماهير إزاء ارتفاع الأسعار
- السياسة الاقتصادية لا تخدم سوى مصالح رأس المال المحلي والدول ...
- الغلاء يفضح ضعف السياسة الاقتصادية بالمغرب


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد السلام أديب - قراءة نقدية سريعة في مشروع ميزانية 2009