أحمد زيدان
الحوار المتمدن-العدد: 2500 - 2008 / 12 / 19 - 03:12
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
التمييز “Discrimination”، إصطلاحيًا، هو تمييز (التعرّف على) الصفات و الخلافات بين الأشخاص أو الأشياء و جعل الخيارات بين الناس استنادًا إلى تلك الصفات الشخصية.
و إذ يشمل التمييز هذا المفهوم طواعية، فهو يشتمل بدوره على التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الدين، أو الجنس، أو الأصل القومي أو العرقي، أو التوجه الجنسي، أو التوجه السياسي، أو السن، أو الإعاقه، أو الوضع العسكري.
لذا، و تبعًا للتعريف السابق، فإن كل منّا يمارس التمييز بشكل أو بآخر في حياته اليومية، فهو، أي التمييز، و بسلاسة و قدرة ذاتية على مجابهة الحقائق، يستغرق أيّ منّا خلال نشاطاته اليومية في كل مناحي الحياة سواء اعترفت بذلك أم لا، من أول اختيار بائعات "ذوات مظاهر حسنة" حتى اختيار محترفات بغاء ذوات أثداء مثيرة، مرورًا باختيار طيّارين قصار الطول حادي البصر، و مديرين أكفّاء، و أطباء متميزين للعمل بمستشفى خاص، و طلاب أذكياء للدراسة بمدرسة للنابغين، و عمال أقوياء البنية للعمل بورشة للحديد، و مهندسين واعدين للعمل بموقع حفر متميّز، و مربيّات آسيويات لأطفال الطبقات العليا، و لاعبي كمال أجسام للحراسات الخاصة... إلى ما لا نهاية من تمييز يومي يأخذ في عين الإعتبار، طبيعيًا، الكفاءة و الجدارة و لا شئ آخر.
سواء كان التمييز حسب الجدارة كما أشرنا في الفقرة السابقة، أو كان مجرد لون بطعم حكم مسبّق “Prejudice” فكلا الحالتين يعتبر تمميزًا و لا شك.
و من هنا، فإن مفهوم التمييز لدى كل فرد هو تابع رئيسي لنشئة، أو ثقافة، أو مصلحة فردية بحتة، و لذا فهو نسبي جدّ من فرد لآخر؛ لأن على نطاق أوسع تختلف تعريف لفظة الآخر “The Other” بين كل منّا، فتتعدد صور هذا "الآخر" تعدد نظري على رقعة نطاق لا نهائية من شخص إنساني، بالمعنى الحقوقي الذي تبع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، “Humanist or Human Rights Activist” يؤمن بالمساواة التامة بين الأفراد على كل المستويات لأن كلّهم إنسان، إلى شخص فرداني “Individualist or Objectivist” يشمل مفهومه عن الآخر جميع من حوله إلا من خصّهم هو باختياره الإرادي ضمن دائرة النفس “Circle of Self” و هي دائرة حميمية يختلف نطاقها بالضرورة ما بين المؤمنين بالفردانية أنفسهم، قد نفرد لذكرها مقالات قادمة.
و بين هذا و ذاك، أطياف "إنسانية" أخرى تقع بدورها بي طرفي النطاق بزوايا متفاوتة؛ فقد يتمّ بالتمييز نظرًا لإختلافات دينية مثلما الحال بين متبّعي كافة الأديان، أو عنصرية مثلما حدث في ألمانيا النازية و الولايات المتحدة قبل ستينيات القرن الماضي و جنوب أفريقيا حتى التسعينيات، أو لإختلافات أخرى خاصة بالجنس أو التوجه الجنسيّ مثلما يحدث في دول الشرق الأوسط لسبب ديني محافظ أو تقاليدي، أو حتى لاختلافات سياسية مثلما حدث في دول الكتلة الشيوعية طيلة أكثر من نصف قرن. و كلّها أشكال متعددة للتمييز.
و أعتقد أن الأمثلة المتطرفة السابقة تغرق في النظرية البحتة تمامًا كما يغرق الطرف الآخر في العمق ذاته، و فقط تبرز إشارات النطاقات الأخرى التي تتأرجح داخل الرقعة المذكورة ما بينهما و الذين يتسمون بالواقعية بشكل أكبر و بتكرار نسبة الحدوث كلما اتجهنا لمنتصف الرقعة تمامًا. و من هنا قد نشبه طرفي الرقعة بأنهم نقاط إقليدية أو خطوط إقليدية نظرية؛ لأنه من المستحيل أن يوجد شخص إنساني في المطلق أو شخص فرداني في المطلق، و لكن كما وضحنا سابقًا فما بينهما عدد "واقعي" لا نهائي من صور الأفراد تمثل توجهاتهم بالقرب أو البعد لنفطة ما أو عن نقطة ما على التوالي.
و نحن إذ وضعنا طرفي العلاقة بشريين، فقد يتطرّف أحدهم لأسباب أخرى فوق-إنسانية كمجموعات الناشطين في مجال حقوق الحيوان أو النباتيين أو حتى الفاكهيين “Animal Rights Activists, Vegetarians, Vegans, Or Fruitarians” و هم معظمهم باتجاهاتهم المختلفة هذه يطالبون بمساواة جميع الأرواح، و يعتبرون الإنسان كنظيره من الحيوان و النبات ذوات الأرواح، و لذا يطالبون بتنظيم "حقوق" لكل ذي روح ترعى عدم قدرته “Inability” و اعتماده “Dependence” على الإنسان مما يسترعي الإنتباه حتى "لا يأكل الإنسان حقوقه" على حدّ زعمهم.
و من وجهة نظر محايدة تمامًا فإن الأمثلة المتطرفة السابقة، و التي يغلب عليها شبه الطابع اليساري، سواء الإنساني “Humanist” حتى الفاكهي “Fruitarians” لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، الحيوان، و النبات هي مبادئ لا تمتّ للطبيعة البشرية بأيّة صلة؛ لأن الطبيعة البشرية المنصفة تعي جيدًا ضرورة التمييز التي تنتجها الإختلافات بين البشر أو على الأقل بين البشر و الحيوانات و النباتات.
بدايًة، أنا لا أشكك في صدق هؤلاء بما يدعون إليه، فقد يكونوا مؤمنين تمامًا بما يعتقدون به من مبادئ، و لكن بجانب تكوينها النظري البحت، فهم قد يكونوا يمارسون أيّ شكل من أشكال التمييز الأخرى سواءًا رغبة منهم أو عنهم بسبب إداريّ أو حكوميّ، و هو ما سنتطرق له في أجزاء قادمة.
و بالإضافة إلى ذلك، فهي يغلب عليها طابع من اللاإنسانية الغارقة في المثالية، لأننا كما اتفقنا في موضع سابق أن كل منّا يجنح بشكل أو بآخر و بصورة أو بأخرى للتمييز في كافة الأنشطة اليومية؛ لأن بقليل من البراجماتية ندرك أن النفس تجنح للتفضيل و التمييز بين الأفراد على أساس الجدارة و هو أساس "السوق الحرّة" “Free Market Capitalism”في الديمقراطيات الغربية، و بشرح مبسّط حتى ننهي هذه القطعة؛ التبادل الحرّ للمصالح و الخدمات يقوم على نفس أسس المنفعة المتبادلة، سواء بين الإنسان و نظيره الإنسان كالتجارة الحرّة الإرادية “Free Voluntary Exchange”، أو في العلاقات المختلطة التي تجمع بين الإنسان و الكائنات الأخرى ذوات الأرواح كالحيوان و النبات*؛ كمثل البكيريا التي تعيش طبيعيًا في أماكن كثيرة في جسم الإنسان و تشترك معه في بتبادل حرّ مباشر كبكتريا الإشريكية القولونية “E. Coli” و التي تفرز للإنسان فيتامين ك2 “Vitamin K2” و تمنع ظهور بكتيريا ضارة في الأمعاء و في المقابل تتغذّى على فضلات الإنسان، أو كما شخص يعيّن كلب للحراسة، أو آخر يزرع أرضًا للتجارة، أو رابعة ريفيّة ترّبي ماشية و أرانب للأكل و البيع، أو خامس يعبر على منطقة خضراء و لا يدوسها لأنه استحسن مظهرها، فكافة العلاقات السابقة تتحدد بالمنفعة المتبادلة، و هي كفّة المعادلة التي ستصحح الكفّة الأخرى بلا حاجة لمثل "قوانين حقوق الحيوان أو ما شابه**"، في صور عناية الثاني و الرابعة بحيواناتهم لأن المصلحة مشتركة بضرورة الحال، و اهتمام الثالث و الخامس بالنبات أيضًا للسبب ذاته.
و هو نفس ما ينطبق على "حقوق الإنسان،" فمثل هذه القوانين ستتلاشى تلقائيًا في حالات التبادل التجاري الحرّ بين الأفراد، لأن المصلحة مشتركة و المنفعة متبادلة، و هو ما عرّفه آدم سميث***، على نطاق أوسع بين الفرد و العامة، باليد الخفية أو “Invisible Hand” و ها هي تتطابق تمامًا عندما تتعلّق مصالح الأفراد “Self Interests”و منفعتهم المشتركة ببعضهم البعض، أو بين الأفراد و الكائنات الأخرى كما أفردنا لها أمثلة في الفقرة السابقة، أو حتى بين الكائنات الأخرى و بعضها****. و هو ما يخلق بيئة صالحة للتبادل المنفعي الحرّ بلا سابق معرفة و بلا أدنى إجبار أو تساوي أو حتى نقطة إلتقاء “Co-operation Without Conformity*****.”
و قد علّق ميلتون فريدمان في كتابه "الرأسمالية و الحرية" على هذه النقطة السابقة تحديدًا "تعاون بلا امتثال" واضعًا شرطًا هامًا لكل ما ذكرناه مسبقًا، و هو أن تخلو قوانين الدولة من شروط قهرية تمنع هذا التبادل الحرّ، لأن ما نحن بصدده هنا هي توابع لفرضية عدم تدّخل الحكومة “Non-Interventionism” "لفرض" أو "منع" أو لممارسة تمييز بقرار عام تجاه فرقة معيّنة، لأن إذا ما حدث ذلك تقوّضت حرية الفرد، و فقدت المعادلة التعادل المطلوب “Equation Lacks Equilibrium” لغياب أهمّ خصائص المعادلة؛ الحفّاز “Catalyst”، و هو التبادل الحرّ الإرادي “Voluntary Free Exchange.”
أودّ أن أضيف في نهاية هذه المقالة أن مثل مواثيق حقوق الإنسان أو حقوق الحيوان نشأت حقًا في مواجهة دول و حكومات تمارس تمييزًا جماعيًا ضد جماعات بعينها أو مجموعة من مجموعات الحيوانات، و إن ظللنا فيما نحن عليه، خاصة في الدول الديكتاتورية، فإن هذه المواثيق تمثّل تعايش الفئران (الأفراد) في ظل الأسود (الحكومات)، و تضمن لهؤلاء الأفراد وسيلة ضغط في حالة استشراء التمييز.
و لكنها لم تنشئ من أجل أفراد أحرار، لأن الأفراد الأحرار لا يحتاجوا توجيهًا بشأن سلوكهم، و لذا لمّا كنا نتجه حقًا نحو عصر أكثر تحررًا من أعباء تدخل الحكومات في اختيارات الأفراد، و كنا حقًا نسمو يومًا صوب الفردانية، فإن من البديهي تمامًا ألّا تجد مثل هذه المواثيق مكانًا لها.
- المصادر:
*لا نحتاج لبيان مدى أهمية الإنسان عن الحيوان شكلًا و موضوعًا، ليس فقط لأنه بنى الحضارة و اخترع القوانين و هي التي لم تصل لتعقيداتها أيّة مملكة حيوانية أدنى منه، و ليس فقط لأنه أسمى و أرقى الكائنات و أكثرهم تعقيدًا عقلًا و تركيبًا، و ليس فقط أيضًا كونه سخّر الأليف منها و استخدم جميعهم الأليف منهم و الوحشي، و لكن استنادًا لقوانين داروين "الإنتخاب الطبيعي" و "البقاء للأفضل" و استنادًا أيضًا لاقتصاديات السوق الحرّة في الأفكار “Free Market of Ideas”، و التي تمنح التمييز لمن هو أجدر، و تقدّم القدرة و المنجزات “Abilities and Accomplishments” على كل ما عداها من خصائص، بالإضافة لمنحها للأفراد حرية الإختيار الكاملة، و هو كل ما يعطي صلاحيات لتمييز الإنسان على الحيوان و لا شك، و يجعل العلاقة بينهما تقبل أن يقتل الإنسان الحيوان، بطريقة متحضّرة، بغرض الأكل أو التجارة، و ليس العكس.
و هي القوانين التي لم تنفذ بدورها للتمييز بين بني البشر، لأن مهما بلغ التمييز، الضروري، بين الأفراد فهو لن يصل لمرحلة القتل أو البيع، لأن هناك قوانين متعارف عليها دوليًا و مقبولة عالميًا بأغلبية ساحقة تجرّم القتل العمد للإنسان و الرقّ.
** قد تشذّ عن هذه القاعدة بعض القوانين التي تجرّم اصطياد حيوانات نادرة أو قابلة للإنقراض، أو تجبر اصطياد حيوانات أخرى لوجود خطر من جرّاء وجودها قد يهدد حياة الإنسان أو صحته.
Adam Smith, An Enquiry into the Nature and Causes of the Wealth of Nations, ***
Book IV, Ch. II, page 484-485 Modern Library Edition, New York
**** بعض الحيوانات و النباتات تتبع مع بعضهم البعض، أو فيما بينهم، مبادئ التبادل الحرّ للخدمات سواء إراديًا أو طبيعيًا، مثلما حالات التبادل المشترك بين الحيوانات و بعضها الآخر مثلما يبحث الطائر عن عشّ على مقربة من عش طائر آخر لتبادل الأكل و النجدة وقت الشدّة، و مثلما أيضًا التجارب التي أجريت في جامعة منيسوتا و التي يوضحها دكتور ديفيد ستيفنز، و هو بروفيسور مساعد في علم التبيؤ و التطور و السلوك بكلية العلوم البيولوجية، بأن وصول حيوانين صغيرين لمكافئة ما عبر تعاون مثمر قد يقودهما لمساعدة بعضهما الآخر في كل مرة حتى الوصول لنفس المكافئة، و هي الحالات التي نشرت عنها دورية ScienceDaily في العام 2002، و نشرت نفس الدورية اكتشافها بأن معدل التعاون الإرادي بين الحيوانات يتناسب طرديًا مع تطور الحيوان البيولوجي حتى يصل لأعلى و أعقد مراحلها في الإنسان.
أو حالات للتعاون المشترك بمنفعة متبادلة بين النبات و الحيوان مثلما يحدث في حديقة "كينت ريدج بارك" بسنغافورة حيث تزوّد نباتات، مثل السندودوك، قوارض معينة بالأكل و الملجأ طيلة العام، بينما تساعد أنواع معينة من أنواع النحل هذه النباتات بالمقابل عن طريق نقل حبوب اللقاح للتكاثر "التلقيح."
و تشذّ بطبيعة الحال حوادث إفتراس الحيوانات المفترسة لبعضها البعض، أو افتراسها للضعيف، و التي لا تتبع أيّة قوانين إلا قوانين الغاب.
Milton Friedman, Capitalism and Freedom, Chapter VII, page 118, Chicago and *****
London: University of Chicago Press, 1982.
#أحمد_زيدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟