أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني والسياسي (20) ؟

سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 2504 - 2008 / 12 / 23 - 09:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

إذا كان البعد السياسي للتحالف بين حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح يرمي إلى التواجد عبر المؤسسات الدستورية والسياسية والمدنية والثقافية والرياضية والبيئية وغيرها وفق ما تقتضيه إستراتيجية تطويق النظام ، ومن ثم ممارسة مزيد من الضغط والابتزاز على النظام لانتزاع مكاسب ومواقع إضافية تمكّن الحزب من التأثير على قرارات الدولة ، سواء بحملها على اتخاذ ما يراه الحزب ضروريا ويخدم أهدافه كأن ترخص لما يسمى بالبنوك الإسلامية ، أو تمنع الاختلاط في المؤسسات التعليمية وفي الشواطئ أو تسحب الترخيص من الملاهي والمراقص ، أو ابتزاز الدولة حتى تعدل عن إجراءات سبق واتخذتها كما هو الحال في إغلاق دور القرآن التابعة للمغراوي أو إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث الإرهابية وغيرها من الإجراءات التي يناهضها الحزب والحركة معا . إذا كان هذا ما يرمي إليه البعد السياسي للتحالف إياه ،فإن التطلع إلى التحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي هو بنية وهدف انتزاع بعض الاختصاصات التي يجعلها الدستور المغربي من صلاحيات الملك ، سواء تعلق الأمر بالمجال الديني أو المجال السياسي/التشريعي . ففيما يتعلق بالمجال الديني ، وبعد فشل محاولات حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح منازعة الملك اختصاصت إمارة المؤمنين عبر التصريح ، بلسان الدكتور الريسوني الذي كان حينها رئيس الحركة ، بإمكانية إسنادها ــ أي إمارة المؤمنين ــ إلى شخص آخر بحجة أن الملك يفتقر إلى التكوين الفقهي والشرعي الذي تتطلبه مهمة الإفتاء كإحدى المهمات المركزية لإمارة المؤمنين . وهكذا صرح الدكتور الريسوني لصحيفة "أوجوردوي لو ماروك" ( أظن أننا لسنا ملزمين بالبقاء متشبثين بالطريقة التقليدية في تصورنا لهذه المؤسسة . وكذلك في تقديري أن أمير المؤمنين يمكن أن يكون ملكا ، رئيس الجمهورية أو حتى وزير أول )( أوجوردوي لو ماروك 12 مايو 2003 ) ، ومن ثم يستنتج الدكتور أن ( الملك الحالي ـ يقصد محمد السادس ـ حسب تكوينه ، لا يستطيع أن يضطلع بسلطة الفتوى التي تعود أساسا لأمير المؤمنين ) . بالطبع كانت لهذا التصريح تداعيات على الحركة ورئيسها بسبب انزعاج السلطات العليا من أبعاده (= التصريح ) . ويستحضر الأستاذ عبد العالي حامي الدين مظاهر هذا الانزعاج كالتالي ( حيث استدعت وزارة الداخلية بتكليف من الملك ، أحمد الريسوني وعبرت له عن استياء الجهات العليا من هذه التصريحات ، وطالبته بتصحيح هذا الخطأ . هذا التصحيح الذي ربما كانت تتصوره في صيغة اعتذار إلى الملك ، أو مقال مفصل يتراجع فيه الريسوني عن أفكاره . لكن الريسوني فضل تقديم استقالته من رئاسة حركة التوحيد والإصلاح التي كان يرأسها ، حتى لا تتحمل تبعات آرائه وأفكاره ) (" وجهة نظر" عدد 24 شتاء 2005) . ونفس الواقعة كتب عنها الأستاذ الخلفي يقول ( ولقد مثل هذا الاجتماع الذي حضره الدكتور أحمد الريسوني مساء يوم الاثنين 9 يونيو 2003 محطة أخرى لاستكشاف حجم الأضرار التي خلفتها الحوارات التي أجريت والتفاعلات السياسية الناجمة عنها ، وانعكاس ذلك على مجمل المكتسبات المحققة في علاقة الحركة بالمؤسسة الملكية .. مما أعاد طرح المشكل وبحدة أكبر على مستوى المكتب التنفيذي .. وقدر المكتب التنفيذي للحركة على ضوء ذلك أن هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراء حاسم في الموضوع .. فكان أن قدم الدكتور أحمد الريسوني استقالته من رئاسة الحركة ) . وإزاء هذه القناعات التي سرعان ما تنفلت من أية رقابة ذاتية نبّه الدكتور الخطيب رحمه الله أعضاء حزبه من تصريحات أعضاء الحركة بقوله ( مع الأسف بعض التصريحات الصادرة عن أعضاء من التوحيد والإصلاح معاكسة لاتجاه الحزب ) أسبوعية " الأيام" عدد 106 . لقد كشفت هذه الواقعة عن أمرين اثنين :
الأمر الأول ويهم الحزب والحركة اللذين أدركا أن الدولة والسلطات العليا في المغرب تتعامل بكل جدية وحزم مع الميولات التي يخفيها الحزب والحركة أو يظهرانها والتي تروم التقليص التدريجي من سلطات إمارة المؤمنين في اتجاه خوصصتها والسطو عليها . وتدخل ، ضمن هذه الميولات الصريحة والدفينة ، ما يعبر عنه قادة حزب العدالة والتنمية بـ"التفويض" الذين يريدون به من الملك أن يفوض لغيره من الأحزاب والأشخاص بعض اختصاصاته . أما بخصوص مسألة الإفتاء التي هي الركن الركين لإمارة المؤمنين ، فإن الحزب يقترح على الملك تشكيل مجلس الإفتاء كهيئة شبه مستقلة تعمل تحت إشراف الملك كمقدمة لتفويت صلاحيات إمارة المؤمنين إلى هيئة أو جهة بعينها .
الأمر الثاني ويتعلق بالدولة والسلطات العليا اللتين فطنتا بمرامي الحزب والحركة اللذين باتا ينازعان الملك في إمارة المؤمنين وإن بشكل مبطَّن ، فضلا عن المناصرة الصريحة التي يخصصانها لفائدة التيارات الخارجة على المذهب والدولة والقوانين والمهددة لهوية المغاربة والثوابت التي أجمعوا عليها . الأمر الذي عجل بوضع إستراتيجية متكاملة تهدف إلى إعادة هيكلة الحقل الديني والقضاء على حالة السيبة والفوضى اللتين تفشتا منذ ثمانينيات القرن الماضي . إننا بالتالي إزاء إستراتيجيتين إحداهما للدولة وتهدف إلى تأميم الحقل الديني وتحريره من الدخلاء والمتطاولين عليه عبر سلسلة من الإجراءات التي أعلن عنها الملك في أكثر من خطاب ، والأخرى للحركة والحزب يريدان بها الهيمنة على الحقل الديني والاستقواء بالخارجين عن المذهب في أفق إحكام الطوق على النظام والدولة ، ومن ثم أسلمة المؤسسات والقوانين والمجتمع .

#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات