أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صادق إطيمش - ألإزدواجية في فكر الإسلام السياسي / القسم الثاني















المزيد.....

ألإزدواجية في فكر الإسلام السياسي / القسم الثاني


صادق إطيمش

الحوار المتمدن-العدد: 2503 - 2008 / 12 / 22 - 08:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لشرح مفهوم السلف الصالح لدى مفكري الإسلام السياسي بشكل يمكننا معه ألإطلاع على هشاشة ألأرض التي يقف عليها مثل هؤلاء الذين يمتهنون الدين والسياسة معاً , ينبغي ان ننظر إلى تاريخ المسلمين نظرة واقعية علمية , لنطلع من خلالها على ماهية السلف الذي رافق هذا التاريخ ودوره فيه ومدى إستطاعة الخلف محاكاته والسير على خطاه .

المرحلة ألأولى لهذا التاريخ تبدأ ببدء نشر الرسالة ألإسلامية عن طريق الوحي الموحى به إلى نبي ألإسلام محمد (ص) وتنتهي بوفاته . وكلنا يعلم أن عمر الدعوة الموحى بها إمتد إلى سنة 632 م بعد أن بدأ سنة 610 م , أي أنه بلغ إثنين وعشرين عامآ , قضى النبي ألإثنتي عشر سنة ألأولى منها في مكة المكرمة والسنين العشر الاخيرة في المدينة المنورة . في هاتين الحقبتين من الرسالة ألإسلامية كان الرسول الكريم محمد(ص) هو الموجِه الفعلي الذي ينشر تعاليم الدين ألإسلامي ألجديد على أهل الجزيرة العربية آنذاك , إستنادآ إلى ما يوحى به إليه ، إستناداً إلى الآية القرآنية أعلاه من سورة النحل . أي ان ألنبي لم يكن ينطق عن الهوى , ولم يحاول في نفس الوقت ان يُلزم القوم بدعوته إجبارآ , بل كان داعيآ ومبشرآ ونذيرآ في نفس الوقت , غير وكيل على سلوك ألآخرين وتصرفاتهم وغير متسلط عليهم , إذ لا إكراه في الد ين , وما أنت عليهم بوكيل , كما ينص على ذلك القرآن الكريم . وحتى هذه الفترة من تاريخ الرسالة ألإسلامية , التي لم تنقطع فيها العلاقة بين ألأرض والسماء والتي كان فيها النبي نفسه الموجِه الرئيسي لتطبيق تعاليم الدين , لم تخلو من العثرات التي عانى منها المجتمع ألإسلامي وشخص الرسول نفسه . إذ لم يستطع بعض العرب , بالرغم من علاقتهم بالرسول مباشرة , ألإقتناع تمامآ بما جاءت به الرسالة ألإسلامية , حيث إدعوا ألإيمان دون علم تام به , فنهاهم الله عن ذلك بقوله لهم لا تقولوا آمنا , إذ ان ألإيمان لم يدخل في قلوبهم بعد بالرغم من إدعاءهم إعتناق الدين ألإسلامي . ما أشبه أدعياء ألإسلام اليوم بأولئك بالأمس . كما ان النبي نفسه ترك ألآخرين ودينهم مخاطبهم على لسان الوحي : لكم دينكم ولي ديني . وحتى في الفترة التي إشتد فيها عود الإسلام بعد فتح مكة لم يعمل النبي على إجبار أهل مكة المغلوبين على الدخول في الدين ألإسلامي , فمنهم من دخل خوفآ ومنهم من دخل إيمانآ ومنهم من ظل على دينه ولم يحارب المسلمين الفاتحين فتركوه وشأنه . هذا هو سلوك قائد السلف الذي كان يستوحيه من السماء عن طريق الوحي . فأي من الدعاة سلفي اليوم الذي يجد في نفسه المقدرة والكفاءة على طرق هذا السبيل , أي أن يضع نفسه في موضع صاحب الرسالة الموحى إليه , وبغياب الوحي وإنقطاع الصلة المباشرة بين الأرض والسماء ؟ إن كان هناك من يدَّعي ذلك فهو إما أن يكون قد مسه شيئ من الجنون ليدَّعي القيام بما قام به الرسول حتى بدون وحي ويعتبر نفسه بكل شيئ عليم خبير . أو أنه كاذب منافق يستعمل هذا الشعار دجلآ وتحايلآ لخديعة الناس والتغرير بهم ولتحقيق أهداف تتخذ من الدين وسيلة لذلك , إلا أنها في الحقيقة لا صلة لها بالدين من قريب أو بعيد . أو أنه جاهل بتطور الزمن الذي كانت له معطياته الخاصة آنذاك والتي لم تكتمل حتى خلال هذه المسيرة التي ظلت ترفد الإنسان بتعاليم السماء حيث جاء اليوم الذي أكمل ألله به الدين وأتم نعمته على الناس ورضي لهم ألإسلام دينا .

أو أنهم يريدون تقليد سلف المرحلة ألأولى من الفترة الثانية من تاريخ المسلمين والتي تمثلت بقادتها أبو بكر الصديق وعمر إبن ألخطاب (رض) . لقد إقتفى هذان ألخليفتان الراشديان خُطى الرسول محاولين تطبيق ما جاء به , جاعلين إجتهاداتهم الشخصية دليلآ لهم على تطبيق التعاليم الدينية , إذ لم يكن هناك وحي يوحى بعد وفاة الرسول ولم تبق علاقة مباشرة بين الأرض والسماء . وحتى هؤلاء الخليفتان الراشديان لم يستطيعا أن يكسبا رضا الجميع , إذ كانت لهما إجتهاداتهما في أمور كثيرة والتي إختلفت عن إجتهادات ألآخرين , ولم يخبرنا التاريخ أن أبا بكر أو عمر قطعا رؤوس المخالفين لهما في أي أمر من أمور الدين أو كفَروهم , فأين المتأسلمون المُدَّعون من مسيرة هذين الرجلين ...؟ وكيف يريدون الإقتداء بهما وهم لا يحترمون سيرتهما في تعاملهما مع من إختلف وإياهما في هذا الرأي أوذاك..؟ فالسيادينيون الداعون إلى العودة للسلف لا يفتأون من تكفير مخالفيهم في الرأي , ولا أحد يدري من أين أكتسبوا لأنفسهم هذا الحق وأين هو الوحي الذي جعلهم وكلاء على الناس بعد أن منع ألله رسوله نفسه من ذلك ..؟ وهم لا يتوانون عن إصدار فتاوي قطع الرؤوس والقتل وإباحة الدم والمال والعرض لكل من لا يسير في طريقهم الذي يعتبرونه طريق السلف , ولا ندري أي سلف يقصدون , إلا أن المؤكد بأن هذا الطريق ليس طريق الخليفتين الراشدين الأولين أبو بكر وعمر .

أم أنهم يريدون العودة إلى المرحلة الثانية من الفترة الراشدية المتمثلة بخلافة الخليفتين الراشديين عثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب (رض). لقد إتسمت هذه الفترة ببدء النزاعات بين المسلمين أنفسهم والتي دشنتها الفتنة الكبرى التي إنتهت بقتل خليفة المسلمين على أيدي المسلمين أنفسهم , ثم تخللتها حرب الجَمل بين زوجة النبي وجمع من الصحابة من جهة والخليفة الرابع وجمع آخر من الصحابة من جهة أخرى , ثم حرب صفين التي وضعت أسس نظام إجتماعي جديد من خلال الدولة الأموية في الشام . لقد أدى كل ذلك إذن إلى عدم إستطاعة أي من الخليفتين الثالث والرابع ألإستمرار على تطبيق ذاك النهج الذي سار عليه سابقيهما وأصبح الإنقسام في المجتمع ألإسلامي سِمَته التي أدت إلى نهاية هذه الفترة الراشدية برمتها بإستيلاء معاوية إبن أبي سفيان على السلطة بالقوة وتأسيسه لدولته حيث بدأ عصر التسلط والقهر والإضطهاد والتنكر لأساسيات الدين الإسلامي .
ولم تختلف العهود التي تلت العهد الأموي وحتى سقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى ثم مجيئ ما يسمى بالحكومات الوطنية , عن بعضها البعض إلا بإختلاف وسائل القهر والإضطهاد والملاحقة التي إنسجم تطورها مع تطور العقل البشري وإستخدامه لأساليب قمع جديدة تنسجم ومتطلبات المجتمعات الجديدة . وإنعكس ذلك حتى على الفكر السلفي نفسه حين طوَّر من أساليب الجريمة بما ينسجم والتطور الجديد بأساليب القتل والإرهاب , لكنه ظل , وبتعمد , متحجرآ منغلقآ على تطور المجتمع وأساليب حياته الجديدة التي لا يمكن مقارنتها بأي حال من ألأحوال بأساليب حياة سادت قبل أكثر من ألف سنة ولا حتى قبل بضع مئات من السنين.

تُروى حادثة وقعت في مجلس من مجالس معاوية إبن أبي سفيان حينما قام أحد " وعاظ السلاطين " في وسط المجلس خطيبآ وقال : هذا خليفة المسلمين وأمير ألمؤمنين , واشار إلى معاوية . وإن مات فهذا , وأشار إلى يزيد بن معاوية . ومن لم يرض بهذا فهذا , وأشار إلى سيفه . فهل مثل هذا السلف ينشد السلفيون ....؟
ألسلفيون , وخاصة التكفيريين منهم , يقولون ما لا يضمرون . ومقارنة بسيطة بين أفكارهم وما يقومون به من أعمال تجاه المجتمع الإنساني , وبعض المفاصل من تاريخ المسلمين توضح الترابط الوثيق والشبه الكبير والإلتصاق الفكري بينهم وبين نوع معين من السلف الذي يريدون أن يكونوا خَلفآ له . وهذا النوع من السلف ليس السلف الصالح بالتأكيد . إذ أننا لم نسمع عن زعيم السلف الصالح محمد بأنه تعامل مع المسلمين الذين خالفوه في بعض ألآراء هذا التعامل الذي يؤدي إلى قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وإنتهاك ألأعراض وسلب الأموال وتشريد المستضعفين وقتل ألأطفال . كما لم يقم أي من الخلفاء الراشدين الأربعة بأي شيئ من ذلك . فسلفيو اليوم بتخلفهم الفكري الذي يعجز عن إرشادهم إلى الطريق الصحيح الذي يساعدهم على التعبير عما يكنونه بكل صراحة , يسعون إلى إقتفاء آثار الجبابرة الطغاة إذ لا تستوعب عقولهم الضامرة أي رأي آخر غير رأيهم , ولا وسيلة يمتلكونها لإقناع الآخرين غير البطش والإغتصاب والقتل والتشريد, فعقولهم أصغر من أن تستوعب فكرآ آخرآ وأفقر من أن تلجأ إلى منطق قويم , وليس هذا بأمر غريب على التاريخ الإنساني الذي تعامل مع هذه القذارات لحقب تاريخية ليست قصيرة , وفي كل حقبة لم يجد التاريخ مكانآ مناسبآ لها غير مزبلته .
ومنهم مَن ينظر إلى السلف الصالح على أنه يقتصر على مجموعة معينة من الأئمة والأولياء ويجعل الرابطة القبلية والعائلية مع النبي محمد الفيصل في ذلك.
ومنهم ومنهم الكثير غير هؤلاء ،والذين يعكسون جميعهم هذا التشرد الفكري على بسطاء الناس ليخلق من هؤلاء وبالتالي من المجتمع مجتمعاً إنفصامياً يقوده هوس الخلل الفكري والهروب من الواقع البائس الذي يعيشه .
أما مقولتهم حول الإبتعاد عن كل ما هو غير إسلامي باعتباره وارد من بلاد الكفر، يمنعون الغير عنه ، فتدحضها تصرفاتهم وافعالهم في مجرى حياتهم اليومية، إذ انهم أنفسهم لا يتوانون عن التعامل مع ما يسمونه غير إسلامي ومن نتاج بلاد الكفر وذلك ، وعلى سبيل المثال ، من خلال مساعيهم التي يبذلونها للجوء إلى بلدان الكفر هذه حينما يريدون الهروب من بلدانهم الإسلامية لأي سبب كان ، وحينما يريدون العيش بحرية ورفاه وسعادة لا توفرها لهم أوطانهم التي يتبجحون بتسميتها " إسلامية " . وهم لا يتوانون عن إستعمال كل ما يقع تحت تصرفهم من منتجات العلم الحديث الغير إسلامية بدءً من صنع مفخخاتهم ومروراً بكل وسائل الحياة الحديثة في بيوتهم ومحلات عبادتهم وانتهاءً بكل ما تقدمه العولمة من وسائل التكنيك ، غير آبهين بما يدعون إليه هم أنفسهم بتحريم كل ما هو غير إسلامي ومن منتجات بلاد الكفر .
هذه الإزدواجية في المواقف وهذا التناقض في التصرفات يقود بشكل حتمي وطبيعي إلى تناقض في الخطاب الذي يوجهه الإسلام السياسي . وهذا ما سنتطرق إليه في القسم الثالث من هذا الموضوع .



#صادق_إطيمش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإزدواجية في فكر الإسلام السياسي / القسم ألأول
- الحكيم بالأمس والقزويني اليوم
- لغة القنادر مرة اخرى
- الحوار المتمدن قفزة حضارية رائدة
- لماذا وكيف ومَن أنتخب....؟ 2/2
- لماذا وكيف ومَن أنتخب....؟ 1/2
- مَن إستطاع إليه سبيلا
- فزع ألأنظمة العربية من الإعلام الحر
- أحزاب المحاصصات الدينية والقومية مصابة بفقر الدم الوطني..... ...
- أحادية التفسير لتعدد الزوجات في الإسلام
- إنهيار التجربة وصعود النظرية
- صورة الإسلام في ألمانيا
- البلاء في فتاوى الفقهاء
- يهود العراق الجُدد
- عشرة أسئلة حول ندوة نادي الرافدين في برلين
- أما آن الأوان لتجارالمحاصصات أن يعلنوا إفلاسهم....؟
- دعوات غير مسؤولة لإخلاء العراق من مواطنيه ألأصليين
- وماذا بعد السبع العجاف.....؟
- صحافة السجون.....مرة أخرى
- باب التجيك منه الريح.....سده واستريح


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صادق إطيمش - ألإزدواجية في فكر الإسلام السياسي / القسم الثاني