مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 768 - 2004 / 3 / 9 - 08:40
المحور:
القضية الكردية
في بلدتنا الصغيرة كان هناك رجل فقير الحال يعمل على إعالة أولاده بالعمل بائع متجول على حمار أو على عربة صغيره يجرها ذات الحمار , هذا الرجل عاد إلى البلدة يوم 11/3/1970 , بعد تجوال طويل في القرى المحيطة , استقبله جيرانه واخبروه بان صدام أعطى البارزاني حكما ذاتيا ؟ انبهر الرجل – وهو غير المهتم بالسياسة وتوابعها - وتوقف لحظة ثم صرخ بصوت عال " ما اقبل " واكمل باللهجة العامية " يابا هو شاور منو , قال لمنو ؟ " ؟ .
لم اكن أريد الرد أو مناقشة ما طرحه الأستاذ ميشيل كيلو في مقالته المعنونة بـ " أخطاء عبثية " لولا أمران اثنان :
الأول : التساؤل الذي أنهى به مقالته تلك والذي أوضح فيه استغرابه من سكوت الأكراد على المطلب الفيدرالي "" ليس معقولا أن لا يستنكر الأكراد في العراق والبلدان المجاورة مطالب الفيدرالية الجغرافية / العرقية ويروا فيها مطالب عبثية تهدد ما تعترف به مختلف الإطراف لهم به من حقوق ديمقراطية وثقافية , ومن حق في المواطنة "" .
الثاني : رده الذي نشر في نشرة " كلنا شركاء " وتضمن سلوكا ونعوتا شاذة تجاه منتقديه وخاصة تجاه الشاعر الكوردي إبراهيم اليوسف .
الدعوة المفتوحة والأسلوب النـزق في الرد حافزان لمناقشة الصديق ميشيل كيلو والصداقة هنا لا تمنع الاختلاف وإنما " تولد المعنى " خاصة وأنني من أكراد الجوار الذين طلب منهم الأستاذ ميشيل استنكار المطالب الفيدرالية لأبناء جلدتهم في كردستان – العراق , وأخمن بان التباين فيما طرح من أفكار وأراء ومناقشتها أو قراءتها قراءة مغايرة , لن يخرج الأستاذ ميشيل عن طوره أو يجعله يفقد أعصابه كما في الحالة التي أشرت إليها سابقاً .
حقيقة يتوجب علي البدء بها , وهي أننا أبناء الشعب الكردي تعودنا الرؤى النافرة والمُدينة لوجودنا الإنساني أو مطالبنا القومية والديمقراطية , وهذه الرؤى النافرة لم تعد تثير فينا سوى الشفقة على أصحابها , أن لجهة إنسانيتهم الضائعة أو لجهة رؤاهم الضحلة وازدواجية معاييرهم .
أن الاستجابة لمطلب الأستاذ ميشيل ضرورة ملحة , ليس لاستنكار الفيدرالية الكوردية , وإنما لتأكيدها واعتبارها شأن كوردي عراقي , منطقيا وعقلانيا وعلميا , الشعب الكوردي في كوردستان – العراق هو المعني الأول والأخير بها , كنمط والية للتعايش والاتحاد مع الآخر , وعلى عكس ما يبتغيه الأستاذ ميشيل أود قراءة خلفية ما طرح من رأي ودلالات الطرح وما يخفيه من حقائق نافية للوجود الكوردي على الرغم من محاولة تقنيع الكلمة وترميزها , ولأبدأ من الاستشهاد المدون أعلاه وهو خاتمة مقالة الأستاذ ميشيل , ولنمعن معا في الكلمة الأولى " ليس معقولا .. "
واللامعقولية هنا تعني الرفض , وعندما يوسم الشيء بلامعقوليته , يرفض ويدان وتستفز الحالة المواجهة له , بمعنى هو دعوة تحريضية لإعداد العدة تجاه الحالة المرفوضة والتخلي عن الصمت تجاهها , كمثال , عندما نتفق على لا معقولية الواقع السوري الراهن بما فيه من معطيات , فنحن نرفض الواقع ونحاول عقلنته وتصحيح الخلل الذي فيه , ووضعه على مساره السليم .
استغراب الأستاذ ميشيل في جملته المكتوبة أعلاه , يتضمن منحيين , الأول عدم إدانة الأكراد في العراق لمطلب الفيدرالية , الذي هو اقل بكثير من حقهم الطبيعي , يعني أن الاستغراب يتكىء على عدم إدانة الأكراد في العراق لمطلب الأكراد في العراق , وبالتالي إدانة الذات وإنكار الوجود , هذا ما يبتغيه الأستاذ ميشيل , أم انه يعتقد بان الفيدرالية هي مطلب القيادات السياسية , ويُجب على باقي فئات الشعب الكوردي أن يستنكر ويدين قياداته , وفي هذه الحالة أيضا يتضمن نصه غمزا وتحريضا غير مبرر ضد تلك القيادات , أعود لأقول أن ثنائية الإدانة والتحريض اللتين ضمنهما الأستاذ ميشيل في نصه أعلاه , على اعتبار أن ما يريده يستند إلى مرجعية فريدة في امتلاك الحق والصحة , وبالتالي ينفي عن المتمايز قدرته على تلمس طريق الصواب , ومن واجب المنطق الوصائي على القاصر –الكوردي - تنبهه وتحديد ما يجب عليه فعله , هذا النمط المضمن في نص الأستاذ ميشيل لا معنى له سوى انه تعامل عقائدي مع الآخر ورؤية لا تقل هشاشة عن أية رؤية استبدادية أخرى .
أما أكراد الجوار والذين طلب منهم الأستاذ ميشيل إدانة المطلب الفيدرالي لأنه "يفشل العملية الديمقراطية من جهة ولان الدول المعنية الثلاث الخائفة هي الأخرى من التواجد الكردي لديها , ترفض ذلك وحتى أن لزم الأمر فستتدخل عسكريا " لنتمعن في هذا الطرح الأشد غرابة من استغراب الكاتب نفسه , أمعقول هذه الطرح , هل يدرك الكاتب كم معيارية اتبع وكم ازدواجية اتخذ , أي تعامل أسطوري مع الآخر هذا الذي يرومه من شدة ارتباطه بمعتقده , يبدوا لي الترابط الوثيق بين المعتقد العروبي المقدس وبين الطرح المبطن بلا شعور الأستاذ ميشيل ؟ خاصة وانه يعطي الحق لنفسه بالشعور القومي ويمنع هذا الشعور عن الآخر , يحق له التضامن مع العربي أينما كان , ويستغرب لعدم إدانة الأكراد في دول الجوار لمطلب اخوتهم في القومية , يسمح لنفسه بالتضامن مع البوليساريو وهي تدعو إلى استقلال الصحراء الغربية عن المغرب , وهي بالمناسبة ارض عربية تتجزأ , ويدين مطلب الكوردي على ارض كوردية – ليست عربية - في فيدرالية تحقق الوحدة لبلد مجزأ ؟
والادهى حقيقة هو تأكيده للتدخل العسكري من لدن الدول الثلاث , وهذا التوكيد ليس لان الأستاذ ميشيل بملك القرار السياسي في هذه الدول , وإنما لأنه يريد أن يحدث ذلك , ولذا فعامل التخويف القمعي – القمع العاري والمبطن – والمترافق مع عامل الرغبة والإيحاء بضرورة موضوعية لنهي الأكراد عن مطلبهم , لان الدول الثلاث ترفض ذلك , ولكن هذه المعلومة ليست جديدة علينا نحن الكورد وإيرادها في سياق النص جاء لإخفاء الموقف الفعلي للأستاذ ميشيل من القضية الكوردية , بمعنى رؤيته لها , هل هي قضية شعب , أم هي قضية مهاجرين ؟
واعتقد بان الصديق ميشيل في إثناء رده على جورج كتن أوضح بأنه مع الفيدرالية الإدارية والتي هي تمنح للشعب الواحد , ذوي الأصول الواحدة ولا علاقة للقومية بالأمر , لذا فهو لا يرى في وجود الأكراد قومية مستقلة لها خصوصياتها ولعل هذا ما يوضح سر تهديد الأستاذ ميشيل بتدخل الدول الثلاث لان الفيدرالية تتحول إلى قومية وهي ما لا يقبل به .
أن تزويق النص بمفردات الديمقراطية لم يمنع طفح سياسة الحجب والخداع التي اتبعها الأستاذ ميشيل في إخفاء النـزعة الشوفينية تجاه المتمايز قوميا عنه , وحتى الديمقراطية المسكينة بدت في نصه كالعصفور المعلق من عرقوبه , إذ عن نفسي لم افهم كيف أن الفيدرالية القومية ستفشل المسار الديمقراطي في العراق , رغم إنني عدت إلى نفسي وذاكرتي والى كل المراجع التاريخية منها والحداثية لأجد تعريفا للفيدرالية نظريا أو واقعيا مجسدا , يتوافق مع ما طرحه الأستاذ ميشيل فلم أجد – عسى أن يمتلك هو هذا المرجع المابعد بعد حداثي – وأخمن بان الضرب في المندل كان اقرب تعريف لما هو مكتوب بحكم تماهي النص مع اصل الفكرة المعتقدية – العروبية – اللاهوتية القابعة خلف كواليس الطرح الديمقراطي للأستاذ ميشيل , والانكى انه يطلب منا نحن كورد الجوار التخلي عن ذاكرتنا القومية وعن إحساسنا القومي وعن شعورنا الإنساني حتى ندخل في الجنة التي يريدها لنا الأستاذ ميشيل ؟ بمعنى أن أدانتا للفيدرالية القومية هي مفتاح براءتنا , لأننا مدانون لسكوتنا , ووفق المعادلة القائمة _ كل الشعب الكوردي مدان حتى تثبت براءته - ؟.
بهذه المناسبة أود أن أشير إلى أن اتفاقية آذار عام 1970 – اتفاقية الحكم الذاتي – كانت تتضمن البنود التالية :
1. وجود منطقة كردستان للحكم الذاتي , أي وجود كيان كردستاني يتمتع بالحكم الذاتي ضمن العراق الواحد يتألف من محافظات دهوك واربيل والسليمانية .
2. تأليف مجلس تشريعي لمنطقة كردستان وكان ذلك بمثابة مجلس نيابي ينتخب في المنطقة وللمنطقة .
3. بقي الخلاف قائما حول كركوك رغم أن نائب الرئيس العراقي وقتئذ صدام حسين أبدى الاستعداد لتقسيم كركوك وفق نهر " خاصة " المار بوسط المدينة , لكن الجانب الكردي رفض هذا الاقتراح .
هذه الاتفاقية وقعها صدام حسين بما يمثله من مضمون وقبل بها , واعتقد بأنها ليست إدارية كما يريد الأستاذ ميشيل , وإنما هي اتفاقية قومية بكل ما للكلمة من معنى , واُذكر مرة أخرى بأنها كانت في عام 1970 , والآن في عام 2004 يوافق – مشكورا – الأستاذ ميشيل على الفيدرالية الإدارية ؟ أي اقل بإضعاف مما وافق عليه صدام حسين ؟ ترى ما هو المعيار الديمقراطي في الحالتين ؟ وأي فهم مصلحي أو واقعي أنتج الحالتين ؟ وبالتالي حجم المصداقية الديمقراطية لدى الجانبين ؟ هل يعقل أن يكون طاغية بغداد أكثر فهما للمسالة القومية من داعية مجتمع مدني سوري ؟ .
مؤسف حقيقة أن نصطدم بحقيقة أن دعاة المجتمع المدني والديمقراطية بهذه الدرجة من الفصامية بين ظاهرهم المعلن وباطنهم المخفى , لدرجة أن تعتبر مطالبنا عبثية لمجرد أنها لم توافق المزاج العروبوي العكر , وتناقض ما يريده لنا الكاتب من " حقوق ديمقراطية وثقافية , ومن حق المواطنة " هذا هو تقرير مصيرنا , يقرره الصديق ميشيل بالاستبدال والإنابة , وأخمن بأنه يتكىء على مسلماته المكتسبة بحكم نزعة الرعاية الأبوية التي يمتلكها , والتي منحته إياها منطق الوصاية والاستعلاء القومي الذي يتحكم بمواقفه وآراءه .
وبالمناسبة فمنطق الاستغراب يحمل أيضا دلالة تحذير لأكراد الجوار فيما لو لم يستنكروا مطلب إخوانهم في كردستان – العراق , والتحذير المبطن تفضحه مراميه , فأما الاستنكار , أو الحرمان من الديمقراطية العرجاء والمجتمع المدني المائل الذي يناضل من اجله الكاتب .
عرج ديمقراطي , ورؤية بعين واحدة , ومراهنة على رفض أمريكي , وتهويل بحرب أهلية , وتدخل عسكري , كلها عناوين بارزة لهاجس الخوف من الآخر ,كلما اقترب في نيل جزء من حقه الإنساني , وممارسة جلية في إقصاءه وإدانة مطلبه, رؤية فاقعة وباهتة لديمقراطية العرج التي يطالب بها الأستاذ ميشيل في سوريا , على الرغم من التغليف النظري , لكن التجسيدات العملية للنص المزنر بمظلة الديمقراطية , والنافي بدلالته وبجدارة لأي احترام لإرادة الشعب الكردي , الذي يجزم الأستاذ ميشيل بأنه لا يمتلك الحق في تقرير مصيره بمفرده , وإنما وفق المنطق الاقصائي إياه , يستوجب أن يدلي الشعب العراقي بحجم وكمية الحق الممنوح لأكراد العراق , وفي هذا السياق يتناسى الصديق ميشيل أن القوميات المضطهدة هي التي تقرر مصيرها , هذا ما تقره كل العهود والمواثيق الدولية , وكل التجارب العملية أيضا , لان القوميات الأصغر هي التي تختار نمط وشكل التعايش مع القومية الأكبر وليس العكس , وهو ما حصل في الواقع الملموس , ولأنشط الذاكرة المحبطة من الوقائع لدى الأستاذ ميشيل بعدد من التجارب المعاصرة , ففي تيمور الشرقية استفتي الشعب التيموري – وهذا من حقه – على تقرير المصير واختار الانفصال , ولم يسمع أحدا نصيحة الأستاذ ميشيل في ضرورة استفتاء الشعب الاندونيسي ؟ وفي حالة الصحراء الغربية سيستفتى شعب الصحراء وليس الشعب المغربي ؟ وفي حالة جنوب السودان سيستفتى شعب الجنوب لتقرير مصيره ؟ فلماذا في الحالة الكوردية يبدع العروبيين قانونا إلهيا غير قابل للتطبيق , وربط هذا بذاك ينفي الحق ويحيله إلى صدقة , ونحن لسنا بحاجة إلى صدقات وإنما بحاجة إلى توافق وتشارك في وطن واحد , ومفهوم الحق / الصدقة يجعل من الادعاء بالديمقراطية ادعاء فصامي الهوية والمنحى , كذلك فان مجرد التغني بحق الشعب الكوردي في الوجود وربط هذا الحق بموافقة الأغلبية , ينفي مصداقية الطرح ويحيله إلى مواربات وخطب مغرقة في التضليل والرياء ؟ ناهيك عن الطابع التحريضي , العدائي ضد الآخر .
يقول الأستاذ ميشيل " من الصعب أيضا أقامة فيدرالية عرقية أو جغرافية في ما يسمونه كردستان العراق " . أن مصطلح العرق المستخدم هنا , والذي يصر على استخدامه الكثير من القومجية يختلف عن واقع الوجود القومي ، فالعرق يتضمن شعوب وقوميات مختلفة , وكل منها نال حقه على أساس قوميته , واجزم بان الشعب الكوردي لم يطالب بأي حق على أساس عرقي لان المفهوم ينفي القومية لذا فهو مرفوض من أساسه , وأخمن بان الأستاذ ميشيل يعلم تماما ماذا يعني العرق وإصراره على استخدام المصطلح تعويم للمطلب القومي وتعريض بالحيز الجغرافي الموجودة فيه القومية , أما جملة " في ما يسمونه كردستان العراق " فهي دلالة إيحائية استخفافية وإنكارية بأصحاب التسمية , واعتقد بان الاستخفاف بتسمية الآخر المختلف تعبير عن مدى التعصب القومي للكاتب , والدلالة هي بمعنى أنا لا اسميها ولكنهم هم يسمونها , وكلمة " فبما يسمى " تهدف إلى التحلل من التسمية ورفضها بان واحد , وهي حالة يتبعها مراسلو الصحف كدليل على حيادية نقل الخبر , بينما استخدام " فيما يسمى " من جانب مثقف عربي يعيش الأكراد على بعد أمتار منه , نسفا لهذا الجوار بمسمياته التي هي ذاكرته التاريخية وحاملها الشعبي , هذا إذا نفينا - لمعرفتنا بالكاتب - أن تكون رسالة لنسق آخر لا يعترف بالتسمية ولا بأصحابها ؟ لكن في المحصلة يبقى الدافع هو نمط من التعصب القومي الذي انهمر من اللاشعور , ولنقارن هنا فيما ذهب إليه من استخفاف بتسمية المختلف قوميا ودافعه إلى هذا الاستخفاف وبين اعتباره مطلب الأكراد بالفيدرالية هو " رد اعتبار للتعصب القومي " ؟ فايهما يحاول رد الاعتبار للتعصب , من يطالب بالفيدرالية لتوحيد ما هو مجزأ أصلا , أم من يستخف بالأخر ويهزأ من ذاكرته التاريخية ؟ وبالمناسبة أستاذ ميشيل فالتسمية – كردستان – موجودة في الدستور العراقي الخاص الذي اقره صدام حسين بشحمه ولحمه؟ .
أما التنبؤ الذي أوحى به الأستاذ ميشيل بقوله " تثير مواقف القيادات الكوردية العراقية الشبهات حول مطالبهم المشروعة وتضعف مصداقيتهم من حيث تعزز الموقف المعادي لهم , الذي يعتبرهم انفصاليين يطالبون بالديمقراطية تكتيكا , ريثما يحين وقت طرح المطالب القومية التقسيمية "". والدلالات المحمولة في النص أعلاه كثيرة وبعضها يفي بالمعنى الذي ابتغاه الكاتب :
مواقف القيادات الكوردية العراقية تثير الشبهات حول مطالبهم المشروعة , والنص هنا يتضمن عامل الشبهة , بمعنى الارتياب والإدانة من المطلب المشروع , والمشروعية وفق تصوري لا تحمل أية شبهة , فإذا كانت المطالب مشروعة لا موجب لشبهتها , والابتعاد عن الشبهة – وفق النص أعلاه - يستوجب عدم طرح المطالب المشروعة , هذا من حيث المنطق العقلاني , أما اللاشعور المحرك لكتابة مثل هذا التناقض فهو نوعية المشروعية ومصدر تشريعها , واضح أن القصد هو أن أي مطالب كردية حتى تكتسب شرعيتها يجب أن تمنحها القومية الأكبر , وترضى عنها العقلية العروبوية , وبالتالي فأي طرح من قبل الأكراد ليس مشروعا إلا بمقدار ما تقره الجهة المانحة , وفي هذه الحالة لا يسمى هذا بمطلب وإنما بمنحة أو هبة تكتسب مشروعيتها من تصميت صاحبها , وحتى يضمن عدم اتهامه بالانفصالية , والدلالة أو المعنى المراد إيصاله لنا نحن أبناء الشعب الكوردي انه إذا طالبت بشيء مشروع سيضعف هذا من مصداقيتكم وسيزيد من الجبهة المعادية لكم وسيكرس ديمقراطية التكتيك لديكم , لذا حتى لا تتهموا بكل هذا الكم من الادانات , دعونا نفكر عنكم , ونقرر بدلا عنكم , ونطرح ما يلائمكم ؟ طبعا المعنى لا يقتصر على أكراد العراق فقط وإنما يشملنا نحن أيضا , من حيث غاية التشكيك في انخراطنا بالعمل الديمقراطي في سوريا , عبر زرع ركائز لثقافة التخويف وافتراضية وجود النية – نية الانفصال - بمعنى التعامل بالنية _ معلوم مدى قدسية النص الديني حول النية - التي يبدوا أن الأستاذ ميشيل لن يتأكد من عدم وجودها إلا بإطاعة أولي الأمر وتسليم زمام أمورنا لهم ؟.
أسف مضاعف لهشاشة هذه الرؤيا وكارثيتها على التعايش الأخوي , المواطني , الذي نسعى إليه سوية , من خطر عقائدية مكارثية تنبنى بغطاء الصداقة ودثار الديمقراطية المنكوبة حقيقة من هذا الفقه السياسي المابعد معولم ؟.
نقطة أخرى تناقض وتنفي مسار الدعوة الديمقراطية للصديق ميشيل , وهي أن الإقرار الأمريكي بالفيدرالية سيفجر عمليات تطهير عرقي و..الخ لذلك فان أمريكا تحفظت على هذا المطلب خاصة وان إقراره وحدوث ما يتوقعه الأستاذ ميشيل من حرب أهلية سـ " سيكون دليلا على فشل سياستها الديمقراطية في العراق " والدلالة هنا أما أنها إعطاء الموقف بالنيابة عن الامريكين وتذكيرهم بمهمتهم " الديمقراطية " في العراق وضرورة عدم فشلها ؟ والمعيار في النجاح هنا هو منع قيام فيدرالية قومية , وفي هذه الحالة يتناقض هذا الموقف مع مواقف أخرى معادية للامريكين . أو هذا ما يريده الأستاذ ميشيل أن يحصل في العراق حتى تثبت رؤياه وتتأكد تنظيراته ؟ وفي الحالتين الموقف ليس عقلانيا وإنما مصلحي , آني , طوباوي بامتياز .
قبل أن انتقل لمحاورة الأستاذ ميشيل في نصه الثاني والذي هو رد على جورج كتن وآخرين , ثمة أمر أود التذكير به وهو إنني أخمن بان الصديق ميشيل لن يلجا إلى تفسير ما كتبه مثلما فعل في حالة الرد المنشورة , من حيث أن نصه لم يعد ملكه وبات عرضة لقراءات متنوعة ومن زوايا متعددة , وكل من هذه القراءات ليست بحاجة إلى ملحق لتفسيرها , إذ سواء عبر الأستاذ ميشيل عن موقفه ونجح في إيصال رأيه السديد إلى القارىء أو لم ينجح , فالملاحق لن تفي بالحاجة , مثلما لن يفي اتهام الآخر بعدم فهم المرام والقصد أو سوء التأويل والاعتقاد .
يقول الأستاذ ميشيل ( .. رفضت الفيدرالية الجغرافية/العرقية , التي يطالب بها قادة الحلفين العشائريين الكرديين الكبيرين البرزاني والطالباني , لاعتقادي أنها ستفضي إلى تمزيق العراق والقضاء عليه كدولة موحدة , وستسبب مشكلات خارجية وداخلية كثيرة ستعطي أميركا حرية تدخل واسعة في شؤون المنطقة .... ويزيد من أخطار الفيدرالية الجغرافية / العرقية أنها يضمر إمكانية التطهير العرقي ...) .
سبق وان تناولت مفهوم الفيدرالية , لذلك لن اعلق عليه , وسابدا من الجملة الثانية وما تتضمنه من دلالات وهي وفق ما اعتقد :
1- انه هناك عشائر كردية كبيرة , لكنها ليست قومية أو لم تصل إلى مرحلة النضج القومي , بسبب أن التنظيم العشائري مرحلة تاريخية تستبق قيام القومية , والمعنى أن الأكراد في العراق ليسوا قومية وإنما عشائر كبيرة فقط .
2- أن المطلب الفيدرالي هو طرح من قيادة الحلفين العشائريين , والدعوة هنا بأنها لا تمثل أبناء تلك العشائر , والطرح المقابل العقلاني , المدني , الذي ابتعد عنه الأستاذ ميشيل هو أجراء استفتاء بين صفوف تلك العشائر وبمراقبة دولية ولنر ماذا تكون النتيجة .
3- تجاهل أن هناك شعب قومي له تعبيراته السياسية , سواء كنا معها أو ضدها من ناحية الشكل والمضمون , لكنها موجودة كأحزاب , واعتقد بان الأستاذ ميشيل يوافقني الرأي بان الحزب هو احد تعبيرات المجتمع المدني الراقية , إلا إذا كان هذا القانون الوضعي , نتاج التطور البشري الحضاري يستثني الأكراد .
4- أن إقرار الفيدرالية ستمزق العراق كدولة موحدة , وأخمن بان الوحدة المنشودة هنا هي الدولة الحديدية , القامعة لأي تطلع أو وجود قومي مختلف , لان الوحدة بالمفهوم العلمي هي نتاج عقد اجتماعي توافقي , والفيدرالية القومية هي إحدى مفاصل العقد الاجتماعي القائم على الوفاق , وبالتالي عامل أساسي في تحقيق الوحدة , وعندما نقول موحدة فهذا يعني أنها تتألف من عدد من القوميات , وألا ما معنى الوحدة , أو الوحدة مع من , إذا أن الدول ذات الرداء الحديدي والقهر القومي ليست دول موحدة , حتى وان كان لها علم وسياسة خارجية واحدة , لان الوحدة أساسا شعبية , تشابكية , مؤسسية على عقد مواطني يضمن حرية وحق كل طرف مكون للعقد الاجتماعي في اختيار شكل ونمط التكامل مع الطرف الآخر , وهذا سر قوة دولة الاتحاد الاختياري , واعتبار دولة الفيدرالية , دولة ممزقة , يحمل الطرح النقيض , بان دولة اللون الواحد هي دولة الوحدة ؟ .
5- "إقرار الفيدرالية القومية سيسبب مشكلات خارجية وداخلية كثيرة ستعطي أميركا حرية تدخل واسعة في شؤون المنطقة "؟ بمعنى أن أميركا راهنا لا تمتلك حرية التدخل الواسعة وأنها تنتظر حتى تفتح لها الفيدرالية الكوردية الباب لتعيث فسادا في الأرض العربية ؟ يبدوا أن الأستاذ ميشيل لا يعيش في هذا الكوكب وليس من هذا العصر ولم يسمع قطعا بعدد القواعد الاميركية على الأرض العروبية , ولم يشاهد مدى التعاون الوثيق بين الدول العربية المنتشرة شرقا وغربا مع أميركا , ولم يلمس مدى اتساع ساحة حركة القوات الاميركية في الشرق الأوسط , ولا مدى تحكمها بالقرار السياسي العربي ولا بالمصير العربي ؟ المسكينة أميركا لقد ضاقت الساحات بها , ولم تجد منفذا تتدخل فيه بالأرض العربية , لذلك فهي تنتظر الفيدرالية الكوردية لتتدخل في شؤون المنطقة ؟ اهذا كلام محلل سياسي ؟ أم تحليل منجمي يعيش على احد الكواكب الغير مرئية ؟ يا صديقي أن وجدت أميركا نفسها مجبرة على الانسحاب من باقي مناطق العراق , فاجزم بان لديها خيارات كثيرة وقواعد مجاورة كثيرة , ويبقى الخيار الكوردي أخر الخيارات .
6- من أخطار الفيدرالية أنها تضمر التطهير العرقي ... وسيفضي تطبيقها إلى قيام دولة كوردية في شمال العراق ؟ عدنا إلى أن الأعمال بالنيات , ومهما بدت الممارسة مختلفة فالمحاسبة تكون على النية , لاهوتية رؤية متخمة بالخوف وعقلية الخوف وثقافة الخوف , مرة أخرى يعيدنا الأستاذ ميشيل إلى التنجيم لاستجداء العون الضدي والمعارض للفيدرالية بتهويل وجودها وخطرها , ويمكنني أن أتساءل واجزم بان الأستاذ ميشيل يدرك ذلك ؟ إذ انه منذ بداية التسعين وكردستان العراق مستقلة بفعل الحماية الدولية لها من نظام الطاغية , فهل يستطيع أن يزودنا المنجم الصديق ميشيل بعدد عمليات التطهير العرقي التي قام بها الحلفان العشائريان الكبيران حتى الآن ؟ ولكننا نستطيع أن نمده بالكثير من عمليات التطهير العرقي التي قامت بها العقلية الاصطفائية التي يتبع لها ؟ وتطبيق ما يريده ويشعر به الإنسان على غيره , لا يعني صدقية ومصداقية هذا التشبيه ؟ .
7- اعتقد بان الأستاذ ميشيل اتبع مبدأ المبالغة وأفرط بها عندما ادعى بان الفيدرالية الكوردية تريد سياسة خارجية أو اقتصادية مستقلة , وهو التهويل الذي لا يحمل عدم اضطلاع , وإنما تحركه غائية سياسية عاتية تهدف إلى تراكم حقدي , عدائي ضد الآخر .
8- "الفيدرالية الكوردية مقدمة للحرب الأهلية ودليل على رغبة في الانفصال وفي دولة لن تأتي بغير المشاكل" ؟ هل الإقرار بأحد أطراف معادلة العقد الاجتماعي يكون بداية للحرب الأهلية , أم أن إنكار حق الآخر في تقرير مصيره يكون مقدمة للحرب الأهلية , ثنائية غاية في انعكاسية المفهوم ؟ قلب الأستاذ ميشيل عاليها سافلها , ليصل إلى مراده متذرعاً بالحرب الأهلية أو الاقتتال الكوردي- الكوردي , واتفق معه حول بغاضة الحروب الأهلية وكارثيتها , ولكن ألا يتفق معي أن الحروب الأهلية متعددة الأسباب والنتائج أيضا , والتلويح بها كحالة خاصة كوردية يضمر جانبين : الأول عربي تحريضي ضد الأكراد ؟ والثاني : كوردي ترهيبي ؟ وفي الحالتين دعوة خارجة عن نطاق المدنية والإنسانية , نظرا لان الأستاذ ميشيل يعتبر الفيدرالية القومية مقدمة للحرب الأهلية , جازما بوقوعها , وهو ما يوقعه بموقفه ورأيه في الرهاب المبطن والمكشوف على السواء , ولا بديل لدى الأستاذ ميشيل في تجنبها سوى تخلي الأكراد عن الفيدرالية , إذ حتى تنتفي الحرب الأهلية وحتى لا يوسم الأكراد بالرغبة في الانفصال ؟ عليهم الرضوخ لمصالح القومية الأكبر والتخلي عن مصالحهم أو جعلها قربانا كما كانت في التاريخ المشترك ؟ الم يكن الأجدر بمثقف يسعى إلى الديمقراطية وإحياء المجتمع المدني في سوريا , أن يسعى إلى عقلنة الواقع العراقي عبر الدعوة إلى تكاتف العراقيين جميعا , وإقرار الحق الكردي في الفيدرالية القومية ضمن عراق واحد موحد يحفظ لمواطنيه كرامتهم وشخصيتهم القومية , أليست هذه الدعوة تدخل في صميم الفهم والوعي بالديمقراطية؟ وهي قاعدة مؤسسيه لمصداقية المطلب الديمقراطي المنافية للتبشير بالحرب الأهلية وتهويل الفيدرالية الكوردية ؟ الأمر الآخر هو اطلاقية الأستاذ ميشيل بان الدولة الكوردية المزمع قيامها والأصح القائمة على الرغبة حتى تاريخه لن تأتي بغير المشاكل ؟ و الـ " لن " هنا تأكيد أضافي على فداحة الفهم الديمقراطي لدى الأستاذ ميشيل ؟ ولا يهمني هنا تسويغ الرفض بالتنصل منه وجعله في عنق دول الجوار , وإنما توكيدات ومعاني كلمات الأستاذ ميشيل ينفيان هذا التنصل , فان تريد تلك الدولة لا يجعلني ولا يدفعني لقبول تهويلها بالحرب أو التدخل العسكري , واعتباره موقفا استند إليه في رؤيتي لقضية قومية أو ديمقراطية , ناهيك عن أن التسويغ الاتكائي على موقف أنظمة لا ديمقراطية يجعل من صدقية المطلب الديمقراطي للأستاذ ميشيل عرضة للاستهجان , وهو يطابق تماما لدي استهجان الرؤية السورية الرسمية في معرض تسويغها رفض الإصلاح السياسي بادعاء الإملاء الخارجي أو الخوف من الفلتان الأمني ؟ أن تظلل موقف الأستاذ ميشيل بموقف دول الجوار لم يمنع اتفاقه معها حيال المسالة الكوردية , وكأن لسان حاله يقول لنا , أننا نتمتع بمجتمعات غاية في الحضارة والتقدم والرفاهية , التي لن يعكرها سوى قيام دولة كوردية تأتي بالمشاكل , لذلك من الضرورة التصدي لها حتى وان لزم الأمر البدء بحرب أهلية أو تدخل عسكري خارجي ينهي هذه المسالة , مصدر القلاقل ومنبع المشاكل في المنطقة ؟ .
9- وحتى يجب إغلاق البوابة التي يعتبر قيام الفيدرالية محرابها , يجب وفق الأستاذ ميشيل رفض قيام الفيدرالية القومية من قبل أكراد العراق والجوار , حتى لا تبقى أقدرانا وأقدارهم في يد الاميركان ؟ القَدر الذي جمعنا في منطقة واحدة وفرض علينا تاريخ مشترك وحياة مشتركة , هو ذات القَدر الذي وضع قدرنا نحن أبناء الشعب الكوردي في يد عقليات أصولية لا ترى سوى انفها , أمعنت فينا قتلا وتدميرا وتعريبا ونفيا وتغريبا وكل ما استطاعت إليه سبيلا , ويأتي الآن الأستاذ ميشيل ليطلب منا تغريب أنفسنا بأنفسنا لان ذلك منافي لوعيه وسلوكه ورؤيته المنافية لوجودنا القومي , وهذا لا يعني بأننا نضع قدرنا في يد الاميركان , الذين لم نكن نحن سببا في مجيئهم إلى المنطقة , وهم الباحثين عن مصالحهم والهادفين إلى تطبيق سياساتهم . أقول أننا نسعى إلى امتلاك قدرنا وفق ما تقتضيه مصلحتنا وبالتوافق مع الكتل البشرية العربية والآشورية التي نتمنى أن نرتبط معها بعقد اجتماعي جديد يضمن خصوصيتنا وخصوصية غيرنا في حاضنة وطنية وهوية وطنية , ولذلك فانا أقول بأنني مع الفيدرالية القومية في العراق أؤيدها وأساندها لأنها حق تقرير مصير مشروع , قرره الشعب الكوردي بتعبيراته السياسية والثقافية , واجزم بان عشائرنا – وفق تعبير الأستاذ ميشيل - مهما كانت فهي أكثر حداثة من العشائر العروبية التي حدودها الجغرافية هي حدود العشيرة المبعثرة والمحمية ويدرك الأستاذ ميشيل آليات الحماية الأجنبية لتلك العشائر ومن هي القوى القائمة عليها ؟ وعلى العكس فانا لا أجد أي خراب سيحصل بنتيجة إقرار الفيدرالية القومية أو أي صيغة حق تقرير مصير أخرى , وإنما توحيد لما هو مجزأ وصيانة لتاريخ مشترك وبناء لدولة متعددة ديمقراطية ستقف على قدميها وتمتلك سيادتها شاء أسياد اللعبة ومصدري الأوهام أم أبوا ؟ والخراب الوحيد المتوقع لدي هو انهيار في الوعي القوموي الكارثي الذي أوصلنا جميعا إلى هذا الحيز من الانسداد ؟
أما رد الأستاذ ميشيل على الشاعر الكوردي إبراهيم يوسف , فلا يمكن وسمه بالرد لأنه خارج عن النطاق المعرفي , ومفرداته اقرب ما تكون إلى مفردات السوق وخاصة لغة سائقي الباصات الصغيرة المتجولة بين القرى النائية , أو أسلوب الحوار لدى سائقي سيارات النقل الكبيرة , وهذا لا يعني الموافقة أو رفض ما قاله إبراهيم اليوسف , لان ما استخدمه الأستاذ ميشيل من مفردات لا تليق به أولا ولا بمكانته كمثقف ثانيا , حتى وان كان نقد اليوسف له جارحا , فان هذا لا يبرر رد الفعل النـزق والعصبي , والمفردات المستخدمة تبقى غير قابلة للنقاش العلمي وحتى غير قابلة للتكرار أو الذكر , وأنا ارفض أن أناقش سبابا بهذا السوء ؟
أن رد الفعل العصبي جدا لدى الأستاذ ميشيل خلط الحابل بالنابل , وعبر نظرية المؤامرة والتآمر , اتهم الكل بالكل بالعمالة لأميركا ؟ لذا سأنتقل إلى مناقشة بعضا فقط مما قاله , وأقول البعض لأنني اقدر الظرف النفسي الذي دفع الأستاذ ميشيل إلى رمي الحجاب والبرقع ورفع السيف والدعوة إلى المبارزة الجاهلية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ؟ .
سأناقش قليلا بعضا من المقولات منها :
1- عمومية الطرح لدى الأستاذ ميشيل سواء فيما يتعلق بالمثقفين العرب أو فيما يتعلق بالشعب الكوردي , والعمومية خاطئة في الاتجاهين , فإذا كان هناك اتهام لبعض المثقفين العرب مروجي الطغيان والمهللين لانتصاراته لا يعني ولا يستوجب التعميم , ولجوء الأستاذ ميشيل إلى هذا أوقعه في خطا جسيم , لأنه يحمل دلالة تعميق الهوة , وتقسيم الدول إلى قسمين ابيض واسود وهذا التقسيم العمودي والأفقي لا يليق بمثقف له مكانة الأستاذ ميشيل ومعرفته , وفي الاتجاه الكوردي أيضا , يحمل التعميم تجنيا فاضحا ورؤية سوداوية لما هو موجود فعلا , وهو يصب أيضا في ذات الاتجاه اتجاه الفصل الحدي بين شعوب المنطقة , نظرا للتقسيم التعميمي الذي اتبعه الأستاذ ميشيل " كردي / عربي – قتلانا / قتلاهم – مثقف عربي / خونة أكراد – مدنية عربية / عصابات كوردية – شرفاء عرب / قابضون أكراد .. والى أخر هذه الثنائيات التي تعتبر حقيقة ما يجول وما يؤمن به الأستاذ ميشيل على أرضية أن العقل الباطن يتضمن حقيقة الرؤية والموقف , وهذا الموقف المخبأ بعناية في المجتمعات المغلقة على أصحابها , لا يجد مفرا للظهور عند تعرض بعض من نواميسه للخطر أو الإدانة ؟.
2- " القادة الأكراد العراقيون تعاونوا مع كثير من الدول والحكومات وقبضوا منها " . اعتقد بان أية حركة تحرر وطني قبضت من هذا وذاك , فمثلما قبضت الثورة الفلسطينية من هذا وذاك , قبضت الحركة الكوردية , وهذا لا يجعلها عميلة أو عصابة ؟ وحتى حوار قادة الحركة الكوردية في العراق مع صدام أو قبضهم منه , فهو أمر طبيعي بحكم أنهم عراقيون والعراق وطنهم وصدام كان رئيس العراق سواء كنا معه أو ضده , وهذا لا يعيب الأكراد في شيء قدر ما يعزز مصداقيتهم الوطنية , ويظهر مدى حرصهم على وحدة العراق من جهة , وبحثهم الدؤوب لحل القضية القومية بأسلوب سلمي حواري من جهة ثانية , وطبيعي أن الانتماء للعراق سيكون مجسدا في الممارسة العملية لهؤلاء القادة , وهذا الشعور الوطني العراقي هو الذي جعلهم يخرقون الحظر والحصار الدولي لشعب العراق لإمداده بالمواد التموينية والمعيشية الضرورية , وهو ما كان يدفعهم لتمرير آلاف الشاحنات من النفط , إلا إذا كان الأستاذ ميشيل يأخذ على الأكراد العراقيين تضامنهم مع محنة الشعب العراقي ويعتبرها قبضا وخيانة للحصار الدولي الذي طبقته حكومات عربية كثيرة نالت رضى القومويون العرب , من جهة أخرى بات موقف الأستاذ ميشيل الاتهامي لأكراد العراق بلقاء صدام أبان كان رئيسا للعراق مصدر قلق لنا نحن الكورد السوريين من أن نلقى ذات الاتهام أن تحاورنا أو التقينا مع الدكتور بشار وهو رئيس وطننا سوريا في معرض بحثنا عن حل سياسي سلمي لقضيتنا القومية في سوريا .
3- أن التاريخ لدى الأستاذ ميشيل يبدأ وينتهي عنده , ينساه أن لزم الأمر , ويستحضره أن كان في الأمر منفعة لطرحه السياسي , فالصفقات السياسية المعقودة كثيرة , وعلى مر التاريخ البشري كان هناك صفقات بين الداخل والخارج , بين القوى الداخلية الساعية للتغيير وبين القوى الخارجية المستفيدة من التغيير , وفي منطقتنا كانت حركة الشريف حسين والإنكليز مثال فاقع على هذا التحالف وتلك الصفقات , بمعنى إذا كان هناك صفقة كوردية مع المخابرات المركزية الأمريكية وجب وفق ذلك , أن لا يبراهن الأستاذ ميشيل على الموقف الأمريكي في رفض الفيدرالية , وهي المراهنة المناقضة لمنطق الصفقات , تلك التي وسمها بمقدمة الحرب الأهلية والمصلحة الأمريكية , فالصفقة تحمل على الأغلب فائدة للطرفين وهي قد تكون موجودة أو لا تكون ولكنها ليست مجردة من حيز الزمان والمكان الذي وجدت فيه ولا من بقية الفرقاء المشاركين في إنجازها , والتخصيص وحصرية المرافعة التخوينية التي أتحفنا بها الأستاذ ميشيل وبالأسلوب النـزق والعنفي إياه افقد النص أية مصداقية يمتلكها شاء صاحبه أم أبى ؟.
4- أن وسم حركات الشعوب بالعصابات نتاج وعي مؤامراتي , جسدته تقريرية الأجهزة الأمنية الاستبدادية التي تأبى إلا أن تعيد كل فرد إلى جماعة فلان , بهدف التصغير والتحقير , لنفيها الطابع السياسي أو الثقافي للشخص المعني , والأسلوب الذي اتبعه الأستاذ ميشيل هو وليد تلك الصيغة المخابراتية , فكل ما هو ليس معي عصابة , وكل من هو غير متفق مع طرحي الشخصي هو خائن وقاطع طريق , لان العصابة عادة سمة لقطاع الطرق واللصوص , ومن كوارث الوعي التأبيني هذا انه يستفز بأول وخزة , ويبدأ بتحسس نبضه المخفي , ليدلقه نفيرا عنفيا في مواجهة متغيرات مجتمعية لا توافق النبض اللامرئي والعصابي المستتر ؟ والإسقاط الذي وسم به الأستاذ ميشيل البارزاني والطالباني بإنهما عصابات , يطال ويتضمن الشعب الكردي أو كل من انضوى تحت مظلة الحزبين الكرديين وهما اللذان نال قائديهما نسب متساوية في انتخابات1992 لا باس بصدقيتها الديمقراطية , فهل يعقل وسم من يحوز على أصوات 50 % من أصوات شعبه أن يوسم بأنه يقود عصابة , وما أكبرها من عصابة , وإذا كان أغلبية الشعب الكردي في كوردستان العراق يوسم بالعصابة , فهذه دلالة تجيز التخلص منه , لان مفهوم العصابة , مفهوم وبائي , ضار بالمجتمع والإنسان , وبالتالي هي دعوة للتخلص من هذا الوباء سواء عبر الأمن الجنائي وقانون العقوبات الجنائي أن كان بالاعتقال أو منع المغادرة والنفي وتعريب الشجر والحجر والوليد والرضيع , أو وفق منهجية صدام بالأنفال ؟ ما اعنيه هو أن منطق العصابة , منطق تكفيري بامتياز , وكلنا يدرك قانونيا ما هو الجزاء المقترن بالفعل العصاباتي , وبالتالي فما أفاض به الأستاذ ميشيل من رؤية وموقف لم يكن وليد لحظة عابرة أو نـزق مغامر , وإنما هي واقع مادي ملموس يقطن اللاوعي , فمجرد تلقي الأستاذ ميشيل نقدا من كوردي واجزم بأنه يمثل نفسه ورأيه , انتفض اللاوعي وعمم ما في داخله على مجمل الشعب الكردي , وكأنه يقول أن من ينتقدني فانا سأشتم قيادته , أو هكذا يعتقد الأستاذ ميشيل بأنها قيادته , محاولا تأسيس متاهة أخرى , لكنها اشد هولا من متاهة " ديدالوس الإغريقي " , وهو ما يبدوا جليا في العناوين المرافقة لمفهوم الفيدرالية لدية , الفيدرالية تعني وفق الأستاذ ميشيل ( تطهير عرقي , حرب طائفية , تجزئة العراق , ديمقراطية تكتيكية , مطالب تقسيمية , عصابات , خوات , تفاهات ..) والكثير من المفردات الحربية المؤسسة لقاعدة عدائية أخرى , قد تكون دورة جديدة من دورات الشبق النخبوي , الذي سبق وان عانينا منه ومن فوضاه الفكرية , دمارا في المجتمع بما فيه وما لديه , بمعنى أن هناك استغلال فظ للمناخ الفكري الأصولي , المحبط , الذي يحاول تأصيل ذاته في افتراضية وجود عدو يسعى إلى تقسيم المقدس , وهو تعبير عن المسكوت عنه في الذات , نتاج اليقينية المفرطة ورغائبية الدواخل الغير قابلة للنقاش ؟ أما من حيث النزاعات الأهلية لم يكن الأكراد هم الوحيدين ولن يكونوا أخر الشعوب المتقاتلة داخليا , والاقتتال الداخلي أمر بغيض نعم , ولكنه نتاج تطور مجتمعي في زمانه ومكانه والأكراد ليسوا القاعدة ولا الاستثناء , ومجرد حصوله لا يحيلهم إلى عصابات مثلما لا يحيل غيرهم , فالاقتتال اللبناني لم يجعل من الفصائل الفلسطينية ولا الحركة اللبنانية عصابات , وإنما أي اقتتال تتدخل فيه جملة عوامل داخلية وخارجية تنتج هذه الحالة المرضية ؟ وبالتالي لا مسوغ عقلاني أو موضوعي لان ينـزلق الأستاذ ميشيل بهذا الفقوع المضمر عنفا ونفيا وتجريحا وإدانة وتخوينا للمختلف عنه قوميا وثقافيا وسياسيا , .
حقيقة رغم بعض التحولات الايجابية – الظاهرية – التي على طرأت على بعض موقف الأستاذ ميشيل تجاه حق الوجود القومي للأخر الكردي ما بين الأمس واليوم , لكنه لا زال يجسد المقولة الماركسية حيث انه " ناقدا شكلانيا في الصباح وواعظا اجتماعيا في المساء , بمعنى ديمقراطي وداعية مجتمع مدني في صباح سوريا , ومستبد في مساء العراق ؟ وهي ما اعتقده بأنها صميمية ديمقراطية الاخصاء والمخادعة وهي التي تتصف بمحاولات نزع الذاكرة الثقافية ونفي الهوية القومية للأخر , وفي هذا نحن لا نسعى إلى صناعة هولوكست على النمط اليهودي مثلما ادعى الأستاذ ميشيل , وإنما نسعى إلى إصلاح الخلل في العلاقة بين العرب والأكراد عبر البحث معا عن عقد اجتماعي جديد يصون هويتنا ويحقق خصوصيتنا كآخر مختلف , وبغض النظر يبقى الأستاذ ميشيل صاحب رأي وموقف خاص به , احترمه من موقع الاختلاف والتباين , وعندما أناقش بعض نصوصه فهي كما قلت بهدف إيجاد المعنى وتوضيح ما هو مخفي ومضمر , ويبقى في نهاية الأمر الاختلاف حق طبيعي واحترام المختلف جزء من قناعتنا العملية , وما هذا وذاك من حوار وجدل سوى ما نعتقد بأنه يشكل تراكم يصب في المحصلة في خدمة المشروع الإنساني والديمقراطي الذي نسعى إليه كلا بطريقته , لبناء مجتمع تعددي ديمقراطي يكون فيه الإنسان مالك نفسه ..
القامشلي 7/3/2004
كاتب كوردي سوري – ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟