أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلام عبود - ســقـط صــدام هــل يـســقـط الـحـزب؟















المزيد.....



ســقـط صــدام هــل يـســقـط الـحـزب؟


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 770 - 2004 / 3 / 11 - 08:51
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تضع تجربة البعث العراقي أمام الدارسين اسئلة عسيرة، بسبب طابع هذه التجربة الشاذ، المغرق في السلبية والقسوة، والمشحون بالممارسات التاريخية الكارثية، التي تجاوزت، لضخامتها، حدود البعث نفسه، وحدود العراق كقطر، لتتحول الى مؤثر قومي، بل عالمي عظيم الخطر.

أسوج...

خلال عمر البعث، أنتجت تجربة البعث العراقي تطويرات قومية خاصة، سعت الى الانفصال عن جسد البعث تنظيمياً، ليس كأجنحة متعددة لحزب واحد، وانما كتيارات مستقلة، نزعت عن جسدها ثوب البعث، وسعت الى خلق تيار سياسي يقوم بدور البديل القومي. أبرز هذه التجارب تجربة القائد البعثي فؤاد الركابي، الذي لم يجد في البعث بنية صالحة للتطوير، فسعى الى انشاء كيان سياسي يحتفظ ببعض صيغ التوجه القومي، لكنه لا يُبنى على قاعدة البعث التنظيمية والسياسية الايديولوجية. وقد سعى قائد بعثي آخر للسير في خط مماثل لخط الركابي، ببريق واصالة ونجاح أقل، هو علي صالح السعدي. هذان المثلان يؤشران الى امر واحد هو أن بنية البعث، في نظر بعض قياداته الاساسيين، الميدانيين، لا النظريين، الركابي والسعدي، لا تقوى على إحداث تطوير حقيقي يبنى على كيان البعث التنظيمي والنظري، ويفترض هذا الاجتهاد، من خلال التجربة، ان تطويراً جدياً في النهج السياسي التنظيمي للبعث يتطلب القطيعة التامة مع البعث كتنظيم وكخط سياسي ايديولوجي.

لقد منيت تجربة الركابي والسعدي بالفشل. فقد غابا عن المسرح السياسي وعن الحياة، بينما ظل البعث يواصل تحقيق مشروعه على الارض، بوساطة قادة جدد، أبرزهم وأشهرهم صدام حسين. فهل كان صدام هو الشكل الواقعي الممكن والوحيد للتجربة البعثية في العراق؟

اذا أردنا صياغة السؤال بطريقة أقل التواء، نستطيع ان نقول: هل كان من الممكن ان يكون البعث شيئاً آخر، غير تلك التجربة المدمرة، لو أن زعامة اخرى، خارجة من كيان البعث نفسه، تولت القيادة بدلاً من صدام حسين؟ وهل كان في مقدور التجربة العراقية البعثية ان تنتج بذاتها، ومن داخلها، مثل هذا الامكان؟ أم أن البعث العراقي كان مرغماً، بحكم خصائصه وبنيته، على انتاج ما أنتجه على يد صدام؟ هذه اسئلة عسيرة، للاجابة عنها لا بد أن نعود قليلاً الى الوراء، الى الاضافة الصدامية، التي قدمها للتجربة البعثية عموماً، والتي كونت الملامح الجوهرية لتجربة الحكم البعثي في العراق.



الانقلابية

وصل حزب البعث الى السلطة للمرة الثانية عام ،1968 بعد مرور خمس سنوات على تجربته القصيرة الفاشلة الاولى، التي لم تمكنه من الاحتفاظ بالسلطة سوى بضعة اشهر، من شباط الى تشرين الثاني .1963 وقد أكد ذلك مجدداً ان هذا الحزب الصغير، المحدود القاعدة الاجتماعية، ذا الشعارات الغامضة، هو اكثر الاحزاب العراقية مهارة في مجال الاستيلاء على السلطة، التي درجنا على تسميتها "الانقلابات". فلم تكن "الانقلابية" مجرد فكرة نظرية من افكار ميشال عفلق فحسب، بل جزء جدي من تراث حزب البعث وممارسته. ففي سنوات حكم عبد الكريم قاسم خاض نشطاء هذا الحزب تجربة غنية، مليئة بالجرأة والتحدي للسلطة، مارسوا خلالها كل صنوف التدريب على العمل التغييري العنفي، بهيئة تصفيات فردية، اغتيالات، صدامات جماعية منظمة، قيادة اضرابات طالبية وتمردات عسكرية، متوجين ذلك بحركة 14 رمضان 1963 التغييرية الدموية، التي وضعتهم على رأس السلطة بالتعاون مع القوميين وبعض فئات العسكريين.

يختلف البعثيون في هذا الجانب اختلافاً جذرياً عن الشيوعيين، الذين كانت تجربتهم تتميز بجانبين: العمل السري في اوساط بعيدة عن مراكز السلطة الحساسة (عدا فترة حكم عبد الكريم)، او العمل السياسي الشعاري، العام (التحريضي)، الذي يضخم من حجم الفعل، ويعطي انطباعاً مضللاً بالقوة، ويزرع الكثير من الخوف والقسوة والاثارة في نفوس الخصوم والمنافسين. وفي ظل حكم عبد الكريم قاسم، في وقت كانت العناصر القومية تتدرب عملياً على ممارسة كل سبل التغيير "الانقلابية"، كان الشيوعيون يعيشون مأزقاً قاتلاً، اصاب حزبهم بالشلل، وجعلهم رغم قوتهم العددية - خاصة في صفوف الجيش والنقابات والطلاب والشباب قياساً بغيرهم من الاحزاب - يفقدون بسرعة مذهلة زمام المبادرة صبيحة 14 رمضان ،1963 فتمت خلال ساعات فقط، تصفية مواقعهم جميعها بيسر (عدا بعض الاستثناءات كبغداد التي جرت فيها مقاومة مسلحة محدودة لمدة يومين) على طول خريطة العراق.

أدت الشعارات العاطفية للشيوعيين العراقيين الى تضخيم حجمهم بشكل مبالغ فيه، ساهم فيه حتى أعداؤهم، مما أعطى فرصة جدية لخصومهم القوميين لكي يحصلوا على أنواع مختلفة من الدعم والتعاطف من جميع الدول المحيطة بالعراق، رغم عدم تحبيذ هذه الدول سياسة البعث او سياسة الفئات القومية ومشاريعها عامة. ووصل الامر الى حد أن السلطة الحاكمة نفسها كانت من حين الى آخر تعرض نوعاً من الهدنات مع هذه القوى في سبيل حفظ التوازن السياسي، كيلا ينفلت الوضع في اتجاه شيوعي. فعلى سبيل المثال كان قانون إجازة الاحزاب الذي أصدره عبد الكريم قاسم لا يشمل الشيوعيين. وخلال تلك الفترة تربى في وسط البعث شعور خاص بكونهم جهاز "وقاية" أكثر من كونهم حزباً سياسياً له برامج واضحة للتحول الاجتماعي، فلم تكن للبعث مثل هذه البرامج على جميع الصعد، وقد أكدت تجربتهم الفاشلة في 1963 ذلك بجلاء. لقد طوّر البعث وظيفته كجهاز "وقائي" عند تسلمه السلطة في المرة الثانية. فاذا كان الدور الوقائي للبعث كحزب يكسب تعاطف كثيرين، حتى ممن لا يحبذونه، في سبيل إتقاء شر الشيوعيين في داخل العراق، فإن هذه الوظيفة تطورت في أواخر السبعينات لدى الدولة العراقية، حيث غدا العراق البعثي دولة "وقائية"، تؤدي دور حافظ التوازن في المنطقة، وتكسب دعم دول عديدة عربية وغربية، من دون أن تعنى بوضع سياسة سلمية للمجتمع العراقي، في ظل امكانات اقتصادية وموارد بشرية وطبيعية ملائمة لإحداث تقدم في المجالات كافة. فلم يكن تفكير القيادة السياسية البعثية منصبّاً على هذا. كانت فكرة البقاء في السلطة هي التي تحكم العقلية البعثية: السلطة كهدف قائم بذاته.



جئنا لنبقى

إن نجاح البعث في الوصول الى السلطة رافقته من جانب آخر عقدة كبيرة لازمت البعثيين طوال فترة وجودهم في السلطة وخارجها، وأضحت مع مرور الايام قدرهم المرعب وقدر الشعب العراقي المأسوي، ألا وهي مسألة الاحتفاظ بالسلطة. ففي عام 1963 جمع حزب البعث اربعة اصناف من اساليب ممارسة السلطة: سلطة الحزب، الجيش، الميليشيا (الحرس القومي)، اضافة الى قاعدة تحالف مفتوح مع القوميين. رغم ذلك خرّ البعث صريعاً بعد تسعة اشهر. المواطنون العزّل في الشوارع والطرق التقطهم افراد الحرس القومي، في محافظات العراق المختلفة، وجمعوهم في مراكز الشرطة. هذا الدرس القاسي يتعارض تعارضاً تاماً مع مقدرة البعث اللافتة في مجال الوصول الى السلطة. لذلك كان القرار الاول للبعث عام 1968 هو الآتي: لن يتم التفريط بالسلطة. لن يسمح لأحد، اياً يكن، حتى لو كان بعثياً، بتذكير البعث بلحظة مغادرة السلطة. ولهذا ايضاً كان شعار البعث الاول الذي ملأ شوارع العراق هو: "جئنا لنبقى" و"جاء البعث ليبقى". ولم يكن ذلك مجرد شعار خُطَّ باللون الاحمر على قطع القماش والجدران. كان ذلك إحساساً شخصياً ونفسياً لأفراد معينين قرروا ان يبقوا، وعملوا من اجل أمر واحد: أن يبقوا. وقد بقوا لأكثر من ثلاثة عقود متتالية، بطريقتهم الخاصة، كقطّاع طرق سياسية.

اللافت، أنه كان في مقدور البعث ان يبقى ايضاً، لهذه الفترة او لأطول منها، في حال الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والطبيعية، في بلد يملك مقوّمات جيدة للتطور كالعراق. لكن ذلك لم يحدث. كان البقاء شيئاً آخر في ذهن القيادة البعثية: العمل كجهاز وقاية في الخارج، وكجهاز وقاية في الداخل. انه أسهل الطرق وأكثرها صلفاً واعتلالاً وبشاعة وجهلاً. لكنه الطريق الاكثر ملاءمة لمحتوى القيادة البعثية العراقية، التي تجمع بين البطش السياسي والشعارات القومية الوهمية وممارسات بلطجية الشوارع في وحدة مثالية.

حينما وصل البعث الى السلطة عام 1968 لم يكن هناك أحد من القيادات البعثية المدنية الاساسية التي شاركت في قيادة السلطة والحزب في الحكومة البعثية الاولى، وهنا نرى عزوفاً واضحاً لدى القياديين المدنيين، سببه الاحساس بعدم مقدرة هذا الكيان الحزبي على حمل شعارات كبيرة فارغة. وهذا امر يشير الى تشكيك جدي من هذه القيادات في البعث كتنظيم وكعقيدة سياسية. وأغلب الشخصيات البارزة المدنية في العهد الجديد تعود الى القيادات التي صعدت بعد عام :1963 صدام حسين، عبد الخالق السامرائي، صلاح عمر العلي، وهم الوجوه الاكثر ظهوراً في التيار المدني. لكن القيادات العسكرية البعثية الاساسية الموروثة من انقلاب 1963 كانت هي نفسها في الاغلب، موجودة في شخص البكر، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في انقلاب رمضان، وعماش الذي كان وزيراً للدفاع، وحردان الذي تولى قيادة القوة الجوية، وعبد الكريم مصطفى نصرت، الذي ينسب اليه تنظيم المقاومة المسلحة في انقلاب رمضان. وبسبب الخلل في التوازن بين المدنيين والعسكريين تمكن اعضاء غير مجربين من الحصول على فرصة الصعود السريع الى القيادة الحزبية والسياسية. فلا يمكن حزباً، يدعي الجماهيرية، أن يحكم من خلال الجيش فقط. لكن الدور المدني للحزب، بدا ظاهرياً، كما لو كان عازفاً عن أخذ السلطة من القيادات العسكرية التقليدية، وظل هذا الهدف قابعاً في الظل، في وقت كانت تحتدم داخل التيار المدني صراعات عنيفة، تراقبها بحذر مجموعة غير متجانسة من العسكريين البعثيين في مقدمهم أحمد حسن البكر، الذي كان على رضا تام من تسارع تطور قاعدة الحزب الشعبية واتساعها المدهش، الامر الذي جعله يغفل تماماً - وهو العسكري والانقلابي المجرب والشكاك - أثر ذلك على موازين القوى بين الكتلتين المدنية والعسكرية. كان العسكري البعثي الاكثر حزماً في الدعوة الى تقوية سلطة التيار العسكري التقليدي هو حردان التكريتي، الذي سرعان ما أقصي ثم أغتيل عام ،1970 بعدما رفض بشدة - على خلاف جميع المبعدين من القياديين البعثيين وغير البعثيين - القبول بمنصب ديبلوماسي رفيع في الخارج. اما عماش فقد انحاز تحت تأثير خلافه مع منافسه حردان الى التيار المدني، وسعى جاهداً للظهور بمظهر المدني، وحتى الاديب، كنوع من اعطاء شهادة براءة من زيه العسكري. ولم ينفعه ذلك كثيراً، فقد تم التخلص منه وطرد في ايلول .1971 أما نصرت فقد خلع بدلته العسكرية، لكنه لم ينج من القتل المبكر طعناً بالسكاكين في العام نفسه، وهو العام عينه الذي قتل فيه أقدم الرموز البعثية العراقية وأكثرها خبرة سياسياً، وابرز دعاة الفكر القومي المنافس للبعث فؤاد الركابي.



من سلطة الحزب الى سلطة القائد

خلال تلك الفترة الغامضة جداً من تاريخ العراق، منذ انقلاب 1968 حتى رحيل البكر، ثم ترتيب الارض ترتيباً تاماً على جميع المستويات لصالح رجل واحد، يعرفه الجميع، ويدرك الجميع مقدار فظاظته وقسوته وجهله: صدام حسين. فعلى المستوى البعثي تم التخلص بوحشية من القيادة السياسية المدنية، الوارثة للفكر البعثي، في اعتباره فصيلاً سياسياً يحمل افكار الاشتراكية - القومية، ممثلة في شخص عبد الخالق السامرائي (أحد المشاريع النظرية لتطوير البعث بتلقيحه ماركسياً، اي الجمع بين الشيوعية والاشتراكية الوطنية)، وتم التخلص من أبرز مراكز الخطر في الدولة والعمل الحزبي والجماهيري: صلاح عمر العلي، عبدالله سلوم السامرائي، عبد الكريم الشيخلي، محيي عبد الحسين، خالد عبد عثمان، عدنان حسين، محمد محجوب، غانم عبد الجليل، محمد عايش، عدنان الحمداني، رياض ابرهيم، محمد فاضل (مسؤول المكتب العسكري)، نعيم حداد، عزت مصطفى وغيرهم. كما تم التخلص من القيادات العسكرية البعثية المؤثرة او الموالية للبعث: عماش، حردان، حماد شهاب (قتل في ما عرف بمحاولة ناظم كزار، وهو من بعثيي ما بعد 1968)، ناظم كزار (مدني بثياب عسكرية)، ابرهيم فيصل الانصاري، اللواء عبد العزيز العقيلي، عبد الكريم مصطفى نصرت، اللواء صادق مصطفى، اللواء طه الشكرجي، داود الجنابي (قائد الحرس الجمهوري)، حسين حياوي (قائد القوة الجوية). لقد قام صدام بعملية جرد بالغة الدقة لمراكز القوى البعثية، فصفّاها من دون رحمة، على ثلاث دفعات: الاولى عام 1970-1971 وشملت القيادات البعثية العسكرية الاكثر خبرة وقدماً: عماش، حردان، نصرت. ودفعة ،1973 والتي شملت قيادات عسكرية وسياسية وأمنية. وبذلك تم إخضاع التيار العسكري للجهاز الامني السري الذي يقوده صدام شخصياً بمعاونة اخوته وبعض اقربائه، باسم التيار المدني; ثم جاءت تصفيات تموز ،1979 التي شملت ابرز قيادات العمل النقابي والتنظيمي والاداري البعثي. وعلى مستوى بناء اجهزة الحكم أعيد بناء المؤسسة العسكرية على أسس جديدة تتلاءم مع نهج الشخص القادم، وتم خلال تلك السنوات بشكل حثيث تأسيس اجهزة امنية خاصة وعامة، خلق كثير منها بشكل جديد تماماً، اختيرت قياداتها على أسس عائلية ومناطقية ومذهبية، ودُرِّبت على عجل لتكون ذراع الحماية الاكثر قوة في جهاز السلطة التابع لصدام شخصياً. فقد باشر البعث عمليات تطهير سريعة حال تسلمه السلطة، شملت قيادات عسكرية كثيرة، من بينها إقصاء ثمانية من قادة الفرق العسكرية بعد اشهر فقط من نجاح الانقلاب. وفي غضون سنوات تم تكوين ثلاث آلاف رتبة عسكرية جديدة في نهاية عام ،1970 وتمكن البكر وصدام من انشاء جهاز للمفوضين السياسيين على كل المستويات، "الضباط السياسيين"، وهم أفراد يشكلون جزءاً من سلسلة قيادة تتجاوز بطريقة فعالة الفئة العسكرية الرسمية وتخضع مباشرة لقيادة صدام حسين الشخصية. اضافة الى هذا فإن صدام كان يسيطر على قيادة "مكتب الأمن الوطني، التابع لمجلس قيادة الثورة، وهو جهاز الأمن الخاص بالرئيس". وعلى مستوى العمل السياسي الوطني جرى ضرب القوى المعارضة من دون رأفة: تصفية تيار القيادة المركزية وتدمير تنظيمه، وضرب الحركة الشيعية النامية، وقد تم الامران بالتعاون مع الشيوعيين الموالين لموسكو، وضرب القوميين غير الموالين، والتنكيل بأبرز الوجوه السياسية العراقية، التي تشكل مواقع خطر محتملة، في تقدير الرئيس المقبل: فؤاد الركابي، محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى، محاولات فاشلة لاغتيال البرزاني، اعدام عبد الرحمن البزاز، واغتيال عدد من القيادات الشيوعية الفاعلة، التي لُمِس من خلال المفاوضات او الحوار معها عدم خلوص نياتها لارادة البعث، وغيرهم. كما تم التخلص من أبرز العقبات السياسية التي تواجه العراق، حينما عقد صدام معاهدة الجزائر مع ايران عام ،1975 التي مكنته خلال فترة وجيزة من دحر الحركة الكردية، مستخدماً تحالفه مع الشيوعيين ايضاً كغطاء شعبي. بهذا التدبير البسيط جرى وضع العراق في يدي صدام حسين. لكن خلف هذا الترتيب المبسط جرت حلقات معقدة، مريبة، غامضة، لا يريد أحد حتى اليوم الاعلان عنها، تتعلق بالتحالفات وبسبل بناء كيان البعث الداخلي، صراع الكتل، ترتيب البيت البعثي: اسرار الخلافات والتصفيات الداخلية، بما في ذلك سبل الوصول الى السلطة عام 1968 او التخلص من البكر. وكل تلك الامور ما زالت اسراراً عصية على الفهم. ومن اللافت ان الذين تمردوا على السلطة او انشقوا عنها او تخلوا عن تحالفاتهم معها، ممن تقلدوا مراكز حساسة قريبة من رأس السلطة، وما زالوا يحجمون عن الادلاء بشيء "مفيد" يحل بعض اوجه اللغز السياسي لتلك الحقبة، وحتى الكتب والمذكرات الكثيرة التي اصدرها هذا وذاك تناولت اوجهاً عمومية كثيرة، لكنها حاذرت ان تجيب او تقترب قيد انملة من تلك المواقع، التي يشكل بعضها مفتاحا جديا لفهم آلية السلطة وسبل تطورها وعملها. ولا نعرف سر ذلك الصمت، ومتى يفصح العارفون بالحقيقة ويدلون بما في حوزتهم من اسرار الى شعبهم!



عسكرة الحياة

لقد ورث البعث مع تسلّمه الحكم عقدة "فقدان السلطة"، التي شكلت هاجساً مرعبا للقيادة البعثية، ولكل عضو من اعضاء حزب البعث، ولصدام حسين شخصيا. لذلك لم يكن العمل بشعار "جئنا لكي نبقى" محض الفاظ. كان تصميما جديا على البقاء بكل السبل واياً يكن الثمن. وخلف هذا يكمن الطابع الدموي للنظام وقيادته، وتكمن فيه ايضاً بعض اوجه سياسة التحالفات والمناورات السياسية الموقتة والدائمة، سواء على المستوى البعثي الداخلي او العراقي الوطني والقومي، او على المستوى العربي والاقليمي والدولي. لقد وصف عبد الامير معلة ذلك الاحساس وصفا صادقا ودقيقا وهو يتحدث عن سيرة قائده. وصف عقدة البعث بالقول: "ولئن لم تستطع ثورة الثامن من شباط عام 1963 ان تحتفظ بالسلطة طويلا لأسباب معروفة شخّصها الحزب في تحليلاته السياسية المنشورة، فانها كانت من الناحية الاخرى -وكما يقال في لغة المسرح - تمريناً عاماً افاد منه الحزب كثيرا عندما استرد مكانه الطبيعي كقائد للدولة والمجتمع بثورة السابع عشر من تموز 1968" (سيناريو الايام الطويلة - فنون - العدد 99 - 1980/ص5).

وحقاً، كانت احداث عام 1963 الدموية مجرد تمرين عام، محمود الأثر، جرى تطبيقه بخصوصية شديدة بعد مجيء البعث للمرة الثانية على مدى ثلاثة عقود او يزيد! فقد كانت تمرينا اوليا في مجال تخريب الوطن.

فما الجديد الذي اضافه صدام الى تجربة عام 1963؟

ان ابرز التصورات الشائعة والثابتة والخاطئة في الوقت نفسه عن البعث، انه حزب اعتمد في بقائه على "تبعيث" المؤسسة العسكرية. وبهذا يكون "تبعيث" المؤسسة العسكرية مجرد تطور طبيعي لعملية تداول السلطة في العراق، التي تقوم في الاساس على صيغة الحكم العسكري. ان مجيء البعث منفردا، بعد انهاء تحالفه القصير مع العسكريين المستقلين (النايف والداوود) باختطاف السلطة منهما، تطلّب امرين اولهما: الاعتماد على المؤسسة العسكرية كقوام للسلطة، طبقا لما جرت عليه العادة في ادارة الحكم في العراق منذ تأسيس دولته الحديثة، وثانيهما تحويل الجيش الى مؤسسة يحتكرها البعث حزبياً وسياسياً، تمشياً مع نهج البعث، خلافاً لحكم قاسم والعارفَين بين صفتين، صفة الحكم الموروثة: المؤسسة العسكرية، والتطور الجديد: الحزب الجماهيري. هكذا تبدو الصورة في الظاهر. اذ لا توجد ادنى شكوك عند احد في امر "تبعيث" المؤسسة العسكرية. وفي هذا الجانب ابدى البعث تشددا لا يقبل الطعن فيه. فمنذ وقت مبكر اعطى حتى لحلفائه الشيوعيين درسا مؤلما في الطاعة، لاجبارهم على اخذ توجهه هذا على محمل الجد، حينما اعدم مجموعة من الشبان الابرياء بتهمة دفع تبرعات لمنظمات تابعة للشيوعيين. ففي ايار 1978 اعدم 31 شيوعيا رغم علاقات التحالف، وكان ذلك بداية الهجوم البعثي الرسمي العام على الشيوعيين، وقد سبق ذلك توجيه الاوامر الى حلفائه الشيوعيين بحل منظمات الشباب، التي كانت تشكل عقبة جدية في وجودها، لا فقط لفعاليتها كما يظن خطأ كثيرون، بل لأنها تتعارض في جوهر وجودها، بحكم السن، مع القوانين والنظم العسكرية. فالطلبة والشباب المنتمون الى منظمات تابعة للشيوعيين هم اسوة بغيرهم من العراقيين مطالبون بأداء الخدمة العسكرية الالزامية، وبالتالي فان وجودهم ضمن تنظيمات اخرى يتعارض مع مبدأ "بعثية المؤسسة العسكرية". وقد استجاب الشيوعيون هذا الطلب العسير، بحل منظماتهم الديموقراطية، من دون ابداء حسرة كبيرة. كانت تلك الخطوات جميعها، تبدو في الظاهر كما لو انها تترجم التصور الشائع: "تبعيث" المؤسسة العسكرية، الذي يقوم على التصور السياسي البعثي، القائل "لا جبهة في القوات المسلحة، ان العمل السياسي الوحيد المشروع داخل صفوفها هو لحزب البعث العربي الاشتراكي، وإن حكم الاعدام هو "العقاب العادل" الذي ينزل بكل من يعمل سياسياً داخل القوات المسلحة من غير مناضلي الحزب القائد، حزب البعث العربي الاشتراكي" (صحيفة الثورة - 28 ايار 1968). وبقدر ما كانت عملية "تبعيث" المؤسسة العسكرية حقيقة واقعية، كان جوهرها يتعارض تماما مع حقيقة اخرى كانت تنسج في الخفاء. لقد طعّم البعث المؤسسة العسكرية بدورات سريعة، وبأعداد كبيرة من الطلبة الفاشلين السيئي الحظ، والعاجزين دراسيا واجتماعيا، اضافة الى ترقيات متعجلة جعلت السيطرة على اركان القوات المسلحة واجهزة الاستخبارات حكرا بعثيا منذ السنوات الاولى. تلاه ترتيب منظم للبيت العسكري على قاعدة الولاء البعثي. لقد استحال الجيش بحق، مؤسسة بعثية خالصة في غضون سنوات معدودة. ذلك هو التصور الاول الشائع، والذي يعكس جزءا من الحقيقة. اما الحقيقة الكاملة فتتعارض تماما مع هذا التصور. ففي واقع الامر، في وقت يبدو كما لو ان البعث بعّث المؤسسة العسكرية، وهو قد فعل ذلك بحق، فقد خطا خطوة اكثر تطرفا من ذلك في الاتجاه الاجتماعي والسياسي. فقد كان صدام حسين (المدني الذي يحمل اعلى رتبة عسكرية في العراق) يسير في اتجاه آخر اكثر عمقا من ان يراه ويدركه الآخرون، اكثر بعداً من "تبعيث" الموسسة العسكرية. فقد توصل صدام الى صناعة شكل فريد لادارة السلطة، لا يقوم على "تبعيث" المؤسسة العسكرية كما يشاع، بل على عسكرة التنظيم البعثي، وبالتالي عسكرة المجتمع بأسره. ان جوهر نظام الحكم في العراق يقوم على استراتيجيا محددة، هي بناء المجتمع العسكري. اي يقوم في اختصار شديد على ادارة المجتمع، بما فيه جوانبه المدنية، من خلال الخطط والمشاريع والقوانين والاحكام العسكرية. ان الطابع المميز للنظام السياسي في العراق هو طابع مجتمع الثكن العسكرية. وتلك حقيقة مرعبة لم يعرها احد اهتماما خاصا، ولم تلفت احدا بشكل جدي، رغم ان بعض الباحثين اشاروا الى حال الالتباس في مجال التمييز بين ما هو عسكري ومدني.


العسكرة منهج لادارة المجتمع

كان البعث، في الظاهر ينزع بتصفيته العسكريين الكبار، ثيابه العسكرية. لكنه في واقع الامر كان يفعل العكس. كان يعد لإلباس حتى المدنيين ثياب الجيش. كان يعد لعسكرة المجتمع بأسره.

ومن هذا المنطلق، لم تكن الحرب (الحروب) التي خاضها صدام، سوى التنفيذ العملي لفكرة عسكرة المجتمع. فصدام حسين لا يستطيع قيادة المجتمع الا من طريق الحرب. لذلك فحروب صدام، رغم انها تبدو مغامرات عسكرية موجهة الى الخارج، الا انها كانت في الوقت نفسه، طوال فترة انفراده بالسلطة، وسيلة لقيادة الحياة السياسية والاجتماعية. انها طابع الادارة ونظام الحكم. ويكفي فقط للدلالة على هذا ان ميليشيات البعث الحزبية المسلحة وصل قوامها في اواخر السبعينات الى 175 الف فرد، او ضعف هذا العدد وفق بعض المصادر. اي انها كانت تقرب في حجمها من حجم المؤسسة العسكرية، او تزيد عليها. اما في عام 1990 فقد بلغ قوام المؤسسة العسكرية حوالى مليون فرد من اصل ثمانية عشر مليون عراقي، بنسبة تقارب ربع عدد المواطنين المؤهلين لحمل السلاح.

كان تحالف عارف - البعث في انقلاب رمضان 1963 درسا بليغا للطرفين. فمن المعروف ان الصدام الاساسي بين عارف والبعثيين قد تمحور في حزيران عام 1963 في نقطة "متفجرة" واحدة، هي السيطرة على الاجهزة شبه العسكرية: الحرس القومي، او بالاحرى تحديد قيادة السلطة. لمن السلطة، للجيش ام للحرس القومي؟ وكانت النتيجة المباشرة فوز الاتجاه العسكري بقيادة عبد السلام عارف مدعوما بالقوميين وحتى ببعض العسكريين البعثيين ايضا.

ان تجربة البعث مع عارف جعلت البعث يعجّل في تصفية حليفيه اللذين اوصلاه الى السلطة عام .1968 فحينما تسلم البعث السلطة، كان يعاني بشدة من الدرس الاكبر: خيانة العسكريين له. ولما كان البعث يعاني تجربة فشل ميليشياته السابقة، فلم يكرر تجربة بناء الحرس القومي علنا، وانما جرى تحويل مؤسسة البعث بكاملها مؤسسة عسكرية - استخبارية بثياب مدنية. ثم جرى بعد ذلك، عقب التخلص من العسكريين التقليديين البعثيين، تحويل المجتمع بأسره مجتمعا محاربا مؤسسا على القوانين العسكرية: التعبئة العامة، قوات الاحتياط، الجيش الشعبي، الفدائيون، الاشبال، اطالة فترة الخدمة العسكرية، شمول متخرجي الكليات بالخدمة العسكرية، اضافة الى ما صاحب تلك الاجراءات من ترتيبات اجتماعية واقتصادية وثقافية وامنية: القرى العصرية او البيوت النموذجية، الطرق السريعة، تجفيف الاهوار، التهجير القومي، الصناعة العسكرية، ادب القوة، وهذا ما عنيناه بعسكرة الحياة.

لقد ادرك صدام مبكرا ان استمرار القتال في شمال العراق سيكون الخرم الذي سينفذ منه العسكريون الى قيادة السلطة (عقدة صدام والبعث المزمنة)، وهي لم تستكمل بعد وسائل بناء مؤسساتها الحكومية والامنية والعسكرية. لذلك عجّل في عقد الهدنة التاريخية مع قيادة الحركة الكردية في الحادي عشر من آذار عام ،1970 بعدما اخذت المعارك ضد الشعب الكردي تتصاعد حدة، لتصل في 8 آب 1969 الى حد قيام الجيش بأعمال تنكيلية بربرية ضد القرى الكردية، ولكن لم تكد تمضي سوى سنوات قلائل، هي السنوات التي رتّب فيها بيته الداخلي، حتى نراه يعود في آذار من عام 1974 الى الهجوم العسكري الواسع على منطقة الحكم الذاتي معلنا رسميا انهيار اتفاق الحكم الذاتي وبيان آذار ،1970 ثم يقدم على توقيع اتفاق الجزائر في 6 آذار 1975 مع شاه ايران، والذي مكّنه من ان يخوض، بعد تعبئة سياسية وعسكرية شاملة، الحرب ضد شعبنا الكردي، محققا نجاحا كبيرا في المعارك، وبعدها بخمس سنوات فقط عاد ليعلن الحرب ضد ايران. وتؤكد مصادر يمنية ان صدام كان يعدّ لارسال قوات الى شمال اليمن لغرض سحق السلطة في الجنوب عسكريا، وقد عدل عن ذلك المشروع تحت ضغوط عربية، خاصة من الجزائر (الشرق الاوسط - 28/5/2000) وبدلا من ذلك سارع الى قبول العرض الاميركي باعلانه الحرب على ايران. وبعد توقفها بسنتين غزا الكويت، ثم واصل مواجهته المسلحة الرهيبة لأكثر من عشر سنين ضد التحالف الغربي. ان صدام لا يفوّت فرصة، مهما تكن صغيرة من دون ان يقتنصها لغرض اعادة تعبئة المواطنين عسكريا، على نحو دوري، كلما احس بضعف كيانه، وكلما شعر بالحاجة الى لملمة اطراف الشعب والوطن المبعثرة ووضعها في قبضته. فحينما قامت انتفاضة الاقصى في فلسطين المحتلة عجّل صدام في تشرين الاول 2000 بتعبئة ربع مليون عراقي! وسارع في اقامة المعسكرات!! وبعد مرور اربعة اسابيع فقط ارتفع عدد المنخرطين في "الاستعداد القتالي"، وفقا لمصادر السلطة نفسها ووكالات الانباء العالمية الى مليوني شخص، ثم الى ملايين اخرى. لماذا؟ لقد تعوّد صدام ادارة الحياة من خلال الحرب، فهو لا "يعرف" كيفية تسيير دفة الحياة وادارتها الا بطريقة عسكرة الحياة. فذلك هو النمط الوحيد للحكم الذي يعرفه ويتقن ممارسته. ان كل الرؤساء، حتى العسكريين، خلعوا ثيابهم العسكرية عند توليهم قيادة السلطة، في حين ان قادة العراق يفعلون العكس. اذ يتشبث مدنيوهم بثياب العسكر، حتى وزير صحتهم. انها عسكرة الحياة كمنهج لادارة المجتمع. انها محاولة نفسية وسلوكية للانتصار على خيبة عام ،1963 الانتصار على مكر العسكر الذين غدروا بالحرس القومي، والانتصار على هشاشة تنظيم الحرس القومي، الذي لم يصمد امام قوة الجيش وغضب الشعب. لذلك ابتكر صدام حسين مزيجا جديدا من الحكم يجمع بين قوة الجيش وقسوة الحرس القومي، على قاعدة عريضة اسمها الولاء للحزب الجماهيري والدفاع عن الوطن.

وقد اضافت فترة ما بعد حرب الخليج الثانية الى وسائل الادارة العسكرية لجاما حكوميا اكثر قسوة، واكثر فعالية اجتماعيا ونفسيا واداريا، عندما فُرضت بواسطة ما يعرف بـ"الارادة الدولية والمجتمع الدولي!" وسيلة جديدة لاذلال الشعب العراقي وربطه ربطا محكما بالسلطة، حينما جعل الشعب بأسره يقف طائعا، مقهورا، جائعا مثل وطن للشحاذين على ابواب السلطة طلبا للبطاقات التموينية وللحصة الغذائية. ان نظام الحصص الذي يظهر السلطة العراقية بمظهر المحسن الكريم، ويظهر الشعب كجيش كبير من المتسولين، هو افضل واسهل وسيلة من وسائل ادارة المجتمع والسيطرة عليه في ظل ضعف المؤسسة العسكرية. فبعد حرب الخليج الثانية تسارع الصراع في قلب مؤسسة الحكم، الامنية والعسكرية على وجه الخصوص، مما ادى الى اضعاف سيطرة السلطة على المجتمع، ومما ادى الى تزايد اجتراء الناس على السلطة. ان نظام الحصص هو البديل العسكري، ذو الثياب المدنية لقيادة المجتمع في ظل ضعف هيبة السلطة، وهو بديل جرت صناعته دوليا، لغرض منح النظام اطول فترة ممكنة للامساك بخناق الشعب. فقد غدت الحصص العقوبة القانونية التي تمارس ضد العوائل التي تبدي شيئا من الاعتراض على مأسوية الواقع، وغدت البطاقة العقاب الجماعي لمجتمع كامل. ان نظام الحصص حوّل المجتمع العراقي المنهك، المتعب من جراء الحروب والمآسي والظلم المستديم، معسكر اعتقال كبيراً تديره السلطة، وحوّله في الوقت نفسه رهينة عالمية تديرها قوى دولية ميتة الضمير.



سقط صدام هل يسقط البعث؟

هذا عرض مقتضب، مركّز، لسبل ادارة الحياة السياسية في العراق البعثي، وهو لمحة ضرورية لأنها تكشف لنا ان خيارات العمل الديموقراطي كانت اكثر من بعيدة عن اهداف القوى السياسية العراقية كافة وحتى الفترات التي سمّيت "ديموقراطية" كانت مجرد فترات لاقتسام السلطة ضمن "خندق واحد"، لا لتداولها ديموقراطيا.

بيد ان السؤال الأكثر اهمية هنا هو: هل كانت تجربة صدام حسين البعثية تطورا طبيعيا في بنية حزب البعث، ام انها شذوذ عن التجربة، كما يرى البعض بعد سقوط هذه التجربة؟ وهل يملك البعثيون المعارضون لصدام، حظا واقعيا في تطوير التجربة البعثية من داخلها الى صيغة ديموقراطية، كما يدعون؟ وبدقة اكبر، هل يملك البعث اسساً سياسية صالحة للتطبيق في الواقع، من دون تكرار تجربة صدام او تجارب البعث الاخرى، التي رغم اختلافها الجدي عن تجربة صدام، تحتوي على مشتركات عميقة مع تجربة صدام، قوامها الارث البعثي الواحد؟ واذا كانت تجربة البعث العراقي صيغة من صيغ الاشتراكية القومية، التي هي جوهر ما يعرف بالفاشية، الا يعدّ تطوير هذه التجربة، للتلاؤم مع الواقع، ضربا من الفاشية الجديدة، حالها كحال التطويرات الاوروبية لتيارات الاشتراكية الوطنية؟

هذه الاسئلة وغيرها، جزء من قائمة طويلة من المعضلات السياسية والفكرية، لا يمكن المجتمع ان يبني مشروعه الحضاري من دون الاجابة عنها اجابة واضحة وحاسمة. بيد ان الاجابة عنها تتطلب جدلا عنيفا. فما زالت هذه الاسئلة مغروسة في حياتنا لا كأسئلة نظرية، بل هي موجودة كبنى ومؤسسات فكرية وتنظيمية وادارية، تفعل فعلها في مجرى النشاط اليومي، وتؤثر تأثيرا سلبيا في مجرى الجدل السياسي والاجتماعي. ويزيد من حدة تأثيرها اضطراب الواقع الاجتماعي العربي وهشاشته، الذي جعل الارادة العربية الحاكمة لقمة سهلة في يد القوى الاجنبية .



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مــوســيـقــيـو الـحــدائــق
- أيـفــنـد يـونـســون الـحــلـم الاوروبــي فـي الادب الاســوج ...
- القيادة الكردية العراقية الحاكمة بين خياري الفيدرالية والحرب ...
- صرخة من أجل العراق
- صـدام عـمـيــلاً تـمـحــيـص الـمــصطلـح
- منابع الديكتاتورية.. صدام نموذجاً هل صنعته الطفولة أم صنعه ح ...
- عــلّــوكــي
- ظاهرة مقتدى الصدر: الجذور, الأسباب, النتائج
- مـن الـثــــورة الـى الـدولـــة
- يـوميات عربـيـة في أسـوج مـن الثورة الـمؤدبة الى الثورة الخج ...
- الـشــاعـرة الأســـوجـيــة اديـث ســودرغــران تـكـســر جــلـ ...
- مــن يـكـون -الـروائـــي- صـــدام حـســــيـن؟ عـن -زبــيــبـ ...
- إعــادة إعـمـــار الـثــقـــافـــة فـي الـعــــراق الـبــعــ ...
- الـمــــوت يـمـشـــي فـي نــومـــه
- أقــنـعـــة الـفـــرهـــــود
- هل استقر مهد الحضارات في بطون الدبابات؟
- ســقـط الـديـكــتـاتـور صـعـد الـيـانـكـي: تهـانـيـنـا
- المسألة العراقية بين خيار أسوأ الاحتمالات و خيار المبدئية ال ...
- الرهينة - من القصة القصيرة الى الرواية-


المزيد.....




- فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني ...
- إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش ...
- تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن ...
- الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل ...
- تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
- بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
- تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال ...
- -التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين ...
- مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب ...
- كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلام عبود - ســقـط صــدام هــل يـســقـط الـحـزب؟