ناصر إسماعيل جربوع
الحوار المتمدن-العدد: 2496 - 2008 / 12 / 15 - 05:12
المحور:
القضية الفلسطينية
برزت في الآونة الأخيرة مشكلة انعدام عملة التداول في أراضى السلطة الفلسطينية ( الشيكل) وما ترتب عليه من خلخلة في الاقتصاد الفلسطيني، وركود الحركة المصرفية وتأخر الرواتب حتى يوم 13 من شهر ديسمبر لعام 2008 ميلادي، الأمر الذي أدى إلى تراجع الاستثمار والسلة المعيشية للمواطن الفلسطيني، وانعكس ذلك سلبا ًعلي المواطن ،ولاسيما أن الأزمة برزت عشية عيد الأضحى المبارك ، من هنا كان لابد للإشارة إلى جذور هذه الأزمة التي تفتعلها الحكومة الصهيونية بين الحين والآخر0
من الجدير ذكره أن إسرائيل وفى أعقاب الاحتلال لأراضى الضفة وقطاع غزة أغلقت جميع البنوك الفلسطينية بموجب القرار العسكري( رقم 7 ) ، كما وفرض الأمر العسكري( رقم 76 ) العملة الإسرائيلية كعملة رسمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بدل من عملة الجنيه الفلسطيني والمصري والدينار الأردني المتداولة قبل الاحتلال ،وبعد ذلك بقليل سمحت للبنوك الإسرائيلية دخول أسواق الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليصل عددها حتى عام 1987 إلي 25 فرعا ً، ووزعت تلك الفروع علي مختلف المدن الفلسطينية لتسهيل العمل المصرفي الاحتكاري ، واتخذ الصهاينة خطوات عديدة بغرض إجبار وإغراء الفلسطينيين علي التعامل مع هذه المصارف ،الأمر الذي دفع ما يزيد عن 90% من المؤسسات الاقتصادية المحلية للتعامل مع تلك البنوك0
هذا ومارست البنوك الإسرائيلية سياسة بنكية فريدة تتلخص في جمع الودائع بأقل تكلفة ممكنة ، وحرمان الاقتصاد الفلسطيني من الائتمان ومنع القروض الاستثمارية والطويلة الأجل إطلاقاً ، وتشير الإحصائيات الإسرائيلية إلي ان نصيب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بلغ عام 1986 حوالي( 8%) فقط من مجموع القروض التي منحتها البنوك الصهيونية العاملة في الأراضي الفلسطينية بينما حصل المستوطنون علي حوالي( 92% ) من مجموع هذه القروض وبذلك تكون إسرائيل حرمت الاقتصاد الفلسطيني من أدوات التراكم الرأسمالي من جهة وسيطرت علي الرأسمال الفلسطيني المحلي من جهة أخري 0
وفي ظل هذه الأوضاع جاء فتح بنك فلسطين وبنك القاهرة عمان، إلا أن الشروط الصعبة التي تخضع لها أفشلت الأهداف المرجوة منها ، وحولت البنوك إلى دور صرافة بالدرجة الأولي ، ويظهر ذلك واضحا من خلال تصرفات بنك القاهرة عمان الذي رفض اعتبارا من 1-3- 1990 م استقبال ودائع بأية أسعار فائدة وذلك لتدنى إمكانية الإقراض، وعدم تمكنه من توفير تكلفة هذه الودائع 0
ومع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية المباركة عام 1987 م أغلقت إسرائيل- خوفا من ضربات المقاومة - بنوكها في مدن الأراضي الفلسطينية مثل بنوك ( هبوعليم – ديسكونت – لئومى ) خشية علي مصالحها الرأسمالية ، وقل حجم التعامل مع هذه البنوك بصورة واضحة 0 وعلي الرغم من ذلك إلا أن الاحتلال ضل قادرا علي التحكم في السوق المصرفي ،عن طريق تأثيره المباشر علي بنكي فلسطين والقاهرة عمان ، وباقي دور الصرافة العاملة في الأراضي المحتلة 0وذلك لكون الشيكل الإسرائيلي هو العملة الرسمية التي يمكن بواسطتها نقل العديد من المشاكل من الاقتصاد الإسرائيلي إلى الاقتصاد الفلسطيني 0
اتبعت السياسة المالية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة هدفين أساسين هما :
- عدم السماح للأراضي الفلسطينية المحتلة بأن تصبح عبئاً علي موازنة إسرائيل 0
- عرقلة الاقتصاد الفلسطيني ومنع تطوره وعدم التدخل لدعمه في أي ظرف منم الظروف 0
وطبقت إسرائيل سياسة ضريبية متشددة وسياسة إنفاق محدودة ومن ضمنها:--
1- فرض ضرائب جديدة ووضع تعديل دائم علي الشرائح والنسب الضريبية، الأمر الذي زاد العبء الضريبي علي الفلسطينيين، وبلغت نسبة العائدات الضريبية من الفلسطينيين علي سبيل المثال عام 1987 أكثر من 450 مليون دولار امريكى0
2- تدني حجم الإنفاق العام والجاري والائتماني، ولاسيما علي قطاع الصحة والتعليم والزراعة إبان الاحتلال0
مما تقدم من هذا العرض نري أن إسرائيل تملك الوسائل الكفيلة برفع العائدات المباشرة من الأراضي المحتلة والتي تستخدمها في تغطية عجز الموازنة الصهيونية العامة، هذا عدا عن استغلالهم لعائدات الموارد الفلسطينية دون مقابل 0
مقابل كل ذلك وجد الساسة الصهاينة أن التحكم في عنق الزجاجة الاقتصادي الفلسطيني يساعدهم في تمرير ما يصبوا إليه من أهداف تخدم مصالحهم الإستراتيجية على المدى القريب والبعيد معا ، كما أن اليهود أدركوا مدى خطورة انتقال الشيكل من الاراضى الفلسطينية إلى جمهورية مصر عبر تجارة الأنفاق ، وتقوم مصر بذلك وعبر بنكها المركزي بتحويل الشيكل إلى إسرائيل مقابل فوائد مصرفية ، الأمر الذي يضر بالمصالح الإسرائيلية الاقتصادية ويعود بالنفع علي مصر، وإنعاش تجارتها ،وهذا يعد خلل في التوازن الاقتصادي، وهيمنة إسرائيل علي المنطقة في ظل ما تشهده إسرائيل من تدهور في ميزان مدفوعاتها وميزانيتها في الآونة الأخيرة، وما ترتب عليه من انهيار قيمة الشيكل المصرفية ، من هنا قررت حكومتهم تخفيف إرسال الشيكل إلى قطاع غزة بالذات كجزء من حربها المعلنة وحصارها علي قطاع غزة ، ومن المتوقع أن تشهد المنطقة الفلسطينية المزيد من المؤامرات الاقتصادية من اجل خنق الفلسطينيين، وقتل المشاريع التنموية في القطاع لجعل الفلسطينية لا يشبعون ولا يجوعون! وباعتقادي أن الخاسر الوحيد من كل هذه المؤامرات التي يحيكها الاحتلال وأذنابه هو شريحة كبيرة من أبناء الشعب ،واقصد هنا محدودي الدخل وفئة العمال المعدومين أصلاً !! ومحاولة من الصهاينة لجعل الفلسطيني ينسي قضاياه المصيرية ،وحلم بناء الدولة الفلسطينية ، وتمحور تفكيره في رغيف الخبز وتوفير قوت يومه 0
ومع تجارب الفلسطينيين مع سياسات الاحتلال الاقتصادية والسياسية وغيرها تكيفوا مع كافة المتغيرات وصبروا علي الحصار والجوع ومنع التجول والقتل والتهجير ،وفشلت جميع النظريات الصهيونية لإركاعهم ،لأنهم شعب تعلم حب الحياة الكريمة أو الموت المشرف ، ليبقوا وتبقى فلسطين شامخة في عقولهم ووجدانهم لأنها ارض الرسالات وآية من آيات القرآن الكريم أليس هذا يكفي يا قوم ؟
د- ناصر إسماعيل جربوع ( باحث ومؤرخ فلسطيني)
#ناصر_إسماعيل_جربوع (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟