|
في الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: حركة حقوق الإنسان في عالم اليوم من هموم الواقع نحو فضاء الأمل
ناصر السماوي
الحوار المتمدن-العدد: 2499 - 2008 / 12 / 18 - 07:27
المحور:
حقوق الانسان
إن منظومة حقوق الإنسان - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 ديسمبر 1948 والمواثيق والعهود الدولية اللاحقة ، وشبكة المنظمات الدولية ذات العلاقة – كحركة عالمية نشأت وتطورت في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، وكثقافة اجتماعية أخذت تتعزز بفعل الاهتمام المتزايد الذي اكتسبته من خلال الدفاع المتنامي قوة واتساعاً عن مبادئها وقيمها وأهدافها ضد مختلف مصادر انتهاكها أو تغييبها من قبل أفراد أو جماعات أو أنظمة سياسية وحكومات ودول لا تزال تتحدث عن الحرية والديمقراطية والعدالة.
وقد دفع ذلك الوعي المتنامي ولا يزال المزيد من الجماهير والمنظمات نحو تعزيز وتوسيع جبهة الالتزام بحقوق الإنسان والدفاع عنها في مختلف بقاع الأرض . ولعبت هيئات الأمم المتحدة المختلفة والمنظات الدولية التي تأسست للدفاع عن حقوق الإنسان في العديد من دول العالم دوراُ هاماً في نشر ثقافة حقوق الإنسان ، وتوسيع قاعدة المفاهيم والمجالات المنظوية تحتها ، وناضلت من أجل الدفاع عنها وإثارة انتباه الرأي العام العالمي للإنتهاكات التي تعرضت لها في مختلف بقاع الأرض وفضحت دور الكثير من الدول والأحزاب والقوى السياسية المعادي لحقوق الإنسان بمختلف أشكالها ومستوياتها. كما فضحت هذه المنظمات استغلال مباديء حقوق الإنسان من قبل بعض الدول للتدخل في شؤون دول أخرى أو لشن عدوان عليها بمختلف الوسائل ، في الوقت الذي لا تحترم فيه هذه المبادئ في بلدانها ذاتها ومع شعوبها.
وبما أن قضية حقوق الإنسان قد اكتسبت عالميتها بسبب تزايد الوعي العام لدى الشعوب ومنظماتها المدنية بأهمية دورها في حياة مجتمعاتها فإن ذلك يقود للإستنتاج أيضاً عن وجود علاقة جدلية وثيقة بين قضايا التحرر الوطني لشعوب ما زالت تطمح لبناء مجتمعات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبين قضايا الدفاع عن الحقوق العامة الفردية والجماعية والوطنية أي الدفاع عن منظومة (شرعة) حقوق الإنسان بشكل عام . وقد أصبحت قضية حقوق الإنسان مقياساً لمصداقية وجدية الأفكار والشعارات التي ترفعها هذه المجموعة أو الدولة أو تلك ، وذلك من خلال مستوى الإلتزام الواقعي والتطبيق العملي لهذه الشعارات وألأفكار.
كما أن مفهوم حقوق الإنسان وبسبب من تزايد الاهتمام به على النطاق العالمي وتوسيع محتواه وشموليته أصبح يدخل ضمن دساتير عدد يتزايد باستمرار من دول العالم ، وكذلك يجد طريقه إلى وثائقها المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية ، وليعبر بشكل متنامي عن شمول كافة شرائح المجتمعات ومكوناتها الدينية والإثنية في الإطار العام لقضايا ومباديء حقوق الإنسان. كما أن الكثير من القضايا والمشاكل المعاصرة والحساسة والمستجدة التي تواجه الإنسان في بيئته المحلية أو في محيطه الجغرافي والكوني وتثير قلقاً مشروعاً على مستقبله وعلى مستقبل الكوكب الذي نعيش عليه، أصبح ينظر لها من زاوية حقوق الإنسان ، لأن من حق الإنسان الطبيعي أن يضمن استمرار حياته ووجوده وعيشه الكريم على هذا الكوكب.
وتعرضت قضية حقوق الإنسان في العقود الأخيرة من القرن الماضي ولحد الآن لظاهرة إزدواجية المعايير في العلاقات السياسية الدولية بين الغرب وعدد غير قليل من بلدان العالم الثالث / النامي الذي يرتبط معه بعلاقات وثيقة اقتصادية وسياسية أو أحلاف عسكرية . إن الغالبية العظمى من الدول الغربية تمارس هذه السياسة ، فتغض الطرف أو تصمت على انتهاكات حقوق الإنسان من قبل تلك الأنظمة الدكتاتورية أو الشمولية *1 ، بينما تتصرف على الضد تماماً مع دول أخرى فتعبئ سياستها وإعلامها بمناسبة أو غير مناسبة لفضح انتهاكات حقوق الإنسان في تلك الدول بشكل متواصل وتستخدمها للضغط السياسي والإعلامي في مجالات ومناسبات عديدة كالرياضة والتبادل الثقافي وغيرها *2 . كما أن هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية تسبب في انتكاسة خطيرة لحقوق الإنسان بسبب ردود الفعل في الولايات المتحدة والدول الغربية في محاربة قوى الإرهاب الذي تمثل في إصدار العديد من القوانين الإستثنائية الاستباقية الخاصة باعتقال المشبوهين واستجوابهم وتعذيبهم ونقلهم من بلد لآخر أو اعتقالهم دون محاكمة لفترات غير محدودة ودون أدنى حق في الدفاع عن النفس بصورة قانونية سليمة , إضافة إلى تشديد قوانين الرقابة على الاتصالات بحيث امتدت حمى الهواجس الأمنية وإجراءاتها المنافية لحقوق الإنسان إلى أغلب دول العالم ، ثم تصاعدت ردود الأفعال لتؤدي في النهاية إلى التدخل في الشؤون الداخلية لبلدان عديدة أو غزو واحتلال البعض منها كما حدث في العراق وفلسطين وأفغانستان والتي استخدمت فيها القوة العسكرية والأمنية ضد المدنيين وأساليب الاعتقال والتعذيب الرهيبة القاسية في السجون والمعتقلات وبصورة منهجية دون أدنى مراعاة لحقوق الإنسان أو لأية قوانين وأعراف دولية حول مسؤولية قوى الاحتلال عن وضع السكان تحت الاحتلال *3 . كما نتج عن هذه السياسات أضراراً شديدة جداً وطويلة الأمد أصابت ملايين البشر ولوثت البيئة في أنحاء عديدة من العالم نتيجة لاستخدام الأسلحة المحرمة دولياً مثل الألغام وألأسلحة الكيمياوية وقذائف اليورانيوم المنضب وغيرها وتسببت في موت وتشوه مرعب لمئات الآلاف من الأطفال حديثي الولادة والكبار وظهور أنواع جديدة من الأمراض السرطانية بسبب تلوث البيئة من هواء ومياه وتربة ومزروعات وحيوانات بحيث اختفت أبسط مستلزمات الحياة الطبيعية الصالحة للإنسان والحيوان والنبات في تلك البيئات الملوثة لآجيال وأجيال قادمة ما لم يتم وضع برامج معالجة فعالة وسريعة تزيل أسباب التلوث وتكافح أثارها على البشر والبيئة. إن مثل هذه السياسات ذات النتائج المدمرة تمثل انتهاكاَ خطيراً لحق الإنسان في الحياة على هذه الكوكب في بيئة صحية نظيفة خالية من أسباب ومصادر التلوث بكل أشكاله.
ثانياً : حقوق الإنسان و الهجرة واللجوء
إن مفهوم حقوق الإنسان ومفرداته والقوانين المتعلقة به والوثائق والعهود الدولية المتزايدة المرتبطة بكل تفاصيل االتجاوزات والانتهاكات الموجهة ضدها والنشاط البارز للعديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية الرصينة قد أصبح من القوة بحيث لا يمكن تمرير التطبيق الانتقائي لبعض مفردات حقوق الإنسان دون الأخرى في هذا البلد أو ذاك ، كمل لا يمكن قبول تجزئة هذه الحقوق او التمييز فيها او في تطبيقها ليس بسبب الجنس أو اللون أو العقيدة او المهنة ، بل يمكننا أن نضيف سبباً آخر أخذ يتزايد باستمرار ويفرض نفسه بقوة خلال العقود الأخيرة من منتصف القرن الماضي ولحد الأن ، ألا وهو ضرورة عدم التمييز في تطبيق حقوق الإنسان بسبب الانتقال (من بلد متخلف – من بلدان العالم النامي / الثالث - إلى بلد متقدم أوروبي، أميركي، أسترالي، كندي .. إلخ ) . وأقصد هنا بأن حقوق الإنسان تتعرض في الكثير من بلدان العالم إلى انتهاكات خطيرة تدفع الأفراد أو الجماعات للهجرة إلى أماكن أو بلدان أكثر أمناً أو احتراماً لحقوق الإنسان ، ولكن هل يلقى المهاجرون أو اللاجئون في بلدان الهجرة والاغتراب معاملة تنسجم مع مباديء وقيم ومفاهيم حقوق الإنسان التي تؤمن بها هذه الدول نفسها ؟
ولنأخذ الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا وكندا كمثال ، هل يجد اللاجئون أو المهجرون منذ ان تطأ أقدامهم أرض الوطن الجديد – البديل / الملجأ الجديد تعاملاُ إنسانياً من قبل سلطات تلك الدول تنسجم مع حقوق الإنسان التي تطبقها على مواطنيها ؟ أم يعاملون على انهم متهمون / مجرمون / منتهكون لحرمة الحدود / ... ثم يلقى بهم في السجون أوالمعتقلات أو مراكز تجميع تفتقد في أغلبها إلى أبسط شروط ومقومات المحافظة على كرامة الإنسان وحقوقه بانتظار أن تجرى معهم التحقيقات وجمع البيانات والمعلومات ؟ وهل تتم هذه التحقيقات بحضور ممثلي منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ؟ . ويمكن الاستمرار بطرح أسئلة أخرى في هذا الاتجاه، وتأتي الإجابات والوقائع من مختلف المصادر – منظمة العفو الدولية التابعة للأمم المتحدة ، منظمات حقوق إنسان الدولية والمحلية ، منظمات خيرية ، صحافة ، إعلام رسمي أو حر ..إلخ – من مختلف الدول ومن مختلف المناطق داخل الدولة الواحدة تؤكد على التباين الشديد بين مستويات المعاملة التي يلقاها اللاجئون والمهجرون في هذه البلدان ، هذا التباين يتراوح بين سيئ جداً وجيد جداً. إن الدول المضيفة المذكورة آنفاً قد أنجزت خطوات كبيرة في التنسيق والعمل المشترك والمواقف المنسجمة في قضايا سياسية واقتصادية ومالية وثقافية في إطار الاتحاد الأوروبي أو مجموعة الدول السبع الكبار ، إضافة لذلك تعترف جميعهاً بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وهذا يقودنا إلى التساؤل المشروع التالي: لماذا لا توضع أليات تضمن مستوىً موحداً أو متقارباً من احترام حقوق الإنسان المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين ؟ وكيف يمكن وضع وسائل فعالة تمنع االتفاوت الهائل في التعاطي مع حقوق الإنسان اللاجيء / المهاجر / المغترب / في تلك الدول التي تعترف بنفس المعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ لماذا لا يقوم الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال / أو منظمات أو مؤسسات حقوق الإنسان فيها / بتبني سياسة واضحة تعترف بكونها بلدان هجرة – لأسباب إنسانية واقتصادية وبعضها أيضاً لحاجتها الديموغرافية الداخلية – وأيضاً بكونها بلدان لجوء لأسباب سياسية.
لقد ساهمت العديد من الدول الغربية - من خلال الدعم المتنوع لأنظمة سياسية دكتاتورية أو شمولية لا تحترم حقوق الإنسان ولا حريته وكرامته وحقه في التعبير والمعارضة السياسية السلمية - على تنامي ظاهرة اللجوء والهجرة لعدد لا يزال يتزايد باستمرار من البشر ، الذين هم في الواقع ليسوا ضحايا أنظمتهم السياسية فقط بل هم أيضاً ضحايا سياسات الدول التي تقدم الدعم والمساندة لهذه الأنظمة وتطيل عمر بقاءها في السلطة وتطيل عمر انتهاكات حقوق الإنسان فيها. ومن سخرية الواقع أن تلجأ الضحية االهاربة من جلادها إلى البلد الذي لا يزال يمد في عمر النظام والجلاد نفسه. إن ما تقدم يفرض علينا أن نؤكد ما يلي : 1- ضرورة رفض منهج ازدواجية معايير استخدام حقوق الإنسان بعيداً عن الأهداف التي تأسست عليها. 2- ضرورة عدم ربط الدفاع عن حقوق الإنسان بالموقف من الأنظمة السياسية التي تنتهك حقوق الإنسان. 3- ضرورة وضع برامج عملية دولية محايدة لمراقبة ومتابعة وضع حقوق الإنسان في الدول التي لا تعترف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولا تسمح بحرية التعبير والتنظيم المدني.
إننا نطمح إلى أن تتعزز قدرات القوى والمنظمات والمؤسسات المدافعة عن حقوق الإنسان من خلال ما يلي : 1- توسيع مجال نشر مباديء ومواثيق وثقافة حقوق الإنسان لتشمل المناهج الدراسية في جميع المراحل ومراكز العمل والانتاج في كافة الدول والمناطق. 2- استخدام مختلف وسائل الإعلام لوضع برامج اجتماعية تثقيفية تربوية جذابة في مجال حقوق الإنسان. 3- دعم المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان مادياً بهدف تطوير برامجها وقدراتها المهنية والفنية. 4- توسيع التعاون والتنسيق والعمل المشترك بين المنظمات المحلية والإقليمية والدولية الناشطة في مجال حقوق الإنسان من خلال إنشاء ورش عمل ميدانية محلية وإقليمية لمعالجة القضايا الملحة مثل العنف ضد المراة وحماية الأمومة والطفولة والحق في الرعاية الصحية والتعليم المجاني وفي الضمان الاجتماعي لكبار السن أو ذوي الاحتياجات الخاصة وحماية الأقليات الدينية والعرقية وحماية البيئة وإزالة الألغام وحماية المدنيين في ظروف الحرب والصراعات المسلحة والكوارث الطبيعية. 5- إصدار تقارير ونشرات دورية إحصائية علمية موثقة عن رصد ومتابعة انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف المجالات. 6- توسيع العمل الدعائي والإعلامي الهادف إلى جذب المزيد من الجماهير ومن مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية للإنخراط في مسؤولية حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها الوسائل السلمية.
ثالثاً : حقوق الإنسان وعملية الإندماج إن المنظمات والإفراد العاملين في قضايا حقوق الإنسان وقضايا الإندماج غالباً ما يواجهون المشاكل المختلفة التي تظهر في مرحلة ما بعد استقبال اللاجئين والمهاجرين والاعتراف بهم وقبولهم ، ونقصد بها مرحلة الاندماج في أو مع المجتمع الجديد المضيف ، حيث يصبح من حقهم التمتع بما يتوفر في المجتمع الجديد من قوانين وتقاليد سياسية وثقافية واجتماعية تلعب فيها مفاهيم وقيم حقوق الإنسان ومنظمات ومؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان أدواراً أساسية في حياة الناس والمجتمع . كما أن هذه الدول أخذت ومنذ فترة ولأسباب معروفة – ليس موضعها هذه المقالة - بالحديث عن عملية اندماج المهاجرين واللاجئين من خلال وضع برامج وقواعد وضوابط لتسهيل عملية اندماجهم والتي في غالبيتها العظمى تتم بصورة فوقية – من طرف الدولة المضيفة فقط - لا يساهم فيها المهاجرون أو اللاجئون أو منظماتهم المدنية التي ينشطون ويعملون من خلالها من أجل المحافظة على هويتهم الثقافية وارتباطهم بالوطن الأم .
إن ذلك يدفعنا للتساؤل : هل يمكن وضع عملية الإندماج في إطار مفاهيم ومباديء المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ هل يمكن وضع أسس جديدة وآليات عمل مدني تؤدي إلى ترسيخ عملية اندماج تنطلق من مباديء حقوق الإنسان ؟ هل يمكن وضع أسس لعملية اندماج تستجيب لحاجة : 1- البلد المضيف : في الحفاظ على أمنه الإجتماعي وخصوصيته الثقافية وقوانينه السائدة وتقاليده العامة؟ 2- المهاجر/اللاجيء : في الحفاظ على هويته الثقافية وخصوصيته وتقاليده الإجتماعية مع احترام القوانين العامة والتقاليد الاجتماعية وثقافة البلد المضيف؟
وعلى الصعيد العملي يمكن أن نسأل: هل أن عملية الاندماج التي تمارس في البلدان المضيفة تم وفق مفاهيم وقيم ومواثيق حقوق الإنسان العامة في هذه الدولة أو تلك ؟ وهل تستجيب لمطالب وحاجات المهاجرين واللاجئين ذات الخصوصية الثقافية والاجتماعية والدينية والتي تنحى للمحافظة على الهوية الوطنية الأم وتصارع الذوبان والاضمحلال في الوطن الجديد ، وخاصة أجيالها التالية؟
إن هذه الأسئلة المشروعة تهدف إلى تطوير وترسيخ عملية الإندماج من جهة , وتعزيزها وإعطاءها بعداً جديداً ينطلق من مبادئ ومواثيق حقوق الإنسان من جهة أخرى ، كما تستجيب في نفس الوقت لحاجة إنسانية شكلت ظاهرة عالمية منذ عدة عقود من السنين ، أفرزت تراكمات واستجابات متباينة في مجتمعات الغربة أملتها ضرورة الدفاع عن ثقافة وهوية ومكتسبات اقتصادية واجتماعية وأمنية للبلد المضيف أمام الثقافة والعادات والتقاليد الوافدة وذلك بعد أن أصبح القبول بالوافد أمراً واقعاً قدم الأسس لظهور الحاجة لعملية الاندماج بشكلها الحالي والتي اختلفت في مضمونها وتوجهاتها وتطبيقاتها بين هذا البلد المضيف أو ذاك بسبب اختلاف الضروف والرؤية والفلسفة العامة للمجتمع والدولة للأهداف المرسومة لعملية الإندماج .
إن أسئلتنا حول قضيتي حقوق الإنسان والاندماج تنحو نحو اكتشاف العلاقة الجدلية بينهما ، هذه العلاقة التي ندرك من وجهة نظرنا أنها موجودة ولكنها بحاجة لمزيد من البحث والعمل لاكتشاف الأرضية المشتركة التي تجمعهما ومن ثم وضع أسس بناءها وأهدافها وآليات عملها وهي إمكانية نراها قابلة للتحقيق بصورة واضحة وقوية ، ومن ثم نبحث من خلال هذه العلاقة عن ركائز جديدة تفرض التعامل مع قضية اندماج الوافدين / اللاجئين/ المهاجرين من خلال مباديء وقيم حقوق الإنسان في كافة البلدان المضيفة مما يدفع باتجاه مستوى أرقى ومن نوع جديد للتعامل مع قضية الاندماج تؤدي في حالة الاقتناع بها وتبنيها إلى واقع أفضل وعلاقات تعايش سلمي أكثر انسجاماً ورسوخاً وتفاعلاً حضارياً بناءً بين طرفي العلاقة – البلد المضيف والوافد / المهاجر/ اللاجيء - .
وتبرز في مقدمة شروط اكتشاف العلاقة الجدلية بين حقوق الإنسان والاندماج وجود تعريف أو توصيف محدد لكلا المصطلحين في نفس الوقت ، وهو ما يتوفر لمصطلح حقوق الإنسان ، بينما نراه غير متوفر لمصطلح الاندماج على الأقل لدى الجانب الوافد بشكل عام ولدى جالية الدول العربية بشكل خاص . فلا زلنا لحد الآن – كجالية دول عربية – بحاجة إلى تعريف أو توصيف مصطلح / مفهوم الاندماج بشكل علمي ونميزه عن مفهوم الانصهار. وهذا الأمر مهم للغاية لكي نعرف عن ماذا نتحدث أو ماذا نريد بالضبط . فمن خلال تجربتي الشخصية المتواضعة ومتابعتي لكتابات ومقالات كثيرة جداً ومشاركتي في فعاليات عديدة تضمنت عناوين كثيرة كان محورها الأساسي أو الفرعي أو قاسمها المشترك قضية الاندماج تبين لي أن الغالبية العظمى من الأفكار والمقالات وحتى مضمون وتوجه الفعاليات والنشاطات يتباين بشدة في فهم موضوعة الاندماج أو التعبير عنها أو ترجمتها إلى فعل أو نشاط اجتماعي حقيقي يتسم بوضوح الأهداف المرحلية والبعيدة وعمق التأثير في الواقع فضلاً عن تغييره بشكل ملموس . ويمكنني القول – وأرجو أن أكون مخطئاً – باننا استقبلنا مفهوم الاندماج من المصدر الذي أطلقه ، وهو مصدر معلوم لنا جميعاً - وقد وضع له تعريفه الخاص وفلسفته الخاصة وآليات تطبيقه وأهدافه دون مشاركة تذكر منا في وضع أي منها ، واندفعت مجموعات منا – منظمات وأفراد – للإنخراط في مسيرتها أو فعالياتها والتعامل معها دون تأسيس أرضية معرفية تفاعلية خاصة بنا تقود إلى صياغة موضوعية للمنطلقات والأهداف التي ننشدها جميعاً وفق الإمكانات والعناصرالمتوفرة لدينا. إن الواقع الذي لا زلنا نعيش فيه اليوم يؤكد على حقيقة أن مفاهيم وقوانين وبرامج وفعاليات الاندماج التي تقودها منفردة مؤسسات البلد المضيف ألمانيا – على سبيل المثال - لم تؤدي إلى وضع أسس لعملية اندماج سليمة فضلاً عن نتائج ذات قيمة فعلية ومؤثرة لحد الآن رغم توفير دعم مالي وفني كبير جداً تم ضخه في برامج ونشاطات وفعاليات تميز قسم كبير منها بعدم توفر الحد الأدنى من الجدية أو الفاعلية . وفي تقرير لإحدى المؤسسات الإعلامية البرلينية المعروفة فإن ((برامج الإندماج السيء كلفت الخزينة الألمانية 1.6 مليار يورو لعام 2007))
إن المهتمين بقضايا حقوق الإنسان من جهة ، والعاملين الناشطين في شؤون الاندماج في ألمانيا من جهة أخرى ، مدعوون لتعميق هذه الموضوعة وإغناءها بالحوار والنقاش وتبادل الأفكار بين ممثلي جاليات مختلف دول العالم ومنها جاليات الدول العربية من جهة وبينها وبين ممثلي مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني الألماني والمؤسسات الرسمية الألمانية ذات العلاقة بحقوق الإنسان والاندماج والهجرة والمهاجرين إضافة للشخصيات والمؤسسات الثقافية والإعلامية المحلية.
*1 على سبيل المثال لا الحصر : الدول العربية وإسرائيل وإيران . *2 على سبيل المثال لا الحصر : مع بلدان الكتلة الشرقية سابقا والصين والهند وباكستانً وأغلب دول أمريكا اللاتينية في الوقت الحاضر. * 3 كما هو الحال في سجن غوانتانامو الأمريكي في كوبا ، وأيضاً سجن أبي غريب في العراق.
#ناصر_السماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاندماج بين النظرية الغائبة والتطبيق الانتقائي
-
المسرح العراقي بيضة الأفعى تحت جسر بغداد برلين مشروع ثقافي م
...
المزيد.....
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
-
بعد مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.. سيناتور جمهوري يوجه تحذي
...
-
قادة من العالم يؤيدون قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الا
...
-
معظم الدول تؤيد قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الاحتلال
...
-
اتحاد جاليات فلسطين بأوروبا يرحب بمذكرتي اعتقال نتنياهو وغال
...
-
الأمم المتحدة: نتائج التعداد بيانات عامة دون المساس بالخصوصي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي ينهي الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
من هم القادة الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|