|
ثورات البشرية على الوثنية
محمد شرينة
الحوار المتمدن-العدد: 2500 - 2008 / 12 / 19 - 03:12
المحور:
حقوق الانسان
ما هي الوثنية ؟الجواب الذي يتبادر إلى الذهن أنها عبادة الأصنام ، و لكن هذا الجواب غير كامل ، فالعرب الموصوفين بالوثنيين (قبل الإسلام ) لم يكونوا يعبدون الأصنام ، بل يوقرونها لأنها تقربهم إلى الله زلفى (حسب النص القرآني ) و عندما سمع الصحابي الذي كان كتابيا (مسيحي ) ثم أسلم (عدي بن حاتم) الآية التي تقول (.... اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله) قال للنبي إننا لم نكن نعبدهم (يقصد أحبارهم و رهبانهم) ، فأجابه النبي : إنكم كنتم إذا أحلوا لكم الحرام استحللتموه و إذا حرموا عليكم الحلال حرمتموه ، فهذه عبادتهم . إذا لعله من الأفضل أن نعرف الوثنية على أنها عبادة شيء مع الله ، و لكن صراحة فلا أحد من المسلمين أو الوثنيين (العرب قبل الإسلام) كان يعبد شيئا مع الله ، و بالتالي فلعل الوثنية في أكثر أشكالها جلاء هي : اتخاذ ربا من وراء الله ، بمعنى أن الله لما كان لا يمكن التواصل معه مباشرة ؛ فالوثنية هي عبادة ممثل الله ، أو مجرد القبول بأن لله ممثل ما . سواء كان هذا الشيء حجر أو بشر أو حتى فكر ، و لكن حتى لا نقع في خلل كبير و نرتكب خطأ لا يمكن مغفرته ، يجب علينا تحديد معنى العبادة ، ذلك أننا نحن المسلمين نحترم الكعبة التي هي حجر فهل نحن نعبدها ؟ الإجابة على هذا السؤال هي الفكرة المركزية في التمييز بين العبادة و الاحترام ، ففي المعركة التي بلغ عنان السماء غبارها، وحرم سكان المشتري النوم ؛ صليلها ! أعني تلك المعمعة التي دارت رحاها و لم تزل دائرة بين الصوفيين و السلفيين حول احترام الحجر و البشر . هذه المعركة إنما تؤول إلى هذه النقطة حصرا ، متى يكون فعل التبجيل لشيء ما احتراما ، و متى يكون فعلي التبجيل و الانصياع لشخص ما عبادة ؟ لا بد من الاعتراف بأن السلفيين ، نظريا يتقدمون خطوات كبيرة إلى الأمام عندما يصرون على أن الطاعة العمياء لشخص ما ، و التبجيل المطلق لشيء ما هو عبادة ، و هم يستشهدون بالنصوص الواردة أعلاه ، و يرد عليهم الطرف الآخر بردود كثيرة معروفة ، و لكن القطعة الضائعة كليا من المشهد هي : ما هو البديل الذي يقدمه هذا الفريق ( السلفيون ) إذ هم يعتبرون الحديث النبوي مطلق الصحة ، و حتى يكون كذلك فلا بد أن يكون رواة هذا الحديث كذلك مطلقي النزاهة و التبجيل إلى حد التقديس( على الأقل الصحابة منهم) ، إذ كيف يمكن أن نأخذ ديننا الكامل الأبدي ، عن أشخاص ليسوا بكاملين ، و أنا أعرف أن لديهم ردودا كثيرة ، و لكنني أعلم أيضا أننا إذا وضعنا هذه الردود بجانب ردود خصومهم لبان تطابق الحالتين تطابقا كاملا . في يوم من الأيام كنت على قناعة كبيرة إن السلفيين يعبدون الله بينما يعبد الصوفيون ابن عربي و أبو الحسن الشاذلي و غيرهم ، ثم اكتشفت أن لهؤلاء أربابهم و لأولئك أربابهم من رواة الحديث ،و سيقول لك الآخرون نحن لا نعبدهم بل نقلدهم ، و هم إنما يدينون أنفسهم بشكل أكثر قوة ، ذلك أن الفريق الأول (الصوفي ) على علاته ترك لنفسه شيئا و لو قليلا من الحرية عن أربابه ، بينما يصرح السلفي ليلا نهارا أن الخير كله في الإتباع و الشر كله في الابتداع و أن كل محدث بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار . فأين يقف الإتباع و يبدأ الابتداع ؟ عند البخاري و مسلم أم عند شيوخهما مثل ابن حنبل و عبد الله بن مسلمة ، أم يا ترى هو يقف عند أبي هريرة ؟ جوابهم المباشر هو أنه يقف عند النبي و لكن هيهات ، هيهات ، لن أدخل في الجدل الطويل عن صحة الحديث ، بل سأكتفي بثلاثة نقاط واضحة تنفي تماما كون الإتباع يمكن أن ينسب إلى الله أو الرسول، و هي: أولا : ما اختلف على أنه قرآن و النقطة التي أريد أن أصل إليها هنا هي : كيف يمكن القول أن الحديث مقطوع بنسبته إلى النبي ، بينما اختلف من اتفقوا على عصمتهم ( يتفق رواة الحديث على عدالة الصحابة و بالتالي هم بمعنى من المعاني معصومين ) على ما هو قرآن و ما هو ليس كذلك . كما أن القرآن نفسه انتقد النبي في غير ما موضع و هذه هي نقطة القوة الأعظم لهذا الرجل ( النبي ) ، فكيف مع هذه الانتقادات الواضحة يمكن حتى اعتبار النبي ذاته معصوما ، و سيقولون : كيف إذا يأمرنا القرآن بإتباع النبي إذا لم يكن معصوما ، و هم المطالبون بالإجابة . و كل ما يمكن قوله بالنسبة لي أن القرآن أمر بطاعة الله و الرسول و أولي الأمر ، كما أمر برد المسائل إلى الله و الرسول و أولي العلم ، فهل أولي الأمر و أولي العلم معصومون أيضا ، هذا ما سيقوله بعض الفقهاء صراحة أو تورية ، الجواب الوحيد المتوفر لمن لا يريد أن يتناقض مع ذاته أن الأمر بطاعة الرسول و أولي الأمر و أولي العلم إنما هو أمر بإطاعة الحاكم و القاضي ، انه أمر عملي و ليس فلسفي ، بمعنى أنك في كل دولة يتوجب عليك إطاعة القوانين التي تصدرها السلطات و هذا لا يعني أن هذه القوانين صحيحة أو خاطئة ، فهذه مسألة مستقلة تماما ، فهذه السلطات تملك سلطة مدنية تتعلق بالمسموح و الممنوع و ليس لديها سلطة فلسفية تتعلق بما هو صحيح أو خاطئ ، و الحالة هنا كذلك تماما و لا يوجد تفسير آخر مقبول ، فان سألت فمن الذي يمتلك السلطة الفلسفية التي تبين الصحيح من الخطأ فالجواب بسيط ، لا أحد إلا الله و يمثله جزئيا البشر جميعهم و أؤكد على كلمة جزئيا ، فكثيرا ما اجتمع البشر كلهم على رأي خاطئ ،و إلا ما معنى الاكتشاف و التطور والعلم ؟ و هذا واضح في القرآن تماما ( إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )، (ما يعلم تأويله إلا الله ، و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) و قد و ضعت الفاصلة بعد لفظ الجلالة لأن التفسير الآخر للآية الذي يقول أن الراسخون في العلم معطوفون على (الله ) سخيف إذ يتطلب أن تكون نهاية الجملة بعد (و الراسخون في العلم ) و بالتالي فان الجملة اللاحقة التي تبدأ ب (يقولون) تصبح عديمة المعنى تماما فمن هم الذين يقولون ؟ إنهم حتما الراسخون في العلم و بالتالي فنهاية الجملة السابقة حتما كلمة (الله) ، و الآيات أكثر من أن تحصى . بالتالي فان الواضح بالنسبة لي أن السلطة المدنية التي كانت للنبي انتقلت إلى أولي الأمر (لنقل سلطة تنفيذية ) و أولي العلم (لنعتبرهم سلطة تشريع ) في سيرورة قانونية و فقهية مستمرة و هذا فعلا ما فهمه رجال مثل أبو بكر و عمر و علي و ستأتي الدلالة على ذلك ، و من الواضح تماما من السياق السابق و اللاحق أن أي سلطة مدنية سابقة لا تلزم السلطة المدنية اللاحقة لها بشيء ، أما المعرفة الفلسفية فمفتوح استشراقها لكل أحد حتى نرجع كلنا إلى الله فينبئنا الذي هو الحق. ثانيا :كثيرا ما يذكر القرآن القضية و نقيضها كالآية ( قل ما أصابكم من خير فمن الله و ما أصابكم من شر فمن أنفسكم ) و الآية التي تليها مباشرة (قل كل من عند الله ) ، ولطالما توقفت عند هذا الذي بدا لي تناقضا واضحا ، حتى أدركت أن هذه هي نقطة عظمة هذا الكتاب (القرآن ) حيث يذكر الأمور كما هي فالأمور تبدو أحيانا تحت سيطرة الإنسان و من صنعه و تبدو أحياتنا أخرى خارجة تماما عن أي دور له ،و بالتالي ذكر القرآن الحالتين ، و بذلك هو ليس فقط يترك للإنسان تحديد كل حالة و ما يناسبها بل يجبره على ذلك ، يدفعه لذلك دفعا . و لطالما قرأت ما يعاب على القرآن من أنه متناقض ، و هذا صحيح تماما مثل آيات الحرية ( لا إكراه في الدين ، أ فأنت تكره الناس على أن يكونوا مؤمنين )و آيات الإكراه ( إن الدين عند الله الإسلام ،و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ،و قاتلوهم حتى يكون الدين لله كله) فإذا فهمنا هذه الآيات بأنها تقول بصراحة أن الأساس هو حرية العقيدة و لكن هناك حالات طوارئ تتعرض فيه العقيدة الجديدة لمحاولة استئصالها و بالتالي لا بد من الصلابة القصوى للدفاع عنها كما يحصل في أي مجتمع ، لبدت هذه الآيات غير متناقضة بل متفقة ، و بنفس الوقت لبدت تاركة الحرية و الخيار للبشر ليقرروا لكل حالة ما يُناسبها. ببساطة أن المسألة هي كالتالي: إذا أمنا على عقيدتنا وفكرنا كان الحكم (لا إكراه في الدين)، أما إذا حاول أحد أن يجبرنا على تغيير فكرنا أو عقيدتنا كان الحكم(و قاتلوهم حتى يكون الدين لله كله) ذلك أن دين الله هو: أن لا إكراه في الدين، فلابد من القتال للحفاظ على هذه الحرية الدينية و ليس لفرض فكرنا على غيرنا، و لكن المشكلة عندما تأخذ الآيات على ظاهرها بشكل تبدو كلها ملزمة و نهائية،و هنا نقع في إشكال ما هو الذي نطبقه منها؟ و بالتالي لا نجد حلا سوى القول أن آية السيف (..فاقتلوهم المشركين حيث وجدتموهم ....) تنسخ سبعين آية أو أكثر كما يقول مفسرونا. إن القرآن بهذا المعنى لا يُطرح كغاية نهائية للمعرفة بل كأحد وسائلها ولا أنكر أن في القرآن ما يُمكن أن يُفهم منه العكس(ما فرطنا في الكتاب من شيء) و لكنه كما أسلفت يحوي نقيض الفكرة السابقة(قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ) فهل ينفذ البحر قبل أن ننهي كتابة القرآن؟ ثالثا : هو اختلاف الأمة حد الاقتتال دون أن يكفر بعضها بعضا و هو ما حدث في الصدر الأول و هو نقطة عظمة الأمة الكبرى. أذا هناك ثلاث نقاط قوة باهرة في النبي و القرآن و الأمة، كما أسلفت ضاعت كلها سريعا . و لنبدأ بالخلاف على القرآن أثناء تدوينه فمن ذلك إصرار أبي بن كعب، الذي قال عنه النبي ( أقرأكم أبي ) على أن دعاء القنوت صورة من القرآن، و إنكار عبد الله بن مسعود كون المعوذتين والفاتحة من القرآن و إصراره على أن المعوذتين رقيتين تعوذ بهما النبي وحسب، إلى قول عمر أن آية الرجم من القرآن وقول عائشة أن آيات التحريم من خمس رضعات هي مما توفي رسول الله وهن في ما يقرأ من القرآن ورواية أكثر من صحابي لآية(لو كان لابن آدم واديان من ذهب......) وغيرها الكثير، الكثير الثابتة في صحاح كتب الحديث. تم جمع القرآن بشكله الحالي في خلافة عثمان، واعتمدت النسخة التي اعتبرها عثمان النسخة الحقيقية الوحيدة وأحرق ما سواها، أكثر من ذلك فقد أغلظ عثمان معاملة من خالفه رأيه هذا حتى وصل به الأمر إلى ضرب واحد من أكبر الصحابة وأقربهم للنبي وأعرفهم، وهو عبد الله بن مسعود الذي كان النبي قد طلب أن يسمع القرآن منه، ومن المعروف أن النبي توفي وهناك على وجه الأرض عدد من الناس (الصحابة ) يعد على أصابع اليد الواحدة يحفظون القرآن. أنا أعرف ردود التيار الديني التقليدي على هذه الروايات وأنا هنا لن أحاول إثبات ولا نفي هذه الروايات ولا حتى تأويلها، فما يهمني هنا فقط هو أن هذه الروايات موجودة ويستحيل إنكار وجودها. وبالتالي، فان كانت هذه الروايات صحيحة فأنه من غير الممكن الجزم بحتمية نسبة شيء إلى الله عن طريق النبي ولا حتى القرآن، ذلك أن الله يقول للنبي (وإن لم تفعل فما بلغت رسالة ربك) وإذا كان النبي قد بلغ بوضوح غير قابل للخلاف عدد الصلوات وعدد ركعات كل صلاة وكيفية الوضوء، و ترك دستور الإسلام الذي هو القرآن لمن هم بعده يخمنون ما هو منه وما هو ليس منه ويختلفون فيه، فأي تبليغ هذا؟ والتفسير الذي لا أجد غيره، هو أن ما يعتبره النبي دستورا للأمة كان قد بلغه بكل وضوح، إن هذه الرسالة هي : أنه لا شيء في هذا العالم نهائي. أما إذا قلنا أن هذه الروايات غير صحيحة وهي مروية في أمهات كتب الحديث، فهذا يعني أنه ليس فقط الذين قالوها بل أيضا هؤلاء الذين تناقلوها لا يمتون للإسلام بصلة، علماً أننا أخذنا القرآن والحديث عنهم، فماذا يبقى؟ الواقع لا يبقى شيء يمكن الركون إليه، ما أقصده أن مجرد رواية أئمة الحديث مثل هذه الروايات (إنكار ابن مسعود لكون المعوذتين من القرآن مذكور في صحيح البخاري) دون تكفير القائل بها أو راويها هو دليل قاطع أنهم كانوا يعتقدون أنها وقعت و بالتالي رووها، و إلا لكانوا بقصد مساهمين في تدمير مصدر الثقة الأول في الإسلام . إن مجرد رواية أئمة الحديث لهذه الروايات دون إنكارها بل دون تكفير قائلها وراويها يقود إلى معضلة، فرواة الحديث أما يعتقدون أن هذا وقع؛ و بالتالي فدعوى أن القرآن متفق عليه و إنكار أي جزء منه هو كفر ساقطة، و إلا لكان ابن مسعود و ابن كعب و غيرهم كفارا، وإن لم تصح الروايات فالمحدثين وعلى رأسهم كبارهم يفترون على الصحابة ما يكفرهم و بالتالي هم كفار، و كلا الخيارين يقود إلى النقطة نفسها وهي : لا يمكننا اعتبار أي تراث كامل ومتفق على صحته بما في ذلك القرآن . (بعد أن أوردت الكثير من النصوص التي تثبت هذه الواقعة مع المصادر التي ذكرت فيها من كتب الحديث، حذفتها فليس هذا ما يهمني ومن أرادها يمكنه بسهولة تتبعها في مصادرها وهي غير خافية). الرد الأكثر شيوعا لرجال الدين التقليديين هو أن هذا الخلاف انتهى ثم حصل الإجماع على القرآن، و لعمري فهذا الرد شديد الجمال وهو يقود إلى واحدة من قضيتين . الأولى: أن مصدر الحقيقة الأول هو إجماع الأمة ومتى اختلفت في حاضر أو مستقبل، سقط الإجماع، وهذه طريقة تفكير رائعة ومسلم بها وتنتهي المسألة إذا تم التسليم بها، مع إضافة بسيطة وهو أن الإجماع يلزم عمليا وليس فكريا، بمعنى أن من حق الأكثرية أن تسن القوانين العملية وفق نظرتها، بينما إذا كان هناك فرد وحيد في طرف وكانت بقية البشر جميعهم في الطرف الآخر، فانه لا يحق ولا بأي حال من الأحوال لهذه البقية أن تفرض رأيها على هذا الفرد، أو أن تمنعه من أن يفكر ويبشر بما يرى أنه الصواب. السبب في ذلك هو ليس فقط احترام بشرية وإنسانية الإنسان، التي تموت بموت حريته الفكرية (على أهمية ذلك) بل هناك سبب عملي واضح، وهو أن ما يفرق البشر عن غيرهم من المخلوقات ويجعلهم بشر هو هذه النقطة بالذات، وبدونها يتوقف تطور البشرية جمعاء، لنتذكر فقط أن كل من المسيح ومحمد وكوبرنيك وغاليليو، كل منهم وقف في يوم من الأيام في الكفة المقابلة لبقية البشر، ثم أثبتت الأيام أنه كان هو المصيب، ولو لم تحترم مجتمعاتهم خياراتهم تلك، لكنا وإخوتنا الحيوانات ما نزال نرعى و نفترس في الغابة، والقرآن يؤيد هذا بقوة:(أ فأنت تكره الناس على أن يكونوا مؤمنين؟). القضية البديلة: هي أن الإجماع متى حصل فلا عبرة بالخلاف اللاحق، ذلك أن من يعترف بالإجماع من علماء الأصول يقولون أن الإجماع متى حصل فهو مستمر لآخر الدهر ولا عبرة لمن يخالفه لاحقا، هذا القول مفاده أننا أمة تعبد أسلافها فإذا اجمع المسلمون (أهل الحل والعقد منهم) يوما على أن الأرض منبسطة وليست كروية وهذا ما حصل فعلا، فهي يجب أن تظل كذلك أو أن نصبح كفارا، وعموما كثير من علماء الأصول ينكرون حجية الإجماع من أصلها (أهل الظاهر لا يعترفون بالإجماع إذا حصل بعد الصحابة ومن المؤكد كما هو واضح أن الصحابة ظلوا مختلفين ولم يجمعوا في هذه المسألة) وحتى عند الذين يقولون به فانه لا يخفى تهافت القول بأن إجماع السلف متى حصل يلزم الخلف إلى آخر الدهر، هذا ليس الإسلام الذي كما بينت حرر إرادة المرء، بل هو عبادة الأسلاف بأجلى وأوضح صورها. و في كل حال فالقضية من أساسها متهافتة(أعني قضية الاستدلال على صحة القرآن بالإجماع) حيث هم يعتبرون القرآن الأصل الأول من أصول التشريع، فكيف يتوقف التسليم بصحته على أصل آخر متأخر عنه في المرتبة كالإجماع، والذي بدوره يستند إلى حديث يروونه(لا تجتمع أمتي على ضلالة)، فيجب أولا أن نسلم بالصحة المطلقة للقرآن والتي منها فقط نصل إلى التسليم بوجوب إتباع النبي (وما ينطق عن الهوى) وبالتالي نستنتج من ذلك الحديث المروي عن النبي أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ثم نستدل من ذلك على أن اجتماع الأمة على الصحة المطلقة للقرآن يقضي بأنه كذلك. ولكننا إنما نعلم صحة القرآن من إجماع الأمة على صحته!!!. بغير عناء نستطيع التأكد أنه بهذه الطريقة يمكننا البرهان على صحة أي شيء نرغب في البرهنة على صحته. دعني أجمل المسألة كالتالي: إذا كانت الروايات السابقة صحيحة فقد كان هناك خلاف ثابت حول ما هو من القرآن ولا يمكننا أن نقطع بصحة القرآن كما نعرفه اليوم إلا اعتمادا على دعوى الإجماع وهي باطلة كما بينت للتو، أما إذا كانت هذه الروايات كاذبة فان هؤلاء الذين عنهم أخذنا ديننا من قرآن وحديث وغيره إنما هم يفترون على الله ورسوله الكذب وبالتالي لا يمكن الركون إلى شيء من قولهم بما فيه القرآن ذاته. والخلاصة أنه من المتفق عليه أن الآية(اليوم أكملت لكم دينكم) نزلت في حجة الوداع، فكيف يكون الدين قد اكتمل وما يعتبرونه أهم جزء منه ودستوره، أعني القرآن قد تم جمعه بعد خلاف كبير، بعد حوالي عشرون عاما من حجة الوداع؟ إلا أن يكون اكتمال الدين وتمام النعمة هو شيء آخر لا يتعلق بنص محدد ولا بشخص معين، بل بطريقة تفكير، بروح متحررة، تحرر الطاقة الجبارة للإنسان الحر. وهو ما حصل فعلا وكل الدلائل تدل عليه، عمليا تدل عليه الانجازات الرائعة لهذه الروح في تلك الفترة. ونظريا يدل عليه كل سياق الحديث السابق والكثير، الكثير غيره، ومن أراد التحقق من هذه الروح روح الاختلاف مع المقدس النصي والشخصي فما عليه إلا قراءة نصوص التاريخ الصحيحية بما فيها صحاح الحديث كالبخاري ومسلم والترمذي وغيرها وأمهات كتب التاريخ كالبداية و النهاية لابن كثير وغيرها. أخيرا أشير إلى أن هذا الساق قد يًُفهم منه حجة لتخطئة فريق ما، ودعم رأي فريق آخر، ولكن ما تم انجازه من انجاز سامق البنيان، حتى بشهادة كثير من المستشرقين، وهو لا يحتاج لشهادة أحد، و قد غير تاريخ الإنسانية جمعاء إلى الأبد تغييرا جذريا وشكل ثاني أكبر ثلاث ثورات عرفها تاريخ البشرية (الأولى الظاهرة الفكرية الإغريقية والثالثة النهضة الأوربية)، إنما تم عمله من قبل هؤلاء الذين يمكن أن يوجه إليهم هذا النقد. بدون أي تحيز يمكن تقسيم تاريخ البشرية إلى : ما قبل الإغريق ما قبل الإسلام ما قبل النهضة الأوربية للأسف سرعان ما تآكلت نقاط قوة الإسلام للأسباب التي تسعى هذه السطور لتبيانها. لست الوحيد بل أعرف عدد من الناس الذين تغيرت نظرتهم التقليدية للإسلام ليس أبدا بسبب قراءة كتابات العلمانيين أو الإسلاميين الحداثيين ولا حتى المستشرقين أو المتهجمين على الإسلام، بل بكل بساطة نتيجة لقراءة أمهات كتب الحديث والتاريخ الإسلامي بعقل منفتح وروح حرة، من مصادرها الأصلية دون وسيط .
نعاني في الوقت الحاضر عند حديثنا عن الإسلام من تطرف مزدوج، فالبعض يعتبره فكرا وطريقة حياة مطلقة الصحة، كاملة الخير، ليس فيها أي شائبة، هكذا كانت وهكذا ستكون إلى الأبد. بينما البعض الآخر يعتبر الإسلام كارثة وفشلا ألم بالحضارة البشرية، و لم يقدم للإنسانية أي شيء جيد. كلا الرأيين خاطئ ، ويقود إلى نفس النتيجة. اعتبار الإسلام فكرا و طريقة حياة كاملة معروفة أضراره، و لكن من المهم التنبه إلى أن العكس، أي اعتبار الإسلام شرا صرفا، له أضرار كبيرة هو الآخر، فعندما تقول للمسلم العادي أن هذه الأمة التي بقيت في الطليعة قرابة عشرة قرون، لا تملك سوى الشرور والمآسي فكأنك تقول له: لا تصدقني أنا متحامل أيديولوجيا، لأنه من البديهي أن لا تستمر أمة ما في الطليعة على مستوى العالم كله حوالي ثلث التاريخ البشري المعروف من فراغ، وإذا كان هذا شر كله وهمجية فما أحسن الشر إذا و الهمجية، أكثر ما نحتاجه هو دراسة التاريخ والفكر الإسلامي بموضوعية وليس بنظرة أيديولوجية مسبقة موالية كانت أم معادية، و أعود هنا إلى القضية الأساس، لماذا انتشر الإسلام بسرعة فائقة؟ ولماذا استمر في الوجود والسيطرة لمدة طويلة ؟ لا أشك في أن شيئا جوهريا للغاية حدث مع بزوغ الإسلام واستمر لفترة محدودة، هو نقاط القوة الباهرة التي أشرت إليها آنفاً، وهنا يمكنني أن أؤكد الجواب السابق على هذا السؤال، إن كمال الدين وتمام النعمة هي إتمام تحرير عقل البشر وإرادة الناس من كل قيد سوى ذاتهما، تحرير العقل من كل شيء خلا العقل ذاته، وإطلاق الإرادة البشرية الحرة . من المهم جدا الإشارة إلى مغالطة كثيرا ما يقبلها العرب إسلامييهم وعلمانييهم، بل أيضا الكثير من المستشرقين إن لم يكن معظمهم، هي افتراض أن الإسلام كما نعرفه اليوم وبأي من مذاهبه هو نفسه الإسلام كما وُّلد أو حتى قريب الشبه به، فكل المذاهب الإسلامية المعروفة اليوم بعيدة جدا عن الإسلام في العصر الأول لولادته وهذا من وجهة نظر علمية أمر طبيعي جدا . ولإيضاح هذه المسألة الهامة أورد التالي :أثناء قراءتي لكتاب للفرنسي جاك لانغاد عنوانه من القرآن إلى الفلسفة، اللسان العربي وتكون القاموس الفلسفي لدى الفارابي(تأليف جاك لانغاد – ترجمة وجيه أسعد إصدار وزارة الثقافة – دمشق ، الصفحات 50 و 90 ) يحاول المؤلف في الفصل الأول من الكتاب أن يثبت أن القرآن يبين أن المهم هو رأي المقدس وأن الناس ليس لهم أن يبدوا رأيا بل أن يقرؤوا بمعنى يتلوا وينفذوا، وهذا صحيح بشكل عام وينطبق تماما على الإسلام كما نعرفه منذ عصور ولكنه لا ينطبق مطلقا على الإسلام في العصر الأول لظهوره، والطريف هنا أن المؤلف يروي حديثين الأول حديث ابن عمر الذي يقول فيه النبي:(إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟) و أن ابن عمر عرف أنها النخلة ولكنه استحى من ذكر الجواب الذي لم يعرفه أحد غيره. ولما حدث عبد الله بن عمر بن الخطاب أبيه عمر بالحادثة تأسف عمر شديدا أن ابنه لم يذكر الجواب للرسول والناس، و يبدي المؤلف حيرته لتصرف عمر الذي يناقض فرضه ولكنه يستمر. الحديث الثاني هو حديث ابن عباس (لما اشتد بالنبي وجعه قال:ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا، فكثر اللغط ، قال (النبي) قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس يقوا إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله و بين كتابه) وفي محاولة المؤلف لتفسير هذا التعارض بين ابن عباس وعمر يصل إلى تأكيد رأيه في قيمة المقدس وانعدام قيمة رأي الأفراد، المناسبتين تدلان بوضوح على عكس هذا الرأي تماما ويمكنني أن أضرب مثلا طريفا لما قام به المؤلف كالتالي: بينما كان عراف يحسب من أرقام الحروف التي تؤلف اسم العجوز المريض واسم أمه كم من المتوقع أن يعيش هذا العجوز، يتجاهل العراف تماما الرجل الذي يدخل ويخبر الجمع أن العجوز قد مات للتو ويتابع حسابه ليتبين له أن العجوز سيموت بعد عشر سنوات. رغم أن دلالة الحديثين المباشرة واضحة تماما وهي عكس ما يذهب إليه المؤلف فإنه يمضي باستدلاله غير المباشر على ما يريد. الحديثين وغيرهما الكثير من الأحاديث والوقائع تقودني إلى أمر في غاية الأهمية حدث في القرن الأول للإسلام و هو النصر الذي حققه ما يمكن تسميته بالفريق الثالث المحايد والانهزامي في الفكر الإسلامي مع نهاية القرن الأول أو بعد ذلك بقليل. إنني أرى بشكل واضح جلي لا مجال للبس فيه أن أشخاص كعمر و قبله أبو بكر و بعده عليٌ، مع عدد آخر من الصحابة الذين لم يتولوا السلطة كأبي عبيدة وابن مسعود وأبي بن كعب وغيرهم الكثير كانوا يملكون روحا حرة وعقلا متفتحا لا يتوقف كثيرا عند النصوص المقدسة بما فيها القرآن ذاته، و الذي أصلا لم يكن قد دون ولا هو منتشر ففي أكثر من حديث أن النبي توفي وهناك عدد قليل من الصحابة قد جمعوا القرآن(حفظوه). وقد جرت أول محاولة لجمعه أيام أبو بكر وجمع بشكل رسمي زمن عثمان ولم يكن لا أبو بكر ولا عمر ممن حفظ القرآن ولم يكن عمر مثلا يسأل من حفظ القرآن قبل أن يتصرف رغم أنه كان يشاور في القضايا الكبيرة أكابر المهاجرين والأنصار وهذا له دلالة كبيرة - فعمر كان يهتم لآراء الناس أكثر من اهتمامه للنص وظل هذا المذهب موجودا مدة من الزمن حتى سمي فقهاء العراق بأهل الرأي ومن أشهرهم أبي حنيفة - وعندما تم جمع القرآن أخيرا وقع خلاف ثابت في كُتُب جميع الفرق الإسلامية كما أسلفت. إن حروب الردة التي قام بها أبو بكر تتناقض مع الكثير من النصوص كما نبهه لذلك عمر نفسه، كما أن تغاضي أبو بكر عن كثير من أعمال خالد بن الوليد المخالفة للنص المقدس والعرف كون خالد قائد مميز هو دليل على طريقة تفكير برغماتيه واضحة عند أبي يكر، و قبله فان تقديم سادة قريش على الأنصار الذين دخل الأولون الإسلام بسيوفهم إنما هو تصرف عقلاني برغماتي من النبي ذاته، كما أن أبو بكر منع فاطمة بنت محمد من التصرف بإرث أبيها واعتبر أن محمد إنما كان يتصرف بهذه الأموال بصفته حاكما ، وأنها تؤول للحاكم من بعده، هنا ستجد تفسيرا أصوليا تقليديا ينفي أن تكون هذه التصرفات من أبو بكر أو عمر أو غيرهما تصرفات منبعها تفكير حر عند هؤلاء الأشخاص ويعزي هذه التصرفات إلى نصوص وصلت إلينا كحديث (نحن معشر الأنبياء لا نورث) أو لم تصلنا كما يقال بخصوص إيقاع عمر الطلاق المقترن بلفظ الثلاثة كثلاثة طلقات، وهذا إذا كان يمكن قبوله من الأصوليين فإن من الغريب جدا أن يقبل العلمانيون والمستشرقون مثل هذا التفسير للأحداث، علما أن هذه النصوص إما ضعيفة كحديث (نحن معشر الأنبياء لا نورث) أو لم تصلنا أصلا. ويزداد العجب إذا علمنا أنه لا يمكن الاعتماد على نصوص الأحاديث لتبرير هذه التصرفات فهناك عدد لا بأس به من الإسلاميين أنفسهم يشك في صحة الحديث، إذ بدأ تدوينه بعد نحو قرنين من وفاة النبي وتأثر هذا التدوين بمؤثرات غير خافية تقلل جدا من وثوقيته. إذا تابعنا فالأمر أكثر وضوحا فيما يخص عمر فقد أوقف إعطاء الصدقات للمؤلفة قلوبهم(أشخاص مهمين كان النبي يعطيهم من أموال الصدقات ليجذبهم إلى الإسلام أو ليحافظ عليهم مسلمين رغم أنهم أغنياء) ومنع نكاح المتعة ومتعة الحاج، مخالفا بذلك نصوص قرآنية صريحة. كما أحدث حدا لشارب الخمر لم يذكره القرآن وأمر بمعاملة المجوس معاملة أهل الكتاب وأعاد لعلي إرث زوجته فاطمة من أبيها محمد الذي كان منعه إياه أبو بكر(أيهما الذي خالف النص أبو بكر أم عمر فلابد أن أحدهما قد فعل) وأمر بإعتاق أم الولد( الجارية المملوكة إذا أنجبت مولودا من مالكها تصبح حرة ولا يمكنه بيعها) وهنا أيضا كان علي يريد إلغاء هذا الحكم والعودة إلى كون الجارية تظل جارية حتى لو حبلت من مالكها وأنجبت له مولودا ولا بد أن يكون أحدهما مخالف للنص إذا وُجد مثل هذا النص، هذا كله على سبيل المثال لا الحصر فالدارس لشخصية عمر يعرف تماما أنه كان ذو روح حرة وعقل متفتح بلا ريب، و لقد خالف النبي في حياته في كثير من المواضع، وإذا كان عمر بالأصل غير مخلص للدين، فلم لم يتعامل معه محمد على هذا الأساس؟ فعمر تصرف قبل وبعد وفاة النبي بنفس الأسلوب .
إذا استحضرنا هنا حديث غدير خم الذي تجده مرويا عند الفريقين الكبيرين من المسلمين والذي يمكن أن يُفهم منه أن النبي أوصى بالخلافة من بعده لعلي، والأهم منه الحديث الصحيح، الذي يتحدث عن إصرار النبي المرة تلو المرة أثناء مرضه الذي مات فيه على إنفاذ بعث أسامة بكل من فيه( قبل أن يمرض النبي المرض الذي توفي فيه كان قد جهز جيشا لغزو الروم بإمرة أسامة بن زيد وهذا الجيش يضم في عداد جنوده أبو بكر وعمر وعدد آخر من كبار الصحابة) هذا ما يمكن أن يفهم منه أن النبي كان يريد إبعاد منافسي علي عن المدينة، لأنه كان يعلم أن صحته في تراجع وربما لا ينجو من المرض، وبذلك يسهل انتقال الخلافة إلى علي وإذا أضفنا حوادث أخرى لهذا الرأي منها كتاب ابن عباس المذكور آنفا فإن هذا الرأي يتعزز. هنا أيضا لا يمكنني أن أجد تفسيرا معقولا للأحداث بعيدا عن التفسيرات الأيديولوجية، التي لا تقود إلا إلى التخبط، إلا التفسير التالي، و الذي سيعتبره الإسلاميون التقليديون انتقاصا من النبي و لكنه أبدا ليس كذلك، إذا نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر تتسق وروح القرآن الذي يقول للنبي ( تخفي في نفسك ما الله مبديه ): لم يكن لمحمد ذرية ذكور وبزواج ابنته فاطمة من ابن عمه علي وإنجاب الحسن والحسين فمن الطبيعي أن تتغير نظرة محمد لتوريث السلطة (و أنا هنا أتحدث عن محمد كقائد و مصلح فذ من وجهة نظر علمية مادية، كبشر كما نظر إليه عمر وعلي والرعيل الأول، بل الأهم كما نظر إليه القرآن، وليس كنصف اله أو حتى كاله كامل، كما أصبح الحال لاحقا) لقد أسس دولة عظيمة تماما خلال عشرة سنوات من إقامته في المدينة التي قدم إليها غريبا مطرودا، فعندما توفي محمد كان قد أسس دولة عظمى بمقاييس ذلك العصر ومحاولات التقليل من شأن تلك الدولة إنما مردها إلى الرغبة في إرجاع الفتوحات السريعة التي تحققت بعد ذلك إلى أسباب غيبية لا أسباب مادية. إنني اعتبر محمد أعظم قائد عرفه التاريخ دون منازع، إن الرجل يملك موهبة قيادية مذهلة حقا . بالطبع فالظروف أيضا كانت مواتية تماما لما حدث، فالجزيرة العربية كانت تمور تماما تحت السطح بأفكار التغيير، وفيها اقتصاد مزدهر نتيجة لتحول طرق التجارة إليها بين الهند والشرق (عبر اليمن) إلى المتوسط وأوربا(عبر الشام) نتيجة الصراع الفارسي البيزنطي المستمر، وتردي أحوال كلتا الدولتين مما جعلهما بعد ذلك فريسة سهلة للفتح الإسلامي، و أنا أعتقد أن الوضع في مكة بالذات قبيل الإسلام كان فيه بعض ما يمكن أن نسميه الملامح الإغريقية من حيث حرية الفكر و نمو التجارة وكون السلطة نوع من الأرستقراطية غير الدكتاتورية وهذا يحتاج إلى بحث منفرد. لقد قدم محمد إلى المدينة مزودا بشيء واحد هو رغبة طاغية في التغيير وتحويل قومه وبلاده إلى شيء. أما وقد فشل بمحاولة فعل ذلك بالتبشير والإصلاح وأضطر لمغادرة مكة إلى المدينة فقد تعامل مع تطور الأحداث بحنكة لا مثيل لها، إن مسيرة محمد في المدينة تدل بجلاء على مدى التغيرات الذي كان النبي بحاجة لتبنيها في كل خطوة و مرحلة، والتي تعامل معها بمرونة وكفاءة منقطعة النظير. بدأ من تغيير القبلة من القدس إلى مكة بعد أن يأس من استرضاء اليهود ليقفوا في صفه وأيقن أن لابد من الاعتماد على العرب أولا و أخيرا، ثم إجلاء اليهود عن المدينة بعد أن يأس من أي تعاون ايجابي من قبلهم، مرورا بإباحة نكاح المتعة لحل مشكلة الشباب المقاتل والمحافظة على الروح الفردية عندهم بحيث لا يضطرون إلى تكبيل أنفسهم بأعباء الأسرة والأولاد في مرحلة يحتاج فيها المجتمع إلى شباب متحفز جاهز للجهاد والهجرة والتضحية، و إباحة الغنائم لتشجيع الجهاد ففي الحديث( وأحلت لي الغنائم ولم تُحل لنبي قبلي)، وصولا إلى تقريب سادة مكة وقادتها الكبار مثل خالد بن الوليد وعمر بن العاص ونقل السيادة والقيادة إليهم وتقديمهم على الأنصار رغم أنهم دخلوا الإسلام مرغمين بسيوف الأنصار. من ضمن هذه التغييرات فأنا لا أستبعد بل أكاد أجزم أن محمد غير رأيه في أيامه الأخيرة وكان لديه رغبة بتوريث السلطة لحفيديه عن طريق علي، ومن الإشارات الهامة هنا أنه رغم أن تعدد الزوجات أمر مباح تماما ومحمد نفسه فعله فقد منع صهره علي من الزواج بامرأة أخرى وخيره بين ذلك وبين طلاق ابنته فاطمة، علما أنه حتى ولادة الحسن والحسين لم يكن لمحمد ذرية ذكور،و لكن المنية عاجلته.(تُذكر هنا قصة زيد بن حارثة وإلغاء التبني). و هذا التغيير يمكن أن يعزى إلى أسباب شخصية، فمحمد الذي عاتبه القرآن بشأن قضية زينب، بشر. كما أن هذا يمكن أن يعزى إلى أسباب موضوعية، بهدف المحافظة على استقرار الدولة من بعده، فلا شك أن محمد قد تنبه في آخر أيامه أنه من غير الممكن الاستمرار في إقامة نظام ارستقراطي غير فردي في ذلك الزمان في تلك المنطقة من العالم مع اتساع رقعة الدولة، وأن المسألة لا بد أن تأول في النهاية إلى الحكم الوراثي، فرغب في توفير كثير من العناء على من يأتي بعده. هذه النظرة غير خاطئة فروما لم تنجح في الاستمرار في نظامها الارستقراطي بعد أن توسعت رقعت إمبراطوريتها وآلت إلى حكم وراثي. القارئ للتاريخ الإسلامي يعرف تماما أن عمر هو الآخر أحس أن النظام شبه الديمقراطي غير قابل للاستمرار في ذلك الزمان، بعد أن اتسعت رقعة الدولة، وكان شديد القلق على الدولة من بعده (...يقول ابن عباس أنه سأل عمر آخر أيامه عن سبب قلقه مع أنه – عمر - له أيادي بيضاء وسيرة حميدة عند الله وعند الناس فأجابه: إنما أخاف عليك وعلى من معك من بعدي) ولكنه لم يفكر بتوريث الحكم أو هو فكر ولم يجرؤ، أو وهو الأصح أنه أدرك أن الأمر شديد التعقيد، فالصراع الخفي على السلطة بين بني أمية وبني هاشم كان قد وصل إلى نقطة متقدمة، ففضل عمر أن لا يقرر عن الأمة قرارا لا ناقة له فيه ولا جمل، وبالتالي فضل التمسك بالأمل، بأمل أن يجد الذين بعده حلا، فقد أوصى بعد أن طُعن؛ كل من عثمان وعلي بألا يرفع الواصل منهما إلى السلطة أقاربه فوق رقاب العباد، و هذا ما حصل فعلا . بالعودة إلى أبو بكر و عمر فإنهما رغم إحساسهما أن شيئا ما يحدث بخصوص توريث السلطة فقد أصرا على الاستمرار بالتفكير والعمل وفق الطريقة التي اعتبراها الطريق القويم، والذي سبق أن جمعهما التفاهم عليها مع محمد وأوجدا الأعذار لما يبدو لهما من تغير في تفكير محمد، وعندما اصطدم أحدهما وهو عمر بتصرف مباشر مثل حادثة الكتاب التي يذكرها حديث ابن عباس السابق رد ذلك إلى أن النبي غلب عليه المرض وبكل جرأة اعتبر أن معلمه أصبح في حالة تجعله ليس أهلاً للتصرف، فأي روح حرة وأي تفكير متزن يمكن أن يطلبه المرء من عمر أكثر من الذي فعل وهو الذي كان يمنع بحزم تدوين الحديث أو حتى التحديث به في محاولة جلية لمنع تأسيس قيود فكرية يصعب تجاوزها مستقبلا. القول بأن ذلك تم في خضم النزاع على السلطة يفترض أن البشر منزهين، فهذا أمر طبيعي ولكنه مع كونه واردا فهو شديد الضعف، لم يحاول أبو بكر ولا عمر بعده، الاستفادة من هذه السلطة بأي شكل من الأشكال، أحب أن أذكر هنا قول المؤرخ الإنكليزي ه . ج .ويلز حيث يقول في كتابه موجز تاريخ الإنسانية: (إن روح الإسلام الحقة لم تتجسد في محمد فقط وإنما في صديقه الحميم أبو بكر ) ،(لا يقوم أدنى شك في انه إن كان محمد هو العقل المفكر والخيال الخصب للإسلام البدائي، فقد كان أبو بكر ضميره وإرادته )، ( ثم أنشأ أبو بكر، بذلك الإيمان الراسخ الذي يزحزح الجبال وتلك البساطة النقية والعقل الراجح، ينصب نفسه لتنظيم أصقاع العالم بأسره لحكم الله وإرادته .... وأوشكت المحاولة أن تؤتي ثمارها، ولو قيض للإسلام عشرون رجلا من طينة أبو بكر وممن يصغرونه سنا فواصلوا عمله، لنجح على التحقيق في بلوغ تلك الغاية ) ، ( كان أبو بكر و عمر بن الخطاب أعظم شخصيتين في تاريخ الإسلام) [ه . ج .ويلز - موجز تاريخ الإنسانية – ترجمة عبد العزيز جاويد – المجلد الثالث - الطبعة الرابعة – إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب – ص 804 – 805 - 811] هذه شهادة رجل علم و دارس للتاريخ غريب عن الإسلام وأهواء أبنائه. لقد رفض عمر بعد أن طُعن وقبل أن يموت أن يضم اسم ابنه عبد الله لقائمة المرشحين للسلطة بعده. وكل مطلع على التاريخ يعلم دون ريب أن عمر كان حاكما مطلقا (و هذه سيئته الوحيدة و لكنها سيئة عظيمة أثرت سلبا على التاريخ الإسلامي بعد عمر، إن الطريقة المتصلبة التي أدار بها عمر الدولة كانت تماما كالتربية المتزمتة التي يستعملها بعض الناس لتربية أولادهم بشكل يظنون أنه صالح، فإذا بهم يدمرون شخصية أولادهم ويحرمونهم من حقهم في الخطأ الذي يبني القدرة الحقيقية على مواجهة تقلبات الحياة ومصاعبها لدى النشء) إن عمر كان حاكم يُرهب الجميع لدرجة الخوف، ولم يكن ليخاف من فعل شيء أي شيء لو كان رغب بفعله . بالعودة إلى المخالفات الصريحة للمسلمين الأوائل للنصوص المقدسة بما فيها القرآن فإن القائمة تطول ويصعب حصرها وهذه بعض الأمثلة الإضافية: فقد خالفت عائشة القرآن وخرجت إلى مكة ثم العراق وقاتلت علي رغم نهي بقية أزواج الرسول لها، واختلفت مع ولي الأمر مرتين عثمان وعلي، ومن أكبر الأمثلة وأهمها مغزى الخروج على عثمان بل قتلة وهو أمر قام به عدد كبير من المسلمين بينهم محمد بن أبي بكر الصديق. واستمر الأمر على هذه الحال مدة طويلة فمالك بن أنس في فقهه يهتم لما كان يعمله أهل المدينة كدليل أكثر من النصوص بل إن تلميذه الشافعي يعيب عليه ذلك، فكثيرا ما يروي مالك الحديث، ثم يعقب قائلا والأمر عندنا على خلاف ذلك(يروي مالك في موطئه حديث الذي سمع النبي يقرأ في صلاة المغرب بسورة – الطور – مع أنه يُروى عنه(مالك) أن الأفضل أن يُقرأ في صلاة المغرب بقصار السور)، أما فقهاء العراق ومنهم أبي حنيفة فكانوا يلجئون إلى الرأي مقدمينه على النصوص ومن ذلك إباحة أبي حنيفة وكثير من فقهاء العراق لأنواع المُسكر الذي لم يصنع من العنب، وكذلك الخلاف الثابت المروي عن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين بإباحة نكاح المتعة،، وقراءة بسيطة لكتاب الملل والنحل للشهرستاني توضح كم كان كبيرا الاختلاف في العقيدة وليس في الفروع في الصدر الأول للإسلام، ومن المؤسف أن المسلمين المتأخرين بدلا من أن يعتبروا هذه المخالفات للنصوص دليلا على الجرأة والعقلانية التي ضاعت تماما منذ نهاية القرن الثاني الهجري، أخذوا هذه المخالفات كسلاح للتهجم على من لا يوافقهم الرأي من السلف بعد أن انقسم العالم الإسلامي إلى عدة طوائف. كما سيأتي لاحقا كان انتصار الفريق الانهزامي من الجيل الأول هو الذي قاد إلى هذا الوضع الشاذ الذي مازال مستمرا إلى الآن، هذا النصر بدأ مع الشافعي وانتهى مع أحمد بن حنبل، لتدخل الأمة حالة تامة من الشلل الفكري فيما يخص التشريع(الفقه) تعزز هذا الشلل لاحقا بانتصار المدارس الانهزامية في جميع نواحي الحياة الثقافية الإسلامية من انتصار الأشاعرة على المعتزلة إلى انتصار فكر الغزالي على الفلسفة. لقد اختلف الجيل الأول ودافعوا عن آرائهم حتى بدمائهم ومرة أخرى فإن المسلمين اللاحقين اعتبروا هذا عيبا ومنهم من يخاف حتى من الحديث عنه، مع أن ما حدث على قسوته هو دليل صحة ودعنا نستحضر هنا الأحداث التي تلت الثورة الفرنسية. مع اندلاع ما يمكن أن نسميه بالحرب الأهلية العربية الأولى بعد الثورة التي أدت إلى مقتل عثمان ومن المهم ملاحظة أن التاريخ العربي الإسلامي لا يعرف غير ثورتين شعبيتين فعليتين هما هذه، وحركة إسقاط بني أمية، مع اندلاع ما يسمى في أدبياتنا بحرب الصحابة انقسمت الأمة إلى ثلاث فئات: أنصار علي أنصار معاوية(و يمكن أحيانا أن يعتبروا أنصار عثمان) المحايدون والذين أسميهم بالفريق الثالث وهم الذين اعتزلوا الحرب ومن أشهرهم سعد بن أبي وقاص ولكن أكثرهم أثرا هم أشخاص مثل ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك ( بعضهم لم يكن محايدا تماما أثناء الحرب ولكنه انتهى به الأمر إلى وضع الحياد لاحقا )عن مثل هؤلاء الأشخاص أُخِذَ معظم الحديث إن لم يكن كله، هذه المجموعة تتصف بأنها تتألف من أشخاص مسالمين بطبعهم يميلون إلى الضعف ويخشون من إبداء الرأي هذا إذا كان لديهم رأي واضح في المسائل الهامة، كما يفزعون من تحمل المسؤولية الأخلاقية وهم انهزاميون وميالون للانسحاب والاستسلام، وهم الذين اعتمد معاوية ومن بعده من الخلفاء الأمويين عليهم في وضع الفقه وقواعد الدين . حيث أن معسكر معاوية كان يكاد يخلو من أصحاب محمد باستثناء عمر بن العاص والمغيرة وكلاهما ممن أسلم متأخرا، فقد انقسم الصحابة بين معسكر علي الذي خسر الحرب والفريق الثالث ولابد من الإشارة إلى أن الفريق الثالث يحتوي رجال حقيقيين من أمثال سعد بن أبي وقاص ولكن الأمويين استمروا في عزلهم والتضييق عليهم بينما دعموا المجموعة الانهزامية والتي أفضل مثل لها ابن عمر، الذي يدل الحديث المذكور سابقا على مدى تردده وضعفه كما دعموا المجموعة الانتهازية والتي يمثلها أفضل تمثيل أبو هريرة . هؤلاء هم واضعوا الحديث. القرآن ما يزال بين ظهرانينا و كذلك السنة أو الحديث أو سمه ما شئت، ولكن الذي ضاع هو بالتحديد هذه الروح الحرة، هذا التفكير العقلاني. أنا لم أنقل أي من النصوص السالفة لأؤيد أو أنفي أي فكرة أو أي عقيدة أو مذهب، وهذه النصوص تؤدي غرضي سواء اعتبرت صحيحة أو لا، ذلك أن كل ما أردت بيانه هو الجو، هو الروح أو الثقافة التي كانت سائدة فمجرد رواية هذه النصوص التي تشكك بأجزاء من القرآن أو تختلف مع النبي صراحة مع ؛و هذا في غاية الأهمية ؛ مع عدم اعتبار منكر هذه الصورة من القرآن أو الذي يضيف نصا ليس في القرآن أو الذي يخالف رأي النبي ،كافرا ولا مرتدا. هذا هو بالضبط ما أريد الوصول إليه وهذا بالضبط هو ما صنع عظمة الإسلام في أيامه الأولى التي تحدث عنها ه ج ولز كما سأبين لاحقا. وهذا هو بالضبط الشيء الذي ضاع وفقده الإسلام تدريجيا ليتحول إلى مجرد فكر يجتر انتصاراته السابقة، وهنا أقول إذا كان يقصد بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان هذه الروح فانا أوافق على ذلك شأنه في ذلك شأن كل الثورات العظيمة في الفكر الإنساني. وإذا كان هذا هو المقصود بالرسالة الخالدة للأمة فأن أيضا أوافق على ذلك، لقد أشع فكر الإسلام العظيم في فترة زمنية معينة حسب ما توفر له ضمن إطار تاريخي ومعرفي معين وهو بهذا المعنى قادر على الإشعاع من جديد، أما إذا كان المقصود تقييد الإسلام بأشخاص؛ مهما علا شأنهم؛ أو بنصوص؛ مهما كانت أهميتها و قيمتها؛ فهذا يعني تضييع رسالة الإسلام الحقيقية والجوهرية، هذا يعني تصنيم الإسلام . الله في الإسلام يمكن أن يكون ذلك المطلق المجرد غير المحدود أو المشخص، و بالتالي يمكن التواصل معه بكل الطرق ومن قبل كل أحد، بالطبع لا يمكن إنكار أن هذا الفكر الإسلامي نفسه فيه بذور تقيد حرية البشر بالأشخاص وبالنصوص وهذه البذور كانت موجودة من البداية ولم تدخل لاحقا، وهي التي تغلبت تاريخيا مما يعني أن الروح الإسلامية يمكن أن تكون صالحة لمنطلق إسلامي حداثي وليس الإسلام التاريخي كذلك، ذلك أن الإسلامي التاريخي لم يكرس فقط الحالة السابقة على الإسلام بل كرس فكرا أسوء من ذلك بكثير، فكرا غاية في التحجر واللاعقلانية، وبما أن العقلانية هي الطريقة الوحيدة التي تصل الإنسان بالحقيقة التي هي الله فان ما سواها هو وثنية، وإذا كانت الوثنية الجاهلية قبل الإسلام تترك للفرد بعض، بل كثيرا من الحرية، فان ما حصل في عصور انحطاط الإسلام هو تقديس مطلق لكل شيء وهذا ما أسميه بالوثنية الكبرى، أصبح الصحابة وعلماء الدين وشيوخ الطرق الصوفية ورواة الحديث، كلهم أصنام تعبدها الأمة وكذلك ما قالوه من أقوال وما جمعوه من كتب، بل لعلنا يمكن أن نلاحظ أكثر من ذلك: ففي وقتنا الراهن لم يعد الأمر يقف عند رجال الدين أو السياسة بل أم كلثوم و أسمهان وعبد الحليم حافظ كلهم مقدسون، ومن تابع بعض المسلسلات التلفزيونية التي تروي سيرة حياة هؤلاء الفنانين الكبار، لا بد أنه يمكنه أن يلاحظ دون أي عناء أن سيرهم لم تكن تروى كسير حياة فنانين عظماء، بل كسير حياة أساطين منزهين عن أي خطأ وبالتالي أصنام مقدسة، فأي وثنية أكثر من هذه نريد، إن العقلانية والحرية الفردية التي تعني أنه بالإمكان نقد أي شيء، أي شيء هي الشرط الأساسي الأول لانجاز أي تقدم فكري وعلمي . و قبل أن أختم سطوري هذه من المفيد تلخيص المقصود: لقد كان توماس جيفرسون واحد من أشهر آباء الولايات المتحدة الأميركية وهو كاتب إعلان الاستقلال الأميركي وفي هذا الإعلان يقول (نؤمن إن الناس متساوون ) مع أن الرجل يملك ثلاثون عبدا ولم يفكر يوما في تحرير أي منهم ، يقول جيفرسون (الشخص المثالي غير موجود بيننا، وإذا كنا لا نحب إلا الشخص الخالي من العيوب فان العالم سيخلو من الحب). الأشخاص العظماء في هذا العالم يمتلكون شخصيات غامضة ومعقدة حد التناقض وهذا أمر طبيعي،إن طبيعة الأمور تفيد: بأن أعظم الأخطاء إنما يرتكبها أعظم الناس، هكذا كان الاسكندر الأكبر ونابليون. إن شخصية محمد هي من هذا النوع، وما كل المآخذ التي يعيبها المستشرقون وغيرهم على هذا الرجل إلا من هذا القبيل، فتعقيد شخصيات البشر عندما تصل الحد الأعظم الممكن من الإبداع الإنساني أمر طبيعي، لو كان لمحمد أن يخلوا مما عابوه عليه، لكان إلاها وبالتالي من الواضح أن كل فريق يتمسك بجانب واحد من شخصية هذا العظيم حقا، وما أشده من ظلم للعظماء حين تهان كل مكاسبهم لأنهم ليسوا كاملين ! مع أن الكمال محال بلوغه. وما أشده من ظلم للبشرية عندما يطلب إليها النظر إلى أي أحد على أنه كامل و حصر نفسها فيه، أما الشخصية التي يصفها المسلمون التقليديون فشخصية اله، سيقفز أحدهم ويقول: أ تقارن النبي بهؤلاء الأشخاص، وأقول له هل محمد بشر أم اله؟ اختاروا؟ لا تقولوا لي هو نبي، لأنني سأسألكم هل النبي بشر أم اله؟ ولن أقبل أن هناك مرتبة وسطى بين البشرية والألوهية، لأن هذا يعني بالنهاية أحدهما حتما. عندما تحدثت آنفا عن الثورات البشرية الكبرى الثلاث، الإغريقية والإسلامية والأوربية الحديثة، لم أتحدث عن المسيحية لأنها كانت امتدادا للفكر الأفلاطوني اليوناني المتأخر، إن رسالة الإسلام التي أنارت العالم عصرا من الزمن وغيرته نحو الأفضل، ثم خبت سريعا هي هذه بالضبط: إلغاء الكائن الوسط بين الله والبشر، هناك اله مجرد مطلق وهناك بشر مهما بلغ تفاضلهم تجاه بعضهم البعض، فإنهم متساوون مقارنة بالله، إلغاء هذا الدمج بين الله والبشر وإسكات المتحدثين باسم الله وهو الشيء الذي بدأ مع الفكر المثالي الأفلاطوني وكرسته المسيحية وهو موجود قبل ذلك في الزردشتية، وكان نتيجته حوالي عشرة قرون من الظلام. هذه فكرة منطقية بسيطة: كائن طوله1 متر وثاني طوله 10 متر وثالث طوله 1 مليون متر ورابع طوله 100مليار كيلو متر، كلهم متساوون عند مقارنتهم بكائن طوله 1 مليار مرفوع للأس (القوة )مليار متر، مع أن العددين محدودين ومنتهين، فكيف عندما تكون المقارنة بين محدود مهما بلغت عظمته أو ضآلته مع اللامحدود والمطلق، عندما نقارن البشر بالمطلق فكلهم متساوون وكلهم بشر وكلهم غير كاملين، والقرآن ذاته أعظم دليل لمن يقرأه بروح منفتحة على أنه لا موسى ولا إبراهيم ولا حتى محمد كان كاملا. وبعبارة فقهاؤنا: هذه أدلة عقلية ونقليه دامغة على استحالة أن يكون أي إنسان أو نص كامل. عدم الفصل بين الله والبشر إهانة لله وتدمير للبشر، هذا الفصل هو رسالة الإسلام وهي نفسها رسالة النهضة الأوربية وقبلهما كانت هي ذاتها رسالة الفكر الإغريقي، مع بعض الإضافات والنقص هنا وهناك. لقد جاء الإسلام بالضبط ليصحح هذه الخطيئة التي أوقع الفكر الأفلاطوني - المسيحي العالم بها مسببا في توقف المد الفكري العالمي الذي تدفق لقرون قبل ذلك، وللأسف الشديد فان الإسلام نجح في هدفه هذا جزئيا في المكان والزمان، ثم عادت فكرة خلط الإله بالبشر والقبول الفلسفي بممثل بشري لله، لقد كانت الديانات القديمة تصل إلى حد الخلط الجسدي للإله بالبشر قبل أن يحرر الفكر الإغريقي التفكير البشري من هذه المعضلة ولكن ليس كليا، فقد لقي مصير الإسلام، إذ سرعان ما ابتلعه التيار السائد في البلاد المفتوحة. للأسف عادت هذه الفكرة سريعا للطغيان والسيطرة على العالم من جديد، ومن الطريف أن هذه الفكرة كلما جوبهت بفكر مقاوم، استوعبته سريعا وحورته ثم استخدمته لترسيخ ذاتها، و السبب بذلك أن الفكر الديني التقليدي الذي يخلط الآلهة بالبشر هو فكر بدائي مريح، حتى أن الناس في ظله قادرون على أن يضطهدوا ويُضطهدوا ويقتلوا ويُقتلوا ويجوّعوا ويجوعوا وهم مسرورين. من سخريات القدر أنه عندما جاءت النهضة الأوربية لتحقق نفس الهدف كان أن انبرى لها أصحاب الثورة الثقافية الإنسانية الثانية، مدافعين عن هذه الخطيئة وهو ما فعله قبلهم أصحاب الثورة الأولى تماما، كلاهما دافع مستميتا بكل ما يملك من قوة عن الوثنية. دعني أختم مقالتي هذه بهذه السطور من الكتاب المذكور سابقا (موجز تاريخ الإنسانية)للمؤرخ الانكليزي العظيم ه . ج .ولز ، حيث كل ما بين الأقواس الكبيرة [ ] هو من قول ويلز. يقول ولز [ وإذا خامرت القارئ أية أوهام مضللة في أن حضارات من الحضارات الممتازة سواء أكانت فارسية أم رومانية أم هلينية أم مصرية، غمرها هذا الفيضان الجديد – يقصد إذا شك القارئ أن الإسلام دمر بعض الحضارات الرائعة التي كانت موجودة قبل انتشاره – فانه كلما سارع (يقصد القارئ ) إلى نبذ مثل هاته الفكرات من عقله كان خيرا له، فان الإسلام ساد لأنه كان خير نظام اجتماعي وسياسي استطاعت تلك الأيام تقديمه. لقد ساد لأنه كان يجد في كل مكان شعوبا تبلد حسها سياسيا، تُسلب وتُظلم وتُخوف ولا تُعلم ولا تُنظم، كما وُجدت حكومات أنانية سقيمة لا اتصال بينها وبين شعوبها. كان أوسع وأحدث وأنظف فكرة سياسية كان لها نشاط فعلي في العالم حتى ذلك اليوم وكان يهب الجمهرة الغفيرة من البشرية عامة نظاما أفضل من أي نظام آخر سبقه] ص 811 و هنا أنا أدعو من لديه وهم بأن الحضارة الغربية الحديثة قد دمرت حضارات مستقرة ومثمرة إلى المسارعة إلى التخلي عن هذه الفكرة، فلقد مثلت الحضارة الغربية الحديثة أنقى أنواع الروح البشرية الحرة وصادفت أمما قد تآكلت أخلاقها ورضيت بالذل، وإذا ذهب أحدهم يسوق مساوئ ومثالب الثقافة الغربية الحديثة فأنا لا أنكرها، فما أحد أخبر أنها كاملة، وكذلك لم يكن الإسلام كاملا، وهذه مشكلة الأيديولوجيون من الطرفين، الغربي والعربي، هم يبحثون عن الكمال في عالم يكره الكمال، بالنسبة لي القانون الأساسي في هذا العالم هو أن العالم يكره الكمال، ذلك أن التطور يمكن أن يظل مشتعلا مهما فعلت إلا في حالتي العدم والكمال، فالكمال يعني الوقوف وبالتالي العدم، لذلك يكرهه العالم، الإنسان الحقيقي له مهمة وحيدة هي تمثيل الله في خلق هذا العالم بمعنى تطويره، فماذا يصنع في عالم كامل مثالي. كل ما في الأمر أن كل فكر منهما (الإسلام، والفكر الغربي الحديث ) مثل أفضل المتوفر في حينه. [ و كان النظام الرأسمالي الاسترقاقي في الإمبراطورية الرومانية والأدب والثقافة والتقاليد الاجتماعية في أوربا، قد انحلت انحلالا تاما قبل أن نشأ الإسلام ولم يحدث أن دب دبيب الانحلال في الإسلام أيضا إلا عندما ضاعت ثقة البشرية في إخلاص ممثليه] ص 112 [وما قارب الإسلام هذا النجاح وأوشك أن يبلغه – السيطرة على العالم – إلا لأن بلاد العرب كانت آنذاك مركز للإيمان والعزيمة، ولأنه لم يكن هناك في أي مكان آخر في العالم حتى حدود الصين، اللهم إلا في سهوب روسيا أو التركستان، مجتمع آخر من رجال أحرار الأرواح ..] ص 805 و هؤلاء الرجال أحرار الأرواح في سهول التركستان هم الذين شكلوا حسب رأي ويلز الموجة الثانية من الفتوحات الإسلامية. [..... من غير صورة فعالة للتعبير عن الروح الديمقراطية الحقة، التي هي الطابع الغالب على تعاليم الإسلام الجوهرية، مع استعمالنا لكلمة ديمقراطية بمعناها العصري ] ص 816 و يرى ويلز أنه لولا الخلاف والصراع على السلطة الذي نشب بمقتل عثمان (الذي كان نفسه – عثمان – تراجعا كبيرا عن وضع سابقيه) فان الإسلام كان سيوحد العالم. هذا الخلاف الذي يستمر في نخر الإسلام حتى اليوم. وينقل ويلز عن السير مارك سايكس في كتابه آخر تراث الخلفاء قوله [كان القصر الإمبراطوري ومن به من حاشية، مؤسس على تقاليد رومية وفارسية ....... ولقد قلت إن الإمبراطورية العباسية في أيام هرون الرشيد كانت ضعيفة واهنة إلى درجة ما ....... ويرجع ذهابي لهذا الرأي إلى أن الإمبراطورية الفارسية قطعت صلتها بكل شيء أصيل وحيوي في الإسلام ...... وأنها أقيمت بكليتها على تجميع أشلاء الإمبراطوريات التي حطمها الإسلام من قبل ] ص 824-825 ، في هذه الفترة دُوّن الإسلام الذي نتداوله الآن ومن أوضح الأدلة على الفرق الهائل بين روح الإسلام الاصلية والروح التي سيطرت على الإسلام اللاحق كون فكرة توارث السلطة فكرة مقبولة تماما في الإسلام الذي نتداوله وكذلك تقديس النبي وهما فكرتان بعيدتان كل البعد عن روح الإسلام الأول، تكفي كدلالة باهرة على أن هذا ليس الإسلام الذي غير العالم يوما. [فقد كان الذهن العربي قبل محمد ببضعة أجيال متقدا بنار تسري تحت الرماد، فكان ينتج الشعر والشيء الكثير من الجدل الديني. وما لبث ذلك العقل – بتأثير ما أحرز من النجاح القومي والعنصري – حتى تأجج في تألق لا يفوقه إلا ما كان للإغريق في أزهى عصورهم، فأحيا من جديد بحث الإنسان وراء العلم ......... فلئن كان الإغريقي أبا للطريقة العلمية، فلقد كان العربي أبا روحيا لها وشريكا له في أبوتها ] ص 827 [ و يبرز اسم ابن رشد القرطبي (1126-1198)ممثلا لأقصى ما بلغه تأثير الفلسفة العربية من سلطان على الفكر الأوربي، وهو الذي طور تعاليم أرسطو على أسس فصلت الصدق الديني عن الصدق العلمي فصلا تاما، وبذا مهد الطريق لتحرير البحث العلمي من المذهب الاعتقادي (Dogmatism) اللاهوتي الذي كان يقيده في ظلال كل من المسيحية والإسلام ] ص 830 وهذا ما يحاول الإسلاميون الجدد عدم تركه يمر إلينا بكل ما اُتوا من قوة. [ولم يحاول العرب من البداية إلى النهاية أن يعالجوا المشكلة التي لا تزال تنتظر الحل، ألا وهي مسألة الدولة المستقرة التقدمية ] ص 830 ثم يتحدث ويلز بطريقة مثيرة للإعجاب عن سبب عدم تمكن الصين من انجاز الثورة الصناعية وهو يعطي سببا مقنعا وشرحا عاما للأسباب الجوهرية في تقدم أي أمة وقد رأيت أن المكان هنا مناسب جدا لذكر حديثه هذا: [ لقد ظلت زمانا طويلا (الصين ) وهي على التحقيق السباقة المتقدمة ...( ولا يمكن القول ب )..إن العالم الغربي شرع يسبق الصين إلا بعد ألف سنة، فلماذا لم يُنشئوا (الصينيين) قط طريقة التسجيل والتعاون في البحث، تلك الطريقة التي وهبت العلم الحديث للعالم؟ ............ من المألوف أن تقابل مثل تلك الأسئلة بإجابات غالبا ما تكون جوفاء ......... على أننا لو فحصنا هذا التعميم (القائل بالتفوق الفكري الأوربي الوراثي أو العنصري ) فحصا أدق وأضبط لتبدد في الهواء هباء منثورا فان قوة الابتكار والمبادرة الذهنية الفائقة والإقدام العقلي المتحرر والميل إلى التجريب، تلك المزايا التي نعتقد أنها قوام خصائص الذهن الغربي، لا تتجلى في تاريخ هذا الذهن إلا في أثناء أدوار معينة وتحت ظروف استثنائية ( يذكر مثالا على ذلك الفكر الايطالي الذي ظل عقيما معظم الفترة الرومانية وهو نفسه أبدع النهضة الأوربية في ظروف معينة ) .... كذلك ذهن العرب كما سنخبرك من فورنا قد تألق تألُق النجم طوال ستة أجيال بعد ظهور الإسلام ولم يحرز قبلها ولا بعدها أي شيء ذا بال ] ص 765 ، لنتذكر أن هذا الكتاب مؤلف في عشرينيات القرن الماضي في أوج انتشار الأفكار العنصرية الأوربية وعندما كانت كل الأمم المتقدمة في العالم من الشعوب البيضاء ذات الأصل الأوربي، مما يدل على رجاحة عقل المؤلف، فقد رفض السبب الوراثي العنصري لتقدم الغرب جملة وتفصيلا. و يتابع ويلز قائلا : [ سبق أن أوضحنا أن أدوار التقدم الذهني الحقيقي في أي مجتمع من المجتمعات مرتبطة بوجود طبقة من الرجال بعيدة عن الغرض غير متحيزة العقول، بلغت من الحرية مبلغا يجعلهم لا يكدحون ولا يحملون هما يستنفذ القوى من أجل حاجاتهم الدنيوية، ولم تصل في ثرائها وسعة سلطانها إلى حد يغريهم بالإسراف في الشهوات أو المظاهر أو القساوات، ويجب أن يتوافر لهم شعور بالطمأنينة، لا غرور بالتفوق، وأسلفنا كذلك أن هذه الطبقة يجب أن تتهيأ لها القدرة على الكلام بحرية وأن تتواصل بسهولة. ويجب أن لا تُراقب لمظنة الزندقة أو تُضطهد لأية آراء قد تعبر عنها. ولا مراء أن مثل هذه الحالة السعيدة كانت تغمر بلاد الإغريق في أحسن أيامها. والواقع أن طبقة من القوم الأذكياء المهذبين الأحرار تتبدى على صفحات التاريخ حيثما ظهرت فلسفة جريئة مدونة أو تقدمات علمية فعالة. فإذا نبذنا الفكرة القائلة بأن هناك بعض الفوارق العنصرية العميقة بين الصين والغرب ...... وجب علينا أن نبحث عن السبب الفعال ......... السبب الفعال في تأخر الصين ذلك التأخر العظيم بالرغم مما لها من ميزات أصلية أثناء القرون الأربعة أو الخمسة الأخيرة ...... أن تكبيل الذهن الصيني في كتابة ( التعقيد الكبير في طريقة الكتابة الصينية ) وفي صيغ للفكر بلغت من الإحكام التفصيلي والصعوبة حداً جعل طاقة البلاد العقلية مستنفذة استنفاذا عظيما في تحصيلها هو مرد ذلك (التأخر)] ص766. ويذكرني هذا باستنفاذ تعقيدات فقه اللغة العربية من نحو وصرف الخ... وفقه الدين الإسلامي من فقه وعقيدة وحديث وتفسير الخ.... للعقلية العربية على مر العصور واستمراره في ذلك حتى الآن .
#محمد_شرينة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللغة والفقه مع قليل من الويسكي
-
ما بعد الحكمة
-
الله والبشر والفيزياء
-
علاقة الخوف الديني و الجنسي بالعنف
-
النار التي تنضج الطعام ولا تحرق، الثقافة غير قابلة للتجزيء
-
هل المواطن العربي العادي غائب فعلا؟
-
الحرية والعمل
-
زيارة شيطان
-
تأملات في الماركسية
-
الحجاب الخارق
-
ها قد ظلل العالم الحائر المساء
-
النوم ليلة العطلة
-
لماذا يتشبث الناس بالأيديولوجية؟
-
مدينتي الغافية
-
الحرية و المطر
-
لماذا لم تحقق العلمانية العربية الحديثة أهدافها حتى الآن
-
الأديان الشمولية و تأليه الإنسان – النبي
-
أيديولوجيا و حتمية
المزيد.....
-
مسئول أمريكي سابق: 100 ألف شخص تعرضوا للإخفاء والتعذيب حتى ا
...
-
تواصل عمليات الإغاثة في مايوت التي دمرها الإعصار -شيدو- وماك
...
-
تسنيم: اعتقال ايرانيين اثنين في اميركا وايطاليا بتهمة نقل تق
...
-
زاخاروفا: رد فعل الأمم المتحدة على مقتل كيريلوف دليل على الف
...
-
بالأرقام.. حجم خسارة ألمانيا حال إعادة اللاجئين السوريين لبل
...
-
الدفاع الأمريكية تعلن إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانا
...
-
دراسة: الاقتصاد الألماني يواجه آثارا سلبية بإعادة اللاجئين ا
...
-
الأمن الروسي يعلن اعتقال منفذ عملية اغتيال كيريلوف
-
دراسة: إعادة اللاجئين السوريين قد تضر باقتصاد ألمانيا
-
إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانامو الأميركي
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|