|
أبعاد ومخاطر تكريس سياسة اللهجات الأمازيغية بالمغرب
مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 770 - 2004 / 3 / 11 - 08:07
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
ما هي الخلفيات التي تحكمت في إصدار الكتب الثلاثة للمستوى التعليمي الأول من طرف وزارة التربية الوطنية باتفاق مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؟ أليس هناك سعي من وراء اعتماد المنطق اللهجاتي إلى خلق "طائفية ثقافية" قد تؤدي بنا إلى ما لاتحمد عقباه؟ وهل سيقبل ممثلو الحركة الثقافية الأمازيغية واقع الأمر علما بأن ميثاق أكادير، أحد المنطلقات الأساسية لهذه الحركة، ينص بصريح العبارة على توحيد ومعيرة اللغة الأمازيغية؟ أسئلة تتلاحق وأخرى تتناسل تشكل محاور هذه الورقة:
أقر المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن تتولى لجنة خاصة من ضمن أعضائه بلورة الاستراتيجية التي ستعتمد في تدريس اللغة الأمازيغية ابتداء من السنة القادمة أي المستوى الثاني من التعليم الأساسي على اعتبار أن السنة الجارية قد تم فيها اعتماد الكتب الثلاثة للمستوى الأول والتي أصدرتها وزارة التربية الوطنية بتعاون مع المعهد، خلال الدورة الثانية من السنة الدراسية الجارية، وهي الكتب التي تكرس بشكل واضح وملموس اللهجات الأمازيغية الثلاث. وجدير بالذكر أن إحداث هذه اللجنة جاء بعد الاستياء الذي خيم على أشغال الدورة الأخيرة للمجلس الإداري للمعهد (مارس)، وذلك لكون هذه الكتب الثلاثة صدرت بدون استشارة أعضاء المجلس الإداري. واعتبر هذا العمل خطأ ارتكب من طرف مركز الديداكتيك الذي يترأسه السيد بلعيد بودريس. أما ممثل وزارة التعليم بالمجلس الإداري فقد برأ ساحة الوزارة ـ حينما وجهت إليها أصابع الاتهام ـ من أي توجه قد يكون تحكيم في إقرارها للكتب الثلاثة. وهكذا ينتظر أن تتمخض عن اجتماع اللجنة الخاصة الذي سينظم بتاريخ 20 مارس الجاري بمدينة خنيفرة نتائج تتمثل في تحديد المسار الذي سيكون إما وحدويا بمعنى وحدة الكتاب المدرسي أي الكتاب الموحد أو لهجاتيا بمعنى اعتماد ثلاثة كتب حسب منطق اللهجات المعتمدة في نشرة اللهجات بالتلفزة المغربية. مما لا شك فيه أن الحركة الثقافية الأمازيغية منذ نشأتها وهي تطالب بتوحيد اللغة الأمازيغية، ليس فقط على المستوى الوطني بل على مستوى دول شمال إفريقيا، وقد تبلور هذا المطلب خلال ملتقيات الكونغريس العالمي الأمازيغي في محطاته المتعددة، وقبل ذلك تبلور أكثر في ميثاق أكادير (الصادر في غشت 1991) الذي من بين مطالبه إحداث معهد للأبحاث والدراسات الأمازيغية يتولى مهمة توحيد ومعيرة اللغة الأمازيغية، كما تبلور في مختلف أدبيات الحركة الثقافية الأمازيغية وخاصة منها المرتبطة بالمجلس الوطني للتنسيق خلال سنوات عقد التسعينات من القرن الماضي وفي المذكرة المرفوعة من الجمعيات الأمازيغية إلى الملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة التعديل الدستوري عام 1996. الملاحظ في هذا السياق أن الملك الراحل الحسن الثاني كان واضحا في خطابه بمناسبة 20 غشت 1994 حينما دعا إلى تدريس اللهجات البربرية، وقد جسد معالم ذلك من خلال إحداث نشرة اللهجات بتلفزة دار البريهي (تاشلحيت، تاريفيت وتامازيغت) خلافا لما جاء به خطاب أجدير بتاريخ 17 أكتوبر 2001 الذي أكد فيه الملك محمد السادس "أن الأمازيغية التي تمتد في أعماق تاريخ الشعب المغربي هي ملك لكل المغاربة بكل استثناء"، وأحدث بعد ذلك معهدا ملكيا للثقافة الأمازيغية ليتولى تدبير الشأن الأمازيغي في إطار التوجه المرسوم، مع الإشارة إلى أن الملك محمدا السادس لم ينطق في خطاب أجدير ولا في الظهير المحدث للمعهد بكلمة اللغة الأمازيغية تاركا، ربما، الأمر للمعهد الملكي للحسم فيه. وهذا ما يفسر اختيار المركز الديداكتيكي وإدارة المعهد للتوجه اللهجاتي في غيبة المجلس الإداري للمعهد، مما أحدث شرخا داخل صفوف المعهد تجسد بامتياز خلال أشغال هذه الدورة. وقد بادرت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي (في انتظار لحاق الجمعيات الأخرى بها) إلى إصدار بيان استنكاري في الموضوع أعلنت فيه رفضها المطلق لاستعمال واعتماد الكتب المذكورة في المدارس العمومية، مطالبة بتعويضها بكتاب واحد يعكس مطلب الحركة الأمازيغية والإرادة الملكية والمتمثلة في تدريس اللغة الأمازيغية المعيارية الموحدة لكافة المغاربة. الأكيد أن التوجه اللهجاتي الذي تحكم في منطق إصدار الكتب المدرسية الثلاثة ينطوي على عدة أبعاد خطيرة نسوق منها ما يلي: ـ تكريس الطائفية حسب المنطق اللهجاتي الذي اعتمد رسميا منذ فجر الاستقلال وأقره بصريح العبارة خطاب الملك الراحل الصادر بتاريخ 20 غشت 1994، وهذا من شأنه أن يفرق بين مكونات الشعب المغربي بدل أن يوحدها.. ـ صعوبة تحديد خريطة دقيقة للمناطق اللسنية حسب هذا المنطق، ذلك أنه يصعب على سبيل المثال حصر الحدود الفاصلة ما بين جغرافية هذه اللهجات، بمعنى أين تبدأ وأين تنتهي. والحالة هذه، كيف يمكن تحديد انتماء مدن كالدارالبيضاء وفاس ومراكش والقنيطرة على سبيل المثال ضمن هذا التقسيم اللهجاتي؟! ـ تناقض وجود كوادر الجمعيات الممثلة داخل المعهد مع روح الوحدة الذي يحمله ميثاق أكادير كمنطلق ومرجع أساسي بالنسبة إلى الحركة الثقافية الأمازيغية، ـ ضرب وحدة إيمازيغن بشمال إفريقيا اعتبارا لمنطق فرق تسد وفق تكريس اللهجات المحلية، ـ صعوبة تحقيق مطلب دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية إلى جانب العربية وهو للإشارة أحد المطالب المركزية للحركة الأمازيغية، ـ ضرب مصداقية المعهد كمؤسسة علمية، ومن شأن ذلك المساهمة في إبراز معارضة راديكالية من طرف الحركة الأمازيغية والتي سبق أن نادى البعض داخلها ـ بمناسبة لقاء تامينوت بالدارالبيضاء ـ بإحداث معهد مستقل (بيان الدارالبيضاء)، مما سيؤجج الحركة الاحتاجية لضرب كل ما تحقق خلال السنوات الأخيرة من مكاسب في هذا الاتجاه.وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة رفضت التعامل مع المعهد لاعتبارات متعددة منها ظروف نشأته والمتمثلة في تأسيسه على مرجعية تقليدية. وكذا القرارات المتخذة من طرفه والمكرسة لحدود الساعة لمنطق اللجنة عوض توحيد اللغة الأمازيغية... ـ فتح الباب أمام الاستغلال السياسوي للمسألة الأمازيغية، كما وقع في شمال المملكة وتحديدا بالناظور عندما قام أحد رؤساء المجالس البلدية سابقا (طارق يحيى) بإقرار تغيير لوائح المرور عبر كتابتها بالأحرف الأمازيغية (الريفية) قبل أن تصدر قوانين ومراسيم تنظيم كتابتها!! ولعل صدور الكتب الثلاثة هو نتاج موضوعي للرؤية والتوجه الذي تحكم في تدبير الملف الأمازيغي بدءا من صدور بيان بشأن ضرورة الاعتراف الرسمي بالأمازيغية لصاحبه السيد محمد شفيق الذي تحدث فيه عن المناطق الأمازيغية، وانتهاء بتركيبة المجلس الإداري للمعهد الذي تشكل على أساس المناطق الثلاثة، ومرورا باللجنة الملكية التي كلفت بوضع أسس المعهد والتي ضمت عناصر لا تمت إلى الأمازيغية بصلة كالسادة عبد الوهاب بنمنصور، رشدي شرايبي ومزيان بلفقيه (قناص الرؤوس)، هذا الأخير الذي يظهر أن سياسته هي المتحكمة في إملاء اختيارات المعهد.. ومن هذا المنطلق نتساءل كيف يمكن لنظرة ضيقة لا تستحضر المسألة الأمازيغية في أبعادها المختلفة أن تتمخض عنها نتائج شمولية علما بأن هذه المسألة توجد اليوم ضمن الأولويات في أجندة التحول الديمقراطي بالمغرب، كما نتساءل لماذا لا يناقش البرلمان القرارات الصادرة عن المعهد إذا كانت الغاية هي جعل الأمازيغية شأنا وطنيا يهم كافة المغاربة الذين لا يمكن أن تكتمل مواطنتهم بدون أن يتيسر لهم الوعي بالذات الأمازيغية، فهذه السرعة والارتجالية من شأنها أن تضرا بمسألة الإدماج المؤسساتي للأمازيغية، وهي نفس السرعة التي تم بها تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لكون الهدف حينها لم يكن هو تأسيس المعهد كوسيلة ولكن كغاية!! إن المتوخى من وراء إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية هو اتخاذه وسيلة لإنتاج مقاربات ناجعة تؤمن عملية الإدماج المؤسساتي للأمازيغية في الحياة العامة بشكل هادئ وسليم، وتكرس بالتالي الاستقرار السياسي، وهذا يستدعي من الجهات التي تقف وراء هذه المؤسسة الوعي بحساسية المسألة الأمازيغية في ظرفية انتقالية حرجة ودقيقة.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مثقفون وباحثون وجامعيون يتحدثون عن تجديد الفكر الديني
-
جهادي الحسين الباعمراني ينجز ترجمة لمعاني القرآن باللغة الأم
...
-
تأملات حول المخزن الثقافي في مغرب القرن الواحد والعشرين
-
الملك محمد السادس يقوم بإصلاحات كبرى تروم تطوير الحقل الديني
...
-
قراءة في تفاعلات تصريحات الصحراوي علي سالم التامك المناصر لج
...
-
تأملات في واقع الحركة الأمازيغية بالمغرب بعد ميثاق أكادير
-
الحركة الثقافية الأمازيغية المغربية وسؤال ما العمل ؟
-
الحركيـــــون( ذوو التوجه الأمازيغي الرسمي) بالمغرب يبٍحثون
...
-
المجتمع المدني -ينتفض-ضد اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وال
...
-
الباحث علي صدقي ازايكو،عضو المجلس الاداري للمعهد الملكي للثق
...
-
المــــوت البطيء للأحــزاب السياسية بالمغرب!؟
-
الباحث والناشط الأمازيغي خالد المنصوري يتحدث عن واقع الحركة
...
-
المغرب الحقوقي في طريقه نحو المصالحة مع نفسه
-
وهم القضاء على الرشوة بالمغرب!!
-
اليسار المغربي في رحلة جديدة لبحث عن جمع شتاته
-
الباحث أحمد بوكوس يتحدث عن تأهيل و دسترة الأمازيغية، المعهد
...
-
الصحافي والمحلل السياسي خالد الجامعي يتحدث عن التغييرات التي
...
-
مستشارو الملك محمد السادس وسؤال حدود الاختصاص
-
السوسيون- يكتسحون المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب !
...
-
اتساع دائرة القلق من جراء هيمنة الحكم على القرارت السياسية ا
...
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|