المدرسة القروية بين أوامر السلطة الكتابية و شفاهية دوريات التفتيش بجبال إقليم الرشيدية

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

الحوار المتمدن-العدد: 2500 - 2008 / 12 / 19 - 09:07
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

لا يزال رجال التعليم بالمدارس القروية الابتدائية بالقسم الجبلي من إقليم الرشيدية، يتذكرون مأساة تدخل رجال السلطة المحلية في شؤونهم، و إن شئت في مصيرهم. فالانتقالات التعسفية المستفحلة بالأمس، غالبا ما تنزل بغثة بطلب من رجال السلطة، إن لم نقل بأمر منهم. أذكر أنه في الثمانينات من القرن الماضي ، نزل انتقال تعسفي في حق أستاذ كان يعمل وقتذاك بمدرسة إكلي الكائنة بشرق دائرة إملشيل الإدارية، لا لشيء سوى أنه شارك، في حملة انتخابية لمرشح منافس للمرشح العشائري سليل قائد علا شأنه في عهد الحماية الفرنسية بالمغرب. و لا نريد أن نفصل القول في محنة أستاذ للتعليم الابتدائي هددته السلطة المحلية و أهانته بمبرر أن سكان قرية إحنضار بجماعة النزالة القروية، طلبوا أن يؤم بهم في الصلوات الخمس. و الإمامة و السياسة وجهان لعملة واحدة في نظر قيادة أيت يزدك في السبعينات من القرن الماضي. و في حوض كير، اشتهر قائد بالتردد على المدارس لمراقبة وثائق الأساتذة ، و لا يفتآ يضع سيارة لاندروفير رهن إشارة دوريات التفتيش التربوي، للتردد على مدارس تاوسارت ، إسكنى، تيوزاكين، شريطة تزويده بطبيعة الأزمة التي عمقتها،لأجل ذلك لقبه الأساتذة بعابد المدرسة(عباد المدرسة). و هناك من القواد (جمع قائد) من هو مستنير، يكسر عصا دوريات التفتيش التربوي عند الاقتضاء. ففي بحر سنة 1982 اشتكى رجال التعليم ببلدة أسول من مفتش يمزق وثائقهم،كلما بدا له أنها متسخة، أو أن رسمها لا يرضي الأذواق. و كان كلما قدم من مركز كلميمة يرتدي سروال الجندي، فتحسبه قناصا أو جنديا فارا من الخدمة العسكرية. و ذات يوم استدعاه القائد رئيس دائرة أسول و استقبله أمام الملأ من رجال التعليم وسكان البلدة، ليبلغه أن التعليم سليم إن سلم فقط من ممارسة المفتش/القناص.
مضت فترة من الهجوم المتكرر على المؤسسات التعليمية باسم السلطة المحلية و أعوانها ، وباسم بعض المفتشين المستبدين، إلى غاية شهر يوليوز من سنة 2000، لما أخطأت وزارة التربية الوطنية في تعيين نائب إقليمي، أظهر بعض الصمود أمام السلطة المحلية ، وحاول جهد المستطاع الدفاع عن رجال التعليم بإقليم الرشيدية، مقلصا ما أمكن من خروج دوريات التفتيش. إلا أن القديم أعيد إلى قدمه ابتداء من صيف 2005، بفعل تكليف ضعاف الشخصية. صحيح أنك إذا دخلت على أحدهم سيعجبك قوله ونفاقه ووفاقه و ابتسامته، ولكن الذي حدث أن قلبه وسيفه ظل مع السلطة الإدارية. فالعلم ليس مقياسا لاختيار من يقود السفينة في إقليم الرشيدية، وقليلا ما ينظر المسؤولون بالجهة إلى قيم من يرشح نفسه للقيام بمهمة ما، لأن الإقليم منفى لمن أريد تأديبه، و ملجأ لمن يهدده التوقيف و لا يحلم بالتوفيق، أو على الأقل يعين فيه من هو أقل كفاءة و اضعف أداء. إنك تعجب من أمر بعض المسؤولين في قطاع التعليم بالإقليم . فإلى حدود الأمس القريب،لا تنتهي مهمة دورية التفتيش في الميدان حتى تدخل مكتب قائد مركز كرامة لتبلغه بما قامت به من تضييق الخناق على مدير مجموعة مدارس الحوزة. و قد تدخل مكتب قيادة ايت يزدك لتبلغه بما قامت به من استفزاز لمدير مجموعة مدارس مولاي إسماعيل ، أو من محاولة ردع مقرر الميزانية في الجماعة المحلية الذي يمارس مهمة التدريس بمدرسة ولال.و أما التردد على مقر قائد أملاكو فيعد من فرائض زيارة مدارس حوض غريس. و يستغرب بعض الموظفين من أن السلطة المحلية تتابعهم في مهامهم بالوسط القروي، أعني تسلط عليهم عيون الأعوان ما داموا أعضاء في دورية للتفتيش. و هل يعني ذلك أن هناك مسؤولا ما يوظف عيون السلطة الإدارية لمراقبة لجان التفتيش؟ فإذا كان الجواب بنعم فإن كل لجنة تخرج بموافقة السلطة ومراقبتها، بطريقة مباشرة أو عن طريق الوسيط، يحق نعتها بدورية، لما لها من قوة تستمدها من السلطة الإدارية. و بالمقابل هناك من رجال المراقبة التربوية من لا ينخرط في دوريات التفتيش، و لا يركب سيارة الطويوطا ولا يحب سيارة لاندروفير، و لا يوظفه المسؤول الثاني عن النيابة لاستفزاز زيد أو عمرو ،و لا يقبل أن يوظف لإرضاء النزوات المتخلفة لدى البعض. يخرج للقيام بمهمته بإمكانياته الخاصة مستأجرا سيارة البي كاب أو البغل أو الحمار اللائق لاجتياز المجاهيل و الفيافي. أذكر أنه في آخر سنة 2004 زار الوحدة المدرسية إيمي ن تقات التي تبعد عن مركز إملشيل بمسيرة نصف يوم على ظهر بغل، و كان أول من زار هذه المدرسة منذ إحداثها سنة 2001. قضى يوما كاملا في الغدو إلى المدرسة، و يوما آخر في الرواح إلى إملشيل. و الغريب أن طائر الغراب ظل يتبعه و هو يعبر جبل أملو ن تيفيرت،أملا في افتراسه. و لا تزال الطيور الكاسرة تشكل مصدر التطير بالأطلس الكبير الشرقي،تهدد رجال التعليم الأوفياء في طريقهم إلى الوحدات المدرسية النائية. ومما يؤكد أن بالمنطقة رجالا شرفاء ، أن الغراب لم يقلق راحة الرجل المحب لعمله. و لقد صرح بالمناسبة أن تهديد الطيور الكاسرة له خير له من اللجوء إلى السلطة طلبا للمساعدة، فالسلطة الإدارية بجبال إقليم الرشيدية لا ترضى على أحد حتى ينخرط في التعامل معها وفق ما تقتضيه المقاربة الأمنية. إن قطاع التعليم، من حيث علاقته بالسلطة الإدارية، غني بالمفارقات. فهناك مدارس لم يتم فيها الدخول المدرسي إلى الآن و مدارس تم فيها الدخول جزئيا كما هو حال مدرسة التجمع القروي تانة بأعالي واد غريس، التي أضرب سكانه عن إرسال أبنائهم إلى المدرسة ابتداء من يوم 8/11/2008 ،احتجاجا على النقص في الأساتذة. لكن السلطة لم تكتب شيئا عن ذلك و لم تعنيها شكايات المواطنين. و هناك مدارس تمرد فيها الأساتذة عن الالتحاق بالفصل لخلل ما في التنظيم التربوي، مما دفع سكان لحرون بحوض غريس للخروج في مسيرة احتجاجية يوم الثلاثاء 11 نونبر 2008 . إلا أن اللجنة النيابية نزلت صباح يوم احتجاج سكان لحرون إلى مدرسة ولال بحثا عن الأستاذ المستشار الجماعي، بأمر من السلطة المحلية.
لا أحد يصدق أنه في محيط آثار معتقل تزممارت السيء الذكر ،لا يزال من يفكر في ضرب حرية التعبير بصنع سيناريوهات الأفلام لإخفاء نيته. لقد حرض رجل السلطة السكان لتحرير الشكاية ، لاتخاذها أساسا للضغط على مقرر الميزانية. و الغريب أن نيابة التعليم لا تزال ترفض تزويد مدير مجموعة مدارس مولاي إسماعيل بنسخة من التقرير الذي أنجزته، إن كانت قد أنجزته. و لا نعتقد أن اللجنة فكرت في تحرير التقرير، لأن وضع الأساتذة حسن للغاية. إن عدم إنجاز التقرير،سيحول المدرسة القروية الجبلية على مؤسسة عرفية شفهية. و أن عدم تزويد مدير مجموعة مدارس مولاي إسماعيل بالتقرير المذكور، سيحرم المؤسسة من حقها في المعرفة و سيضرب الثقة بين الرئيس والمرؤوس. و لا نريد أن نعلق على الثقة بين الأعلى و الأدنى في التراتبية. فالمحاكمة التي ملأت الدنيا وشغلت بال رجال التعليم ونسائه بإقليم الرشيدية ودفعتهم للتضامن مع الحارسة العامة المكلفة بداخلية البنات بإعدادية مولاي رشيد بمدينة الرشيدية،في وقفة احتجاجية صباح يوم 4 دجنبر 2008، تكشف أن الكل في خطر. فالأستاذة أخبرت رئيسها غير المباشر بالوضع الناتج عن الحمل المشروع لإحدى التلميذات، و الكل سمع الحدث، لكن الأستاذة اتهمت بجريمة عدم التبليغ. و نعود إلى قيادة أيت يزدك أو عفوا إلى نيابة التعليم بالرشيدية في علاقتها بملف الديمقراطية المحلية لنقول: لا ندري كيف سيكون عاقبة الأساتذة، لو لمست اللجنة بعض الخلل في مدرستي تلهمومت و ولال؟. و نريد أن ننبه بعض المسؤولين بالنيابة التعليمية بإقليم الرشيدية ، أؤلئك الذين يسمعون ويطيعون السلطة الإدارية،و يراقبون المؤسسات التعليمية بواسطة الأعوان، بالسؤال التالي: أليس من يعارض بالمجلس الجماعي، و ينخرط في ممارسة الديمقراطية المحلية مؤهلا ليقوم بواجبه في المدرسة أو المستشفى أو الحقل؟. فالمعارضة غالبا ما تتأسس على موقف. و نريد أن نوصي قيادة أيت يزدك، بأن عليها أن تصلح ذات البين بين أعضاء المجلس الجماعي لجماعة امزيزل، بدل البحث عن فرصة، الظفر بمقرر الميزانية . فعهد أساليب القنص والصيد قد ولى في معظم النقط العمرانية البعيدة عن موضع معتقل تزممارت. فما المانع من مراجعة الذات؟

#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)       Ait_-elfakih_Lahcen#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات