|
في سيكولوجيا تصّرف منتظر الزيدي
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 2499 - 2008 / 12 / 18 - 08:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قذف الصحفي العراقي منتظر الزيدي الرئيس الأمريكي بوش بفردتي حذائه في المؤتمر الصحفي الذي عقد في بغداد يوم الأحد 14-12-08. ولو أن هذا الفعل حدث لبوش وهو يمشي في شارع الرشيد مثلا لكان أمرا عاديا ، غير أنه كان فعلا استثنائيا سيدخل الزيدي التاريخ ، وقد يسجل حذاؤه اعلى سعر في عالم الأحذية . ما يعنينا هنا هو تحليل سيكولوجي لما قام به ..ولنا في ذلك قراءتان نفسيتان : الأولى : تمثل القراءة الشعبية ، او " الشارع العراقي " وهذه ترى في هذا الفعل ما يعبّر فعلا عن الشخصية العراقية التي تتصف بالأنفه والغيره والشموخ ، وردّ الاهانه بأقوى منها لمن يحاول أن يهينها أو يمس كرامتها ..والتباهي بفعل يعدّه العراقي الشعبي استثنائيا في الشجاعة والتحدي الذي تتفرد به الشخصية العراقية دون سواها من شخصيات العالم . وسيحظى هذا الفعل بتأييد الجماهير الشعبية العراقية ، وسيعدّون منتظر الزيدي بطلا عراقيا وأنموذجا للحماس الوطني والغيره العراقية ..الذي أشفى غليلهم من متكبّر متغطرس ، أجبره على أن يحني رأسه أمام العالم كله ..ليعيد للعراقي استقامة رقبته التي أذلّها هذا المتجبر .وكما أشبع الفريق العراقي حاجة العراقيين للفرح بفوزه في بطولة آسيا ، فان منتظر الزيدي أشبع حاجة الجماهير الشعبية بأخذ حيفهم من متغطرس أذلّهم . هكذا ستقرأ الجماهير الشعبية العراقية تصرف الزيدي وسيتفنون في التعبير عن اعجابهم به . وسيوفر لهم فعله هذا وسيلة للتعبير عن ما أصابهم من ذلّ ومهانه من قوات هذا المتغطرس الذي هو قائدهم الأعلى فأذلّ جنرالاتها باذلاله . وستظهر صور منتظر الزيدي في الشوارع العراقية ، وسيعلّقها العراقيون في سياراتهم ..ويضعها العراقيون في الخارج على صدورهم . وقد تظهر قمصان عليها صورة " منتظر " ..ولا تستبعدوا أن تظهر قبعات على واجهاتها صورة لحذاء منتظر . وقد تظهر صورة لشيخ أو أم عراقية تقبّل حذاء منتظر ،وقد يلتقطها سينمائيون ويحولوها الى فلم بعنوان ( ساعة القبض على منتظر الزيدي) . وقد يأخد الموضوع بعدا سياسيا فترى صورة لسياسي معمم او لابسا العقال وعلى رأسه حذاء بدل العمامة أو العقال ..او صورة لبوش وتحتها عبارة " ختامها ..قنادر !".
وسترى من " أفانين " العراقيين حول هذا الموضوع ما يجعلك تستلقي على قفاك من الضحك ..وما يحزنك ايضا . ففي مثل هذه الحالة يجري تفريغ أو تنفيس للعدوان المكبوت والكراهية الصريحة تريح الجماهير التي صيّرها المحتل حطبا في تنور الوطن، وتوفر لها الفرصة في خلق مناسبات يجري فيها تفريغ جماعي للمكبوت والتخفيف عما أصابهم من معاناة ، عبرنكات ومقالب وسخريه وتهزيء. وسيستمر الاعجاب الجماهيري بمنتظر الزيدي ما لم يعمد آخرون الى تخريج تصرف منتظر على أنه ثأر لمحبين فقدهم أو لأذى شخصي لحق به من الامريكان ،أو لخلل في شخصيته ، أو مدفوعا من جهة بأجر مدفوع مقدما..وليس شعورا وطنيا من أجل العراق والعراقيين .
أما الثانية ، فتمثل القراءة النخبوية ..التي ترى في هذا الفعل سلوكا مدانا .. وأنه تصرف غير متحضر وغير أخلاقي ، وسلوك أهوج وسخيف ومتطرف ..ولا يليق بالصحفي الذي سلاحه " القلم " وليس " الحذاء ". وستظهر بين هؤلاء جماعات او جهات ( خارجية ) مغرضه وخبيثه ..ستوظّف هذا التصّرف لتصف به الشخصية العراقية ونعتها بكونها انفعالية واندفاعية ومتهورة ..وأنها ما تزال " شخصية عدوانية "..وستعمم هذا الحكم على العر اقيين كافة وتحذّر من التعامل معهم بوصفهم ناس لا يؤتمن جانبهم ولا حتى أخلاقهم وقيمهم التي يتظاهرون بها ..وتصورهم كما لو أنهم جبلوا على العنف والعدوان . لقد تمنيت لمنتظر الزيدي لو أنه صرّف انفعاله بشكل آخر . لنعد مشهد يوم الأحد ونراه بما تمنيناه على النحو الآتي : يقف منتظر أمام بوش ويقول له : ( ياسيد بوش ..ان قواتك العسكرية أهانت العراقيين وأذلّتهم . فجنودك صفعوا وجه أكثر من وزير ..وجنودك عرّوا العراقيين وجعلوا مجنداتك يتفرجن على عوراتهم في سجن ابي غريب . وجنودك بطحوا على الأرض أعزّة قومنا وداسوا على رؤوسهم بأحذيتهم ..وأنه لمن السهل عليّ الآن أن أمد يدي الى حذائي وأرد لك الاهانه بوصفك رئيسهم الأعلى ..ولو لم تكن في بيتنا، مع أنك لست ضيفنا ..لفعلتها ....). الا يكون مثل هذا التصرف أبلغ وأوجع !! وثمة ملاحظة لقناة البغدادية . لقد حققت هذه القناة في السنتين الأخيرتين حضورا جيدا بنوعية برامجها ومحاولتها أن تكون موضوعية وحيادية . وقد أضاف لها الآن منتظر الزيدي كسبا جماهيريا واسعا بين العراقيين في الداخل والخارج . والملاحظة هي انها ما كانت موفقة في دفاعها عن الزيدي بقولها أنه كان يمارس حقه او حريته في التعبير عن الرأي . نعم ، من حق القناة ومن واجبها أن تدافع عن مراسلها وتوكل له أمهر المحامين للأفراج عنه ، لكن أن تعتبر التعامل بالأحذية من وسائل العمل الصحفي ..فهذا أمر لا يليق ( ولمديرها أن يتأمل الموقف لو أنه حدث له ). كان عليها أن تبرر تصرف الزيدي بعوامل نفسية مثلا ..أي أن تكون في موقف لا تدين فيه تصرف الزيدي ولا تِؤيده وتعدّه حقا مشروعا وتتباهى بتصرفه . وقد نلتمس لها العذر أنها غلب عليها الانفعال الجماهيري العراقي ,,والعربي ايضا ..نأمل لها أن تتعافى منه وتستعيد توازنها .
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تهنئة ,,وملاحظات واقتراح
-
أمسية ..في شارع أبي نؤاس
-
مخطوطة للدكتور علي الوردي معروضة للبيع
-
تنبؤ سيكولوجي بفوز أوباما
-
الارهابيون بعيون أكاديمية - ايضاح ..واقتراح-
-
الارهابيون .. بعيون أكاديمية
-
سيكولجيا الصراع في المجتمع العراقي
-
كنت في الجولان
-
في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 3-3
-
الى الشاعرة لميعه عباس عماره
-
في سيكولوجيا مسلسل الباشا
-
أمسية دمشقية مع ..مظفر النواب
-
حملة الحوار المتمدن - البديل المنقذ ..مرّة أخرى
-
في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 2-3
-
في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 1-3
-
دور وسائل الاعلام في اشاعة ثقافة تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة
-
هيئة النزاهة تستخدم جهاز كشف الكذب
-
الشخصية العراقية ..وسيكولوجيا الخلاف مع الآخر
-
الاتفاقية العراقية الأمريكية ..وسيكولوجيا الورطه !
-
نحو بناء نظرية في الابداع وتذوق الجمال في العالم العربي (الح
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|