|
د. النابلسي من الإخوان الجدد إلى المعتزلة الجدد(2/1)
هوشنك بروكا
الحوار المتمدن-العدد: 2504 - 2008 / 12 / 23 - 09:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا أخفي عن القارئ، بأني كنت ولا أزال من المتابعين النهمين لكتابات د. شاكر النابلسي، منذ أن تعرفت على حروفه الليبرالية، عبر نافذة إيلاف، منذ سنواتٍ عدة خلت. ولايُنكر، بالطبع، بأن النابلسي إسمٌ كبير ولامع، في فضاء الليبرالية العربية الجديدة، التي كان ولا يزال هو أهلاً لها، وواحداً من أشهر منظريّها، ومعربيّها، وناشريها، و"مسوّقيها"، الذين لا يرون أي مستقبل للعرب، ولكل قادمٍ من "خير أمةٍ أخرجت للناس"، خارج حدودها التي رسمها يوماً في مانيفستو محددة ب 25 مبدأ "واجب وضروي"، سماها ب"فلسفة المستقبل"( يُنظر: من هم الليبراليون العرب الجدد، وما هو خطابهم؟، الحوار المتمدن، 23.06.04).
القارئ لخطاب النابلسي بعناية، سيكتشف أنه "ليبرالي مؤمن"، لا يسعى إلى القفز فوق الدين، بقدر ما أنه يسعى إلى الدخول "الصحيح" إليه، وفقاً لطريقته الليبرالية الخاصة في التعاطي مع السماء وماورائياته. وربما من هذا الباب، تحديداً، هو لا ينسى أن يلقي قافية "السلام عليكم" على قارئه، في ختام كل مكتوبٍ أو مقال. وهنا لا بدّ أن أبوح للقارئ بأني كلما وصلت إلى خاتمةٍ للنابلسي مختومة ب"السلام عليكم"، فإن الذاكرة تعيدني إلى خواتم الشاعر والباحث الفلسطيني سلمان مصالحة، التي يوقعها بالعبارة أو "القافية اللازمة": "والعقل ولي التوفيق".
لا شك أن الليبرالية، كما نظّر لها الكبار الأوائل السابقون، كما اللاحقون، ليست ضداً للإيمان بدينٍ، أياً كان هذا الدين، وصوب أيّ سماءٍ كانت. ود. النابلسي، نفسه، هو واحدٌ من المنظّرين في هذا الإتجاه "المؤمن"، على مستوى الخطاب،، ممن يسعون إلى التأسيس لنقد ليبرالي للدين من الداخل، بدلاً من استعدائه، أو جعله مجرد ملعبٍ ساخر، للعب بمقدساته، وبالتالي النيل من تاريخ الله فيه، لمصلحة تواريخ أخرى، غير مجدية. فهو من الداعين ل"نقد المقدس"، ولكن بعيداً، عن "السخرية والسباب"، وذلك عبر "النقد العلمي الحقيقي العميق"، العابر ل"من التأويلية"، و"لماذا التقويمية"، لأجل الوصول، في المنتهى النقدي، إلى "الرشد الحقيقي". ويشرح د. النابلسي نقده هذا، في البند الثالث، من المانيفستو الليبرالي، مؤكداً على ضرورة "إخضاع المقدس والتراث والتشريع والقيم الأخلاقية للنقد العميق، وتطبيق النقد العلمي الذي يتلخص في مبدأ الجينولوجيا الذي يتلخص بالسؤال التأويلي (من؟) وبالسؤال التقويمي (لماذا؟)، وبحيث يكون النقد تأويلاً وتقويماً لا مجرد سخرية وسباب، باعتبار أن الجينيالوجيا هي أداة وعي الحداثة، حيث يصبح النقد الحقيقي سبيلاً إلى الرشد الحقيقي". إلى هنا، لا ضير، بالطبع، في ليبراليٍّ يؤمن بما يشاء وكيفما يشاء، لأن الليبرالية، أولها حرية وآخرها حرية؛ حرية العبادة والإيمان والرأي والفكر واللسان والسياسة والإجتماع والإقتصاد..؛ حرية الذات والآخر معاً، حرية المفرد في المجموع وحرية المجموع في المفرد.
ولكن إشكالية إيمان النابلسي، كما أقرأها، على المستوى الفكري بالطبع، هو أنه إيمان يتذبذب بين دينين، وعقيدتين، وفكرين، وسماءَين، وأرضَين، وماضيين، وقادمين، وخلاصين. والغريب، أو الخارج على "الإيمان الليبرالي"، في إيمان فكر النابلسي، هو أنه إيمانٌ "ملتهب"، في كلتا الحالتين؛ إيمانٌ واعدٌ وموعودٌ؛ إيمانٌ يتمنى ويريد، أكثر من قراءته للواقع الممكن؛ إيمان يطير في السماء أكثر مما يمشي على الأرض؛ وإيمانٌ قارئ في كف النصوص، أكثر من قراءته في عقلها؛ هو إيمانٌ راسخٌ، مع كلا النقيضين، واثقٌ بالنصر المبين الأكيد، أو شبيهه. لا شك، أنّ الأمل وزرعه في النفوس المهدورة، لا سيما النفس الشرقية بعامة، والعربية الإسلامية منها بخاصة، لشيء جميل، ولكن هذا لا يعني "تحريف الأمل" أو "تخريفه"، أو صناعته، كمجرد بضاعة للتسويق المحلي، الآني، الذي يندرج في المنتهى تحت خانة "الأمل الميتافيزيقي"، البعيد، اللاممكن، تماماً ك"الأمل الديني"، المدفون في قصص التراث على امتداد شرقنا الديني، وما أكثرها. والحال، فإنّ الأمل، في خطاب النابلسي، يضيع طريقه في بعض الأحيان، ليتحول إلى "أمل ميتافيزيقي ديني، يطير في السماء"، أكثر من كونه "أملاً فيزيقياً واقعياً ليبرالياً، يمشي على الأرض".
ما دفعني إلى هذه المقارنة، بين إيمانَي د. النابلسي الفكريين؛ وأقصد "الإيمان الأخواني السابق" و" الإيمان المعتزلي اللاحق"، هو مقاله الأخير المعنون ب"صراع الإسلام والعقل، في معركة الأفكار"، المنشور في إيلاف(الأربعاء، 17 ديسمبر 2008). لا شك، أنّ في هذا المقال كلام جميل في مغرب العقل العربي، و"تنبؤ" أجمل ب"مستقبل العقل العربي ـ الإسلامي" القادم عبر بوابة العرب الغربية(المغرب العربي). ولكن هذا ليس بيت القصيد، وبيت المآل في هذا المقال.
ما يهمني في هذا المقال، هو قراءة "إيمانيات" النابلسي الفكرية، المتأرجحة بين خطين، أو فكرين، أو مدرستين، أو "دينين إسلاميين": دين "الإخوان المسلمين" الذين سماهم النابلسي قبل سنواتٍ قريبة مضت، ب"الإخوان الجدد"، ودين المفكرين المتنورين المغاربة العرب، الذين سماهم في مقال الآن، ب"المعتزلة الجدد".
د. النابلسي، درس كلا الفكرين، والدينين، بإعتبارهما "جديدَين إيجابيين"، لا بل "جديدَين ليبراليَين"، بإمتياز. وعلقّ آمال الأمة على كلا الجديدين؛ جديد الإخوان وجديد المعتزلة، وتحمس للحدوث القادم منهما، بذات الروح الليبرالية، مثلما تنبأ ببركاتهما القادمة الجديدة، عبر ذات النافذة الليبرالية الجديدة.
على مستوى إيمانه الأول، السابق، سأتخذ من كتابات النابلسي التي تناولت قضية أقباط مصر بخاصة وقضية "مصر الإخوان" بعامة، منطلقاً لهذه القراءة، بإعتبارها كتابات تعبر عن طرق تفكير كاتب عربي مسلم مؤمن، بآخر قبطي(لاعربي ولامسلم)، وتكشف، تالياً، عما يمكن أن تفكر "ذات ليبرالية مؤمنة"، كذات النابلسي، بوجود مؤمن آخر مختلف، لا مناص من العيش المشترك معه، تحت سقف دستور واحد، لوطن واحد، بعلم واحد.
النابلسي تعاطف مع النقيضين؛ أقباط مصر ومصر الإخوان، وكتب في حقوق الإثنين، والوجود الشرعي للإثنين، كما نظّر في شرعية خطيهما، المتوازيين، الذين لن يلتقيا مهما امتدا، كما يقول الماضي والراهن من الإختلاف الكلي، الجذري بين مصريهما، مصر القبطية التي ترفع شعار المواطنة هي الحل..مصر أولاً، ومصر الإخوان التي رفعت، منذ التأسيس الأول سنة 1928، وشيخها الأول حسن البنا، ولا تزال، شعار الإسلام هو الحل..الخلافة أولاً. من الجميل جداً، أن يلتقي المختلفون في ائتلافٍ واحد، كي يتفقوا، في الأقل، على ما يمكن الإتفاق عليه، من وطن مشترك، وحقوق مشتركة، في عيش مشترك، تحت سلطة دستور مشترك. ومن الأجمل، بالطبع، أن يكون أصحاب الفكر، لا سيما الفكر الليبرالي، المبادرون الأوائل، لأجل التأسيس الفكري، النظري، لهكذا أوطان محتملة، مختلفة مؤتلفة، تجمع كل أطياف ومكونات وتيارات الوطن الواحد، تحت سقف حقوق موحدة. ولكن هذا لا يعني، بالضرورة، ركوب التنظير، للمستحيل البعيد، اللاممكن، في أوطان غير ممكنة، ودستاتير مستحيلة، خصوصاً تلك التي، تريد أن تدخل الوطن(كل الوطن) وتزجه، في الماضي البعيد جداً، لتعيد بالحاضر منه ومما عليه من مكونات كثيرة مختلفة، والمستقبل منها أيضاً، إلى ماضٍ واحدٍ أحد، عمره يزيد عن 14 قرناً من الزمان.
من قرأ كتابات النابلسي في شئون هذين النقيضين المصريين(الأخوان&الأقباط) وأحوالهما، في السنوات الأربع الأخيرة الماضية، سيلحظ بأنّ خطابه كان خطاباً مبالغاً فيه، في الحالين، وذهب به شطحاً ليس قليلاً، لدرجةٍ يمكن قراءته، أحياناً، بكونه كان "خطاباً في قراءة كف الأحلام" أكثر من كونه "خطاباً في قراءة الواقع".
في مقالٍ له نُشر تحت عنوان "هل سيدخل الإخوان المسلمون القفص الذهبي؟(إيلاف، 11 يونيو 2005)، "يحلم" د. شاكر النابلسي ب"الدخول الذهبي" ل"الأخوان الذهبيين"، أو ما أطلق عليهم "الأخوان الجدد"، في "قفص مصر الذهبي"، ويتنبأ بذهب كثير للأمة العربية التي ستدخل "التاريخ الذهبي" عبر بوابة "الإسلام السياسي"، الذهبية، "العريضة"، "العريقة"، "المذهلة"، مبشراً ب"التحول الكبير" لجماعة "الإخوان المسلمين" من جماعة "دينية"، "طوباوية"، "عنيفة"، "جاهلية"، "سلفية تدعو إلى الخلافة"، "تؤمن بالبيعة"، إلى جماعة أخرى مختلفة تماماً عن "جماعة السلف"(سماها ب"جماعة الأخوان الجدد")، هي "سياسية"، "واقعية براغماتية"، "مرنة"، "تقدمية"، "رافضة للخلافة"، تؤمن بالدولة المدنية العلمانية كبديل للدولة الدينية"، "ديمقراطية"، "تؤمن بالإنتخابات والحقوق المدنية"، "مفتوحة على حقوق المرأة"، "ليبرالية"، على غرار أحزاب اوروبا المسيحية، كحزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني، والديمقراطي المسيحي في كل من سويسرا وإيطاليا!!!
كتب د. النابلسي كل هذا "الحلم الإخواني"(الإخوان الجدد طبعاً، بإعتبار أن الجيل الجديد من القياديين الإخوانيين الجدد/ Neo-Bros ، بحسب الكاتب، كعصام االعريان، ومحمد السيد حبيب، وعبد المنعم أبو الفتوح، هم مختلفون تماماً عن آبائهم القدامى، كسيد قطب، الذين قاموا ب"تجهيل العصر الحديث"، فهؤلاء الإخوان الجدد يحاورون الآن "المحافظين الجُدد Neo-Cons، على حد تعبيره، حلمئذٍ) كله، تحت تأثير "بشارة" عالم الإجتماع المصري د. سعدالدين إبراهيم، الذي "بلّط" طريق "الإخوان الجدد، المنقلبين على "خلافة" آبائهم"، إلى أمريكا المحافظين الجدد، لفتح صفحة "ذهبية" جديدة، أمام "الحوار الذهبي"، بين "إخوان الذهب" المصريين، ونظرائهم من المحافظين الذهبيين" الأمريكيين. وحجة د. سعدالدين إبراهيم، "الذهبية"، التي اتكأ عليها د. النابلسي، في أسباب التمهيد لهكذا حوار "ذهبي"، بين "مصر الإخوان الجدد" و"أمريكا المحافظين الجدد"، كانت آنذاك، "ضرورة تجاوز الغربيين للخوف من الأحزاب الدينية الإسلامية في العالم العربي والتعامل معها ببراغماتية"؛ وضرورة فهم واقع الإسلاميين، بإنهم "منظمون جداً ويحظون بالشعبية"، "صحيح أنّ بعضهم أنشأ ذراعاً مسلّحاً داخل حركته هدفها الظاهري مقاومة الاحتلال الأجنبي ("حزب الله" في لبنان، "الجهاد الإسلامي" في فلسطين) أو مواجهة الأنظمة الاستبدادية، لكن في مختلف الحالات، هناك نواة إسلامية معتدلة وأقلّ عنفاً"، على حدّ قول د. إبراهيم.
بناءً على هذا "الإيمان" ب"اعتدالية" و"لاعنفية" الغالبية من الأحزاب الإسلامية، على اختلاف مشاربها، وفي مقدمتها "جماعة الإخوان الجدد"، ودخولها في مرحلة "الإسلام السياسي الجديد"، وتأسيساً على اعتقاد بعض المراقبين ببروز أحزاب إسلامية ديمقراطية بكل ما لهذه الكلمة من معنى، في المستقبل العاجل"، على حد تعبير د. إبراهيم، نظّر النابلسي لهذا "الحلم الذهبي"، بقيادة "الأخوان الجدد"، أو "أخوان الذهب". تأسيساً على كل ذلك، خرج علينا الدكتور النابلسي ب"نظريته الذهبية" عن "إخوان الذهب"، وكأنه يريد أن يقول للدكتور إبراهيم، ولنا، نحن القراء المستمعون، المنتظرون، بأفواه فاغرة: "وجدتها"...وذلك حين اخترق "المستقبل العاجل"، وعبره على عجلٍ، واصفاً "الحاضر" من "الإخوان الجدد" ب"الحاضر الحداثوي الليبرالي"، قائلاً: "ومن هذه الأحزاب جماعة الإخوان المسلمين التي أخذت في الفترة الأخيرة تتبنى ما في البراجماتية السياسية من حداثة وليبيرالية، بحيث غدا "الإسلام السياسي" بالنسبة لها عبارة عن قشرة طلاء ذهبية برّاقة لأغراض التسويق السياسي المحلي فقط، وارضاءً لغرائز الشارع العربي الدينية".
هكذا يخبرنا د. النابلسي، ب"التحول الجذري" لحركة الإخون المسلمين، من "حركة سلفية" تسيّس الإسلام، تعيش في الماضي الميت، إلى "حركة ليبرالية" مستقبلية، تأخذ من الإسلام السياسي، ك"قشرة طلاء ذهبية"، لأغراض التسويق السياسي، وإرضاءً لغريزة الدين المسيطرة على الشارع العربي!
وكي لا يكون كل هذا "الكلام الذهبي"، مجرد كلام عابر في الهواء الطلق، من دون دليل، اتكأ د. النابلسي في مقالٍ ثانٍ(نشر في إيلاف، 14 يونيو 2005، تحت عنوان "هل سيأتي الإخوان المسلمون بالطوفان الأكبر")، معطوفٍ على المقال الأول المذكور أعلاه، على كلام أعلام "الإخوان الجدد"، وكتب الكثير من الأمل، والكثير من المستبقل، والكثير من مصر، في "مذهبهم الذهبي الجديد"، ليخرج في منتهى المقال، بخطابٍ، مؤسسٍ في كليته، على كلام أولئك القادة الإخوان، فقط، ممن سماهم الكاتب ب"الإخوان الجدد". ورغم أن الكاتب يبدأ حلمه هذا ب"هل" مفتوحة، إلا أن القارئ يكتشف بأن في "هل"(ه) هاته، تجلس أكثر من قناعة، ويجلس أكثر من إيمان، بأن الحلم إلى "تحقيق عاجلٍ قريب"، لا سيما حين يختتم هذا الحلم بهذه "القناعة الضرورية"، ب"ضرورة" حدوث "تحالف ضروري" بين الضروريان الكبيران، أمريكا الكبيرة في الخارج، وجماعة الإخوان الجديدة الكبيرة في الداخل، ليولد "الطوفان الضروري الأكبر"، قائلاً: "لا محرمات في السياسة. والسياسة ليست فقط هي فن الممكن كما قال بسمارك القائد الألماني، ولكنها فن جعل الممكن ضرورياً، كما قال جاك شيراك. وهذا الممكن أصبح ضرورياً الآن للإخوان المسلمين وللأمريكان، كأكبر قوتين في الداخل والخارج. وهذا هو الطوفان الأكبر، الذي تخشاه بعض الأحزاب اليسارية، وتتمثل هذه الخشية صراحةً في قول الناشط السياسي اليساري المصري د. رفعت السعيد للباحث الفرنسي كزافييه تيرنسيان من أن: الخطر الأكبر هو أن يتحالف الإخوان مع الأمريكان، عندئذ لا يستطيع أحد أن يقف في وجه هذا التحالف . فهل سيأتي الإخوان المسلمون بالطوفان الأكبر، الذي لن يستطيع أحد الوقوف في طريقه؟!"
وبعد..فهل هناك إيمان بالإخوان و"رسالتهم الليبرالية"، كما خمّنها النابلسي، أكثر من إيمانٍ ملتهبٍ، كهذا "الإيمان الطوفاني"؟ ماذا تعني "لن" المقترنة ب"إذا"، في الجملة الأخيرة، فيما لو تحقق "الطوفان الإخواني"، كما أراد لها د. النابلسي، حين يقول بنشوة عالية: " فهل سيأتي الإخوان المسلمون بالطوفان الأكبر، الذي لن يستطيع أحد الوقوف في طريقه؟"!! هذا يعني أن الإخوان المسلمون، فيما لو تحقق طوفانهم، الذي نظّر له د. النابلسي، سيكونون "خاتم مصر النهائي"، ليدخل التاريخ في مصر إلى نهايته، وذلك على غرار ما كان قد توقعه الكاتب الأمريكي الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما، صاحب كتاب "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"(1992)، حين تنبأ بأن العالم سيدخل في تاريخه النهائي، الذي ستصبح الرأسمالية خاتماً نهائياً له. فمثلما تنبأ فوكوياما بمستقبل العالم، حين قال: "إن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولّى، وانتهى إلى دون رجعة، مع انتهاء الحرب الباردة، وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية"، كذلك تنبأ د. النابلسي ب"قرب دخول الإخوان الذهبيين في القفص الذهبي، لتدخل مصر معهم، عصر الدولة الليبرالية الذهبية"!!
أجري هذه المقارنة، بين تنبؤين ليبراليين: تنبؤ فوكوياما وتنبؤ النابلسي، مع فارق كبير جداً، بالطبع، بين "ليبرالية الرأسمالية" و"الليبرالية الإخوانية". هكذا أقرأ "لن" المقترنة ب"إذا" الشرطية، "الذهبية"، فيما لو حدثت "مصر الذهبية" تحت قيادة "آخوان الذهب"، الذين سيغمرون مصر ب"طوفانهم الذهبي"..حينها "لن" يستطيع أي أحد، الوقوف في طريق "ذهبهم"، الذي سيسبح في "ليبراليته"، كل المصريين وكل مصرهم معهم! ما الفرق إذن، بين ليبرالية النابلسي في هذا الخطاب "الطوفاني"، "الملتهب" في مديح القادم من "الإخوان الجدد"، و"ذهبهم الجديد"، وأي خطاب براق، لماع، ومعسول آخر، كخطابات عرّابي الفكر الإخواني الجديد، ممن بنى الكاتب عليها مستقبلياته، بمستقبل ملكهم الذهبي؟
تنبؤ د. النابلسي هذا، وتنظيره العجول، الخارج على حقيقة "الحقيقة" الإخوانية السلفية، المؤسسة على العقل الماضي، والحكم الماضي، والخلافة الماضية، أثار في حينه، ردود أفعال عنيفة، على طروحات النابلسي، خصوصاً من لدن الكتاب الليبراليين من ذوي الأصول القبطية.
في مقالٍ شافٍ ووافٍ له، نشر في إيلاف(15 يونيو 2005) تحت عنوان "الإخوان المسلمون والإخوان الحالمون"، وكردٍّ مباشر على تنظير د. النابلسي أعلاه، ومحاولاته لإثبات "نظريته" في "لَبرَلَة"(من الليبرالية) الإخوان المسلمين، كتب الكاتب الليبرالي المصري كمال غبريال: "حري في اعتقادي بإخواني الليبراليين الحالمين إما أن يكفوا عن محاولاتهم المستحيلة، أو أن يمارسوا دعوتهم تحت الاسم الحقيقي لها، وهو التبشير بالليبرالية للقضاء على تيار الإسلام السياسي، وليس محاولة تطوير الخطاب وإفساح المجال له باسم الليبرالية، لأن هذا هو حقيقة ما يفعلون بفرض إمكان تحقيقه، فبهذا وحده نكون مستقيمين وصادقين مع أنفسنا ومع الآخر!! همسة أخيرة في أذن الغرب الديموقراطي، وفي أذن إخواني الليبراليين الحالمين: لا تفتحوا للذئاب أبواب حظيرة الحملان". مع بروز هذا الخطاب الليبرالي الواصف لليبرالية د. النابلسي ب"الليبرالية الحالمة"، إلى جانب خطابات أخرى، انقسمت الليبرالية في حينها على صفحات إيلاف، على نفسها، إلى ليبراليتين، وربما أكثر: ليبرالية قرأت في الإخوان المسلمين وفكرهم السلفي، بإعتبارهم "إخواناً ذئاباً" في جلد الحمل، يغيّرون من جلودهم، ولكن أفكارهم وسياساتهم، تبقى أسيرةً، مقيمةً في الماضي السحيق، هي هي، قادمةً من ذاكرة شيوخها الماضيين، من السلف القديم جداً. وأخرى قرأتهم في كونهم "إخواناً جدداً"، ذهبيين، أو إخواناً حملاً أو إخواناً من حمامٍ وهديل، سيغمرون أمة العرب، في المستقبل العاجل، بدءأ من أم الدنيا مصر المحروسة، إلى ذهبٍ وفيرٍ وكثير.
..للمكتوب صلة
#هوشنك_بروكا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ثقافة- الحذاء
-
الباحثون عن ذواتهم
-
وماذا عن فوق كردستان كساد الفساد؟
-
نيجيرفان البارزاني في فخ القرضاوي
-
الأردوغانية: كذبة -تركيا العدالة- الكبرى
-
الأكراد الحمر
-
أمريكا المعتدية وسوريا المتعدّية
-
تركيا أتاتورك و-أتاكُرد- كردستان
-
عراق الأكثريات الديكتاتورية
-
سجن الدنيا في الدين..لماذا؟
-
سلام الأسد، الناقص والضعيف
-
طرد العراق من العراق
-
كذبة كردستان العلمانية!
-
قف لنبكِ
-
جمهورية المعتقلات -الطيبة-
-
كركوك -الصحيحة-: عراقٌ للكل من العراق إلى العراق
-
نبوءة مدريد الأخيرة: باي باي هنتنغتون!!!
-
الطريق إلى كردستان لا تعبر بخطف المدنيين
-
جميلات نيجيرفان بارزاني
-
إسرائيل، شماعة العرب الأبدية
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|