|
مهنية الصحافة و معتقدات الصحفي
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2502 - 2008 / 12 / 21 - 08:39
المحور:
الصحافة والاعلام
بداية لابد ان اذكر ان مهنة الصحافة بجميع جوانبها تتسم بمجموعة من الاخلاقيات المهنية الصرفة و التي من المفروض على اي صحفي ان يلتزم بها ان كانت المؤسسة التي يعمل فيها مستقلة حرة تهتم باظهار و بيان الحقائق فقط . و لكن من المعلوم لن هناك من الافكار و المعتقدات و الايديولوجيات التي تطرح و تفسر بطرق متعددة سوى كانت بوسائل حزبية او سياسية و من ضمنها وسائل اعلام متنوعة ، و كاهم وسيلة لنشر المباديء العامة لحامليها ، و هذا ما نتلمسه في الشرق بشكل عام و في العراق مابعد السقوط بشكل خاص ، هناك من التنظيمات السرية التي تعبٍر عما يجول في خلدها و اهدافها عن طريق صحيفة او فضائية ، و تدخل في تسيير تلك الامورعدة اغراض او نوايا و منها تجارية بحتة تستخدم الايديولوجيا كحجة او مبرر من اجل تمويلها من قبل السلطات او الدول بمخابراتها العدة لاهداف استراتيجية معلومة للجميع . و عند القاء النظرة ولو بشكل سريع على وسائل الاعلام تكتشف لدينا الطرق و المرتكزات التي تقف عليها ، اي ان الدافع الرئيسي لعديد من وسائل الاعلام سياسية بحتة او ايديولوجية فكرية صافية او منافسة و مصارعة من اجل اهداف اقتصادية او مخابراتية متخصصة في الضرب على اوتار السياسات المتنافسة في المنطقة و ما فيها من اجل ترسيخ افكار معينة . فهناك من الاحزاب التي تعبٌر عن ارائها بوسيلة اعلامية حزبية متنوعة الاوجه و تبين مواقفها بشكل صريح ، و هناك وسائل اعلام تعمل من اجل تنمية تنظيم و انبثاق تيار او حزب او انعاش فكر و ايديولوجيا او عقيدة محتضرة ، او الاثنين معا ، اي الحزب يدعم وسيلة اعلام من اجل ما يؤمن به و في المقابل الوسيلة الاعلامية تاخذ من الحزب ما تعتمد عليه، اي تكون هناك علاقات نفعية متبادلة لا صلة لها باعلان و كشف الحقائق بشيء. انطلاقا من اهداف ما وراء كل وسيلة يمكن لاي مراقب ان يقيٌم افعال المنتمين لهذه الوسائل الاعلامية ، فان كان الصحفي يعمل لوسيلة اعلام ما استنادا على معتقداته و حزبيته وايديولوجيته و يعتبرها طريقة لتحقيق مبادئه و افكاره، فانه يحاول بكل الطرق الوصول الى ما ينوي و يصارع من اجل تحقيق اهدافه و شعاراته و معتقداته ،و بما يعتقده هو الصح اوما يُرشد اليه ، و يجب ان يُعامل كعضو لحزب ما يعتقد و يؤمن بانه منتمي الى فكر و يناضل من اجل نشره و كسب الاخرين به لتحقيق الاهداف العامة له ، و حاله حال المنتمين الاخرين الى الاحزاب و التيارات ، اما الصحفي المستقل غير المنتمي و هو حامل لعقيدة ما فانه يمكن ان يُعامل على خلفيته المهنية و اخلاقيات و اداب مهنته و يمكن ان لا تقرا تصرفاته استنادا على افكاره و اعتقاداته و انما على مهنيته والتزاماته المهنية و قيودها . لو دققنا اكثر اننا نرى ان اكثرية الفضائيات تعمل و تنطلق من ايديولوجيات خاصة بها لم تعبٌر الحاجز الفكري العقيدي الايديولوجي الحزبي الضيق لاصحابها و مموليها و تختص في شان ما بحيث تجمع ما تتوفر لديها وتركز ما يمكنها من العمل لتلك الاهداف الضيقة و القضايا ،لانها ليست من مصلحتها ان تعلن عنها و تظهرها للناس بل تحاول تغطيتها بشكل تضليلي ان تمكن او في اكثر الاحيان لكي تحافظ قليلا على مصداقيتها لم تلتفت الى تلك القضايا، او في الاحيان الاخرى تمر عليها بخجل او بمرور الكرام و بتكتيكات تحاول اطفائها و انهائها ، و في المقابل في قضايا اخرى و ان كانت صغيرة غير جوهرية و لكن هي في مصلحة اهدافها الخاصة فهي تبرزها ما امكن و ان كانت لا تستحق ان تذكر اعلاميا مقارنة بقضايا اخرى ، فكم من عمليات الابادة البشرية غضيت الطرف عنها بينما حادثة بسيطة لامرء في غابة اصبحت لا تغتفر . ان مهنة الصحافة بشكل عام اجريت عليها تغيرات واسعة و عميقة ، و حريتها اصبحت معيارا لتقدم البلدان و بها يمكن الكشف عن المستور من الفساد و القضايا المضرة بالانسانية ، و بها ايضا يمكن خرق حقوق الانسان و ما يخص الجوانب الانسانية و عمق الاخلاق و المصالح الانسانية . اي الاعلام سلاح ذو حدين ، فهو ميًسر لامور الحياة وازالة عوائق التقدم او يكون السد المنيع للتطور و يسبب في اخلال الامن و الفوضى والتخريب في احيان اخرى . و عليه يمكن تمييز عمل الصحفي حسب موقع عمله و خلفيته و اهدافه و عقائده و ما يهم الانسانية بشكل عام ، فالصحفي انسان غير خاوي و انما يحمل معتقدات و افكار و ايديولوجيا و اهداف و مشاعر و احاسيس وعواطف و غرائز و هو منتوج بيئته السياسية الثقافية الاجتماعية ، وعليه ان يتعامل وفق ما يعمل و لمن يعمل و من هو الموقع و ما اهدافه و يجب ان يُنظر اليه وفق تقييم المؤسسة التي ينتمي اليها ، و تاريخ مؤسسته و من ورائها ان كانت المؤسسة تتبنى ما فعله الصحفي او تبرات منه ، و ان كان العمل مفاجيء و بشكل عفوي او مخطط و كشف من وراءه و مدى تضرر المجتمع منه، او خرق لقانون المكان الذي انجز فيه العمل و هل خدش المصالح العامة للشعب، ام نزوة صادرة منه في لحظة من الزمن نابع من دوافع ذاتية ، كل هذه الجوانب لها مؤثراتها على تقييم العمل المنجز او اقتراف خطا ما ، و عندئذ يمكن تصنيفها على انه جريمة ام لا ، او اعتباره عمل صحفي طبيعي يدخل في خانة الحريات العامة . ان الفوضى العارمة في عمل الفضائيات العربية و خاصة العراقية تتيح لاي منتسب لها ان يجتهد في ما يفكر ان يعمل فيه دون ان يحلل او يقرا عواقبه ، و عليه تقييم عمل الصحفي و معاملة السلطة له يمكن ان تقع فيها الاجتهادات ايضا حسب تصنيف العمل و ما يبدر من الصحفي او المؤسسة الاعلامية و مهنيته او ايمانه الشخصي و اهداف مؤسسته او استقلاليته الشخصية و عدم مزجها بعمل المؤسسة ، او توحيد المهنية و معتقدات الصحفي في كافة الجوانب بما يخص العمل الصحفي و ما يجري اثناء العمل ، وهذا شان الاتحادات و النقابات الصحفية الحرة في تحديد ما هو اطار عمل الصحفي و واجباته و كل ما يخصه من الحقوق و الاجرائات و ما يتبعها من الاحكام ، و ما هي الخروقات السياسية اوالقانونية او الاجتماعية اوالاخلاقية الخاصة باي مجتمع و ما يضر بالمصالح العامة او يهيج الراي لكي يُتعامل معه وفق تلك القوانين . اما كيفية التعامل مع الصحفي يجب ان يعتمد على عمله الموضوعي و تصنيفه وفقا لبنود القوانين المتعلقة و المرعية بهذا الاختصاص بعيدا عن الخلفية الفكرية العقيدية لمن يقيًم فعل الصحفي ، و من جانب اخر و كعرف صحفي و احتفاظا على موضوعية العمل و مهنية الصحافة يجب ان لا يُعامل اي كان الغرض اوالقصد من العمل كخصم على ما فرز منه من الاعمال ، والسلاح الوحيد للصحفي هو القلم في الوسط الديموقراطي الحر و استغلال اخطاء المقابل و ما بدر منه بالعقل و الاسئلة واحراجه لبيان ما هو عليه من الخطا امام الراي العام ، و لا يمكن ان يتعامل الصحفي استنادا على ما وقع هو فيه من الانكسارات ايضا و لا يمكن ان ينعكس اخلاقيات و اداب الصحفي الخاصة على سياسته و فكره و عمله الصحفي ، لكون العمل الصحفي ليس تعويضا لمسببات الانكسار و الاضرار الشخصية ، اما المؤسسة ، فيجب ان تقيًم استنادا على نهجها الذي تسير عليه و ان الحكم المسبق لا يكون لصالح اية قضية و يدخل في خانة تضييق الحريات العامة. و يجب ان لا ننسى ان طرح المواضيع بحياد و موضوعية و كشف الحقائق هو لصالح العام و تحقيق الاهداف الانسانية العامة ، اما بالنسبة لعراق اليوم فقد شاهد هامشا من الحرية في الجانب الاعلامي بعد السقوط و لا يقارن بما كان عليه الوضع ايام نظام الدكتاتور ، وانه تخطى العائق الكبير ، و ابسط مثال الذي يجب ان نتذكره هو ما اقدم عليه ازلام الدكتاتور في احدى زياراته و اردوا احد الحاضرين قتيلا لانه مد يده الى جيبه فقط قبل ان يخرج العريضة التي يلتمس فيها مساعدة الدكتاتور ،و هكذا كانت حال الصحفيين و اطار عملهم ،و هل يذكر من دخل هذا القسم و لم ينتمي الى الحزب المقبور كشرط مسبق و كيف كان التعامل مع ما يصدر من الصحفيين ان شكوا حتى في مضمون الكتابات ما يمس الدكتاتورية ، و عليه ان قارننا يجب ان نراعي الوضع بشكل علمي من اجل تقدمه و عدم الخلط بين الاهداف السياسية و الامنيات و الطموحات الشخصية و عمل الصحفي ، و نشاهد اليوم حتى ما يبدر من احد فان المؤيدين و الاضداد معروفين فقط استنادا على السياسة و الايديولوجيات و الحزبية الضيقة و ليس استنادا على العمل الصحفي المهني ذاته دون تدخل ، و بالاخص ان النظام السياسي هذا لم ينبثق بشكل طبيعي و يعتمد على المحصصاتية الحزبية الطائفية و الفئوية و العرقية و يجب ان يكون الاعلام مساعدا لتقويم الحالة ارتكازا على القيم العلمانية التقدمية و الديموقراطية و توسيع الحرية و احترام المواطنة و الراي العام ، و من اهداف الصحفي هو ازالة الصفات الشاذة عن المجتمع بطرق سلمية . و هناك من الشخصيات و الانظمة المصلحية في العالم يجب ان يُحاربوا بوسائل تقدمية ديموقراطية و اظهار الحقائق بعقلانية و ليس بعاطفة معهودة لدى الشرقيين لانها تعود بالضرر على النفس مردودا ، و به يمكن الصراع مع جشع الراسمالية العالمية و قياداتها بما يفيد المجتمع و النضال من اجل العدالة الاجتماعية و المساواة بوسائل حديثة من كافة النواحي و من ضمنها الاعلام كوسيلة هامة لكشف زيف و افتراءات الراسمالية و احتكارها و اضرارها و ليس بافعال طفلانية او بوسائل تدخل في خانة حب الظهور او التهور ، و هذه انظمة مستندة على مجموعة من المرتكزات و الاعمدة التضليلية يجب التعامل معها بشكل علمي و بتخطيط في منتهى الدقة من اجل ازالتها او كشف النوايا التي بنيت من اجلها للعام اكثر فاكثر ، و الاعلام هو السلاح القوي الذي به يمكن مواجهة قوى الطغيان و الجشع الاقتصادي و السياسي .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل بامكان روسيا الجديدة قيادة التيار اليساري العالمي؟
-
البحوث و الدراسات العلمية اولى الوسائل الهامة لارتقاء المجتم
...
-
ازالة الطابع الاسطوري الشرعي عن البنية الايديولوجية الراسمال
...
-
نهاية ال(نهاية التاريخ)
-
معرفة النفس بعد التامل و التركيز في كينونة الحياة
-
تمازج اليات العولمة مع موروثات الفلسفات الشرقية
-
قدرة الحوار المتمدن في تحقيق الأهداف اليسارية و الطبقة الكاد
...
-
هل تنبثق قوى معارضة في اقليم كوردستان؟
-
نظام اقتصادي عالمي جديد هو الحل للازمة الانية
-
ألم يأت دور الشباب بعد تسمين شيوخ العشائر في العراق
-
حان الوقت لاعادة النظر في صفة التكبر لدى امريكا
-
الشفافية و طرد مفتشي مكافحة الفساد في حكومة المالكي
-
تحزٌم بعض المثقفين بحزام العفة المذهبية!!
-
هل الازمة المالية العالمية قوضت العولمة ام حاصرتها ؟
-
هل شخصت روسيا ما فكك الاتحاد السوفيتي لمعالجته او ازالته ؟
-
مهما طال الزمن سيتجه العالم نحوضمان العدالة الاجتماعية
-
هل تقرأ القوى السياسية العراقية استراتيجية امريكا و نظرتها ل
...
-
اليس حجب وسائل الاعلام التقدمية دليل على خوف و تخلف السلطات؟
-
ما هي اهم معطيات مواقف روسيا حيال القضية الكوردية في المنطقة
...
-
ما اهم معطيات مواقف روسيا حيال القضية الكوردية في المنطقة؟ (
...
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|