|
ما هو المدلول الحقيقي ((لاسرائيل العظمى)) في تصدير الاسلحة؟؟
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 769 - 2004 / 3 / 10 - 10:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ السنوات الاولى بعد النكبة الفلسطينية وقيام دولة اسرائيل قيّمنا انه اذا كانت الصهيونية العالمية ربيبة للامبريالية قبل قيام اسرائيل وظهرت على أنها حركة ايديولوجية سياسية تمثل مصالح البرجوازية اليهودية في مختلف اماكن وجود الجاليات اليهودية في البلدان الرأسمالية المتطورة في حينه، في اوروبا وكندا والولايات المتحدة الامريكية - في القرن التاسع عشر، اي في مرحلة انتقال الرأسمالية الى المرحلة الاعلى - الامبريالية بظهور وتبلور الاشكال المختلفة للاحتكارات، فانه بعد قيام اسرائيل قد حولتها الاوساط الصهيونية الحاكمة الى مخفى استراتيجي امامي في خدمة استراتيجية العدوان الامبريالي في المنطقة وعالميا ضد حركات التحرر الوطني وانظمتها التقدمية وضد الشيوعية. وكربيبة للامبريالية تخدم مصالحها وهي على استعداد للقيام بأي عمل قذر في هذا السياق مقابل الدعم الامبريالي لسياسة التوسع الاقليمي العدواني الاسرائيلي فقد لجأت حكومات اسرائيل المتعاقبة الى بلورة مكانة ودور اسرائيل في خدمة استراتيجية العدوان الامبريالي كونياً بشكل ينسجم ومتطلبات التغيرات الحاصلة على ساحة الصراع العالمي، التكيّف مع المتغيرات والمستجدات التي طرأت وتطرأ على معادلة ميزان الصراع العالمي. ففي مرحلة الاستعمار الجديد (نيوكولونياليزم) من اواسط الخمسينات الى اواخر الستينات اثر انهيار الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية وتحرر شعوب اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية سياسيا عادت الامبريالية التي طردت من الباب، لتدخل من الشبابيك الخلفية لاستعادة مواقعها في هذه البلدان المستقلة حديثا وذلك من خلال يافطة "المساعدات" الاقتصادية والمهنية والتدريبية وبواسطة الوكيل الثانوي اسرائيل وغيرها. ففي تلك السنوات وخلف قناع المساعدة الزراعية الاسرائيلية والمساعدة في تدريب الجيوش الوطنية كانت الشركات المشتركة الاسرائيلية - البريطانية والاسرائيلية- الامريكية تتغلغل في تلك البلدان وتنشط في بناء القطاع الخاص والقواعد الرجعية الموالية للامبريالية بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية.
في السبعينات من القرن الماضي وبعد هزيمة الامبريالية الامريكية وتمريغ انفها في الاوحال الفيتنامية انتقل ثقل اهتمام الادارة الامريكية واحتكاراتها الى منطقة الشرق الاوسط الهامة استراتيجيا بموقعها المتاخم للحدود السوفييتية وبثروتها النفطية وذلك في مرحلة "الحرب الباردة". ولتعزيز دور الامبريالية الامريكية المباشر والمؤثر في هذه المنطقة وضعت الشرق الاوسط، وبالاساس حلفاء امريكا - اسرائيل وتركيا - على رأس سلم اولويات "المساعدة" الخارجية الامريكية، اذ ارتفعت حصة اسرائيل من 2% في الستينات الى 25% من مجمل المساعدة الخارجية الامريكية وتحولت تدريجيا كل المساعدة الى هبة بعد ان كان 50% منها قروضاً تسليفية مع فائدة مصرفية. وقد مكنت هذه المساعدة المالية والعسكرية اسرائيل من بناء مجمع عسكري صناعي بمشاركة احتكارات المجمع الصناعي العسكري الامريكي استطاع في اواخر السبعينات ان يهيمن تقريبا على الاقتصاد الاسرائيلي، إذ بلغت حصته من مجمل التصدير اكثر من 40% وحصته من الانتاج القومي المحلي بين 35 - 40% ويشغل اكثر من 15% من القوى العاملة الاسرائيلية. كما اسهمت هذه "المساعدة" في تطوير البحث العلمي التكنولوجي العسكري في المعاهد الاسرائيلية، في "التخنيون" ومعهد وايزمن وغيرهما. واصبحت اسرائيل في تلك المرحلة من الدول السبع الاولى عالميا من حيث قيمة تصدير الاسلحة، اذ بلغت بالمعدل سنويا في اواسط السبعينات وحتى آخرها بين 1.2 مليار دولار الى (2) مليار دولار.
وتدريجيا وحتى اواسط الثمانينات من القرن الماضي، وبالتحديد بعد توقيع التحالف الاستراتيجي مع واشنطن في العام 1985 بضم اسرائيل في برنامج "حرب النجوم" الامريكي -البرنامج الاستراتيجي- ضعفت مكانة المجمع العسكري الصناعي الاسرائيلي وواجهت الصناعات العسكرية الاسرائيلية ازمة خانقة وزادت تبعية الانتاج العسكري الاسرائيلي للاحتكارات الصناعية العسكرية الامريكية، واصبحت معظمها، خاصة الصناعات التقنية الحديثة (الهايتك) تابعة او وكيلا ثانويا للصناعات الامريكية الاحتكارية المرتبطة بالثورة العلمية التقنية الحديثة، تختص بتطوير اسلحة جديدة بعضها ينتج في امريكا وبعضها في اسرائيل مثل الطائرة النفاثة "فلكون".
بتغير ميزان قوى الصراع عالميا وفي منطقة الشرق الاوسط بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط الانظمة الاشتراكية في اوروبا الشرقية وضرب العراق عسكريا واقتصاديا ازدادت شهية القطب الواحد الامريكي للهيمنة عالميا واقامة نظام عالمي جديد بزعامتها يخدم مصالحها ومصالح احتكاراتها عابرة القارات ومتعددة الجنسية. وعملت على ان يتكيف حليفها الاستراتيجي الاسرائيلي مع التغيرات الجديدة وبشكل يستطيع معه الحفاظ على موقعه ومواصلة دوره الناجع في خدمة الاستراتيجية العدوانية الامريكية كونيا وفي الشرق الاوسط. وهذا ما يعكسه التناقض الصارخ على ساحة التطور في اسرائيل خلال العقد الاخير. فخلال العشر سنوات الاخيرة كانت الظاهرة البارزة والمزمنة تبدو في التدهور التدريجي سنويا في مجال التنمية الاقتصادية المدنية، الانخفاض سنويا في وتيرة النمو الاقتصادي وزيادة حدة ازمة الركود الاقتصادي الى درجة انه في السنوات الثلاث الاخيرة انخفضت وتيرة النمو الاقتصادي الى واحد في المئة فقط مع بطالة ارتفعت الى نسبة حوالي 11% وفقا للمعطيات الرسمية. ومع هذا التدهور الذي لم يكن مثيله منذ قيام اسرائيل وخلال سنوات تطورها الا في السنوات الاولى من الخمسينات، فإن الفرع الوحيد الذي لم تطله انياب الازمة وانتعش بشكل بارز كان تصدير الاسلحة الى الخارج. فإسرائيل بطاقتها الاقتصادية المحدودة وبأزمة ركودها الاقتصادي المزمن تعتبر من البلدان الخمسة الاوائل في مجال تصدير الاسلحة الى الخارج. فكيف يمكن تفسير هذا التناقض؟ لا يحتاج الامر الى مشقة كبيرة للكشف عن جوهر ومدلول هذا التناقض؟ فلا احد ينكر انه تطور في اسرائيل مستوى عال في المجال العلمي التكنولوجي العسكري بفضل التمويل الامريكي والمساعدات الامريكية، الامر الذي جعل من اسرائيل شريكا ناجعا لاحتكارات صناعة السلاح الامريكية يطوران معاً مختلف اسلحة التدمير العسكرية من طائرات ودبابات وغيرها لخدمة العدوان الاسرائيلي ولخدمة استراتيجية عولمة الارهاب التي تنتهجها الادارة الامريكية كونياً. فعملياً تقوم اسرائيل الرسمية بدور رسول العولمة الامريكية الى العديد من اماكن وبؤر التوتر في مختلف مناطق عالمنا. فبعد انهيار المعسكر الاشتراكي سارعت الادارة الامريكية الى عقد ما يشبه الحلف العسكري والتحالف الاستراتيجي العسكري بين اسرائيل وتركيا، حيث تقوم اسرائيل بتحديث الدبابات التركية بمئات ملايين الدولارات ويجري التعاون العسكري بين الجيشين في مختلف المجالات من المناورات المشتركة الى الطلعات الجوية المشتركة قريبا من سوريا وغيرها. وتقوم اسرائيل بتزويد الهند بالاسلحة المختلفة والمساعدة حتى تطوير طاقة الهند النووية. ومؤخرا جرى توقيع صفقة عسكرية مع الهند تزود اسرائيل الهند بموجبها ثلاث طائرات "فلكون" ذات المحرك الامريكي بمبلغ قدره حوالي مليار ومائتي مليون دولار. هذه الطائرات التي رفضت الادارة الامريكية ان تزودها اسرائيل للصين، الامر الذي يعكس حقيقة ان تصدير السلاح الاسرائيلي الى الخارج تحدد عناوينه وفقا للاستراتيجية والهيمنة والعولمة الامريكية. ولا نستبعد انه بعد تزويد الهند بالاسلحة الاسرائيلية - الامريكية الصنع ان تزود باكستان بنفس الاسلحة، فتحالف الشر الامريكي - الاسرائيلي معني بعدم اخماد انفاس بؤرة التوتر الهندية - الباكستانية، وهو معني بتدجين النظامين امريكياً، خاصة بعد تدجين النظام في افغانستان وذلك بهدف بلورة تحالف في جنوب شرق اسيا يهدد الصين ويكون بمثابة مكبس ضغط على نظامها تستخدمه ادارة عولمة الارهاب الامريكية في "الوقت المناسب".
لقد بلغت العقود العسكرية لتصدير الاسلحة الاسرائيلية في العام 2003 الماضي حوالي ثلاثة مليارات دولار، ومن المنتظر ان تصل في هذا العام الى اربعة مليارات دولار. وهذا "الازدهار" والزيادة الكبيرة في قيمة التصدير الاسرائيلي للاسلحة الى الخارج ليس دالة عافية اقتصادية بل مؤشراً يعكس مدى تبعية اسرائيل الرسمية في خدمة مخطط الهيمنة والعولمة الاستراتيجي العدواني الامريكي كونيا.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمن واستقرار العراق يستدعيان وأد محاولات الفتنة وجلاء قوات ا
...
-
الخزيُ والعار للمجرمين قتلة المناضل خليل زبن
-
من ((جنين - جنين)) الى ((البعنة - البعنة))
-
لمواجهة أنياب الفاشية العنصرية المفترسة
-
هل ينجح تحالف قوى العدوان الاسرائيلي - الصهيوني - الامريكي ب
...
-
أي مخطّط تآمري ينسجه الوفد الامريكي مع حكومة شارون!
-
لِتُقرّ الكنيست اليوم موقف الاهالي بفك الدمج الكارثي
-
هل تنفجر في اسرائيل هبّة الفقراء والجياع؟
-
هل تستطيع لجان التحقيق طمس الأهداف الاستراتيجية الاساسية للح
...
-
ماذا وراء ((قنبلة)) شارون السياسة بتوصية وفرضية اخلاء المستو
...
-
السلطات المحلية وموظفوها السياسة الحكومية الاسرائيلية الاقتص
...
-
يخدم مصلحة من الاعتداء على الحزب الشيوعي العراقي؟
-
في الذكرى الثمانين لوفاته ويبقى لينين واللينينية منارة ارشاد
...
-
حكومة يمينية هذا منهجها ونهجها لا تقود الاّ الى الكوارث
-
لمواجهة تحدّيات استراتيجية الهيمنة العدوانية:التنسيق الكفاحي
...
-
بالتفاؤل الواعي نخطو لاجتياز عتبة العام الجديد
-
رفض ضباط احتياط من الوحدة المختارة في القيادة العامة للجيش ا
...
-
في مؤتمر هرتسليا: نتنياهو سكت دهرًا ونطق كفرًا بطرحه المعادل
...
-
حوار أخوي مع شيوعي عراقي حول الاوضاع المعقّدة والمتفجّرة في
...
-
حين يتكلم بوش عن الديمقراطية!!
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|