خالد ديمال
الحوار المتمدن-العدد: 2496 - 2008 / 12 / 15 - 04:50
المحور:
المجتمع المدني
طنجة العالية ،لم يتبقى من علوها غير أسوار الميناء الذي يتسلله الصبيان القادمون من مختلف مناطق المغرب،بغاية واحدة:"التسلل إلى الضفة الشمالية بشتى الطرق"،ولو أدى ذلك إلى الموت تحت عجلات عربات الشحن الضخمة،أو الغرق تحت أسطح الباخرات المنمقة ببعض ألوان بارزة بحروف تعود إلى الشركات المالكة.
كل شيء مهمل هنا :"الناس،الثقافة،الأطفال،القمامة"،تحولت طنجة إلى لقمة سائغة لذوي البطون المنتفخة الباحثة عن الربح المالي السريع،بشتى الطرق،وبأبسط الوسائل،في وقت وجيزوبشيء من المكر،حيث ينتصب:"تجار المخدرات،الباطرونا،العاهرات،الشواذ،تجار العقارات،سماسرة الأراضي،المتسولون،قطاع الطرق،المجرمون المحترفون"...
صعوبة العيش هنا واضحة،والبسطاء من الناس يغالبون الزمن البائس،فقط لكي يبقوا على قيد الحياة..
طنجة أصبحت مجرد نوستالجيا لزمن مضى"كانت عالية في الماضي"،اليوم هي في المنحدر الأخير المتلصص على ثنايا الحضارة وسقوف الديموقراطية اللآتية متعرجة تحبو من الضفة الشمالية المتحدرة تجاه بحر مكتئب يمانع فرص التناغم مع مفاهيم معاصرة من هذا القبيل،حيث أنين الباخرات المترامية في أطراف مضيق يأبى الإمتزاج.
تجل واحد واضح أشبه بالمهماز العصي على الفهم ،حيث يصعب أن تنثر باقة ورد وسط زخم الهدر.تتبدى ممرات القبور المنسية هنا منذ زمن بعيد،في إحدى الحدائق العمومية بسوق برا وقد شابها الإنسحاق بفعل توحش العقار،وجشع المضاربين،وهي قبور تعود في أغلبها لقادمين عصفت بهم ريح الشمال الشائخة والعبوسة،وأغلبها يداس الآن تحت أقدام المارة دون انتباه،ودون إشارات مرورتدون للتاريخ مرسما يأخذ حيزه من الزمن الماضي،ودون أن تقول "حذار أيها الراجل،لا تضع قدميك فوق هذه الصخرة،إنها عنوان مدفن متعدد الأعراق يمتزج فيها الألمان والأمريكيين أيام الحماية وحرب الجواسيس"..وغيرهم كثير في هذا المدفن المهمل،إلا من بعض الكتابات المتناثرة فوقها،تأرخ للإزدياد ويوم الرحيل.
الفقراء هنا مصيرهم هو سلة المهملات،أو طوابير الإنتظار،و"ترقب غودو النجاة" الذي قد يأتي،وقد لا يأتي مطلقا،وهذا هو العنوان العريض لمغرب اليوم،وليس فقط طنجة،"التهميش،الإقصاء،الهشاشة الإجتماعية"،والنتيجة:"انحدار في سلم التنمية،وضياع الرأسمال البشري تحت تسميات متعددة،تأخذ لها عناوينا مختلفة الخلفيات والملمح،حيث استشراء البطالة بين أبناء الهامش،وضياع غيرهم في عرض البحر بحثا عن جنة وهمية،وارتماء البقية في براثن السموم القاتلة من شتى أنواع المخدرات..
#خالد_ديمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟