أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - تصعيد المقاومة الشعبية بوجه سعار الاستيطان















المزيد.....


تصعيد المقاومة الشعبية بوجه سعار الاستيطان


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2500 - 2008 / 12 / 19 - 10:05
المحور: القضية الفلسطينية
    


شهد جمهور الفضائيات قبل أسبوعين نموذجا من اعتداءات المستوطنين على سكان أحد الأحياء القريبة من المستوطنات في مدينة الخليل. ومدينة الخليل، هي الثانية بعد القدس حيث يتوسع الاستيطان، ويعربد المستوطنون داخل أحيائها.وهذا يبين أن خطر التهويد واقتلاع العرب يحدق بالخليل والضفة ولا يحدق بقطاع غزة ،الذي يخطف بماساته الأضواء على الجريمة العنصرية في الضفة. اختتم مهرجان العربدة بمشهد ميلودرامي جهد جيش الاحتلال لإخراجه بحيث يمحو اثر العربدة العنصرية من جانب المستوطنين. قدم الإخراج صورة مناقضة للحقيقة: قلبت واقع الاستيطان وزورت حقيقة العلاقة بين المستوطنين والاحتلال وجيش الاحتلال. عرض الشريط المصور المستوطنين "يجرجرون" لإرغامهم على مغادرة البيت وكأنهم يقيمون فيه منذ فجر التاريخ؛ كما عرض المحكمة العليا الإسرائيلية ذراعا للعدالة وليس أداة بيد الاحتلال والاستيطان وتعتبر قرارات الاحتلال العسكرية مصدرا لشرعيتها. كان تشبث المرأة المستوطنة ووليدها معلق بيدها مشهدا مكرسا لإضفاء طابع إنساني درامي للاستيطان. المشهد أراد إيصال رسالة جيش الاحتلال والحكومة " لا تلجئونا ثانية لتكرار محنة ترحيل المستوطنين"!! ذكّرنا المشهد ب "دراما" مشاهد إجلاء المستوطنين عن غزة ، وكأنهم قذف بهم إلى المجهول، مصير لم يسبق ان واجه الجماهير الفلسطينية التي اقتلعها الجنود من بيوتها وأرض أجدادها تحت لعلعة الرصاص الحي وقذف بها نحو المجهول، وبدون شهود على الجريمة.

الكاميرات التي رصدت ترحيل المستوطنين عن بيت الرجبي في الخليل تغيب في العادة عن مواقع يستولي عليها المستوطنون عنوة ويشيدون فوقها البؤر الاستيطانية بدون موافقة رسمية في بعض الأحيان. وهكذا شيدت مئات المستوطنات غير الشرعية حسب توصيف حكومات إسرائيل وتمتنع السلطات العسكرية عن ترحيلهم عنها. ولكاتب هذه السطور تجربة مريرة واعتقال مرتين في سياق النهم الاستيطاني: قطعة أرض كانت مزروعة بأشجار العنب أتلفها المستوطنون بمواد كيماوية ثم وضعوا أيديهم عليها، بجانب حيازات أخرى لأقاربه يقدر مجموعها بمائة دونم. المستوطنون وجنود الاحتلال يعتريهم تشنج ، حين يصادفون معارضة فلسطينية لتصرفاتهم، وذلك على الرغم من أن البؤرة الاستيطانية بنيت يوم انتخاب شارون رئيسا للحكومة، ولم تزل تعتبر في العرف الإسرائيلي مستوطنة غير شرعية. وفي قرار للمحكمة العليا الإسرائيلية ردا على شكوى تقدم بها أصحاب الأراضي قالت المحكمة أن المستوطنين يتمتعون بحماية الجيش ولو كان وجودهم غير مشروع. أعمال المستوطنين تستوجب حماية جيش الاحتلال حسب قرار المحكمة العليا الإسرائيلية ؛ بينما كاتب هذه السطور يعتقل وينقل من الموقع مخفورا داخل زنزانة إذا ما صودف على أرضه؛ ويقال له أنه محظوظ إذ لم يصطدم بالمستوطنين. ويقول له أحد الجنود موقف المستوطنين مشروع أنت بإمكانك العيش في العراق أو مصر.لكنه يضطر للاعتذار بعد تسفيه منطقه.
المستوطنون يعتريهم سعار عنصري كلما اصطدموا بمعارضة لممارساتهم. يتجلى فيما قام به قطعان المستوطنين من اعتداءات بدعم وغطاء مباشر من قوات الاحتلال و حكومته على المواطنين وأملاكهم و كتابة شعارات عنصرية, تواصل العدوان والعنصرية من جانب سلطة الاحتلال؛ والأمر يفرض على السلطة الفلسطينية تقديم كل الدعم المادي والمعنوي لحشد مقاومة شعبية وتشكيل لجان حراسة في كل المواقع لمواجهة هؤلاء المنفلتين, وتصعيد الكفاح الشعبي المقاوم ضد كافة موبقات الاحتلال و مستوطنيه. ومن المؤسف ان السلطة ، وهي تعارض المقاومة المسلحة تفشل في تصعيد المقاومة الشعبية دفاعا عن الأرض. وحيال إغفال عنصر المقاومة يصطلي الشعب الفلسطيني بنيران المحن كل يوم ، ويقف حائرا أمام جموح القوة المجنونة. منذ بداية القرن، وخاصة في ظل سيطرة اليمين على الإدارة الأمريكية، أفلت زمام المستوطنين وأفصحت حكومات إسرائيل عن نوايا ضم كامل فلسطين لدولة إسرائيل واقتلاع المواطنين الفلسطينيين من ديارهم، مستهينة بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان. الممارسات الاستيطانية تسفر عن جرائم حرب تنتهك القانون الدولي، وبالذات قانون عدم جواز نقل ملكية الأراضي المحتلة إلى ملكية للدولة المحتلة أو رعاياها.

في هذا السياق يمكن تفهم تسامح الاحتلال مع السعار الاستيطاني العنصري المنفلت خلال العقد الأخير. فقد كتب بن كاسيت الصحفي في معاريف أوائل آذار 2005أن تقريرا قدم إلى مجلس وزراء إسرائيل، أعدته المحامية الإسرائيلية داليا ساسون، الرئيسة السابقة لقسم الشئون الجنائية في النيابة العامة للدولة عن المواقع الاستيطانية غير القانونية. وقد اطّلع مسئولون إسرائيليون وأمريكيون على نسخ منه. خلص التقرير إلى القول بأن " أحدا لا ينوي فرض القانون بجدية، فخرق القانون أصبح مؤسسا ومؤسساتيا. خرق فظ للقانون من قبل سلطات معينة في الدولة وسلطات عامة ومجالس إقليمية في الضفة ومستوطنين. يجري وضع اليد والبناء في ظل خرق القانون. جاء في التقرير أن "دائرة الاستيطان أقامت مواقع استيطانية غير مسموح بها في ظل تجاهل الحاجة إلى وضع خطط تفصيلية سارية المفعول كأسلوب عمل." وأكد التقرير أن تضخيم المستوطنات يمضي بوتائر عالية، وأن وزارة البناء والإسكان شغّلت مهندسيها في تخطيط مواقع غير شرعية بعضها مبني على أملاك خاصة.
يمضي التقرير إلى القول:" تعمد الوزارة إلى شراء كرفانات، ولهذا الغرض خصص 33 مليون شيكل من ميزانية الدولة. ويفيد التقرير أن وزارة البناء والإسكان أوصت على عدد من الكرفانات، حيث نصبت على المواقع قبل نشر العطاء الخاص بالمشروع. ويمكن بناء مستوطنة في ليلة واحدة، وذلك عن طريق تحريك البيوت المتحركة على عجلات.
كشف النقاب عن الممارسات ولم يتخذ أبسط إجراء للحد منها أو حتى معارضتها.
كما كشفت صحيفة هاآرتس النقاب عن فضيحة تزوير صفقات بيوع أراضي شارك فيها كل من الإدارة المدنية والنيابة العامة. تم التحايل عن طريق تشكيل شركات بناء وهمية يملكها ويديرها المستوطنون؛ تنقل أراضي العرب في غفلة منهم إلى المسئول عن الأملاك الحكومية في دائرة أراضي إسرائيل الذي يقوم بدوره بتهويد الأراضي وتحويلها إلى أراضي دولة وتؤجر بعد ذلك لجمعيات استيطانية تبيعها بدورها لشركات بناء. وبهذه الطريقة أقيمت عشرات المستوطنات. وقال عكيفا إلدار، الصحفي الذي نشر الفضيحة ، أن إحدى المشكلات التي يواجهها الفلسطينيون تكمن في أن عليهم الإثبات أمام المحاكم الإسرائيلية عكس ما يدعيه المستوطنون الذين يزودون المحكمة بعدد وفير من الوثائق المزورة. وتقول وزارة العدل في إسرائيل إن " المُلْك يعتبر ملكا حكوميا طالما لم يثبت عكس ذلك".
نجد هذه الفقاعات الإعلامية البائسة محاولات عقيمة لإضفاء مسحة إنسانية على ممارسات إسرائيل، رغم أنها تعبر عن تصحر الوجدان العام بعواصف العنصرية الفاشية الموسومة بالكره البهيمي للعرب والفلسطينيين، وذلك في كنف تصعيد العدوانية العولمية للامبريالية الأمريكية.
هذه السرقات وأعمال النهب المنظم والمتواصل لا تجري أمام الكاميرات؛ وإذا ما تكشفت سرعان ما تحجب عن الأضواء وتتواصل الجريمة. وبهذه الطريقة أقيمت داخل مدينة الخليل عدة بؤر استيطانية: يقول اسحق مغرافتا ، عضو تحالف السلام الجنوبي "إن الحقد والكراهية لكل ما هو عربي يحمل المرء على الاقتناع بأن الجيش والمستوطنين ينفذون عملية تطهير عرقي في البلدة القديمة وتمزيق النسيج الاجتماعي". وأضاف أن "الخطة تقضي بخلق مناطق احتكاك دائمة، ويصدر الجيش أوامر تعقد حياة المواطنين وتضطرهم للرحيل الجماعي". وأوضح مغرافتا أن البلدة القديمة ظلت حتى عام الألفين منطقة مزدهرة تجاريا تعج بالناس وبالسكان؛ وباتت الآن مهجورة ومحلاتها التجارية مغلقة بأوامر عسكرية.
يجدر في هذا المقام ذكر مجزرة الحرم الإبراهيمي التي حدثت أثناء صلاة الفجر في شباط 1992ونفذها الطبيب غولدشتاين . كمن الطبيب للمصلين في زاوية بالمسجد وراح يطلق النار على المصلين؛ كما سقط بالرصاص عدد من المصلين وهم يخرجون من الحرم. والرصاص من بنادق الجنود خارج المسجد. تعرض القاتل المجرم، وهو يطلق النار من رشاشه لضربة أودت بحياته؛ وأقام له المستوطنون في كريات أربع مقاما غدا مزارا ينفث الكراهية والقتل والتعصب العنصري على مدار الساعة. وعلى أثر المجزرة صدر أمر عسكري بإغلاق الحرم أمام المصلين. استمر الإغلاق تسعة أشهر، تمخضت عن مصادرة جزء من المسجد خصص لليهود، وحرم على المسلمين. بهذه الروح العنصرية الحقود وبغرائز الكراهية البهيمية يتعامل المستوطنون مع جماهير الخليل. تشكلت بقرار دولي إثر مجزرة الحرم الإبراهيمي، فرقة من التواجد الدولي الدائم بالخليل ( TIPHحسب الحروف الاستهلالية بالانجليزية) لمراقبة الوضع؛ وتقتصر مهمتها على رصد الحوادث ورفع تقرير بها إلى حكومة إسرائيل وحكومات عربية. لا تستطيع الوحدة وقف أي تجاوز من جانب مستوطن أو الجيش. مرة جرى اعتصام قرب مستوطنة أبراهام أبينو للمطالبة بإزالة المستوطنة، وكانت مكونة من مبنى واحد. حضر جنود الاحتلال ووجدوا نفرين من "تيف"، وسمعت الضابط يخاطبهما باللغة الإنجليزية " هل تتفضلون بالانصراف في الحال؟ شكرا". وغادرا فورا.
بدأت معاناة أسرة نجيب الشرباتي مع المستوطنين منذ العام 982ا، حين شرع ببناء مستوطنة "أبراهام أبينو" على موقع بجانب شارع الشهداء الواصل بين شطري الخليل ـ العتيقة والجديدة. تم إغلاق الشارع بأمر عسكري بهدف إحكام الحصار حول البلدة القديمة. توالت الإغراءات والترهيبات على أبي سمير الشرباتي إلى أن توفي الشيخ . وقد استقطب المنزل جموعا من الزوار لمشاهدة التحف الأثرية النادرة. وفي حديث صحفي قال الشرباتي أن المستوطنين والجيش مشاركون بالجرائم ، أطلقوا الزجاجات الفارغة والقاذورات وقنابل الغاز، وحتى حفاظات الأطفال باتجاه المنزل. ونجحوا مرة في 28 تموز 2002بإحراق المنزل ونهب محتوياته. أتلف الحريق مكتبة قيمة، تحتوي على مئات الكتب وخربوا حديقة المنزل التي كانت على سطحه وألقوا ما بها من مزروعات على الأرض. واصل المئات من المستوطنين في أبراهام ابينو في المدينة القديمة عربداتهم ضد المواطنين وقذفوا الحجارة باتجاه منازل المواطنين.
كان يوم السبت،26 تشرين ثاني 2005، مشهودا بالمدينة . فقد وصل مدينة الخليل الألوف من المستوطنين، بحجة إحياء ذكرى السيدة سارة وقراءة سفر التوراة . انتشر الزوار في أحياء المدينة يرجمون ويعتدون . ومن كريات أربع انطلق المستوطنون يهاجمون الأحياء القريبة يقتحمون البيوت ويدمرون الأثاث. وسلمت إخطارات بالإغلاق لعدد من أصحاب المحلات التجارية في الشارع الرئيس الواصل بين المستوطنة والحرم الإبراهيمي. في شهر آب 2005 نصبت سبع بوابات حديدية تحيط بالبلدة القديمة في الخليل، وأقيم عدد من نقاط التفتيش والحواجز العسكرية الثابتة والمتنقلة والإغلاقات بالمكعبات الاسمنتية والأتربة. يوجد حاليا 82 نوعا من الحواجز أقيمت داخل أحياء البلدة القديمة، ونصبت بوابات إليكترونية أمام الحرم الإبراهيمي والأبراج العسكرية. أن ما ينصب من موانع وإغلاقات في بغداد يتم على غرار ما نصب داخل الخليل وبخبرات إسرائيلية .
ومستوطنة بيت هداسا مكونة من مبنى قديم كان في زمن الحكم التركي مخزنا للجيش. انتقل البيت إلى سلطة الانتداب البريطاني وتحول إلى مدرسة للوكالة في العهد الأردني . ولا يدري أحد كيف تحولت ملكية البيت إلى مؤسسة بيت هداسا الصهيونية ، واتخذ ذلك ذريعة لوضع اليد عليه وتحويله إلى بؤرة استيطانية قريبة من مركز الخليل ، باب الزاوية خارج البلدة القديمة.
تقطن أسرة محمد نبيل الحلبي(أبو أحمد) بمحاذاة البؤرة الاستيطانية، وعاش أطفاله في رعب دائم ليلا ونهارا . عرض على صاحب البيت إغراءات لبيع بيته والدكان الذي يبيع فيه ملابس. وذات يوم وفد إلى المدينة رئيس جمعية الصداقة السويدية ـ الفلسطينية . ذهبت معه في جولة في أحياء البلدة القديمة . كان الصيف قائظا في تموز 2005، ولدى العودة وددت أن أعرج معه إلى دكان أبي احمد . دخل الضيف إلى الدكان وكان منعشا بعد جولة تحت الشمس. انتظرت دقيقة ريثما يأتي ابو احمد الذي كان يقف قريبا من مدخل الدكان. وبين دهشة الضيف ودهشتي خرج طفل من الدكان هاربا ويصيح مذعورا . امسك به والده وراح يطمئنه إلى أن هدأ، ثم فسر لنا الحكاية: بالأمس امسك به أحد المستوطنين، وهو على سطح البيت ، وهدده بخنجر في يده. نختصر الحكاية ونقول تم إنقاذ الطفل. شاهد الطفل الضيف الصديق وظنه المستوطن. الحكاية تجسد الرعب المقيم لدى أسر الأحياء المجاورة للبؤر الاستيطانية، وهي محرومة من الحماية القانونية والمادية.
وعلى تل الرميدة القريب من البؤرة أحياء مأهولة بسكانها العرب. هذه المنطقة كانت قصبة المدينة الكنعانية، كريات أربع، مركز الممالك الكنعانية الأربع بعد توحدها في العصور القديمة. يعيش المواطنون حصارا خانقا. فأسرة محمد حامد أبو عيشة التي تقطن تل الرميدة محاصرة ببؤرة استيطانية وموقع عسكري ويجري تفتيش أفرادها لدى العودة والمغادرة. وتقذف شبابيك المنزل بالبيض والقاذورات والحجارة، ورغم ذلك يداهم الجيش البيت ليلا بحجة التفتيش. وكل من يزور الأسرة من أقارب يتعرض للتفتيش وحتى في أيام الأعياد توضع العراقيل بوجه الزوار. وتقطن أسرة فريال أبو هيكل ، مديرة مدرسة قرطبة الواقعة مقابل مدخل مستوطنة بيت هداسا. وكم تعرضت بنات المدرسة لاعتداءات المستوطنين وكلبهم المتوحش! وكم تعرضت السيدة فريال أبو هيكل لمضايقات المستوطنين كي تغلق المدرسة!
قدم وزير الحرب بنيامين بن أليعيزر تراخيص قانونية لبناء 116 وحدة سكانية بدل ست كرافانات متنقلة على تل الرميدة. استطاعت لجنة الدفاع عن الأراضي استصدار قرار بوقف البناء الاستيطاني لأنه يحتوي على آثار إسلامية وبيزنطية ، لكن عمليات البناء تواصلت . وأحرق الجيش أشجار زيتون معمرة تخص أسرة أبو هيكل وقام بشق طريق هابط تربط المستوطنة بمستوطنة أبراهام ابينو ثم بالحرم الإبراهيمي.
يعيش سكان الأحياء الموصلة بين مستوطنتي كريات أربع وخارصينا والحرم الإبراهيمي أجواء عربدة منفلتة العقال. إنهم أهداف لاعتداءات دائمة، خاصة بعد السادس عشر من تشرين ثاني 2002، حيث قتل اثنا عشر جنديا مع قائد المنطقة. هدمت بيوت للمواطنين وبنيت على أنقاضها مساكن للمستوطنين . وباستمرار تجري مصادرات للأراضي وتشييد الأبنية تارة للعبادة وأخرى للخدمات المقدمة للمستوطنين

"ام عمار" دعنا (المخربة كما يدعوها المستوطنون) ترعى أسرة من تسعة أطفال تعيش بجوار المستوطنة. فقد زوجها القدرة على العمل بنسبة 85بالمائة إثر ضرب مبرح تعرض له على أيدي المستوطنين، وتعطلت عينه اليمنى ، وذلك حسب تقرير لجنة طبية بتاريخ 27 أيار 2003. الأم أيضا تعاني فقر الدم وضعف النظر بسبب نزيف حاد إثر الضرب من جانب المستوطنين. قالت انها عادت من زيارة للجيران حين شاهدت تجمعا من المستوطنين يضربون أطفالها ويخربون أثاث البيت، فانهالوا عليها بالضرب المبرح وشدتها مستوطِنات من شعرها. رفضت عرضا من شرطة كريات أربع لنقلها إلى مستشفى داخل إسرائيل. كسر أثناء الهجوم جهاز التلفزيون وخزانة الملابس. شاهدت الصحفية التي زارت البيت وأجرت المقابلة ملابس أطفالها على رفوف. البنت في الصف السادس الابتدائي خطفها ضابط، وهي عائدة من المدرسة. سجنها في غرفة بالمستوطنة، ما سبب لها صدمة نفسية. أرسل فريق " أطباء بلا حدود" أطباء للإشراف على علاج الابنة.
وعلى إثر حادث تعرضت له الأم جاء فريق من تيف والتقط صورة فوتوغرافية للكدمات على وجهها . تعمل الأم في دكان يوفر حاجات أهل الحي. المستوطنون يمنعون وصول السيارات وسيارات الإسعاف إلى المنطقة، ويضطر الأهالي لحمل التموين وكل الأغراض على ظهورهم إلى البيوت.
تلك عينات من معاناة أهالي مدينة الخليل مع المستوطنين، وهي معاناة منهجية تمليها خطة تهجير من المدين القديمة. بموجب احد الاتفاقات حول مدينة الخليل لا يجوز دخول شرطة السلطة الفلسطينية إلى أحياء البلدة القديمة. وفي الأحياء تروج المخدرات وحبوب الهلوسة وتجارة التهريب. لا تتدخل الشرطة اليهودية لفض النزاعات بين الأهالي؛ ويقف الجيش ساكتا حيال ممارسات المستوطنين . وقد نظمت حملة في الخليل في الثاني من شهر نوفمبر (تشرين ثاني ) الماضي لجمع تواقيع تطالب برفع الحصار عن البلدة القديمة من مدينة الخليل. وجرت بالمناسبة فعاليات جماهيرية ؛ ومن المبكر الحديث عن إنجازات ملموسة.

اما في خارج المدينة فالمزارعون يتعرضون لحوادث مصادرة أراضي ويطرد الرعاة من مناطق الرعي. صباح يوم الثلاثاء 22 آذار 2005لوحظ وجود حبوب قمح تحمل مادة بلون أزرق منثورة على المراعي في منطقة المسافر التابعة لبلدة يطا غربي مستوطنة ماعون المقامة على أراضي البلدة. تجول في المنطقة نشطاء سلام يهود وأجانب واشتبهوا بجريمة تسميم المواشي. وأفادت المتطوعة الأمريكية كين لامبرتي أنها وجدت الحبوب المسمومة منثورة على مساحة عشرين دونما من المراعي شمالي البؤرة الاستيطانية (غير الشرعية) " حافات ماعون". وتكررت حادثة التسميم يوم الثلاثين من شهر آذار في منطقة أخرى ، وكذلك يوم السادس من نيسان حيث عثر على حبوب أسطوانية الشكل تحمل سموما بلون أزرق مائل إلى الحمرة.
أرسلت عينات من الحبوب إلى مختبر علوم صحة البيئة والمهنة بجامعة بير زيت لفحصها. في هذه الأثناء نفق عشرون رأسا من الماشية ، فيما لوحظت أعراض تسمم على 82 رأسا من الغنم. كما وجدت أحياء برية ميتة ضمت أربعة غزلان وأفاعي وسناجب . واضطر الرعاة لسكب الحليب في تلك الفترة. لكن صحيفة جيروساليم بوست كتبت ان المشرحين البيطريين التابعين لسلطة الطبيعة في إسرائيل وجدوا آثار السم في جثث الحيوانات البرية فقط. وفي مؤتمر صحفي عقده الدكتور رمزي صنصور مدير مركز صحة البيئة بجامعة بير زيت أن المادة السامة هي فلور استمايد شديدة السمية ويكفي خمسة غرامات منها لقتل الإنسان. المادة لا تتحلل بسهولة ولدى سقوط الأمطار قد تنزل إلى الآبار فتسممها . واعتبر الدكتور صنصور أن استخدام المادة جريمة بيئية دولية ولا تستخدم إلا في مجاري المياه العادمة المغلقة لقتل الفئران والحشرات. كما عرض الدكتور صنصور وثيقة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمي تبين أن إسرائيل هي الوحيدة المنتجة لهذه السموم .
حيال هذه الجرائم تدعي الشرطة الإسرائيلية بعدم توفر الأدلة. والشرطة تغض النظر عن محاولات المستوطنين المحمومة لطرد الرعاة والمواطنين من أماكن تواجدهم .

وثق المتضامنون الأجانب عددا من حالات الاعتداء؛ لكن هؤلاء لم يسلموا من اعتداءات المستوطنين. ويداوم عدد من نشطاء سلام أميركيون وكنديون من فريق السلام المسيحي CPT""وآخرون إيطاليون. اعتدى المستوطنون على الأميركييْن كريس براون 39 عاما وكين لامبارتي أثناء قيامهما بحراسة التلاميذ الصغار وهم يتنقلون من بيوتهم في خربة طونة إلى المدرسة في قرية تواني . عمل براون في جنوب إفريقيا وناضل ضد التمييز العنصري هناك . الحادث حسب تقرير فريق السلام وقع في الحادية عشرة ولم تصل الشرطة الإسرائيلية إلا الساعة الثانية وسبع دقائق. قالت لامبرتي لمراسل صحيفة " الخليل" أن المستوطنين خرجوا من مستعمرة "حافات ماعون" وكانوا يرتدون ملابس سوداء ويغطون وجوههم بأقنعة سوداء. طرحوها وزميلها أرضا وركلوهما بالأقدام وضربوهما بسلاسل حديدية ، وسرقوا محفظة لامبرتي وجواز سفرها وهاتفها الخلوي. بعد نقلهما إلى المستشفى تبين ان لامبرتي قد كسر ذراعها وأضلاع من القفص الصدري لزميلها براون ، وأحدث كسر أحد الأضلاع ثقبا بالرئة ، الأمر الذي استدعى إجراء عملية جراحية. وقال براون في محادثة مع الصحيفة من المستشفى أنه سيعود للعمل بعد خروجه من المستشفى. وفي هذه الحادثة لم تتوصل تحقيقات الشرطة إلى الجناة!!
أعلن الفريق الذي ينتسب إليه المتطوعان عن استبدالهما بمراقبين اثنين يقومان بنفس المهمة . في نفس الليلة فتش الجنود ثلاثة بيوت بالقرية فيما فسره الأهالي بأنه محاولة للقبض على المتطوعين ونقلهما من الموقع.
وفي التاسع عشر من آذار رشق المستوطنون بالحجارة أفراد المتطوعين الأجانب، وطاردوا الرعاة في مكان قريب، دون أن يحرك جنود الاحتلال ساكنا.
المستوطنون يعربدون وهم يدركون وقوف الدولة الأعظم بجانبهم ، وحيال مقاومة شعبية هزيلة من جانب الجماهير الفلسطينية. ولهذا فالمضايقات والاعتداءات متواصلة، وقدمت أحداث حي وادي النصاري التي عرضتها الفضائيات عينة منها . هذا هو الاحتلال ، وتلك هي أساليبه لفرض التسليم بمشروعه التوسعي الاقتلاعي.
إن ما يجري على أرض الضفة أخطر في عواقبه مما يجري في غزة ؛ لكن سوء التدبير يكثف الحديث عن غزة لخطف الأضواء عما يجري بالضفة.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زيوف أقحمت لتشويه الماركسية
- ماركسية بلا زيوف 1
- تحية للحوار المتمدن في عيده السابع
- وخرج القمر عن مداره
- أكتوبر و عثرات البناء الاشتراكي
- أكتوبر في حياة البشرية
- هل يخمد عطر الدين عفونة فساد الحكم الحلقة الأخيرة
- هل يخمد عطر الدين عفونة فساد الحكم-3 .... السيف والكتاب
- فرقة ناجية واحدة أم اكثر؟
- هل يذهب عطر الدين عفونة فساد الحكم؟
- يجدفون وسط دوامة العولمة
- نتظر من عام القدس الثقافي
- النزاهة وحرية التجمع في فلسطين
- كبق نستثمر البنية الثقافية لمحمود درويش
- تصعيد المقاومة مسئولية قوى الديمقرطية
- الثقافة العربية في فسطين البدايات والإعاقات (4من 4)
- رفيقنا الذي رحل عنا
- الثقافة العربية في فلسطين البدايات والإعاقات 3من4)
- الثقافة العربية في فلسطين( 2من 4) مقدمة جديد الكاتب -رواد ال ...
- -الثقافة العربية في فلسطين ( 1من 4حلقات) البدايات والإعاقات


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - تصعيد المقاومة الشعبية بوجه سعار الاستيطان