إياد محسن
الحوار المتمدن-العدد: 2502 - 2008 / 12 / 21 - 08:05
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
طبيعي أن يرفض أي مجتمع الجريمة ...وجميل أن ينظر لمرتكبها نظرة ازدراء ورفض, باعتبار ذلك جزء من العقاب المعنوي الذي يستحقه ...لان السلوك الذي يأتيه المجرم سلوك شاذ ومنحرف , يهدد امن المجتمع وسلامة أبنائه, ويهدف إلى التعدي على الحقوق العامة أو الخاصة ...
لكن.. ماذا لو شعر مرتكب الجرم بحفاوة المجتمع وتأييده ..وماذا لو كانت الجريمة ..ومن وجهة نظر جزء من مكونات المجتمع , واجبا شرعيا وأخلاقيا..ماذ لو كانت الجريمة مدعاة للشعور بالرفعة والسمو ... حتما سنكون أمام حالة من انهيار القيم واختلاط المفاهيم , حيث تجد أن الأفعال التي تحرمها الأخلاق والأديان والقوانين تكون مشرعنة ومقبولة تحت حجج ومسوغات واهية , وهذه الحالة لا تنتج بدورها إلا الفوضى والخراب ويكون المجتمع حينها متجها نحو الهاوية .
في العراق, وبعد التخلص من النظام الشمولي, وفي مناسبات عديدة , شهد المجتمع حالات مماثلة كان فيها مرتكب الفعل ألجرمي يحاط بحفاوة وتأييد من بعض مكونات المجتمع ...مهما كانت المخالفة القانونية والأخلاقية المرتكبة .
الانتخابات التي أجريت سابقا شهدت عمليات تزوير وتلاعب بمختلف الوسائل والأساليب , ورغم إن هذا الفعل يشكل مخالفة قانونية وأخلاقية .. كونه يرمي لتغيير الإرادة السياسية للناخبين, إلا إن جزء من المجتمع العراقي لم يكن يرفض مثل هذه الممارسات ولم يشعر بأنها خروقات قانونية , لأنه يرى فيها واجبا لنصرة الهويات الاثنية.. كالدين أو المذهب أو القومية ..حتى وان كانت على حساب الهوية الوطنية .
اخطر أنواع الجرائم تلك التي تستهدف العملية الانتخابية , والجريمة الانتخابية تعرف بأنها كل فعل آو امتناع عن فعل يفرضه القانون يترتب عليه اعتداء على العملية الانتخابية ويقرر القانون عليه عقوبات معينة .
وتكمن خطورة الجريمة الانتخابية في انها تهدف إلى الإضرار بعملية الانتخابات , إما بعرقلة سيرها , آو بتغيير نتائجها والإتيان بنتائج مخالفة للإرادة الحقيقية للناخبين , وهي وفي جميع الأحوال جريمة سياسية لأنها تستهدف آليات صنع العملية السياسية في الدولة .
قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم 36 لسنة 2008 عالج موضوع الجرائم الانتخابية بمختلف أشكالها ووضع العقوبات الجزائية لهذه الجرائم بحسب جسامتها .
الجرائم التي تناولها قانون الانتخابات العراقي يمكن تصنيفها وتقسيمها إلى عدة أقسام .
جرائم التزوير في كشف قيد الناخبين
وتندرج تحت هذا الصنف مجموعة من الجرائم منها إدراج اسم أو عدم إدراج اسم في سجل الناخبين خلافا للقانون , والترشيح في أكثر من دائرة انتخابية .
جرائم التصويت خلاف القانون
ومنها التصويت مع العلم بفقدان الشروط القانونية لممارسة الحق الانتخابي , وتعمد التصويت باسم الغير , واستعمال حق التصويت لأكثر من مرة , وإفشاء سر تصويت ناخب دون رضاه , و تغيير إرادة الناخب الأمي باختيار اسم أو رمز غير الذي قصده الناخب .
الجرائم المرتكبة في مرحلة التمهيد للانتخابات
ومنها القيام بلصق الصور والدعايات الانتخابية خارج الإمكان المخصصة او خارج الفترة الزمنية المسموح بها قانونا , والاعتداء على صور المرشحين أو برامجهم بقصد الإضرار بالمرشح أو التأثير على سير الانتخابات .
الجرائم المخلة بحرية التصويت
كاستعمال القوة أو التهديد لمنع الناخب من التصويت أو لإرغامه على التصويت لجهة معينة , وكذلك إعطاء الرشوة أو الوعد بها للتصويت على وجه معين أو لعدم التصويت .
الجرائم التي تعرقل سير العملية الانتخابية
كالإساءة إلى سمعة احد المرشحين للتأثير على أراء الناخبين, ودخول مقر الانتخابات مع حمل السلاح أو الآلات الجارحة خلاف للقانون, وسب أو قذف أو ضرب احد أعضاء لجنة الانتخابات أثناء عملية الانتخاب , والعبث بصناديق الاقتراع , و سرقة أو إتلاف أو إخفاء أوراق الاقتراع أو تغيير نتيجتها بأي طريقة .
حدد القانون العقوبات التي تفرض على ارتكاب أي فعل من الأفعال المحظورة , وكانت هذه العقوبات تفرض الحبس مع غرامات مالية حدد القانون مبالغها , وفي حال ارتكاب أي فعل مخالف فان مقر المفوضية المركزي ومكاتبها في المحافظات هي التي ستتلقى الشكاوى وتبت بها .
ورغم هذا التفصيل فان المشرع العراقي وقع في بعض الهفوات التشريعية , إذ حضر بعض الأفعال إلا انه لم يحدد العقوبات المترتبة على اقترافها .
حيث منع استعمال شعار الدولة الرسمي في الاجتماعات والإعلانات والنشرات الانتخابية , وحضر استخدام صور لرموز شخصية لغير المرشحين ومنع موظفي دوائر الدولة من استخدام صفاتهم الوظيفية في دعم أي مرشح , ولم يجوز استخدام وسائل التخويف والتكفير والتخوين , وكذلك منع الإنفاق على الدعاية الانتخابية باستخدام أموال الدولة آو أموال الدعم الخارجي .
ومع إن ارتكاب مثل هذه الأفعال يشكل خرقا وعرقلة للعملية الانتخابية ورغم إن المشرع ذكرها على سبيل الحصر , إلا انه تغافل عن تحديد العقوبات المترتبة على أي منها مما دفع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لإصدار النظام رقم (4) لسنة 2008 المعدل , والذي حاولت من خلاله تلافي النقص التشريعي الواضح في قانون انتخاب مجالس المحافظات بإصدار تعليمات وتوجيهات يترتب على مخالفتها فرض العقوبة على أي كيان أو مرشح يخالف قواعد سلوك الكيانات السياسية , إلا إن النقص التشريعي الذي يعتري قانون الانتخابات لم يحل بإصدار النظام رقم ( 4) المعدل إذ بقيت العقوبات لبعض الأفعال الممنوعة قانونا , غير محددة وهذا ما يفتح الباب واسعا أمام الاجتهاد في ضل غياب النص القانوني المحدد للعقوبة , وحيث إن الجريمة الانتخابية تستهدف الصوت الانتخابي وتغيير الإرادة الجماهيرية , ولان الإرادة الجماهيرية هي التي تصنع العملية السياسية بكل تفاصيلها , نرى من الضروري التنسيق بين الجهات المسئولة عن كشف جرائم التزوير والفساد والرشوة كمفوضية النزاهة وبين مفوضية الانتخابات , لضمان نزاهة العملية الانتخابية , بالإضافة إلى الرقابة التي تقوم بها المنضمات الدولية وممثلو الكيانات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية , للحد من هذه الجرائم وضمان عملية انتخابية نزيهة وشفافة في نتائجها , بالإضافة إلى ضرورة التركيز على برامج التثقيف والتوعية التي توجه للجمهور والتي تركز على اهمية نبذ أي فعل يستهدف النيل من نزاهة الانتخابات ومصداقيتها , باعتبار ذلك مخالفة للقوانين والأخلاق المرعية في المجتمع العراقي .
#إياد_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟